في عراقنا العزيز كانت التحولات الجذرية ما بعد عام (2003) وطبيعة النظام السياسي الاقتصادي الجديد ووفق الدستور العراقي الجديد ، كافية أن تجعل من مسألة الخيار بين النشاطين العام والخاص محسومة لصالح الأخير. فالمعروف أن هناك العديد من الأسباب في السابق وقفت وراء تهميش القطاع الخاص، ولعل أهمها تتمثل في هيمنة القطاع النفطي على الناتج المحلي الإجمالي وبنسبة أكثر من (80%)، وكذلك السياسة الاقتصادية المتسمة بالشمولية المركزية وفقاً لرؤية الدولة آنذاك مما افقده الكفاءة الاقتصادية والمنافسة ، وكان التركيز منصباً على القطاع العام باعتباره المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي ، في حين هُمشَّ القطاع الخاص ولم يمنح النظام البائد فرصة له لتنفيذ الاستثمارات الكبيرة ، ولم تصل نسبة مساهمة القطاع الخاص من إجمالي تكوين رأس المال الثابت في أفضل حالاتها (20%). وهنا لابد من الإشارة إلى إن السبب الرئيسي كان يعود إلى تركز الموارد المالية بيد الدولة ، الأمر الذي أدى إلى سوء تخصيص الموارد المالية وتبذيرها في الحروب العسكرية المدمرة. ولا نريد مرة أخرى أن تتجمع الثروة في الدولة ، فلابد من مساهمة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في رسم ملامح عراق جديد ديمقراطي متطلع إلى المستقبل للبناء والأعمار للحاق بالدول الأخرى التي مواردها هي اقل من موارد العراق ولكنها استطاعت أن تحقق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي لمجتمعاتها .
إن الدور المطلوب للقطاع الخاص لا يأتي بمجرد حصول تحول جذري في النظام السياسي وإنما يحتاج إلى إرادة وطنية راسخة وثابتة ومستندة إلى مجموعة من القواعد الاقتصادية والإدارية بالشكل الذي يجعل من التكاليف الاجتماعية والبيئية لهذا التحول قليلة نظرا لاختلاف المجتمع العراقي عن المجتمعات التي حصل فيها التحولات في الأنظمة السياسية ، وان العبرة من هذا أن لا نجعل من التحول نحو المشاركة الديمقراطية في مجال البناء الاقتصادي مجرد رذاذ يتساقط على أفراد الشعب بل ثمارا حقيقية توزع على الجميع بعدالة .
وتأسيسا على ما ذكر نورد ونلخص ما هو مطلوب من القطاع الخاص العراقي ممارساته أو العمل على أساسه :
- التحلي بالروح الوطنية والمبادرة والشجاعة في تنفيذ المشاريع الاقتصادية وذلك بجعل الربحية الاجتماعية هي الغاية الرئيسية ، وعلى الأقل في المراحل الأولى من البناء والأعمار .
- المساهمة في مشاريع البحث العلمي ورعاية الابتكارات العلمية المحلية والعمل على تنفيذها .
- تجميع رؤوس الأموال المحلية والدخول في مشاريع استثمارية كبيرة لمنافسة القطاع العام .
- توفير بيئة الأعمال المناسبة لاستقطاب الكفاءات العلمية في الداخل والخارج .
- التنسيق مع الحكومة (القطاع العام) لاختيار نوعية المشاريع الناجحة والتي يحتاجها العراق وخصوصا التي تستوعب أعداد كبيرة من العمالة .
- المشاركة في صنع القرارات السياسية والاقتصادية، فالمعروف أن القطاع الخاص في الدول المتقدمة هو الذي يمتلك المبادرة في رسم مثل هذه من القرارات .
- تنويع الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية وخصوصا في المجالات التي تخلق فرص العمل وبشكل خاص السلعية منها .
- المساهمة بشكل متساوي مع الوفود الحكومية الرسمية أثناء عقد الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع دول العالم .
- دعم المؤسسات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني وخصوصا غرف التجارة ، اتحاد رجال الأعمال ، اتحاد الصناعيين ، الجمعيات الفلاحية بالشكل الذي يجعلهم يمتلكون الثقة التامة والمعرفة العالمية عند التعامل مع أقرانهم في الخارج .
- الاطلاع على التجارب العالمية التي جعلت القطاع الخاص يلعبُ دوراً رئيسياً في النمو والتنمية .
(*) أستاذ التنمية الدولية – جامعة القادسية/كلية الادارة والاقتصاد
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمع بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 15 تشرين ثاني 2015
الأخ الدكتور عبد الكريم.
الموضوع طويل وشائك ولكن ما يساعد أي باحث بان هالك تجرب غنية للعديد من الدول وفقا لمل يعرف ببرامج الخصصة. ولكن أي حديث او دعوة لمشاركة القطاع الخاص يجب ان تنطلق من توفير حزمة من القوانين والتشريعات التي تؤفر الطمأنينة لأصحاب رؤوس الأموال واولها هو حماية حقوق الملكية بعيدا عن المصادرة. ولايد من الاخذ بعين الاعتبار أيضا الوضع الأمني والاستقرار السياسي . هذه تلعب دورها في توجية الاستثمار الى المشاريع متوسطة وطويلة الاجل. في غياب هذا وذاك يكون الاستثمار عبارة عن عملية الحصول على ارباح سريعة وباقل قدر ممكن من المخاطرة. وبالرغم مما تقدم فان الاقتصاد العراقي لايزال يعتمد بشكل كلي على سلعة النفط لذك ان أي دعوة للنهوض بالاقتصاد العراقي لابد ان تستند على سياسات حكومية فاعلة توفر الأجواء المناسبة لعمل القطاع الخاص ونعكس في تطوير حقيقي لبنى الارتكازية المتهالكة بعد عقود من الحروب والحصار….الخ. تحياتي لكم.