جدل اقتصادي

علآء كاظم الخطيب: تعقيب على مقال د.عبد الحي زلَوم " لماذا هبطت الأسعار وسعر البترول من يقرره؟ ومن الخاسر والرابح "

Download PDF  Alaa Al-Khateeb-Comments on the article by Abdul Hay Zaloom-final reformating

تعقيبا على مقال د.عبد الحي زلَوم “. لماذا هبطت الأسعار وسعرالبترول من يقرره؟ ومن الخاسر والرابح” ، والذي نشر في جريدة “رأي اليوم” في 2016/1/24 وتم توزيعه في اللانترنت تحت عنوان “زلازال سياسي من العيار الثقيل” , إضافة الى التعليق الواسع للأخ طارق شفيق في نفس التاريخ والذي نشر على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، أودّ أن أضيف الملاحظات التالية:
من الرابح ومن الخاسر في هذه المعمعة؟
يقول د. زلوَم إن الرابح الأكبر هو الولايات المتحدة التي تستورد حوالي 7 مليون برميل يوميا (م ب ي).
ان التقرير السنوي عن انتاج واستهلاك النفط والغاز لمجلة Oil and Gas Journal الإسبوعية (1)، والذي ورد في عددها الصادر في 2016/1/4, يبين في ص 27 ان صافي مستوردات النفط الى الولايات المتحدة في عام 2015 بلغت 4.66 م ب ي، والذي يمثل 24% فقط من استهلاكها. تستورد الولايات المتحدة النفط الخام والمشتقات النفطية، ولكنها تصدر كميات أكبر من هذه المشتقات (وقليلا من النفط الخام). ففي 2015 و 2014 كانت الأرقام (مصدرها وزارة الطاقة الأمريكية DOE-EIA 2)) كما يلي، بالاف البراميل يوميا:

Alan Al-Khateeb Table 1 b

إن معدل سعر برميل خام برنت خلال 2015 كان 52$، وعليه فان التوفيرالمباشر في فاتورة إستيراد الولايات المتحدة كانت 4.66 م ب ي x 365 يوم x (115- 52)$ = 107 مليار دولار في تلك السنة، أي بانخفاض 63 دولار بسعر البرميل مقارنة مع سعر الذروة 115$ في منتصف 2014. أما التوفير الذي قدره د. زلوم ب 230 مليار دولار فهو في حال نزول معدل السعر الى 30$ خلال سنة كاملة (وهذا لم يحدث بعد)، وبإعتماد كمية 7 م ب ي للإستيراد وسعر ذروة 120$.
أتفق مع د. زلوم بأن “الخاسر الأكبر هي الدول المنتجة للنفط خصوصاً الدول العربية في الخليج”، وأضيف فنزويلا المنهارة اقتصاديا. ولكن هل الولايات المتحدة هي الرابح الأكبر؟ كان هذا صحيحا عند هبوط سعر النفط أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008-2009، عندما كانت تستورد نحو 60 % من إحتيجاتها النفطية. ولكن “ثورة السجيل “Shale Revolution في الولايات المتحدة منذ 2008، والتي أدت الى إنتاج متسارع للغاز الصخري والنفط الصخري (أو غاز ونفط السجّيل)، غيرت هذه الصورة تماما. ويمثل الإنتاج الحالي للنفط الخفيف من هذا المصدر، ومن”النفط المحصور “Tight Oilفي التكوينات الأخرى القليلة النفاذية، نحو 4.5 م ب ي، اي نصف إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة. وقد واكب ذلك تناقص سريع في الإستيراد.
لقد اصبحت الصين هي المستورد الأول للنفط في العالم منذ 2013، حيث استوردت 7.00 م ب ي, بينما استوردت الولايات المتحدة في نفس العام 6.52 م ب ي. وفي 2014 استوردت الصين 6.99 م ب ي, مقارنة مع 5.08 م ب ي للولايات المتحدة. وعليه فإن الصين هي الرابح الأكبر، تليها الولايات المتحدة من ناحية حجم الاستيراد، ولو أنها قد تكون خاسرة في نهاية المطاف بسبب تقويض صناعتها النفطية ألإستخراجية. وكل هذه ألأرقام (من تقارير BP السنوية عن الطاقة في العالم) هي لصافي استيراد النفط، حيث تصدر الصين أيضا بعض المشتقات النفطية )3.(
في دراسة مستفيضة (تستحق القراءة) قارن د. علي مرزا أرباح المستهلكين وخسارة المنتجين في 2014 مع 2013، وفي 2015 (من معلومات العشرة أشهر ألأولى) مع 2014 (4)، وإستنتج ما يلي:
“يتضح من الجدول (3) أن الدول التي تستهلك من النفط أكثر مما تنتج هي في المحصلة تكسب أكثر مما تخسر من انخفاض السعر. على سبيل المثال عند مقارنة 2014 مع 2013 يلاحظ أن المنتجين في أمريكا الشمالية خسروا حوالي 61 مليار دولار في الوقت الذي بلغت فيه مكاسب المستهلكين (فائض مستهلك) حوالي 68 مليار. أي أن صافي المكاسب كان حوالي 7 مليار. أما في 2015 والتي أنحدر فيها السعر (معدل العشرة أشهر الأولى) إلى 55% من مستواه في 2014 فإن خسارة المنتجين كانت 343 مليار دولار في حين كانت مكاسب المستهلكين 381 مليار. على هذا بلغ صافي المكاسب 38 مليار دولار. أما دول الأوبك فإن الأمر ينعكس حيث بلغ صافي الخسارة 78 مليار في 2014 و436 مليار دولار في 2015. ولعل أكثر الدول مكسباً هي مجموعة دول آسيا حيث بلغ صافي المكاسب 61 مليار دولار في 2014 و340 مليار دولار في 2015. ومن ضمن هذه الدول كان صافي مكاسب الصين 17 مليار دولار في 2014 و96 مليار في 2015 ثم اليابان 13 مليار دولار و71 مليار، على التوالي والهند 8 مليار دولار و44 مليار، على التوالي، وكوريا الجنوبية، 7 مليار دولار و36 مليار، على التوالي.”
تأثير إنخفاض الأسعار على إنتاج النفط الأمريكي
يقول د. زلَوم: “اذا خرج من السوق حوالي 4 مليون برميل امريكي باليوم ومليون اخر من الابار المنتجة بالمساعدة الثانوية والثلاثية سيرجع الانتاج الامريكي الى أقل ما كان عليه سنة 2010 وهذا سيرفع الاسعار رغم انف الولايات المتحدة ، خصوصاً لو اضفنا الى ذلك هبوط انتاج نفط الزيت الرملي من كندا اضف الى ذلك هبوط الأبار المنتجة بما يسمى (depletion rate) بحدود 3% أي هبوط إنتاج بــ3 مليون برميل . الاحتمال الأكبر أن مجموع هذه الانخفاضات ستمسح الفائض في المخزون العالمي خلال سنة لترتفع الأسعار إلى 50-60 دولار. قطاع إنتاج النفط غير التقليدي الأمريكي يألمون وكذلك إقتصاد روسيا باكمله في لعبة عض الأصابع ومن يصرخ أولاً.”
لا يمكن ان يتوقف إنتاج أكثر من 5 م ب ي من النفط الأمريكي خلال سنة واحدة! فالعملية تدريجية, بحيث تتوقع وزارة الطاقة الأمريكية ان ينخفض معدل إنتاج الخام الأمريكي من 9.32 م ب ي في 2015 الى 8.7 م ب ي في 2016 و 8.5 م ب ي في 2017 (2).
خسائر الإقتصاد الأمريكي
في مقابل صافي مكاسب المستهلكين من تهاوي أسعار النفط (15$ مليار في 2014، و82$ مليار في 2015، حسب الجدول 3 في ورقة د. مرزا (4)) هناك كلف هائلة على شركات النفط والغاز وشركات الخدمات الحقلية في الولايات المتحدة والعالم. تقدر ديون شركات تطوير وانتاج نفط وغاز السجيل (او النفط الصخري والغاز الصخري) بنحو 200$ مليار، مما أدى إلى إعلان إفلاس بعضها. ومعظم الشركات التي لاتزال عاملة لا قدرة لها على تسديد نسب عالية من هذه القروض. ولذلك فانها مستمرة بالإنتاج حتى اذا باعت برميل النفط بأقل من سعر الكلفة لكسب الأموال التي تؤجل او تمنع افلاسها. أما الشركات الكبرى فقد قلصت ميزانياتها الإستثمارية وأعلنت بعضها خسائر كبيرة.
إن عدد أجهزة الحفر العاملة ((Baker-Hughes U.S. Rig Count انخفض من حوالي 1860 في منتصف عام 2014 الى 619 (اي الى الثلث) في29/1/ 2016. يشيرتقرير صدر في 2015/12/7 الى أن صناعة الطاقة في الولايات المتحدة خسرت 122300 وظيفة خلال سنة واحدة (5). وقد قرأت أرقاما تصل الى ربع مليون وظيفة إختفت منذ تهاوي الأسعار في النصف الثاني من 2014.
دلالة على التأثير السلبي لإسعار النفط الحالية على الإقتصاد الأمريكي
لعل حركات بورصة نيويورك في الشهرين الأخيرين تشير الى العلاقة بين مستوى سعر النفط وثقة السوق بسلامة الإقتصاد الأمريكي. نشرت صفحة ياهو المالية بتاريخ 2016/1/22 مقالا بعنوان “لماذا تتناغم تحركات أسعار النفط والأسهم؟” (6). يوضح الرسم البياني في المقال أنه منذ بداية كانون الأول/ ديسمبر2015 تتماثل وتتوازى حركات مؤشر S&P 500 في بورصة نيويورك مع تحركات سعر النفط, الذي بدأ بحوالي 42 $ للبرميل و وصل الى 27$ في 2016/1/20، و خلال هذه المدة هبط المؤشر من حوالي 2100 الى 1850. وهذا الترابط القوي الطردي (الذي بلغ معامله Correlation Coefficient) 90% هو ظاهرة نادرة الحدوث. وبعبارة اخرى “تشعر” السوق أن أسعار النفط المتدنية الى هذا الحد (دون 42$ للبرميل) هو مظرَ بالإقتصاد الأمريكي. وقد إستمرهذا الترابط في ما تبقى من الشهر الأول، حيث إرتفع النفط الأمريكي في بورصة نيويورك الى 36$ ومؤشر S&P 500 الى 1940 في اخر تعاملات الشهر في 292016/1/.
هل هي حرب عالمية بين الولايات المتحدة و دول البركس؟
يقول د. زلوَم: “ما يجري الان هو حرب عالمية بكل معنى الكلمة بين الولايات المتحدة ووكلائها وأتباعها ، وبين روسيا ودول البركس عموماً”.
والحقيقة أن من بين دول BRICS الخمسة (البرازيل و روسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) المتضرر الوحيد هو روسيا (الخسارة $119 مليار في 2015 حسب تقديرات مرزا (4)) ، لأنها ثاني بلد مصدر للنفط بعد السعودية, بينما البرازيل في حالة توازن (الربح $1 مليار). أما الدول الأخرى فهي مستفيدة لأنها تستهلك اكثر مما تنتج من النفط: ربح الصين $96 مليار والهند $44 مليار وجنوب افريقيا $7 مليار.

المراجع
1. Oil and Gas Journal, SPECIAL REPORT FORECAST & REVIEW, pp. 22-32, 4 Jan 2016
2. EIA Short-term Energy Outlook, 12 Jan 2016
3. BP Statistical Review of World Energy, p. 19, June 2013, June 2014 and June 2015
4. د. علي مرزا: آثار انخفاض أسعار النفط على الدول المستهلكة والمنتجة” مرسلة إلى ندوة “تداعيات انخفاض أسعار النفط على الدول المصدّرة ” التي عُقدت في 7 تشرين ثان/نوفمبر 2015 في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة
www.dohainstitute.org
5. Josh Brock (AP Economics Writer), www.pennenergy.com, 7 Dec 2015
6. Justine Underhill: Why oil and stocks are trading in lockstep?
Yahoo Finance, 22 Jan 2016

(*) مهندس نفط و مهندس بيئة

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 11/2/2016

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: