النفط والغاز والطاقةملف جولات التراخيص وعقود الخدمة

سعد الله الفتحي: آلام النفط في العراق

حضرتُ قبل فترة قصيرة مؤتمرا عن أسواق النفط نظمته نشرة بلاتس النفطية في دبي. ناقش المؤتمر واقع وتوقعات سوق النفط في ضوء قرار أوبك -أو عدم قرارها- بشأن سقف إنتاج نفطها للستة شهور القادمة وأثر ذلك على الأسعار.
وقد كان وضع النفط في العراق بين اهتمامات المؤتمر وخاصة أن العراق تمكن عام 2015 من زيادة إنتاجه وصادراته بما يقرب من 0.55 مليون برميل يوميا مقارنة بإنتاج 2014. ومع ذلك، فهناك شك في تمكن العراق من القيام بالشيء ذاته عام 2016 وربما أبعد من ذلك. فالعراق تسوده أوضاع أمنية وسياسية غير مستقرة، وترد في الاقتصاد والمالية نتيجة لتدني أسعار النفط وتأثيره على الموازنة والاستثمار.
سعر غير واقعي
فموازنة 2016 -التي أقرها البرلمان مؤخرا- بنيت بشكل غير واقعي على أساس سعر 45 دولارا لبرميل النفط، مما يعني أن معدل سعر سلة أوبك خمسون دولارا للبرميل، في حين أنه في الواقع قريب من 31 دولارا للبرميل ومتجه للانخفاض.
ومن المتوقع أن تصل عائدات النفط عام 2015 إلى خمسين مليار دولار بالمقارنة مع 84 مليارا عام 2014 بالرغم من الزيادة في الصادرات النفطية. لذا هناك عجز في الموازنة المقدمة من الحكومة بمقدار عشرين مليار دولار ولم يخصص للاستثمار سوى 21.5 مليارا بعد أن كانت مخصصاته 47 مليارا في سنوات سابقة. وليس من المتوقع أن تخصص الحكومة أكثر من نصف هذا المبلغ لقطاع النفط، وسيكون ذلك مشروطا بإدامة طاقة الإنتاج الحالية فقط.
وقد قال أحد المعلقين في المؤتمر “إن العراق غني بنفطه وفقير بأمواله” وإنه “سيبقى غير مستقر للسنوات الخمس القادمة كما كان في مثيلاتها السابقة”.
وتقدر طاقة الإنتاج في الجنوب بـ 3.6 ملايين برميل يوميا، وربما سيكون هذا إنتاج 2016 يضاف إليه 0.18 مليون برميل يوميا مما تبقى تحت سيطرة الحكومة في الشمال، ويضاف إلى ذلك 0.55 مليون برميل يوميا من حقول كردستان ومن حقول شركة نفط الشمال التي سيطرت عليها بعد احتلال البشمركة لكركوك. لذا -وفي أحسن الأحوال- فإن طاقة الإنتاج العراقية 4.33 ملايين برميل يوميا.
لقد ذهبت تصريحات حسين الشهرستاني وزير النفط العراقي الأسبق ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة أدراج الرياح عندما كان يدعي أن إنتاج العراق عام 2015 سيكون ستة ملايين برميل يوميا بينما تنتج العراق أقل من أدنى التوقعات المقرة في إستراتيجية الطاقة المنشورة عام 2012. وذهبت أيضا خطة الشهرستاني في إنتاج 13.2 مليون برميل يوميا عام 2017 حيث قاد هو وشركات النفط العراقيين في طريق وردي.
تعديل العقود
بعض المسؤولين العراقيين والبرلمانيين ينتقدون الآن جولات التراخيص، ويطالبون بإعادة التفاوض بشأنها. ولكن المفاوضات السابقة قد عدلت الكثير من بنودها بما في ذلك زيادة فترة النفاذ من 25 إلى ثلاثين سنة، وتخفيض حصة الشريك العراقي من 25% إلى 6%، وإزالة البنود المتعلقة بالغرامات، وتخفيض سقف إنتاج الحقول. كل هذا لمصلحة الشركات، لذا من الصعب تصور ماذا سيفضي إليه التفاوض الجديد.
وتسعى وزارة النفط لمفاوضة شركتي إكسون موبيل وبتروتشاينا لإعطائهما حقلي ابن عمر ورطاوي، على أن يمولا مشروع حقن الماء المشترك للحقول الجنوبية الضروري لإدامة ضغط المكامن. هذا المشروع المهم متأخر أصلا ولكن تمويله بهذه الطريقة خطأ كبير، في وقت لا يحتاج العراق لتطوير حقول جديدة ولا يستطيع الوصول إلى أهدافه الإنتاجية المعتمدة. وأرى أن تتم العودة إلى العقود الحالية والتفاوض مع جميع الشركات المستفيدة لتمويل المشروع بنسبة استفادتها.
أعود إلى موازنة 2016 التي وضعت باعتماد سعر 45 دولارا لبرميل النفط، إذ يقول “تقرير العراق النفطي” المنشور حديثا “حتى لو حصل العراق على عائداته الرفيعة المقدرة بـ 59 مليار دولار فإن الحكومة عليها الحصول على عشرة مليارات دولار إضافية من مصادر أخرى، ويبقى عشرون مليار دولار عجزا بحاجة إلى تمويل”.
وأقدر أن معدل سعر النفط العراقي حاليا أقل من ثلاثين دولارا للبرميل، وإذا استمر هذا السعر عام 2016 فإن عجز الموازنة قد يصل إلى أربعين مليارا باعتماد صادرات 3.6 ملايين برميل يوميا بما في ذلك 0.55 مليون برميل يوميا “ستقوم حكومة إقليم كردستان بتوفيرها ضمن إطار اتفاق تعاوني فشل منذ يونيو/حزيران 2015” كما يقول تقرير العراق النفطي.
وليس من الواضح ما خصصته الموازنة للشركات العالمية العاملة لتعويضها عن الكلف الاستثمارية والتشغيلية وهامش خدمتها، إلا أن وزارة النفط تسعى إلى قيام البنك المركزي بإصدار سندات بقيمة 12 مليار دولار لتمويل بعض مستحقات الشركات. كما أن مبلغا مماثلا قد دفع عام 2015 عن مستحقات 2014 المتأخرة.
وقبل فترة قصيرة، قال وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي إن العراق حصل على عوائد وصلت إلى 340 مليار دولار بموجب إنتاج العقود مع الشركات، وإنه دفع للشركات 34 مليارا فقط أو 10% من العوائد. وكان بذلك يدافع عن جولات التراخيص التي تتعرض لانتقادات متزايدة، كما سبق أن بيَّنا. ومع ذلك فهناك علامات استفهام كبيرة بشأن ما إذا كانت زيادة طاقة الإنتاج في العراق بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا عما كانت عليه قبل جولات التراخيص تستحق 34 مليار دولار.
في دورتين متتاليتين لمؤتمر الطاقة العربي عامي 1998 و2001، عرض العراق أن خطته المستقبلية تتضمن 2.5 مليار دولار لإعمار وتحديث حقوله المنتجة واستثمار 15 مليار دولار للوصول بطاقة الإنتاج في الجنوب إلى ستة ملايين برميل يوميا خلال عشر سنوات من رفع حصار الأمم المتحدة الذي كان قائما. وهذه الأرقام كانت قد أعدت من خيرة الاختصاصيين في الوزارة. ومن الواضح أن أحداثا وتطورات كثيرة مرت منذ ذلك الوقت، وأن كلف التطوير والإنتاج ربما تضاعفت بحكم التغيرات الاقتصادية وزيادة أسعار النفط.
نزيف التكاليف
ومع ذلك فإن كلفة تطوير الحقول العراقية حاليا قد تجاوزت كل التوقعات، ولا أحد يعلم كم سيدفع العراق، إضافة إلى 34 مليار دولار، ليصل إلى طاقة إنتاج ستة ملايين برميل يوميا حيث ستخصص وزارة النفط كميات متزايدة من إنتاجها لتعويض الكلف العالية للشركات. وليس من الصعب تصور عدم استفادة العراق من زيادة إضافية في طاقته الإنتاجية، إذا انخفضت أسعار النفط مجددا، حيث لن تكفي زيادة الإنتاج لتمويل الشركات إذا استمرت الكلف بالمستوى الحالي.
إذن لا بد من مراجعة جذرية لسياسة العراق النفطية بما في ذلك العقود مع الشركات، والتخلي عن ما يدعو إليه البعض لطاقة إنتاج تسعة ملايين برميل يوميا عام 2020. ولا عجب أن تقول مجلة إيكونوميست عن العراق “إن كلف الإنتاج المضخمة للبرميل تعادل ضعف مثيلاتها في السعودية” وربما أكثر.
إن من أخطاء جولة التراخيص الأولى أن أخذت وزارة النفط على عاتقها استثمار الغاز المصاحب، ولم تنجح في ذلك كثيرا لحد الآن نتيجة لتلكؤ شركة غاز البصرة المشتركة مع شركتي شل وميتسوبيشي. وفي جولة التراخيص الثانية كان هذا النشاط من واجب الشركات المتعاقدة، ولكنها لم تقم بشيء يذكر لحد الآن وليس هناك ما يشير إلى وضع سقف زمني لهدر الغاز حرقا.
ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم بحسب موقع وزارة النفط على الإنترنت حرق 1499 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز (42.44 مليون متر مكعب يوميا) أو ما يعادل 15.5 مليار متر مكعب سنويا، وهذه تعادل ما يقرب من 250 ألف برميل نفط يوميا تذهب هدرا في وقت تحتاج فيه محطات الكهرباء إلى هذا الغاز، وتضطر لحرق النفط وزيتي الغاز والوقود بدله أو تتعاقد على استيراده من إيران.
في مقال مجلة إيكونوميست في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وصفت البصرة بـ “المدينة المحطمة” حيث المليشيات “ربما تكون أكبر رب عمل في المحافظة” ونقلت عن أحد المواطنين قوله “نحن نجهز العالم بالطاقة ونعيش في الظلام” وقالت “إن السياسيين المحليين يعتقدون أن الجنوب يشكل خطرا لا يقل” عن خطر تنظيم الدولة الإسلامية في الشمال والغرب.
في ظل ما تقدم من يستطيع قراءة مستقبل نفط العراق؟
(*) خبير نفطي عراقي
المصدر: الجزيرة نت. 22/12/2015
http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2015/12/22/آلام-النفط-في-العراق#0

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. farouk younis
    farouk younis:

    السوْال الذى اود توجيهه الى الاستاذ سعد الله الفتحى وهو خبير نفطى معروف هل قام بالاتصال بوزارة النفط العراقية وابلاغها براْيه بموجب مذكرة تفصيلية ( بان تمويل مشروع حقن الماء المشترك للحقول الجنوبية ) بالطريقة التى اشار اليها فى المقال خطاْ كبير ؟ واذا لم يفعل ذلك لحد الان فما المانع من تقديم الاستشارة المجانية لوزارته – وزارة النفط التى هى باشد الحاجة الى خبرائها السابقيين والحاليين ؟
    مع التقدير

    • Avatar
      سعدالله الفتحي:

      شكرا للأستاذ فاروق يونس. بصراحة ليس عندي من القناعة ما يكفي بأن الاتصال المباشر سيكون ذا فائدة بدليل اننا قمنا بذلك مع مجموعة من خبراء نفطيين اخرين ولم يكن له اي استجابة واي تأثير. مقالاتي ابعثها لعدد كبير من الناس من بينهم من هم مسؤولون في النفط وغيره ومعنى ذلك انها تصل الوزارة بشكل او باخر. الوزارة فاوضت الشركات مؤخرا لتخفيض سقف الانتاج وتنازلت لهم في سبيل ذلك عن الكثير فعلى اي اساس تقوم برفع سقف الانتاج مجددا في اعطاء عقدين جديدين لتمويل مشروع حقن الماء المتاخر سنوات. تحياتي

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: