التنمية المستدامة

د. بارق شُبَّر: سياسات التنمية المستدامة في العراق بين التمنيات وفشل الانجاز

المقدمة

لربما يوجد من يقول ما شأننا بهكذا مواضيع تمثل ترفاً فكرياً ونحن نخوض معركة مصيرية دفاعاً عن العراق ونيابةً عن العالم بأجمعه مع أعتى المنظمات الارهابية، ولذلك يجب أن يوجه “كل شيء من أجل المعركة”. وآخر من يقول يجب أن نركز أولا على محاربة منابع الارهاب الفكرية وعلى الفساد والفشل الاداري والذي كان وما ايزال سبباً في ظهور الارهاب. وانا اقول لا هذا ولا ذاك وانما الاثنين وفي التزامن ولكل فرد في المجتمع له دوره في تحمل المسؤولية في الدفاع عن العراق على مختلف الجبهات وفق قدراته الذاتية. فالمتمكن جسدياً يذهب إلى ساحات القتال وفق فتوى الجهاد الكفائي للمرجعية الرشيدة ويحظى بدعمنا المادي والمعنوي. أما العاملين في المجالات الفكرية من مثقفيين واعلاميين وناشطين مدنيين فيتنظر منهم ان يحاربوا على جبهات التخلف والفساد في سبيل نشر المعرفة والثقافة البيئية فضلاً عن القيام بمبادرات ميدانية للمساهمة في التخفيف من حدة التدهور البيئي والثقافي وهو أضعف الايمان.

بعد التغيير في نيسان 2003 تفائل الكثيرون من المثقفين ببداية عهد جديد تحظى فيه حماية البيئة والتنمية المستدامة اهتماماً جدياً. وشجع هذا التفاؤل نص المادة (33) من الدستور العراقي التي تضمن حق المواطن في العيش في ظروفٍ بيئية سليمة، وتكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليهما. وتم ترجمة هذه المادة من خلال تأسيس وزارة خاصة للبيئة وظهور العشرات من منظمات المجتمع المدني في مجال حماية البيئة. ولكن من جانب اخر، شاهدنا فتح الحدود على مصراعيها لتدخل إلى العراق الجديد بضائع رديئة الصنع مضّرة للصحة والبيئة، فضلاً عن تدفق اعداد هائلة من السيارات المستعملة والتي كانت تملأ مزابل الدول الصناعية عبر الحدود المفتوحة من دون رقابة تذكر.

وبعد مرور أكثر من 13 عاماً منذ التغيير نشاهد فشلاً واضحاً في تحقيق حد أدنى من التنمية الاقتصادية بحد ذاتها، فما بالك بتنمية مستدامة تأخذ بنظر الاعتبار حماية البيئة والموارد الطبيعية وتلبي حاجات الاجيال الحالية من دون التعدي على حقوق الاجيال القادمة. لا تقع مسؤولية هذا الفشل على الاجهزة الحكومية لوحدها وانما على غياب الثقافة البيئية في المجتمع والتي كان بإمكانها ممارسة الضغط على ممثلي الشعب في مجلس النواب ومن ثم على الاجهزة الحكومية. اذن تتحمل مسؤولية هذا الفشل وعلى جميع الاصعدة الاجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وشرائح واسعة من المجتمع العراقي على حد سواء. وزارة البيئة من حيث تزويدها بالموارد المالية والبشرية ظلت يتمية وفي النهاية ذهبت كضحية لإجراءات التقشف والحقت بوزارة الصحة كمديرية عامة. الصديق د. باسم سيفي، وهو من أحد المتحمسين للبيئة وللتنمية المستدامة بعد التغيير ويحمل شهادة دكتوراه من جامعة سويدية مرموقة في تخصص التنمية المستدامة ويصدر مجلة (قضايا ستراتيجية)، حدثني حول جهوده لمساعدة وزارة البيئة في تدريب كوادرها في موضوع التنمية المستدامة بموجب عقد استشاري لمدّة 6 أشهر مقابل اتعاب رمزية. أخبرني بأن المدير العام في الوزارة، والذي كان مسؤولاً عن تنفيذ برنامج التدريب، كان يستنكف من المشاركة في الدورة بالقول “انا مدير عام ومهندس ولا اسمح لواحد آتٍ من الخارج ان يعلمني”. أما منظمات المجتمع المدني فتبخر معظمها مع توقف التمويل الاجنبي، ولا نسمع الكثير عن ما تبقى من منظمات جادة في الاستمرار بالعمل على حماية البيئة ونشر الثقافة البيئية.

لمواصلة القراءة يرجى تنزيل ملف بي دي أف سهل الطباعة. انقر على الرابط التالي:

BSchuber-Sustainable-development-in-Iraq-final-2

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. Avatar
    علاء فريد ابراهيم:

    لقد اعجبني جدا الطرح الذي قدمته يا استاذي العزير حول التنمية المستدامة ومشكلة انتاج الكهرباء والبيئة والتلوث ونقص المياه وهجرة المواطن من الريف الى المدينة وتاخر العراق عن دول الجوار التي هي افقر منه وتاثير الحصار والحروب على العراق وشعبه والارهاب ومقاومة شعب وحكومة العراق له لحد الان مستمرة وبالتالي اي شعب يمر بهكذا ضروف ومصاعب سوف يكون لها تاثير سلبي على حياته واقتصاده وانا متاكد ان شعب العراق سوف يشتاز هذه المحن في يوم ما ويمضي في طريقه .

  2. Avatar
    زيد مهدي جعفر الصندوق:

    البيئة و التنمية و الحياة الكريمة و كل مفاصل الحياة التي نطمح لها لا يمكن ان تتحقق من غير توفر العناصر الرصينة لإدارة الدولة و المجتمع و التي ارى انها لا تزال بعيدة المنال في عراقنا اليوم

  3. (farouk younis
    (farouk younis:

    عزيزي الدكتور بارق شبر
    عسى ان ينال مقترحكم ( حول عقد ورشة او موتمر التنمية المستدامة والثقافة البيءية في العراق ) الدعم والاسناد من قبل القيادة السياسية ذلك لاني اعتقد بان احد الاسباب الرءيسية لفشل الخطط
    والبرامج السابقة و عدم وضعها موضع التنفيذ ومتابعة تنفيذها بصورة جدية وقياس مدى التباعد بين ما هو مخطط وما هو متحقق فعلا سواء من ناحية كمية الانجاز الفعلي او قيمة ما انفق على مستوى المشروع انما يعود الى الاعتقاد الخاطيء من قبل السياسيين و كثير من الاداريين وبعض الفنيين بانهم :
    يعرفون المشاكل التي يعاني منها العراق او المشاكل على مستوى المشروع سواء اكانت مشاكل سياسية ام اقتصادية ام اجتماعية وان ما يقام من ندوات وموءتمرات وورش عمل لا يقدم ولا يوءخر ومثل هذا الاعتقاد منتشر بين العوام والاميين وانصاف المتعلمين حيث يعتقد الامي من اهالي بغداد مثلا بانه يعرف اقضية ونواحي و قرى بغداد شبر شبر ولكنه في الحقيقة لا يعرف ما يحتويه باطن الارض من معادن او طبقات جيولوجية
    ان اعتقاد السياسين بانهم يعرفون مشاكل العراق الاقتصادية يجعلهم يسخرون من طلب المهندس ضرورة القيام بفحص التربة مثلا ( قال احد المسولين للمهندس عجيب هل ان تربة مدينتنا غير معروفة لحد الان؟)
    في تاريخ العراق ايام الحكم العثماني طلب احد ولات بغداد تغطية المواد الغذاءية وحمايتها من الذباب فانطلقت الهوسة ( والينا جاي زعلان غطوا اللحم بالجتان او لازم اتكشواالذبان )
    و ما تزال المواد الغذاءية في بلدنا معرضة للملوثات المختلفة بما فيها الغبار وبدلا مقيام وزارة الصحة بالعمل على وفق مبدا ( الوقاية خير من العلاج ) فانها توسعت باطلاق الاستيراد لمختلف انواع الادوية ومن مختلف المناشيء ومعظمها ادوية رخيصة ورديءة النوعية
    استاذي العزيز ما فاءدة التوسع ببناء المستشفيات والعيادات الشعبية وفتح الالاف من الصيدليات والعيادات الخاصة اذا كانت البيءة العراقية غير نظيفة؟
    هل يجوز صرف الدواء او التداخل الجراحي قبل تشخيص المرض الذي يعاني منه المريض ؟
    احدى مشاكلنا الرءيسية الادعاء بان المشاكل معروفة وما نحتاج اليه هو معالجتها
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: