قبل مايقرب من بضعة اشهر أججت تنبؤات رجل الاعمال طلال ابوغزالة الحوار والنقاش المتخصص حول امكانية حصول الازمة في اقتصاد هو الاكبر في العالم، ويشهد العدو قبل الصديق على نموه وتعافيه وقوته وقدرته المتزايدة على تجاوز الازمات واعادة انتاج عوامل الانفلات منها، الا ان المسكوت عنه في تلك النقاشات هو مكامن الازمة وتوقيتاتها التاريخية وجذورها الابتدائية، والحلول المطروحة وممارساتها العملية، وكيف يصنف المتخصصون من الليبراليين القدامى والليبراليين الجدد قرار الولايات المتحدة الامريكية بضخ الاف المليارات من الدولارات لحفز الاقتصاد الامريكي ومنعه من التدهور اكثر، والذي فاق نسبة التدهور ابان الازمة المالية العالمية عام 2008 كما تظهره المؤشرات العالمية كافة وبدون استثناء، واين يمكن تصنيف هذا التدخل في الاسواق على المستوى المنظومي الرأسمالي، وبعيدا عن الجوانب الايدولوجية المقيتة لهذا التصنيف، التي تخدش الذوق البرجوازي الرفيع، فأن من الضروري اخضاع الكيفية التي يراد بها معالجة الازمة، اخضاعها الى المنطق الموضوعي وميكانزمات حركة الواقع ،كونها هي ذات الطريقة التي تمت بها معالجة ازمة الرهن العقاري في امريكا عام 2008، ودور تلك الحلول في اعادة انتاج الوضع ذاته ابان الازمة، مزادا باختلالات معمقة للازمة، ترتب عليها اعتماد حلول من نوع اخر وفقا للواقع التضخمي الجديد (الذي خلقه المال المرابي المغشوش متمثلا بالمشتقات المالية، التي بلغت درجة من النمو وصلت الى حد استنفاذ الخزانة الخلفية لحلبة الروليت الدولية وبدأت باللعب، ليس على مال، وليس على وعد المال، بل اللعب على سلسلة اوراق مشدودة الى اوراق مشدودة الى محض الوعد بالمال في سعيه، اي المال المرابي، لدرء المخاطر والبحث عن عوائد ربوية) ودور هذا الواقع (الجديد) من قبلُ ، امتدادا الى التضخم الذي رافق حرب الفيتنام في سبعيينيات القرن المنصرم والتي انتهت بخسارة الولايات المتحدة الاميركية لموجوداتها من الذهب التي كانت تشكل ثلاثة ارباع الذهب خارج الاتحاد السوفيتي وعجزها عن تغطية العملة الاميركية المصدرة (الدولار) بنسبة 25% من قيمتها ذهبا حسب اتفاقية برتن وودز، ذلك العجز التي كان وراء قرار الرئيس الامريكي نيكسون في 15 اب 1971 الغاء ارتباط الدولار بالذهب وتصفية الموجودات الذهبية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية، وفرض ضريبة 10% على الواردات الامريكية من اوروبا، والذي شكل الرافع الابتدائي لتضخم المشتقات المالية بانواعها واشكالها ومصادر خلقها
ومن بعدُ ، من خلال خلق مزيد من العسكرة والتسلح التي تعمل هي ذاتها على نمو الاوراق المالية/المشتقات من جديد حد بلوغها مايقرب من 60 ضعف الناتج الاجمالي العالمي ، اي 1620 ترليون دولار مقابل 27 ترليوم دولار عام 2008، بل ان بعض المؤسسات المالية اصبحت تتعامل بما يزيد على عشرات اضعاف رأسمالها الحقيقي حسب-بول هيرست وجراهام طومبسن.
كل هذا يحصل في ظل خلل محاسبي مقيت، ونظام محاسبي مغشوش في اساسه، ووهم الاسس القانونية لمنشأها وتضخمها وتوحشها، والتواطؤ الرسمي (الامريكي) للتغطية على انفلاتها من الرقابة والتضييق والضبط تحت فرية الليبرالية.
باختصار ان التضخم الذي اصبح مؤسسة من مؤسسات النظام الرأسمالي منذ نصف قرن متجليا في المشتقات المالية، اخذ يسهم ويتداخل في علاقة تزداد اضطراداً بالتبريرات الايدولوجية لفكرة العدو، واعلاء شأن الصراعات الاثنية بعد توفير المقدمات المفاهيمية لها (صموئيل هنتغتون انموذجاً) من خلال خلق الارهاب وتوزيعه في الجسد العالمي بعناية ودراية كل الحكومات قاطبةً ، ومن دون استثناء، لتبرير افكار محاربته بصفاقةٍ ووقاحةٍ لاتخلو احياناً من السذاجة في التعامل مع قدرة الشعوب على ادراك محمولاتها، وهذا يعني ان الولايات المتحدة الامريكية تعمل على تشكيل عوامل امتصاص التضخم بذات الاليات التي خلقته في حلقةٍ متكاملة تتوزع فيها الادوار على جوقة مفكري النظام ومسؤوليه وفي كل الاروقة والمجالات، من دون نسيان اشاعة الخوف، بالنفخ في امراضٍ قائمة كانفلونزا الطيور الذي تواكب مع غزو العراق، وانفلونزا الخنازيرالذي تواكب مع الازمة المالية العالمية عام 2008، و وباء كورونا مع ازمة/حرب تلوح في الافق . متناسين إن اعنف انفلونزا يشهدها التاريخ، وتعمل على الفتك بالملايين، وتشرييد الملايين، وتجويع مئات الملايين من بالبشر ، انما هي انفلونزا الامبرليالية المتوحشة (الرأسمالية مابعد الامبريالية حسب توصيف المستشار الدكتور مظهر محمد صالح) وتهتك مايسمى بالنظام الدولي لدوره في اعادة خلق سيطرة متزايدة للطبيعة على الانسان، وتبديد كل الجهود البشرية على مدى عشرات الالاف من سنوات العمرالزمني للانسان العاقلHomo-Sapiens للسيطرة على الطبيعة وتطويعها لخدمته، بالاضافة الى دوره ، اي ما يسمى بالنظام الدولي، في اعادة انتاج المرحلة البربرية بثيابٍ وردية، وتسييد شريعة الغاب خدمة للسيد المرابي، مترافقا باعلامٍ متواطئ خادم لهذا الرأسمال في تحوله الي فيلقٍ متقدم على فيلق مشاة البحرية الأميركية.
(*) باحث اقتصادي و استاذ جامعي متقاعد
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعدة النشر بشرط الإشارة الى المصدر. 17 اذار 2020
لتحميل ملف بي دف سهل الطباعة والقراءة انقر على الرابط التالي
عبد الجبار العبيدي -الازمة العالمية القادمة- محررة
أستاذ علم الاقتصاد المتقاعد – كلية الإدارة والاقتصاد- جامعة بغداد
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية