خواطر إقتصادية

فاروق يونس: ملاحظات حول نتائج مسح التجارة الداخلية في العراق 2013

بعد مرور خمسة وعشرين عاماً على إجراء آخر مسح للتجارة الداخلية (القطاع الخاص)، الذي تم اجراءه عام 1988، قام الجهاز المركزي للإحصاء بإجراء مسح جديد للتجارة الداخلية عام 2013. ويوفر هذا المسح بيانات أساسية عن نشاط التجارة الداخلية التي تعتبر من الانشطة المهمة ضمن مفردات الاقتصاد العراقي التي تشكل جزءً من الناتج المحلى الإجمالي إلى جانب مساهمتها في تشغيل القوى العاملة.
شمل المسح الوحدات الاقتصادية الأساسية التي يرتكز نشاطها على تجارة الجملة وتجارة المفرد وتجارة بيع واصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية وذلك لعموم العراق بما فيه إقليم كردستان بهدف توفير الأرقام والاحصاءات الأكثر دقة عن أنشطة التجارة الداخلية في العراق.
يقدم المسح معلومات مهمة عن منافذ أو قنوات او مسالك التوزيع، وهي مجموعة من المنشآت والأفراد الذين يقومون بأداء وظائف محددة وضرورية ومرتبطة بصورة وثيقة بعملية تدفق السلع والخدمات من المنتجين الى المستهلكين في السوق. وكما هو معروف فإن القنوات التوزيعية تحقق منافع معينة تتمثل في المنفعة الزمنية -أي امتلاك المنتجات بالوقت الذي يرغبه المستهلك، والمنفعة المكانية -توفير السلعة بالموقع الذي يرغب المستهلك بالشراء منه، ومنفعة ملكية السلعة الى المستهلك فور شرائها لاستخدامها كيف يشاء.
ومن المعلومات المهمة التي اظهرها المسح ما يلي:
اولا-بلغ عدد المنشآت في التجارة الداخلية (621,698) منشأة وبنسبة 84.4.3% في الحضر و15.7% في الريف، الأمر الذي يشير إلى ضعف الخدمات التسوقية في الريف وذلك بسبب الهجرة المستمرة لسكان الريف الى المدن وبالأخص الى بغداد والموصل والبصرة علاوة على افتقار أرياف العراق الى الخدمات الاساسية من كهرباء وماء وطرق مواصلات حديثة ووسائط نقل انتاجية لنقل السلع من مراكز المحافظات الى محال بيع السلع بالمفرد في القرى والقصبات.
ثانيا-جاءت محافظة بغداد في المقدمة في عدد المنشآت وبنسبة 22.7% تليها نينوى وبنسبة 9.3% ثم البصرة وبنسبة 6.8% وجاءت محافظة المثنى باْقل نسبة ومقدارها 1.8% من إجمالي عدد المنشآت. وهذه النسب تتوافق مع عدد السكان حسب التقديرات المتاحة في عام 2013 حيث قُدر عدد سكان محافظة بغداد بأكثر من (7) ملايين نسمة ومحافظة نينوى بأكثر من 3,3 مليون نسمة والبصرة أكثر من 2,6 مليون نسمة والمثنى بحدود 736 ألف نسمة ويلاحظ بأن محافظة بغداد تمثل الحجم الاكبر للسوق الوطنية.
ثالثا-بلغ عدد العاملين في التجارة الداخلية لعام 2013 (1,081,694) عامل معظمهم من الذكور وبنسبة 95% والاناث 1.2% والأحداث 3.8% من إجمالي عدد العاملين. وهذه الأرقام تشير الى ضعف مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي ولكن هذه الأرقام، حسب رأى، لا تعبر عن واقع عمل المرأة وعمل الاحداث الذين يتركز نشاطهم في السوق غير المنظم. فعلى سبيل المثال يعمل الأحداث والنساء في اعمال شاقة في معامل الطابوق البدائية واعمال اخرى حرفية لم يشملها المسح كما يبدو.
رابعا-يشكّل نشاط تجارة المفرد نسبة 77.2% وتجارة بيع واصلاح المركبات والدراجات النارية نسبة 16.8% وتجارة الجملة نسبة 6% من إجمالي عدد المنشآت. وبلغ عدد العاملين في نشاط تجارة المفرد ما نسبته 71.4% وتجارة بيع واصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية بنسبة 19.6% وتجارة الجملة 9% من إجمالي عدد العاملين.
ان ارتفاع عدد منشآت تجارة المفرد امر طبيعي ذلك لان اهم ما يميز هذه التجارة هو تعاملها المباشر مع المستهلك. ومن الجدير بالذكر ان تجارة المفرد اصبحت تضم السوبر ماركت في اسواق بغداد واربيل والبصرة لبيع تشكيلة من المواد الغذائية الى جانب بعض السلع المنزلية كالأواني والمواد الكهربائية. وهذه المحال تعمل بطريقة خدمة النفس او اخدم نفسك. على ان تزايد عدد منشآت تجارة المفرد، قياسا بتجارة الجملة في العراق، يتماشى مع الاتجاه الحديث في نمو تجارة المفرد. كما ان من مميزات المحال (المحلات) الصغيرة او (الدكاكين) قيامها بتقديم الخدمات الخاصة بالمستهلك والتي لا تستطيع ان تؤديها المحلات الكبيرة وذلك نظراً لقرب المحلات الصغيرة من المناطق السكنية.
خامسا-بلغ عدد العاملين الذين يعملون لحسابهم الخاص 770,619 عامل بنسبة 71.2% من إجمالي عدد العاملين، شكلت نسبة الذكور 95.2% والاناث نسبة 1.4% والاحداث نسبة 3.4% من مجموع عدد العاملين الذين يعملون لحسابهم الخاص او اصحاب العمل؛ بينما بلغ عدد الذين يعملون باجر 311,175 عامل بنسبة 28.8% من إجمالي عدد العاملين شكلت نسبة الذكور 94.8% والاناث 6.0% والاحداث 4.6% من مجموع عدد العاملين بأجر.
الملفت للنظر هو وجود هذا العدد الكبير نسبياً من الاحداث الذين يعملون لحسابهم الخاص او الذين يعملون باجر. والسؤال المحير هنا هو: كيف يحصل الحدث على اجازة لفتح محل تجارى، وكيف يحصل على اسم تجارى من احدى الغرف التجارية في العراق؟
سادسا-بلغ إجمالي الاجور المدفوعة للعاملين باجر 1,282 مليار دينار بمعدل شهري 343 ألف دينار وبلغت حصة العاملين الذكور 1,281 مليار دينار بنسبة 96.8% وبمعدل اجر شهري 350 ألف دينار بينما حصة العاملين الاثاث 7 مليار دينار وبنسبة 60.% (أقل من 1%) وبمعدل اجر شهري 331 ألف دينار وحصة الاحداث 34 مليار دينار بنسبة 2.6% من إجمالي الاجور وبمعدل شهري 196 ألف دينار. وهنا يظهر التمييز في الاجور بين الذكور والاناث لصالح الجنس الرجل ودون سبب منطقي يبرر التمييز.
سابعا-شكّلت نسبة الاجور المدفوعة لنشاط تجارة المفرد 56.7% وتجارة بيع واصلاح المركبات والدراجات النارية 27% وتجارة الجملة 16.3% من إجمالي الاجور المدفوعة.
ان انخفاض نسبة الاجور المدفوعة لنشاط تجارة الجملة يدلُّ على قلة الخدمات التي تقدمها تجارة الجملة عادة لكل من المنتج وتاجر المفرد لاسيما وان معظم السلع المعروضة في السوق هي سلع مستوردة معدة للاستهلاك النهائي؛ كما يلاحظ قيام تاجر المفرد بشراء السلع من تاجر الجملة ونقلها على حسابه الخاص ونادراً ما يقوم تاجر الجملة بإيصال السلع الى محل بائع المفرد.
هذه ملاحظات سريعة حول المؤشرات التي أظهرتها نتائج مسح التجارة الداخلية لعام 2013 والتي استعرضتها الست صديقة باقر، مديرة احصاءات التجارة في الجهاز المركزي للإحصاء، ومن بينها قيمة الانتاج الإجمالي البالغ 16,790 مليار دينار. كما بلغت القيمة المضافة الاجمالية بسعر المنتج 512,787 مليار دينار وبلغت قيمة فائض العمليات الإجمالي 710889 دينار.
(*) باحث وكاتب اقتصادي متخصص في قضايا التجارة
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين. 27/11/2015

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (6)

  1. صباح قدوري
    صباح قدوري:

    الزميل العزيز الاستاذ فاروق يونس المحترم
    تحية صادقة
    لم انتبه الى مداخلتكم الثانية، بانها معنونة ايضا الي٫ ارجوالمعـذرة عن تاخير الجواب.
    وبقدر تعلق الامر بان الدكتور الادريس يقول في ملاحظاته :(بلغ عدد المنشئات في التجارة الداخلية 621698 منشاة فلو فرضنا ان نفوس العراق 30 مليون نسمة معنى ذلك ان هنالك منشاة لكل 48 فرد تقريبا
    وهذه النسبة قد لا نجدها في معظم دول العلم ).
    وحسب معلوماتي المتواضعة في مجال التجارة الداخلية، فان هذا المؤشرلا يعطي علاقة مناسبة للمقارنة. ويمكن ان نستخدم مؤشر اخر، اكثر فائدة ، فمثلا نسبة عدد العاملين في التجارة الداخلية لعام 2013 هو 1.081,694 مليون عامل الى عدد السكان حوالي 33 مليون في عام 2013، (حسب تقرير صندوق النقد الدولي في عام 2015) وتساوي حوالي3,6% .
    واعتقد بانها نسبة معقولة ارتباطا بالوضع الاقتصادي العراقي الحالي الذي هو اقتصاد استهلاكي بامتياز معتمدا على السلع المستوردة بعائدات النفط على حساب الاقتصاد الانتاجي الصناعي والزراعي والخدمية ـ الانتاجية. وان قطاع التجارة الداخلية بشقيها الحكومي والخاص يقومان باستيراد السلع، توزيعها وبيعها الى المستهلكين بشكل مباشرفي ظل اختفاء القطاعات الانتاجية الوطنية لاداء هذه المهمة .وادت هذه الحالة الى ارتفاع منشات التجارة بشقيها الجملة والمفرد، وتزايد اليوم انخراط عدد كبير من العاملي في هذا القطاع لاسيمى في تجارة المفرد على حساب تجارة الجملة، لتقديم الخدمات المتنوعة للمستهلك العراقي.
    مع المودة والتقدير
    صباح قدوري

  2. صباح قدوري
    صباح قدوري:

    ورد في تعليقي الاخير بان حصة العاملين الذكور ورد في متن المقال 1282 مليار والصحيح هو 1281 مليار.ارجو المعذرة عن ذلك.
    مع المودة والمحبة

  3. صباح قدوري
    صباح قدوري:

    استاذنا الجليل والعزيز فاروق يونس المحترم
    تحية عطرة
    شكرا على متابعتكم وتواصلكم وملاحظاتكم على ملاحظاتي البسيطة. حصة عاملين الذكور ورد في متن مقالكم 1282 مليار وفي رد ملاحظاتكم اعلاه 1241 مليار، وهو رقم الصحيح ، وعليه ان النسبة الصحيحة هي 96,8% وليست 99,9% كما ورد في ملاحظاتي.
    تقبلوا مني فائق الود والمحبة والتقدير

  4. farouk younis
    farouk younis:

    عزيزى الاستاذ صباح قدورى
    وردتنى رسالة من احد الاصدقاء حول الموضوع ( ذكر الاخ فاروق فى مستهل ملاحظاته ان التجارة الداخلية تشكل جزءا مهما من مفردات الاقتصاد . ان التجارة الداخلية فى معظم اقطار العالم تشكل جزءا بسيطا ويعد قطاعا تابعا للقطاعات الانتاجية والخدمية فهو حلقة وصل المنتج والمستهلك )
    كان جوابى للصديق العزيز ( الدكتور عبد السلام الادريسى ):
    (ان قطاع التجارة الداخلية قطاع صغير تابع للقطاعات الانتاجية – كما تفضلتم وهذا هو الوضع الطبيعى اذا كانت هناك قطاعات انتاجية حقيقية اما فى بلدنا العراق فانت سيد العارفين لا صناعة تحويلية ولا زرع ولا ضرع وان اكثر الانشطة الاقتصادية ازدهارا هو النشاط الاستهلاكى معتمدا على السلع المستوردة بموارد النفط ومن هنا جاءات اهمية التجارة الداخلية فى العراق وخاصة فى تشغيل القوى العاملة )
    كما لاحظ الدكتور الادريسى ( بلغ عدد المشات فى التجارة الداخلية 621698 منشاْة فلو فرضنا ان نفوس العراق 30 مليون نسمة معنى ذلك ان هنالك منشاْة لكل 48 فرد تقريبا وهذه النسبة قد لا نجدها فى معظم دول العالم نود ان نعرف تعليقكم على ذلك ؟
    الله لا يحير عبده اقول لا يسعنى الا ان ادعو احد العاملين فى دائرة احصاء التجارة فى الجهاز المركزى للاحصاء للتوضيح وفى الوقت نفسه اذكر استاذى الادريسى بالقول الماْثور ( ناقل الكفر ليس بكافر)
    مع التقدير

  5. farouk younis
    farouk younis:

    الاخ الاستاذ صباح قدورى
    تعقيبا على ملاحظاتكم القيمة
    اود بيان مايلى
    1- الارقام الواردة فى المقال ماْخوذة نصا من نتائج مسح التجارة الداخلية القطاع الخاص لعام 2013 المنشورة على الانترنيت
    2- بالنسبة لملاحظتكم حول الاجور المدفوعة وردت هكذا ( بلغ اجمالى الاجور المدفوعة للعاملين باجر 1282 مليار دينار وبمعدل اجر شهرى 343 الف دينار ) وقد تضمن المقال هذا الارقام كما جاءت فى نتائج المسح لان التدقيق المحاسبى خارج حدود ملاحظاتى السريعة على واقع التجارة الداخلية للقطاع الخاص
    وجاءت الحصص موزعة كالاتى
    حصة العاملين الذكور 1241 مليار دينار
    حصة الاناث 7 مليار دينار
    حصة الاحداث 34 مليار دينار
    ——- المجموع 1282 مليار دينار
    3- فيما يخص الاصفار والفوارز هناك اخطاء مطبعية علما بان الارقام بالمليار والتلريون
    مع خالص احترامى وتقديرى

  6. صباح قدوري
    صباح قدوري:

    الزميل العزيز الاستاذ فاروق يونس المحترم
    تحية طيبة وصادقة
    1.اثمن عاليا جهودكم الفعالة في الكتابة والابحاث الاقتصادية وخاصة على موقع الشبكة. عرضكم رائع وملاحظاتكم القيمة عن الموضوع. وهذه البيانات مهمة، وخاصة ان الباحثين الاقتصاديين يعانون من ندرة المعلومات الاحصائية وصعوبة الحصول عليها من مصادرها المختلفة بسبب ضعف الشفافية وعدم افصاح البيانات بشكل دوري لتكون في متناول الباحثين والجمهور، والتي هي ضرورية ومهمة لاجراء الابحاث الكمية بجانب الوصفية منها ، وبدونها يصعب وضع سياسات اقتصادية للعراق.
    ادناه بعض ملاحظاتي متواضعة وطفيفة بخصوص بعض الارقام.
    2. ورد في الفقرة السادسة من المقال، بان اجمالي الاجور المدفوعة للعاملين باجر1,282 مليار دينار بمعدل شهري 343 الف دينار. اذا اخذنا معدل الاجور الشهري للذكور وهو 350 الف وللاناث 331 الف وللاحداث 196 الف كما جاء في المقال، فان معدل الشهري لاجمال الاجور 350+331+196=877/3=( 292,3) اي مقرب 292 الف ، بينما جاء في السطر الاول بمعدل شهري( 343 ) الف اي بفارق51 الف. ارج تفضلكم اضاح ذلك ان امكن.
    3. وجاءت ايضا في نفس الفقرة، بان حصة العاملين الذكور 1,281 مليار دينار،بنسبة 96.8%، بينما الصحيح هو 99,9%.
    4. هل ان اجمالي الاجور المدفوعة هو 1,282 مليار ام هو1.282 مليار؟ اي بوجود نقطة بين واحد واثنين بدلا من (الفارزة) وهذا يعني الف مليار. فاذا كان قراءة الرقم الاول على اساس مليار ومائتين واثنين وتمانون مليون دينار، فكيف تكون حصة العاملين الاناث 7 مليار دينار والكتابة الصحيحة للنسبة ( 0,6 % )اي اقل من( 1%) وتساوي حوالي 7.700 مليار.وكذلك الحال بالنسبة للاحداث تساوي 33,332 ملياروتقرب الى 33 مليار بدلا من 34 مليار، كما هو متعرف عليه لانه اقل من نصف ،وتمثل 2,6 %.
    5. اشد على ايديكم لمزيد من العطاء المثمر مقرونة بدوام الصحة والعافية والموفقية على كافة الصعد.
    لكم مني دوما خالص الاحترام والمحبة والاعتزاز
    صباح قدوري

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: