تقييم صارم انطوى على تنويه الدول المانحة للعراق، بأن أموال المنح تتأتى من دافعي الضرائب في دولهم التي تواجه مسؤولية في صرفها، مشترطين اناطة التعاقد مع الشركات المنفذة إلى السيدة ليز غراندي منسقة الشؤون الانسانية للأمم المتحدة، لضمان أن تنتهي تلك الأموال الى المشاريع المستهدفة من المنح.
إنها إشارة غير مباشرة إلى خطر الفساد الذي أضاع 220 مليار دولار تمثل القيمة المقدرة للانفاق الاستثماري الفعلي للعراق منذ 2003، في موازنات سنوية عامة بلغ اجماليها 960 مليار دولار حتى الآن، و لو استثمرنا تلك الأموال بمشاريع كفوءة لحصلنا على قيم مضافة كبيرة وركيزة مالية لتطوير الاقتصاد وتعزيز قدرته على مواجهة الصدمات.
إننا أمام تقييم مجاني، من دول مهمة بينها المانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا واليابان، رأت بواقعية أن إدارة مؤسساتنا المحلية للمنح ستؤدي إلى النتيجة نفسها من إدارتها لأموال العراق الذي يحتل مرتبة متدنية في مؤشر الشفافية الدولية، مع تراجع سياسات مكافحة الفساد النظمي في أجهزة حكومية يتغذى الفساد على تراجع تنظيمها الإداري، الى درجة تعطيل أكثر من 9000 مشروع تجاوزت قيمتها الاجمالية 300 مليار دولار.
المعايير الثلاثة لكفاءة أي مشروع تتوزع على مدى تنفيذ المشروع في أقصر وقت وأقل كلفة وأعلى جودة، وإن الإدارة الكفوءة للمشاريع تقاس بالموازنة بين المقاييس الثلاثة المذكورة التي قد تتعارض مع بعضها جدلياً، وإن أبرز الأسباب وراء تعثر المشاريع الحكومية في العراق هي وجود مشكلات في إدارة عقود المشاريع، بالإضافة إلى ضعف أسلوب التنفيذ، مع وجود معوقات إدارية تحد من سرعة الإنجاز، وضعف مستوى المتابعة للمشاريع.
والدول المانحة لم تضع وقتها في مناقشة الرقابة على التعاقدات أو تطوير معاييرها، لكنها تجاوزت كل ذلك بإناطتها إلى جهة أممية تحفظ الأموال، وهذا ليس معيباً إذ أن السعودية التي ليست بأسوأ من حالنا ريعياً وإدارياً عينت في شهر شباط الماضي، شركة بكتل الاميركية، للمساعدة في تشغيل مكتب إدارة المشاريع الحكومية الذي سيوظف نحو 6 آلاف شخص خلال 10 سنوات نصفهم على الأقل يجب أن يكونوا سعوديين (إدارة وتطوير ملاك)، على أن تتولى الشركة الفائزة إدارة المكتب لعدة سنوات، قبل أن يعود إلى الحكومة.
وقد يحمل الانموذجين أعلاه فكرة، تعالج بحث المختصين عن آلية رفع كفاءة ادارة الاموال المخصصة للمشاريع في العراق التي تواجه تحديات الفساد الذي يبتلع جزءاً كبيراً منها، لأن حل مشكلة الأموال الضائعة والمعلقة بسبب تأخر المشاريع، يكمن في آلية ناجعة لتطوير ادارة العقود الحكومية العامة، اكثر من مراقبة تلك الإدارة، لان إدارة كفوءة وشفافة خير من جهود ضخمة لمراقبة إدارة مترهلة.
ويمكن التنسيق مع البنك الدولي، لصياغة الانموذج الوطني العراقي، من مكتب إدارة المشاريع Project management office ليختص بالمشاريع الحكومية لاسيما في البنى التحتية، وعده جزءاً من جهود إصلاح الاقتصاد وإنهاء العجز المالي، ويتولى المكتب إدارة المشاريع التي تحددها الحكومة متعاوناً مع الوزارات والدوائر الحكومية.
ويتركز عمل المكتب بشكل استثنائي على تنظيم ومراقبة العلاقة التعاقدية بين مؤسسات الدولة والمتعاقدين معها، وتلافي الأثار المترتبة على اخلال المتعاقدين بالتزاماتهم التعاقدية، بادارة شركة عالمية، وفق مفهوم التعهيد Outsourcing وهو طريقة جديدة لتقسيم العمل لخفض التكاليف ورفع الكفاءة، بإعطاء الجهة المستعان بها مسؤوليات كانت الجهة المستعينة تؤديها ذاتياً، وقد يحتاج التعاقد الحكومي مع الشركة العالمية لإدارة المكتب إلى إطار تشريعي، كما يمكن تغيير الشركة المديرة بعد انتهاء مدة العقد أو دراسة خيار نقل ادارة المكتب الى الحكومة إذا ما تهيأ الملاك المحلي الكفوء بحكم عمله في المكتب لعدة سنوات تحت إدارة عالمية.
ومع أهمية التعاقد مع شركات أجنبية كبرى، لتنفيذ المشاريع الحكومية لاسيما مشاريع البنى التحتية، إلا إنه لا ضير من أن يعهد المكتب الى إحدى مؤسسات الدولة أو شركة محلية عامة أو خاصة للقيام بالمشاريع، شرط أن يتم ذلك على أساس المنافسة وتقييد الجهة المنفذة بشروط التنفيذ التي يضعها المكتب.
إن تأسيس المكتب المقترح، يحتاج الى دراسة قانونية واقتصادية، كما لابد من الافادة من التجارب السابقة، مثل لجنة إدارة العقود الحكومية التي تأسست بعد 2005 ولم تستمر، فضلاً عن التجربة الرائدة لمجلس الاعمار الذي تأسس في عام 1950 ضمن خطة اقتصادية لإعمار العراق وتحديثه، ليتسع نشاطه مع ازدياد ايرادات النفط بعد اتفاقية مناصفة الارباح مع الشركات الاجنبية العاملة في العراق عام 1952.
(*) اعلامي اقتصادي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 6 نيسان 2017
ليث محمد رضا: أفكار أولية حول نماذج ادارة وتعهيد المشاريع Outsourcing
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية
عزيزى استاذ ليث محمد رضا
اولا – شكرا جزيلا على توضيح وجهة نظركم
ثانيا- ورد فى مقالكم عبارة ( الفساد النظمى ) والمقصود هو ( الفساد النظامى ) نسبة الى كلمة نظام وليس نظم Systematic Corruption
والى القارىء الكريم ما جاء فى معجم مصطلحات الفساد Corruption Glossary
حول هذا النوع من الفساد بانه ( يحدث الفساد المستوطن او النظامى عندما يمثل مظهرا سائدا ومتمركزا فى النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وليس للفساد النظامى فئة خاصة لكنه تحديدا هو عبارة عن موقف يحدث عندما تكون هناك سيطرة تتم بشكل روتينى ودائم على المعاملات والموْسسات الكبرى للدولة ويتم استغلالها بواسطة مجموعات وافراد فاسدين ومن امثلة ذلك الدول التى تعانى من وجود فساد نظامى بها : بنكلادش ونيجيريا والكاميرون والفساد النظامى يحدث حين تتحول ادارة المنظمة الى ادارة فاسدة بمعنى ان يدير العمل برمته شبكة مترابطة للفساد يستفيد ويعتمد كل عنصر منها على الاخر مثال ذلك شبكة الفساد التى تضم مدير الدائرة ومدراء المشروعات والمدير المالى والتجارى ) يعنى باللهجة العراقية الدارجة ان الفساد منتشر من ذيل السمجة الى راسها !
ثانيا- ورد فى رسالتكم الاخوية بان الاجهزة الحكومية الرقابية عجزت عن مكافحة الفساد —
السوْال لماذا هذا العجز؟
الجواب لان للفساد جانبين وليس جانب واحد فالرشوة الايجابية جريمة يرتكبها الراشى وهنا ياتى دور الشركات الاجنبية العاملة فى العراق التى تقدم الرشاوى وهذا جانب العرض للفساد اما جانبها السلبى فيحدث فى جانب الطلب —
وطبقا لاتفاقية القانون الجنائى عن مكافحة الفساد الصادرة من المجلس الاوربيى تعرف الرشوة الايجابية لموظفى الادارات الحكومية على انها ( وعد او اعطاء او عرض من شخص ما – بصورة مباشرة او غير مباشرة – لنفسه ميزة للتصرف او الاحجام عن اتيان فعل معين ) اما الرشوة السلبية فهى طلب يتاتى بصورة مباشرة او غير مباشرة بحيث يمنح هذا الطلب لنفسه او ان يقبل عرض او وعد للحصول على ميزة ليقوم بعمل ما يحجم عنه تبريرا لتصرفاته
يلاحظ ان الرشوة الايجابية لا تعنى دائما ان الراشى يتخذ الميادرة بل ان العكس صحيح غالبا فالشخص الذى يتلقى الرشوة غاليا هو الذى طلبها لنفسه قبل ان يتلقاها
انظر Development institutionalization
مركز دعم التنمية والتاهيل الموْسسى
سوْال هل قيام الشركات الامريكية والاوربية بدفع الرشاوى للحصول على العقود والفوز بالمناقصات لتنفيذ المشاريع التنموية فى الدول النامية حلال ام حرام ؟ حتى وقت قريب كانت الرشاوى التى تدفعها الشركات للحصول على عمل تعامل كمصاريف ادارية عند التحاسب الضريبى فى بعض الدول المتقدمة لكن حاليا منعت اكثر الدول المتقدمة شركاتها من تقديم الرشاوى وما فى حكمها ومع ذلك فان الفساد بجانبيه الايجابى والسلبيى لم يتوقف وكما تفضلتم فان النظام الادارى العراقى متخلف ويحتاج الى التحديث والتغيير والتطوير
مع التقدير
مع التقدير
تحية طيبة للاستاذ ليث محمد رضا
استاذى ليث
كنت اتوقع ان تدعو الى تاسيس شركات عراقيةللرقابة ومتابعة التنفيذ — لدى العراق تجرية غنية فى المتابعة والرقابة منذ خمسينيات القرن الماضى لدينا المئات من الاداريين والمهندسين لماذا تدعونا الى اتخاذ ( السعودية كنموذج لانها عينت شركة بكتل الامريكية – كما تقول للمساعدة فى تشغيل مكتب ادارة المشاريع الحكومية )
المطلوب قبل تقديم المقترحات دراسة التجربة العراقية فى التخطيط والمتابعة والرقابة الاقتصادية والرقابة المالية والقانونية منذ تاسيس وزارة الاعمار ومجلس الاعمار وحتى الوقت الحاضر
مع خالص تقديرى
أستاذنا فاروق يونس المحترم..
يسعدني تفاعل جنابك، مع هذه التصورات التمهيدية لإيجاد حل، لتحدي إدارة المشاريع الحكومية في العراق.
دعوت إلى تعهيد إدارة المشاريع لتجاوز حلقات الفساد النظمي الذي عجزت الاجهزة والمؤسسات الرقابية عن مكافحته، لأنه وجد بسبب تخلف النظام الاداري في مؤسسات الدولة وضعف الاجراءات فيها.
يمكن المفاضلة بين عدة خيارات لصيغة المؤسسة الجديدة، سواء تكون شركة وطنية لإدارة المشاريع الحكومية، أو مكتب وطني لإدار المشاريع الحكومية، وقد دعوت لصياغة انموذج وطني عراقي مع الاشارة إلى الانموذج المكتب المعمول به Project management office
اتفق مع جنابك بخصوص، الاستفادة من التجربة العراقية في التخطيط والمتابعة والرقابة منذ تأسيس وزارة الاعمار ومجلس الاعمار الذي أشرت له في المقال.
تقبل من خالص التحايا..