نشر الدكتور مظهر محمد صالح على شبكة الاقتصاديين العراقيين ورقة بعنوان (التعزيز المالي للعراق: رؤية لأعوام 2018-2020)[1]. وكالعادة فإن أستاذنا الجليل يضع أمامنا ثقله الأكاديمي العالي وخبرته العملية بصفته المستشار الاقتصادي الأهم للحكومة.
لا جدال مع الدكتور حول وصف العلّة، في الاقتصاد “الشديد الريعية”. وإذا أضفنا إلى تدني أسعار النفط، واحتمال استمرار تدنيها، تزايد الدين الداخلي والخارجي والحاجة إلى تغطيتهما في الأمد المنظور، فإن “أعباء الحرب على الارهاب وأعباء إعادة الاعمار تتطلب برنامجا ماليا متشدداً” لإعادة التوازن للاقتصاد والتوازن الماليfiscal consolidation) ) للخزينة.
إلا ان مقترحات الدكتور صالح في “منهج التكييف والتعزيز المالي 2018-2020” تقع في نفس الخطأ والسراب المفقود الذي يقع فيه أغلب الاقتصاديين في الدول الريعية في الدعوة للتوازن بزيادة حصة الموارد غير النفطية في الدخل القومي. ففي العراق مثلاً، كل المحاولات التي بُذلت منذ عام 1961 لحد اليوم لم تؤدي إلا إلى تعميق الاعتماد الريعي في دوامة حتمية لا مخرج منها بسبب طبيعة الدولة الريعية.[2]
فالخلاص لا يكمن في إعادة نبش كل ما كتب حول الموضوع، فلم يبق باب إلا وطرقه الاقتصاديون، وكله يضيع في سراب الوهم أمام ديناميكية الدولة الريعية التي تحتم تعميق الاعتماد الريعي الذي لا خلاص منة إلا بهدم الأساس الذي يعتمد علية الاقتصاد الريعي بمكوناته الاربعة:
- الدخل الرئيسي للاقتصاد من صادرات النفط.
- لا تشكل القيمة المضافة والايدي العاملة المحلية إلا نسبة ضئيلة من القيمة الكلية للصادرات النفطية.
- إيرادات النفط تأتي من الخارج.
- يذهب الدخل الريعي إلى الحكومة.
وتشهد الصراعات الداخلية، حتى في الدول الريعية التمثيلية (الديمقراطية؟) تسابق على الاستحواذ على الريع (rent-seeking). ففي مجلس النواب العراقي (الديمقراطي) يتسابق النواب على إضافة أعباء على الموازنة لمناطقهم أو ما يمثلونه في مصالح فئوية وجهوية. وتستسهل الجهات المنفذة (الحكومة) التسابق في نهب المال الريعي من خلال الفساد المالي والإداري المتفشي في كل الدول الريعية، والذي بلغ ذروته في العراق. والذي يعتقد أن العراق حالة شاذة فلينظر إلى ليبيا القذافي ونايجيريا وانغولا وفنزويلا.
إذاً ما الحل؟
الحل هو قلب معادلة الدولة الريعية وتحويلها إلى دولة جباية بإعطاء الدخل النفطي إلى المواطنين بدخل أساسي شامل Universal Basic Income))، وتمويل موازنة الدولة من خلال ضريبة تفرض على المواطنين. ومن حيث المبدأ فإن المادة (111) من الدستور تنص على أن النفط والغاز ملك الشعب العراقي، وهذا مدخل مناسب لقلب معادلة الدولة الريعية.
ومن هذا المنطلق، فإن المزايدات الشعبوية في تحميل الموازنة أعباء المزايدات النيابية، والفساد التنفيذي تنقلب إلى حرص على تقليص الموازنة ومحاسبة السلطة التنفيذية من منطلق (لا ضريبة دون تمثيل ومراقبة) (no taxation without representation).
عملياً، بالإمكان البدء بموازنة 2018 بالخطوات التالية:
أولا: جمع الفقرات التالية وتحويلها إلى رصيد نقدي شامل ومتساوي إلى جميع المقيمين من المواطنين على أساس سجل العوائل الخاص بالبطاقة التموينية:
- بيع النفط الخام إلى الاستهلاك الداخلي بسعر السوق الخارجي، بعد خصم معين (5-8 دولار للبرميل).
- إيقاف تخصيصات البطاقة التموينية، والضمانات الاجتماعية وتحويلها إلى حصة الدخل الأساسي الشامل.
- إزالة تخصيصات الكهرباء من الموازنة ابتداء من عام 2018 ودفع قطاع الكهرباء للتمويل الذاتي (مع توفير الغاز بالكلفة).
ثانيا: تجميد تخصيصات النفط للموازنات اللاحقة (2019 وما بعدها) عند سعر وكمية 2018، وتحويل كل زيادة في السعر والانتاج إلى احتياطي صندوق الاجيال (صندوق سيادي) وتنمية الدخل الأساسي الشامل (U.B.I.)، وربطه مستقبلاً بإيرادات النفط خارج الموازنة.
عدنان الجنابي – 6/8/2017
المصدر:
مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية
http://mobdii.org/ArticleDetails.aspx?ID=10065
[1] الدكتور مظهر محمد صالح، www.iraqieconomists.net، 3/8/2017.
[2] عدنان الجنابي، “الخلاص من الدولة الريعية،” دراسات عراقية، 2016.
لتحميل ملف بي دي أف انقر على الرابط التالي
Adnan Janabi Fiscal Reform in Iraq-final
اطلعت على تعقيبات الاساتذة الاعزاء جميعا.واجد ان منطقنا هو واحد في التشخيص والاستنتاج.باستثناء حقيقة واحدة جاءت بها الورقة الموسومة:التعزيز المالي للعراق:رؤية للاعوام 2018-2020 / فالورقة تتحدث عن مسار مالي للسنوات الثلاث القادمة فحسب.فهي ليست بديل اصلاحي شامل للنظام الاقتصادي بل ثمة اسس وحصانات للمالية العامة دون الانجرار في فخ المديونية باحادية بديلة اخرى لسد ثغرات تدهورعائدات النفط .فتنويع الاقتصاد الوطني هي سياسة اقتصادية اصلاحية طويلة الاجل لها برامجها وآلياته واهدافها.لذلك سوف ارسل لحضراتكم رؤيتنا الاصلاحية للاقتصاد تحت عنوان :العراق 2030
مظهر محمد صالح
قد يصعب الدخول في مناقشه اطروحات تتميز بأبعاد فكريه وعمليه عديده صعبه المنال اعتمدت اساسا علي ما مطروح حاليه في النقاشات الدولية المتعلقة بما يطلق عليه ” الدخل الاساسي الشامل” وهي موضوعه نبعت من سياقات التطور في البلدان المتقدمة ومساله تصاعد الفجوة في الدخل وتزايد البطالة بسبب تعاظم دور القطاعات الرقمية, هذا وتم تبني الفكرة من كبريات الشركات العالمية لتخيف حده الصدام واتساع فجوه الدخل بين شرائح المجتمع المختلفة وتهميش فصائل مجتمعيه واسعه , عليه فالمقترح المقدم في توزيع الدخل النفطي في العراق علي السكان تم حشره في قضيه تبدو بعيده من السياق العام للموضوع الذي ارهق العراق ومفكريه لعقود طويله … وهي كيفيه التكمن من انفكاك الاقتصاد العراقي او تقليص اعتماد موازنه الحكومة والموازين الأخرى في الاقتصاد علي قطاع واحد وهو قطاع النفط وعوائده من العملات الأجنبية , وبزوغ ما تم تسميته “الدولة الريعية “. وتم التخويف منها عبر هذا الاخطبوط الظاهري ( الدولة الريعية ) من دون الوقوف علي اسباب الاخفاقات العراقية الحقيقة والفشل الواقعي في التصدي لهذه المشكل . من هنا يحتاج الموضوع ابتداء الي حسم جمله قضايا جوهريه وهي الموقف الواضح من مدي اهميه مشاركه القطاع الاجنبي في ملكيه النفط من دون شعارات واهيه ” ملكيه الشعب ” ودور الدولة في كيفيه اداره الموارد المتوفرة سواء جاءت مباشره من تصدير النفط او من خلال دفع المواطن الضريبة الي الدولة حسب المقترح ,ام يراد من المقترح بشكل غير مباشر الدعوةخصصه استحصال الضريبية المقترح وكذلك بالطبع خصصه قطاع النفط ,لفشل الدولة ليس فقط في ادارة هذا القطاع, بل في عجزها عن ترشيد استخدام عوائده بسبب غياب السياسات الاقتصادية الحكيمة , علما بان هذا الموضوع ( الدخل الشامل )لا يزال في حوار في اروقه الفكر العالمي ولأتوجد حوله تجارب عمليه في دول سوآءا نفطيه او الغير نفطيه . أي لا يزال مجرد افكار معروضه للنقاش والحوار ضمن اروقه