تتباين المعلومات والبيانات التي تخص العراقيين في الخارج ، اذ لاتوجد معلومة يمكن التسليم على انها دقيقة او انها تمثل الواقع بنسبة ما ، فكل مايقال ليس سوى تكهنات لاتقوم على اساس يمكن اعتماده منهجا علميا في استقراء الواقع .. فنحن منذ سنوات نسمع من يقول ان عدد العراقيين في الخارج يصل إلى 4 ملايين وآخر يتحدث عن مليونين ، وثالث يقول ان اعدادهم ربما تضاعفت بعد احداث 2014 وهجرة الكثير بسبب الظروف الامنية في البلد ، حتى منظمات الامم المتحدة هي الاخرى ليس لديها اي بيانات يمكن الركون اليها .. كما ان الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق عام 2014 والتي سبقتها لم ترسم صورة حقيقية لعديد العراقيين في الخارج ، اذ لم يشارك في تلك الانتخابات سوى 500 الف ناخب من اصل الرقم المتوقع وهو مليوني ناخب .. وإذا عدنا إلى الوراء لعدد من السنين نجد ان عدد العراقيين الذين تم احصاءهم في اخر تعداد عام للسكان شهده العراق عام 1997 لم يتجاوز الـ(48) الف نسمة ، منهم 28 الف من الذكور و 20 الف من الاناث ويتركز اغلبهم في عدد من الدول من بينها الاردن واليمن وليبيا والمملكة المتحدة .
ان ضبابية المشهد للعراقيين في المهجر من شانه ان يغيب الصورة ويجعل الحكومة عاجزة – ان ارادت – وضع اي برامج او سياسات يمكن من خلالها الاستفادة من القدرات والكفاءات التي تمتلكها الجاليات العراقية ، اذا ما علمنا ان هناك الكثير من الامكانات العلمية والاقتصادية العراقية منتشرة في الكثير من دول العالم ، فهناك اطباء وعلماء ورجال اعمال يشار لهم بالبنان في دول اوربا واسيا ، ففي الاردن وحدها مثلا يوجد نحو 15 مليار دولار لمستثمرين ورجال اعمال عراقيين تغطي قطاعات السياحة والفنادق والطيران والصناعات الغذائية والعقارات والبنوك وغيرها .. ولو تأملنا هذا الرقم يتحرك في دولة صغيرة مثل الاردن وأضفنا له احجام الاموال المستثمرة في دول اخرى لعرفنا مقدار الامكانات المالية لعراقيي الخارج من دون اي يستفيد منها العراق اي شيء ، على العكس من صورة رجال الاعمال اللبنانيين مثلا الذين يعيشون في المهاجر ، فهؤلاء يركزون استثماراتهم في بلدهم بنحو كبير وواضح .. وقد يكون مرد ذلك إلى الظروف التي يعيشها العراق ، فهي ظروف في الغالب طاردة للاستثمار وبالتالي فان المستثمرين سواء كانوا عراقيين او اجانب يبحثون عن بيئة استثمارية امنة ومستقرة يمكنهم ان يعملوا في رحابها .. ولكن اعتقد ان الظروف التي بدأ العراق يعيشها ستكون مختلفة تماما ، فقد تم تحرير كامل الارض من دنس الارهاب وبالتالي نحن مقبلون على ورشة عمل كبيرة لإعادة اعمار المناطق المحررة ، وقدرت الحكومة الحاجة إلى 100 مليار دولار لانجاز عملية الاعمار المنشودة وهذه الاموال لاشك ستوفر فرص استثمارية كبيرة في مختلف مجالات التنمية خصوصا وان خطة الاعمار التي تتحدث عنها الحكومة تتمحور في ثلاث قطاعات متوازية هي قطاع التنمية البشرية والاجتماعية وقطاع البنى التحتية الاساسية وثالثهما قطاع التنمية الاقتصادية ، ويندرج تحت كل قطاع منها سلة من المشاريع الاستثمارية المهمة جدا ، وهنا يمكن القول ان بإمكان المستثمرين العراقيين المتواجدين في بلاد المهجر الاستفادة من هذه الفرص في ظل تصاعد احتمالات وتوقعات لخبراء البنك وصندوق النقد الدوليين بان يشهد الاقتصاد العراقي حالة من التعافي وزيادة في معدلات النمو المتوقعة لان جميع الجهود والأموال التي كانت تُنفق لإدامة زخم الحرب وهي هائلة جدا ، ستتوجه نحو الاعمار وترسيخ السلام ، وهذا الامر بحد ذاته يمثل رسالة ايجابية عن العراق الجديد .
المهم ، دعونا نعود إلى صلب الموضوع وهو عدم توافر البيانات والمعلومات الدقيقة عن عراقيي المهجر ، وكيفية توفير مثل هذه البيانات المهمة جدا بعيدا عن التفكير السلبي وتأويل الامر وتخويف مواطنينا في الخارج من مغبة الادلاء ببياناتهم الصحيحة .. وهنا نتحدث عن المشروع الذي اطلقته الحكومة نهاية العام المنصرم ومازال مستمرا لحد الان والمتمثل بإجراء اول مسح للجاليات العراقية في الخارج بآليات وتقنيات حديثة بالاعتماد على الانترنيت في ملئ استبانة المسح التي تتضمن مجموعة من الاسئلة عن الشخص تكون في نهايتها صورة واضحة المعالم عن واقع وحياة المواطن العراقي في الخارج ، وبالتالي فان المسح يستهدف بالدرجة الاولى فتح قنوات اتصال وتواصل مع العراقيين في الخارج بهدف غرس قيم الانتماء وتوفير معرفة جيدة حول الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية وتعزيز التفاعل مع الخبرات والكفاءات لتوسيع مشاركتهم في جهود التنمية والإسهام في نقل الخبرات والمعارف الحديثة التي اكتسبوها خلال مراحل عملهم في الخارج إلى المؤسسات الوطنية وتوجيه استثماراتهم من فوائض مدخراتهم في البلد .
المشكلة التي واجهت تنفيذ المسح على الرغم من الجهود التي بذلتها الجهات المعنية بقيادة وزارة التخطيط ومعها وزارات الهجرة والمهجرين والخارجية فضلا عن الامانة العامة لمجلس الوزراء وهيئة الاحصاء في حكومة اقليم كردستان ومتخصصين في علم الاجتماع ، هي قلة الاقبال على ملئ الاستبانة ، واعتقد ان هذا العزوف يعود لأسباب عدة في مقدمتها الصورة الذهنية المطبوعة في الاذهان وهي الخوف من اي مسعى حكومي لجمع البيانات ، والسبب الاخر ربما يعود لشواغل الحياة الكثيرة ، وربما سبب ثالث يعود إلى عدم وجود محفزات من شأنها ان تشجع المهاجرين على الادلاء ببياناتهم ..
لذلك اجد من الضروري مضاعفة الجهود المبذولة وتكثيف الخطاب والجهد الاعلامي لتوضيح الصورة والهدف من المسح ، وهنا يبرز دور شبكة الاعلام العراقي بمحطاتها التلفزيونية والإذاعية وصحيفتها (الصباح) ومواقعها الالكترونية في تبني خطاب اعلامي يسهم في تغيير الصورة الذهنية ويحث العراقيين على المشاركة الفاعلة في المسح ، كما ينبغي التفكير بإيجاد شيء من التحفيز ، وان تقوم السفارات والقنصليات العراقية في الخارج بدور اكبر في الترويج للمسح .
ختاما اقول ان نجاح تنفيذ مسح العراقيين في الخارج من شأنه ان يوفر معلومات وبيانات في غاية الاهمية يمكن الاستفادة منها في عملية البناء التنموي من خلال وضع السياسات والخطط وتطوير القطاع الخاص ، وتغيير مسارات الاستثمارات الخارجية للعراقيين باتجاه الداخل العراقي فضلا عن امكانية استثمار العقول والكفاءات العلمية في تطوير مؤسسات الدولة بنحو عام
(*) المتحدث الرسمي بأسم وزارة التخطيط
المصدر: جريدة الصباح / تاريخ النشر الاثنين ٣١-٧-٢٠١٧
عبد الزهرة محمد الهنداوي: استثمار الكفاءات العراقية المهاجرة في التنمية الوطنية
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية
أوافق الدكتور بارق بكل ما قاله
إنني أتسائل كيف تم إختيار المائة والخمسون شخصاً الذين عادوا مع قواة الإحتلال الأمريكي وتسنموا دوائر لدولة, ماهي المعايير التي تم إختيارهم فيها من بين مئات الألاف من العراقيين المقيمين في الخارج؟
استاذ عبد الزهرة المحترم
شكرا على اثارة هذا الموضوع المهم والحساس. لدي ملاحظات كثيرة وسوف احاول كتابة مقال حواري سيما وان سبق لي وان قدمت ورقة حول الموضوع لمؤتمر الكفاءات الذي نظمه مجلس النواب في نهاية 2008. ولم يتسني لي حضوره بسبب التزامات عائلية. اهم ملاحظاتي على مقالك هي:
1. لاتوجد علاقة منطقية بين العدد الاحمالي للجاليات العراقية في المهجر وعدد العقول والكفاءات العراقية بينهم. لا يمكن اعتبار المهنين مثل الحلاق وتاجر السيارات واصحاب المطاعم والبقالات كفااءات
2. .ينبغي تحديد مفهوم اصحاب الكفاءات على من يحمل شهادة اكاديمية وله خبرة في مجال تخصصه لاتقل عن 5 سنوات. اضافة الى ذلك انا شخصيا اميل الى اعتبار رجال الاعمال العراقيين في المهجر الى العقول الادارية
3. أحصاء 1996 لايمكن ان تكون له دلالة احصائية هامة في الوقت الذي كانت السفارات العراقية التي نظمت الاحصاء منبوذة من ابناء الجالية العراقية ويتجنبها معظم العراقيون في الخارج
4. لااعتقد ان المسوحات التي تقترحها ان كانت لجميع العراقيين او لشريحة الكفاءات سوف تكلل بالنجاح في حالة تنظيمها من قبل جهة حكومية. البديل هو الاقتصار على شريحة الكفاءات وتكليف البنك الدولي او برنامج الامم المتحدة undp لاجراء المسح
5. في عام 2013 على مااذكر عرضنا من شبكة الاقتصاديين العراقيين على وزارة التخطيط مقترح انشاء مكتب خاص لحشد الكفاءات في الخارج وتطوير برامج لاشراكهم في عملية البناء والتنمية في الداخل. وكان احد رواد هذه الفكرة الدكتور كاظم شبر الاقتصادي المقيم في لندن. لربما يتذكر الدكتور مهدي العلاق مقترحنا والذي لم يلقي اذان صاغية من وزارة التخطيط في حينه.
مع التقدير د. بارق شبر
سيدي الكريم ،تركت التدريس الجامعي في العراق عام 1996 ،ولا زلت مقيم في الخارج ، لاول مرة اسمع ان هناك استبيان لحصر الجالية العراقية في خارج العراق ،لان السادة موظفي السفارات لا يهمهم الموضوع من اصله كي يبلغوا الجالية المقيمة ، اضم صوتي لصوت الدكتور عبد علي عوض ،رجعت لاول مرة سنة 2016 ،لم اجد اي باب مفتوح في وجهي ،فتركت بلدي مرة اخرى .
مسألة إعداد البيانات للعراقيين القاطنين خارج العراق غير ممكن لأن السفارات العراقية لا تبذل جهوداً في هذا المجال، مع العلم أن الكثير من العراقيين يراجعون السفارات العراقية لمختلف ألأمور… لماذا لا يُطلَب منهم بياناتهم الشخصية!؟. …. أما مسألة عودة الكفاءات العلمية، فهي مجرد ضحك على الذقون، لأننا بادرنا بألعودة، فوجدنا ألأبواب موصدة أمامنا… فلا داعي لإعادة تلك ألإسطوانة المشروخة!.
د . عبد علي عوض – خبير في مجال ألتنبؤ وألتخطيط ألإقتصادي.