من المعلوم ان التمدد الافقي هو سمة الإسكان في العراق، حيث قامت الدولة العراقية وبشكل كبير وبعد 1958 بتوزيع الاراضي على موظفي الدولة والجمعيات المهنية والإسكانية المختلفة وبمساحات بدأت من 600 متر مربع وانتهت حاليا بواقع 100 متر مربع. ولم تكن مسؤولية الدولة سوى توفير الخدمات والبنى التحتية الاساسية اللازمة. وحدثت في الثمانينات حركة إسكان عمودية واضحة تمثل في بغداد خاصة بمشاريع مثل إسكان الصالحية وشارع حيفا والعمارات الشعبية في البياع والحبيبية وغيرها، ثم توقفت مشاريع الإسكان الحكومية بسبب الحصار والتغييرات ما بعد إسقاط النظام السابق. وقامت وزارة الاعمار والإسكان بالتعاون مع برنامج الامم المتحده للمستوطنات بإعلان مشروع الإسكان الوطني 2010-2014 والذي حدد الحاجة الآنية إلى مليون وحدة سكنية في حين ذكرت الوزارة لاحقا ان الحاجة هي لخمسة ملايين وحدة سكنية وبمعدل زيادة مليون وحدة كل عام، و هو رقم كبير لا تستطيع وزارة الإسكان بميزانيتها المحدودة بتنفيذها، لذا قامت الهيئة الوطنية للاستثمار بالترويج لمشاريع إسكان عملاقه لتغطية هذه الحاجة للوحدات السكنية، علما بأن وزارة الإسكان ومنذ 2003 ولغاية تشرين أول 2015 انجزت 9,250 وحدة سكنية، وهنالك 24,114 وحدة تحت الانجاز أو متلكئة في 49 مشروع في انحاء العراق. ويتراوح حجم المشروع الواحد ما بين 100 إلى 800 وحده سكنية. وقامت بتوزيع أكثر من 200 ألف قطعة سكنية لشرائح معينة منذ 2003.
لمواصلة القراءة يرجى تنزيل ملف بي دي أف سهل الطباعة. انقر على الرابط التالي
Muhanad Al-Bayati-Who cheks Bismaya project-final
هل هناك تأمين لمشروع بسمايه الإسكاني؟
ربما تكون دراسة السيد مهند محمد صبري البياتي هي أول دراسة نقدية لجوانب مختلفة من مشروع بسمايه الإسكاني، يثير فيها العديد من الأسئلة عن الجوانب المالية ودور المصارف العراقية والتعامل مع الشركات الإنشائية الأجنبية مثلما يقدم اقتراحات ذات أبعاد هندسية واجتماعية. وهو في عرضه لم ينس الجانب التأميني، وقد ذكرها مرتين، وهو موضوع تعليقنا. ونأمل أن تنال الجوانب الأخرى عناية أصحاب الاختصاص.
(1)
في واحدة من ملاحظاته عن المشروع ودور ثلاثة مصارف، الرافدين والرشيد والتجاري، في تمويل المشروع يقترح على هذه المصارف “أخذ المبادرة لحماية استثمارها، فهي المالك الحقيقي لكامل مشروع بسمايه وليس الهيئة الوطنية للاستثمار أو حتى مشتري الوحدات السكنية منفردين، وعلى المصارف الثلاث الاتفاق على تشكيل وحدة خاصة للمشروع” تقوم بجملة من الوظائف ومن بينها التأكد من “التأمين على المشروع ضد المخاطر …”
يفهم ضمناً من هذا الكلام أن هناك شك بوجود التأمين على المشروع أو كفاية هذا التأمين من حيث نطاق التغطية التأمينية والمبالغ المؤمن عليها. ربما لدى الكاتب معلومات عن هذا الجانب حدت به إلى تقديم ملاحظته. ربما قامت الشركة الكورية المنفذة للمشروع بإجراء التأمين في كوريا من دون الاستفادة من الخدمات التأمينية لشركات التأمين العراقية المجازة من قبل ديوان التأمين. ربما كان تصرف الشركة الكورية منسجماً مع عقدها مع الهيئة الوطنية للاستثمار فالمعروف عنها أنها لا تولي موضوع التأمين مع شركات تأمين عراقية اهتماماً؛ كما أن قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 يجيز “التأمين على المشروع الاستثماري لدى أي شركة تأمين وطنية أو أجنبية يعتبرها [المستثمر] ملائمة.” من الصعب اكتشاف اسم شركة التأمين العراقية التي قامت بالتأمين على مخاطر المشروع أثناء الإنشاء من خلال ترتيبات الواجهة fronting – هذا بافتراض أن شركة هانوا الكورية، التي ذكرها الكاتب، قد قامت فعلاً بالاستفادة من الخدمات التأمينية العراقية. لعل الكاتب يستطيع أن يلقي الضوء على هذا الجانب من موضوعه.
وقد كتبنا في الماضي أن “مشاريع الإسكان كأي مشروع آخر تتعرض إلى الأضرار بفعل عوامل الطبيعة القاهرة كالفيضانات والعواصف وتلك التي تنشأ بفعل البشر، مما يستوجب التصليح للاستمرار في الإنشاء لحد الإكمال. وهناك وثائق متخصصة للتأمين تعرف باسم وثيقة كافة أخطار المقاولين تقوم بتعويض المؤمن له، أو المستفيد من غطاء الوثيقة، عن الأضرار المادية العارضة التي تلحق بأعمال الإنشاء.” (مصباح كمال، “الإسكان والتأمين في العراق،” مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/10/blog-post_3.html) ترى هل كان وجود أو عدم وجود مثل هذه الوثيقة هو ما يشغل بال الكاتب؟
(2)
وجاء في استنتاجاته “ان الخطورة الكبيرة على المصارف ليست فقط في دفع سلفة تساوي 80 بالمائة من القيمة الدفترية للعقار من قبل المصرف، بل ان أول دفعة يستلمها المصرف هو بعد خمس سنين من استلام المشتري للوحدة، ويسكن المشتري العقار لمدة خمس سنوات مقابل 20 بالمائة من قيمتها فقط، وإذا ترك المشتري العقار في نهاية الخمس سنوات لأي سبب كان، تقع المصارف في ورطة كبيرة في كيفية استرداد تمويلها لان ما دفع من قبل المشتري لا يغطي حتى فوائد التمويل، ولن تستطيع المصارف القيام بالتأمين لهذا التمويل عند أية شركه تأمين لضمان حقوقها.”
حقاً ان شركات التأمين لا تقوم بالتأمين على تمويل شراء المساكن إلا إذا ارتبط التمويل (القرض) بالتأمين على حياة المقترض ولصالح الجهة المقدمة للقرض. وقد ذكرنا في مقالتنا المشار إليها أعلاه أن “البنوك العقارية التي تقدم القروض لشراء المساكن تشترط على المقترض ضرورة التأمين على العقار موضوع الرهن ضد خطر الحريق وأخطار أخرى للحفاظ على مصالحها عند تعرض العقار إلى الأضرار التي لا يستطيع المقترض تصليحها من موارده الخاصة. وقد تقوم البنوك بإجراء التأمين باسمها وتحميل المقترض قسط التأمين. وتشترط أيضاً تأمين حياة المقترض لتضمن حقوقها إن تعسّر على المقترض سداد القرض. ومثل هذا الإجراء يوازيه ما يرد في قانون صندوق الإسكان العراقي لسنة 2011:
المادة 15
اولا – للصندوق ان يؤمن على حياة المستفيدين من اعماله.
ثانيا – يعد عقد التامين المؤقت الجماعي المبرم بين الصندوق وشركات التأمين على حياة المستفيدين صحيحا ونافذا من تاريخ ابرامه دون موافقة المستفيدين التحريرية.”
اهتمام الكاتب بالتأمين يدلُّ على وعي عميق بأهمية التأمين في حماية المشاريع الإنشائية. فله الشكر على تنبيهنا عليه. نأمل منه أن يقدم المزيد.
مصباح كمال
10 شباط 2017