ان الضرائب والرسوم الجمركية التي تفرضها جميع بلدان العالم هي وسيلة لتحقيق جملة من الاهداف الاقتصادية والتنموية والمالية والاجتماعية ألخ وتتمثل الاهداف المذكورة في حماية المنتوجات المحلية من المنافسة الاجنبية وتوسيع الانتاج المحلي وتنمية الصادرات ، وكذلك تهيئة الموارد المالية للموازنة العامة لتغطية النفقات الحكومية فضلا عن تسهبل مهمة الرقابة والسيطرة على حجم الاستيرادات لمعالجة مشكلات الميزان التجاري ..وفي البلدان التي لاتمتلك موارد طبيعية مهمة كالاردن مثلا فانها تعتمد بشكل شبه كلي على الضرائب والرسوم المختلفة في تمويل نفقاتها وموازنتها العامة .وفي العراق فان غياب الرؤية التنموية والسياسات الاقتصادية الملائمة والفساد الاداري والمالي المستشري في جميع مفاصل الدولة قد حرم البلد من الاستفادة من هذا المورد المهم والذي مثل مشكلة كبيرة بالنسبة للاقتصاد العراقي .وقد برز تاثير ذلك بشكل واضح بعد هبوط اسعار النفط العالمية بالشكل الذي حصل منذ منتصف عام 2014 والى الان والذي اربك حسابات الحكومة واوصلها الى انها تجاهد لتامين رواتب الموظفين والمتقاعدين وتغطية نفقات الحرب ضد داعش الارهابي والعمل على تغطية العجز المتنامي في الموازنة العامة والناجم عن انخفاض عوائد الصادرات النفطية.بشكل كبير جدا .
ولمواجهة هذه التداعيات اضطرت الحكومة الى تطبيق عدد من الوسائل لمعالجة الموقف ومنها تقليص عدد الوزارات وتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والنواب وكبار الموظفين وكذلك استقطاع نسبة من رواتب الموظفين والمتقاعدين وبعض الاجراءات الاخرى .كما قامت بفرض الضرائب والرسوم الجمركية وزيادة البعض الاخر منها فضلا عن فرض او زيادة الرسوم على بعض الخدمات المقدمة من الدولة للمواطنين. ورغم تحفظنا على نهج التركيز في تطبيق اجراءات التقشف على الفئات الضعيفة واصحاب الدخول المحدودة ، الذين لا قدرة لهم على تحمل تاثير الضرائب والرسوم او زيادتها ،في الوقت الذي لاتزال تنفق الاموال الطائلةعلى المخصصات والايفادات والنثريات على النواب والوزراء والدرجات الوظيفية العليا وكانه لاتوجد حالة التقشف التي يعاني منها صغار الموظفين وفئات الشعب الدنيا .وهذا يعني ان الازمة المالية والاقتصادية يراد لها ان يتم تخفيفها على حساب الفئات الضعيفة وليس على كاهل الفئات المقتدرة والمستفيدة الاكبر من الوضع القائم في توزيع الدخل والثروة بين الجماعات والافراد .
المشكلات التي تواجه تطبيق الضرائب والرسوم :
1 .ان الضرائب والرسوم الجمركية تؤدي الى ارتفاع اسعار السلع المستوردة الخاضعة للضرائب والرسوم في السوق المحلية ،ما يؤدي الى معارضة هذه الخطوة من قبل المستهلكين .
2 .ونتيجة لما ذكر في الفقرة اعلاه فان المصالح التجارية (المحلية والاجنبية ) وكذلك بعض السياسيين والمتنفذين المرتبطين بهذه المصالح سوف يعترضون ويعملون على عرقلة مثل هذه الخطوة لانها تتعارض مع مصالحهم ..
3 .عدم كفاءة ونزاهة الجهاز الاداري المسؤول عن التخمين والجباية اذ ان ما يجبى من اموال من هذه الضرائب لاتعود كلها الى الموازنة العامة بل تذهب الى جيوب بعض الجهات والافراد الفاسدين والمافيات في مختلف دوائر واجهزة الدولة .ففي اجهزة جباية الضريبة تصلنا المعلومات بان البعض من المخمنين يساومون المواطنين على دفع مبلغ معين مقابل تخفيض مقدار الضريبة بشكل كبير ومغري مما يشجع المواطن على الرضوخ لهاذا المطلب و يؤدي الى حرمان الخزينة العامة من الكثير من هذه الاموال .
4 . وهناك الكثير من الشكوك تحوم حول مصير الاموال التي تجبى من المنافذ الحدودية ومن المواطنين .فقد كشف مراقبون بان المالية تتكتم على اوجه صرف اموال الضرائب والرسوم وذلك بحسب تقريرنشرته جريدة العالم ليوم الثلاثاء في التاسع من شباط من العام الحالي والذي اكد بان اللجنة البرلمانية تجهل مصير نحو ترليون ومائتين ملياردينار تمت جبايتها من المواطنين في العام الماضي وذلك نتيجة للفساد المستشري في اجهزة الدولة . وعليه فان تحقيق الهدف من وراء فرض الضرائب على المواطنين يتطلب ان يقترن بوسائل تضمن ابعاد تاثير الفساد عن هذه العملية والتحقق من جبايتها بدقة وايصالها الى الجهات المالية المختصة .
6 .وبخصوص حجم الفساد في المنافذ الحدودية فقد اكد محافظ البنك المركزي في رده على اسئلة جريدة البينة الجديدة والمنشورة في الرابع عشر من كانون الثاني الماضي بان هذا الموضوع من الاوجاع الكبرى في البلد ،واشار الى ان المنافذ الحدودية لبلد يستورد كل شيء في ظل ظروفه الحالية يفترض ان تكون هذه العملية باعلى درجات التنظيم والكفاءة والنزاهة ، ليس لاسباب مالية فحسب بل ايضا لاسباب صحية وبيئية وسلامة المواطن . فالمواد تصل وتخترق المنافذ الحدودية وتدخل مدننا وهي فاقدة للمواصفات او مزورة او تم تغيير الصلاحية .والمنافذ الحدودية مازالت بيد الفاسدين وبيد المهيمنين عليها ، وان المخلصين للبضائع في المناطق الحدودية وبعض العاملين فيها يحصلون على اكثر مما تحصل عليه الدولة .وضرب المحافظ امثلة رقمية واقعية على ما يجري في هذه المنافذ لامجال لذكرها .ويكفي ان نذكر هنا على سبيل المثال باننا عندما نستورد بمبلغ 40 مليار دولار فاننا نحصل على مبلغ لايتجاوز 400 مليار دينار اي حوالي 325 مليون دولار (والحديث لايزال للمحافظ) .
7 .ومن ناحية اخرى فان مسالة فرض الضرائب والرسوم الجمركية على السلع الداخلة الى المنافذ الحدودية في العراق تواجه مشكلة اخرى عويصة هي ان اقليم كردستان العراق دائما يرفض تطبيق اجراءات السياسة التجارية على الاقليم ، مع انه يجب ان يخضع كبقية المناطق العراقية الى السياسة الاقتصادية والتجارية للدولة العراقية ، والا فان ذلك من شانه ان يسبب مشاكل وعراقيل في تطبيق القوانين السيادية ، فضلا عن التاثيرات السياسية والاجتماعية الناجمة عن ذلك . وتشير التقارير بخصوص المنفذ الحدودي في البصرة بان المستوردين امتنعوامن ادخال بضائعهم لعدم استعدادهم لتحمل الضريبة على هذه البضائع في الوقت الذي لايطبق الاقليم هذه الضريبة الامر الذي يدفع التجار الى ادخال بضائعهم من خلال منافذ الاقليم مما يلحق ا اضرارا كبيرة للحكومة المحلية في البصرة وكذلك للميزانية العامة الاتحادية،اذ ان الاقليم لايسلم الضرائب والرسوم التي يجبيها الى وزارة المالية الاتحادية . ولهذا السبب فقد تاجل تطبيق قانون التعرفة الجمركية اكثر من مرة .فاذ كانت الحكومة الاتحادية غير قادرة على فرض سياساتها الاقتصادية على جميع المنافذ الحدودية فامامها حلان اما ان تعمل على تطبيق القانون على جميع مناطق العراق ، بما فيها اقليم كردستان او التخلي عن فرض الضرائب الجمركية على العراق ككل .
ولمواجهة تداعيات هذا الموقف من الاقليم فقد اعلنت الحكومة نيتها اقامة سيطرات خاصة على حدود الاقليم لفرض الرسوم على البضائع الداخلة من الاقليم الى بقية مناطق العراق وذلك لاستحصال الضرائب ولتفويت الفرصة على التجار العراقيين الساعين لتجنب تحمل الضريبة الجمركية .ان مثل هذا الاجراء هو اضعف الايمان اذا كانت الدولة لاتستطيع فرض هذه الضرائب على الاقليم .
وفي الوقت الذي يطالب فيه الاقليم بالحصول على مختلف المكاسب والمنافع والحقوق فانه يمتنع عن تادية ما عليه من التزامات من الضرائب والرسوم وعوائد النفط الى الموازنة العامة الامر الذي يجعل المشكلات قائمة بين الاقليم والحكومة الاتحادية ولا تنفع جميع الاجتماعات واللقاءات ما لم تحل هذه المشكلات .
(*)خبير اقتصادي واستاذ جامعي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 18 شباط/فبراير 2016
د .مدحت القريشي: .ملاحظات حول فرض الضرائب والرسوم الجمركية والمشكلات التي تواجهها
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية
الاستاذ العزيز فاروق يونس
الارقام المذكورة هي مثال ساقه محافظ البنك المركزي في مقابلة مع جريدة البينة الجديدة كما مذكور في المقال .وكان المحافظ يشير بذلك الى الفساد المستشريفي المنافذ الحدودية .وكان يقول لو افترضنا انان الاستيرادات بحدود 30-40 مليار دولار فان الحكومة لاتحصل اكثر من 300-400 مليار دينار ويؤكد بان الفاسدون في المنافذ يحصلون على موارد اكثر مما تحصل عليه الحكومة وذلك لتبيان حجم الفساد وهول المصيبة والعهدة على المحافظ .وقد استغربت انا بدوري عند قراءة الخبر وقلت في نفسي هل يعقل ذلك ونحن صامتون .قد يكون المثال تقريبي ولكنه مع ذلك فانه يجسد حجم المشكلة وانا اردد معاك يا استاذ فاروق همتى يستقيم الطل والعود اعوج.مع تحياتي لك وتقديري على اهتمامك بما يكتب ودمت لنا.د .مدحت القريشي .
استاذى العزيز الدكتور مدحت القريشى
من المعلوم ان ادارات الكمارك فى جميع انحاء العالم هى المصدر الاول للبيانات المتعلقة بالمبادلات التجارية بين الدول واذا صح بان قيمة استيرادات العراق CIFالداخلة الى حوزة الكمارك العراقية هى 40 مليار دولار – كما ذكر فى المقال فان الحصيلة الكمركية تصبح اكثر من 2 مليار دولار بافتراض رسم كمركى بنسبة 5% وليس 325 مليون دولار
اين الخلل؟ هل ان المعلومات التى قدمها المستوردون او وكلائهم غير صحيحة تفاديا لدفع الرسوم الكمركية ؟ ام ان رقم الاستيراد 40 مليار دولار غير صحيح ؟
مع التقدير