ومنتديات دوليه من ناحيه , وتباينت الآراء حول جدواها وهي لاتزال مثار شك في تحقيقها من ناحيه اخري . لذا اري ضرورة اخذ هذه المعطيات في نظر الاعتبار, و عدم الايمان المطلق بان توزيع الدخل علي السكان وفرض الضريبة لاحقا سيحول الدولة الريعية الي دوله جبايه بالتالي سيشكل وسيله سحريه لتنويع الاقتصاد وفك ارتباطه من عله النفط من ناحيه , وتحريك التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة وضمان العدالة المجتمعية من ناحيه اخري . بالتالي القضاء علي الدولة الريعية وفك ارتباط الاقتصاد واعتماده الازلي علي الصادرات النفطية . وفي هذا السياق اود الإشارة الي الدراسة القيمة للدكتور صبري زاير السعدي الموسومة ” البديل الاقتصادي للتحرر من شراك فخ الريع النفطي في العراق ” الذي اكد فيها ان الخلاص من تبعيه الريع النفطي تتمحور في تطوير الصناعات الاستراتيجية الموجهة للتصدير والتي يمكنها توفير الايرادات من العملات الأجنبية( انه بلاشك طريق صعب ويختلف عن التصورات الهلامية ان قطاع النفط وسحر عوائده تحل كافه المشكلات البلد وانها خلقت الترهل وعدم الرشادة في اتخاذ القرارات الحكومية من دون النظر الي مصالح القوي الداخلية والخارجية في هذا المجال , بل اختزلت مفاهيم .التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتم التركيز فقط علي تطوير قطاع النفط الخام وتم العزوف عن الاهتمام في الاستثمار في قطاع التصفية والأسمدة او البتروكيماويات وغيرها من الصناعات الاستراتيجية بحجه عدم ربحيتها التجارية بمعايير السوق العراقية المشوهة كما لم يتم اخذ التشابكات والترابطات القطاعية المختلفة فالمقترح اقر الامر الواقع… لدينا قطاع نفطي مجزي لابد من التركيز عليه وايجاد وسائل لتقليص دور الدولة والمجتمع في الولوج الي مخاطر التنمية الشاملة وتنويع القدرات الاقتصادية التي قد تجلب مخاطر خارجيه كبيره عليه من السهل الركون علي انتاج وتصدير النفط والاعتماد علي المشاركة مع الشركات الأجنبية باعتباره الحل السحري الممكن و المتاح . هذا وعجز المقترح عن تبيان مدي الترابط بين توزيع الدخل النفطي علي السكان وبعدها فرض ضربيه, وتحول الدولة من دوله عطاء الي دوله جبايه ؟ تساؤلات تحتاج الي اجابات قبل طرح افكار تبدو انه المخرج من دون دعم ذلك بتحليلات عمليه وعلميه رصينة
الأخ العزيز محمد،
تحية تقدير واعتزاز،
أنا متابع لكل ما قدم من حلول من مختلف الاقتصاديين ، عراقيين واجانب، وانا على تواصل مع الزميل صبري زاير،
التجارب حول الدخل الأساس الشامل مستمره منذ عقود في الولايات المتحد وكندا وناميبيا ولهند وغيرها سابقا وحاليا في فنلندا وكندا والولايات المتحدة ،
أرجو مراجعة كتابنا( الخلاص من الدولة الريعيه) ان الدول الريعيه النفطية هي الاقدر على جني الايجابيات للدخل الأساس الشامل ، وتجاوز عقدة التمويل التي يقف عندها بعض الاقتصاديين،
أشكرك مرة اخرى وأقر بأننا بحاجة الى الكثير من التفاصيل لانجاح التجربة ، وأكرر ان جميع محاولات ( تنوع الدخل ) ضاعت في حتمية سقوط الدولة الريعيه في الفساد والدكتاتورية ،
اتفق كليا مع ما طرحة السيد عدنان الجنابي وذلك للتخلص من ( الحلقة المفرغة للريعية )، وبدون ذلك ستستمر الدولة الريعية (باذرعها الاقتصادية والسياسية والادارية بخلق الميكانيزم الخاص باستزاف الفائض الاقتصادي للبلد والذي اساسه الريع النفطي .ولكن السؤال هل ان جهاز الدولة البيروقراطي قادر على خلق الظروف والاليات التي تنقذ البلد من فخ الريعية الذي هو احد المستفيدين منها .