للإجابة على هذا السؤال من الضروري في البداية التعرف على ماهية التخطيط الاقتصادي ومن ثم القاء نظرة سريعة على مسار التخطيط الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي سابقا والعراق.
- ماهية التخطيط الاقتصادي
يعرف التخطيط الاقتصادي بأنه حصر الموارد الاقتصادية في البلد من أجل رفع المستوى المعاشي للشعب بواسطة خطة اقتصادية لمدة خمسة سنوات على الأقل.
ولهذا فإن تخطيط الاقتصاد الوطني هو الطريقة الأساسية لتحقيق السياسة الاقتصادية الموجهة لرفع قوى المجتمع الانتاجية في جميع الاتجاهات واشباع الحاجات المادية والروحية للشعب في بلد ما انطلاقا من منهجية الاقتصاد الوطني والنهج الذي يسير عليه (رأسمالي أو اشتراكي او مختلط أو اسلامي …الخ) كما هو مثبت في الدستور. ولكن الدستور العراقي لم يثبت في طياته المنهج الاقتصادي الذي يسير عليه البلد كما ورد في المادة 25 :تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته (1). وبالنتيجة فإن السياسة الاقتصادية للبلد كانت مبهمة منذ العام 2003 وغير معروفة للمواطنين. وهذا كله بسبب الوضع السياسي غير المستقر، لذا فإن كل معالجة لأية مشكلة اقتصادية في البلد تعد ناقصة لعدم وجود فلسفة اقتصادية يرتكز عليها الاقتصاد الوطني.
لمواصلة القراءة يرجى تحميل ملف بي دي أف سهل الطباعة. انقر على الرابط التالي
سناء عبد القادر مصطفى-هل فقد التخطيط قوته؟-محررة
عزيزي د. سناء
أشكرك على الإشارة في تعليقك إلى آلية التتخطيط القائمة على مشاركة ديمقراطية لجميع الوحدات الإنتاجية والخدمية في عملية التخطيط الاقتصادي ورفدها لجهاز التخطيط الوطني بالبيانات لتقوم بوضع الخطة الاقتصادية الوطنية. هذه مسألة كانت موضوعاً للنقاش في الأنظمة الاشتراكية القائمة ضمن محاولات إصلاح مناهج التخطيط (ويطلع علينا البعض امهتم بالموضوع بتقييمات جديدة لتجربة/تجارب التخطيط في هذه الأنظمة). وكما تعرف فإن موضوع التخطيط الاقتصادي كان أيضاً مثار اهتمام الجامعات والمؤسسات البحثية في شتى أنحاء العالم، وحتى أن بعض الجامعات الغربية كانت لها مراكز مكرسة لبحوث التخطيط الاقتصادي. لكننا اليوم لا نجد مثل هذا الحضور في الأكاديميات الغربية (راجع مناهج بعض الجامعات البريطانية بهذا الشأن ستراها تؤكد على التخطيط الحضري أو ألإقليمي) وحتى أن الموضوع انحسر من دائرة النقاش الاقتصادي العام مع تسيّد أطروحات الليبرالية الجديدة.
وفيما يخص العراق فإنه فَقَدَ مخططيه، ولهذا فإن الخطة الاقتصادية للعراق للفترة الزمنية 2018-2022 التي ذكرتها في تعليقك صار، كما تؤكد، حبراً على ورق. وفي ظني أن هذا يعكس غياب رؤية اقتصادية واضحة لرسم مسار الاقتصاد العراقي وتحديد هويته، وهو ما أفهمه من إشارتك للتجربة النرويجية في عدم الوقوع في فخ الريع النفطي.
هناك تخوف من تدخل الدولة في الاقتصادات الرأسمالية رغم أن للدولة حضوراً قوياً في تشريع مختلف أشكال الضوابط، وهي المستخدم الأكبر للعمالة، والمنقذ للشركات الرأسمالية وقت الأزمات، وكان لها دورها في تخطيط الاقتصاد إبان الحرب العالمية الثانية، وهي المنظم لأسعار الفائدة، والانفاق العام الاستثماري والاستهلاكي. وبالنسبة للعراق فإن حضور الدولة في الاقتصاد صار موضوعاً غير مرغوباً به (لاحظ إهمال الشركات الصناعية العامة ورهن صناعة النفط بالشركات النفطية العالمية والتقليل من قيمة الجهد الوطني في مجال النفط كما في غيره من المجالات وتضخيم الجهاز البيروقراطي البائس لخدمة المحاصصة) جرياً وراء أطروحات الليبرالية الجديدة.
ترى هل هناك أمل في أن يستعاد تدريس موضوع التخطيط الاقتصادي في الجامعات العراقية؟ وهل هناك إمكانية لتجديد النقاش عن التخطيط الاقتصادي في اقتصاد هجين كالاقتصاد العراقي؟
مع خالص التقدير.
مصباح كمال
8 أيلول 2019
عزيزي أستاذ مصباح كمال
تحية طيبة
جزيل الشكر والإحترام على قراءة مقالتي الموسومة – هل فقد التخطيط الاقتصادي قوته في الوقت الحاضر؟ وإثارتك لمجموعة الأسئلة الخمسة وطرحها بشجاعة أمام الاقتصاديين والمهتمين بشؤون التخطيط.
ورجوعا الى مبدأ التخطيط ومسألة الخطة الاقتصادية كما ورد في المقالة: ” يجب ان تناقش على كافة المستويات الرسمية والشعبية وفي كافة المشاريع العامة والخاصة- المصانع والمعامل والورش الصناعية وفي جميع وحدات القطاع الزراعي العامة والخاصة والمختلطة ولأن الخطة توضع وتناقش في المشاريع الانتاجية ، أي في أسفل السلم الاجتماعي-الاقتصادي وبعد ذلك ترسل الى قاعدة البيانات في وزارة التخطيط وتناقش من قبل أجهزة الدولة العليا وتعطى على ضوئها التعليمات والتوجيهات والأوامر لتنفيذها مع الأخذ بمقترحات المشاريع الانتاجية في القطاعات المادية وغير المادية. وخلاف ذلك سوف تبقى الخطة الاقتصادية حبر على ورق”.
وسؤالي موجه الى اللذين قاموا بوضع الخطة الاقتصادية للعراق للفترة الزمنية 2018-2022 : هل قاموا بطرح وسؤال الجهات المعنية كما ورد في المقالة أعلاه؟؟!! فمن قرائتي المستفيضة لها في صيف العام الماضي 2018 لم أجد هذا الجواب ولذلك بقيت حبر على ورق. نحتاج عزيزي أستاذ مصباح الى أناس جديين يضعون الخطة الاقتصادية من ألفها الى يائها ويطرحونها على جميع الطبقات والفئات الاقتصدية-الاجتماعية حتى نتمكن من النهوض باقتصادنا الوطني الذي يعتمد على واردات النفط وكثير ما نناقش مسألة الفخ الريعي ولكن هل تاقش الاقتصاديون العراقيون مسألة النهوض بعلم التخطيط الاقتصادي؟!
خذ على سبيل المثال مملكة النرويج التي بدأت بانتاج النفط وتصديره في أواسط سبعينيات القرن الماضي التي كان اقتصادها يعتمد بالدرجة الأولى على صيد الأسماك والمنتجات البحرية وتقطيع أشجار الغابات وبعض الصناعات التحويلية والغذائية خلال عدة قرون مضت. قامت النرويج بتأسيس صندوق مستقبل الأجيال من واردات بيع النفط حتى لا تعتمد على مداخيله بالدرجة الأولى وتقع في الفخ الريعي كما هو الحال في العراق وذلك من خلال ادخال مبدأ التخطيط الاقتصادي وسيطرة قطاع الدولة على مفاصل اقتصادها الوطني مع قيامها بفرض الضرائب على جميع الفعاليات الاقتصدية (مبدأ رأسمالية الدولة). وقد نشرت مقالة حول الموضوع في شبكة الاقتصاديين العراقيين باسم: “السمات الأساسية لإقتصاد مملكة النرويج أوالبلد الاسكندنافي الذي لايريد الدخول الى الإتحاد الأروبي” بتاريخ 15/5/2018 وبينت فيها النظام الاقتصادي النرويجي والموارد البشرية والطبيعية والتنمة المستدامة، فعسى ولعل أن ينتبه القائمون على تخطيط الاقتصادي العراقي ويأخذوا ولو بجزء بسيط من هذه التجربة الغنية من أجل بناء اقتصاد وطني جيد.
مع التحيات.
د. سناء مصطفى
ماذا حلَّ بالتخطيط الاقتصادي في العراق؟
أثار د. سناء عبد القادر مصطفى سؤلاً مهماً: هل فقد التخطيط الاقتصادي قوته في الوقت الحاضر؟ استنتج فيها أن التخطيط لم يفقد قوته في الوقت الحاضر وانما فَقَدَ القائمون عليه الجدّية والحزم في تطبيق مبادئه.
قادني ظرف معين إلى الانتباه لهذه المقالة وإعادة قراءتها وخطر ببالي أن أثير بعض الأسئلة اختار منها التالي:
-ما هو موقف الاقتصاديين العراقيين تجاه التخطيط الاقتصادي المركزي في الوقت الحاضر؟
-هل صار مُعيباً البحث في موضوع التخطيط الاقتصادي، وإلاّ لم السكوت؟
-هل أن “السياسات” المتبعة منذ الاحتلال الأمريكي (2003) ومنذ تبني الدستور (2005) الملتبس قد ساهمت في تنمية العراق اقتصادياً واجتماعياً؟
-هل أن ترديد مقولات صندوق النقد الدولي والمؤسسات الاستشارية والمالية الدولية كافية لتحقيق تغيير في نمط الاقتصاد الريعي؟ وهل كان التخطيط الاقتصادي سينتشل العراق من أزمته الاقتصادي؟
-هل اختفى التخطيط الاقتصادي كدرس مقرر في الجامعات العراقية؟
وكان قبل ذلك قد قام د. صبري زاير السعدي بدراسة (التجربة الاقتصادية في العراق الحديث، 1951-2006، وهو عنوان كتابه الصادر من دار المدى، 2009) والذي تناول فيه تجربة التخطيط وتقييمها، لكن كتابه لم يلقَ، مثل مقالة د. سناء عبد القادر مصطفى، حسب علمي، ترحيباً أو مراجعة علمية من الاقتصاديين العراقيين. كيف يمكن للفكر الاقتصادي العراقي أن يتطور في غياب التفاعل النقدي بين الاقتصاديين؟ (مع الاعتذار لمن درس الموضوع ولم أتعرف أو أقرأ ما نشروه).
هل من مجيب؟
مصباح كمال
6 أيلول 2019