المقدمة
تؤثر التقلبات الحاصلة في اسعار النفط سواء بصورة مباشرة على الايرادات النفطية ومن ثم على الايرادات العامة ، او بصورة غير مباشرة على الصادرات او الاستيرادات في الدول الريعية ، مما يؤثر على الميزان التجاري بالفائض او العجز ، ومن ثم تشكل تلك التقلبات تحديا وقلقا للسياسة الاقتصادية في تلك البلدان الريعية التي يتوقف ازدهارها ونموها ورخاؤها على استدامة انتاج النفط الخام وترشيد استخدام الثروة النفطية من اجل ايجاد مصدر دخل كبير وسريع للثروة لتصحيح الخلل الحاصل في الهيكل الاقتصادي لتلك الدول الريعية .
و تتسم السوق النفطية بعدم الاستقرار وكثرة التقلبات التي تحدث فيها ، وذلك بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية وغير الاقتصادية ،اذ تؤثر تقلبات اسعار النفط العالمية على الاقتصاد الوطني في شقين ، الشق الاول (حكومي) اذ تعتمد التجارة الاستيرادية السلعية والخدمية للحكومة على تخصيصات الموازنة للوزارات والقطاعات المعنية بالاستيراد الحكومي ، فالاستيراد الحكومي يتناسب تناسبا طرديا مع التخصيصات لكل وزارة ، وان النسبة الاكبر من ايرادات الموازنة تتعلق بقيمة العائدات النفطية وان تلك العائدات تتأثر أقيامها بتقلبات أسعار النفط العالمية والشق الثاني ، ان تمويل تجارة القطاع الخاص الخارجية وسد احتياجات العملة الاجنبية تأتي بالأساس من نافذة العملة الاجنبية في العراق مثلا ، اذ ان النافذة المذكورة تتغذى من احتياطيات البنك المركزي من النقد والعملة الاجنبية ، وان تراكم ذلك الاحتياطي الاجنبي يأتي عن طريق مبادلة ايرادات الحكومة بالعملة الصعبة المتأتية بالنسبة الاكبر من ايرادات النفط وتحويلها الى الدينار العراقي الذي يصدره البنك المركزي بالمقابل لمصلحة الحكومة العراقية ، وان تطور اسلوب الموازنة العامة المتبع حاليا في العراق الى اسلوب الموازنة (الصفرية – التعاقدية) على سبيل المثال لا الحصر فان ذلك من شانه ان يؤدي الى استغلال عوائد قطاع النفط في تعزيز تنوع الاقتصاد العراقي ، وبالتالي رفع نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الاجمالي الذي من شانه ان يعزز مكانة الاقتصاد العراقي في مصاف الدول المتقدمة ذات الاقتصاد المتنوع.
لذلك تأتي الاهمية من خلال انعكاسات تغيرات اسعار النفط على الموازنة العامة والميزان التجاري في العراق وبعض دول اوبك والتي يعتمد اقتصادها على الايرادات النفطية بشكل كبير ، اذ ان تمويل الموازنة العامة يتم من خلال الاعتماد على الايرادات المتأتية بشكل كبير من عملية تصدير النفط فضلا عن ان الميزان التجاري ولاسيما جانب الصادرات يكون مرتبط بتغيرات اسعار النفط في الاسواق العالمية اذ انه يحقق فائضا فيما لو ارتفعت اسعار النفط العالمية وازدادت الصادرات النفطية ، ويحقق عجزا فيما لو انخفضت الاسعار وقلت الصادرات النفطية ، مما يسبب حالة من الانكشاف الاقتصادي والتبعية الى الخارج .
وهذا ما يقود الى اشكالية (مشكلة) في الاقتصادات المنتجة للنفط ولاسيما العراق ، اذ ان عدم وجود تنوع اقتصادي في مصادر ايرادات الموازنة العامة و جانب الصادرات الكلية واعتمادهما على عوائد القطاع النفطي ، ادى الى تعميق الاختلالات الهيكلية في الاقتصادي العراقي ، و عزز من تبعية الاقتصاد الوطني للمتغيرات الخارجية ، واصبح الاقتصاد العراقي تحت رحمة اسعار النفط ، لا قطاعات انتاجية ولا انشطة خدمية باستطاعتها ان توفر الايرادات اللازمة لتغطية حجم الانفاق العام ، فضلا عن الفساد (المالي والاداري) الذي توغل في اغلب الدوائر والوزارات الحكومية ، بالتالي يستلزم ذلك وجود وقفة ضرورية لإعادة القطاعات غير النفطية الى جادة العمل من خلال استغلال العوائد النفطية – وتفعيل دور القطاع الخاص – في اعادة بناء الاقتصاد الوطني كما هو الحال لدى بعض الدول المنضوية تحت منظمة اوبك .
تنطلق الفرضية من ان التغيرات المستمرة في اسعار النفط العالمية لها تأثير كبير على واقع الموازنة العامة والميزان التجاري في العراق والدول المختارة ، لكن بنسب متفاوتة ، اذ ان هذه النسب المتفاوتة تعتمد على كيفية ادارة العوائد النفطية وتفعيل البرامج والخطط ذات الجدوى الاقتصادية للنهوض وتطوير القطاعات الاخرى في البلاد ، بما يحقق الاهداف التالية – وهي الاهداف التي تسعى الدراسة من تحقيقها – و هي :-
1- تحليل اثر تغيرات اسعار النفط على الموازنة العامة والميزان التجاري في العراق وامكانية الاستفادة من تجارب الدول المختارة .
2- تحليل الموازنة العامة والميزان التجاري لبعض الدول المختارة التي يعتمد اقتصادها على عوائد القطاع النفطي وبيان تطور اقتصاداتها ومحاولة التحول من الريعية الى التنويع الاقتصادي في البلاد .
3- النهوض بواقع القطاعات والانشطة الاقتصادية غير النفطية من خلال ايجاد ادارة تتمتع بالرشادة والعقلانية بعيدا عن العوامل السياسية والانتفاعات الحزبية ، ليكون عملها على المدى المتوسط والبعيد في تحقيق تغيير جذري في الاقتصاد الوطني .
كما تم التطرق في متن الكتاب الى مواضيع الموازنة العامة والميزان التجاري والمفاهيم المتعلقة بهما وتاثير تقلبات اسعار النفط على حركة الصادرات والاستيرادات فضلا عن التطرق الى اقتصادات بعض الدول في منظمة اوبك (السعودية وايران والامارات والكويت والجزائر فضلا عن العراق ) وبيان حجم التنويع في قطاعاتها الاقتصادية وكيفية مواجهة تقلبات اسعار النفط في الاسواق العالمية ، فضلا عن حجم الانكشاف الاقتصادي ودرجة تبعيتها الى الخارج .
وقد اوردنا في نهاية القسم الثالث من الكتاب استراتيجية مقترحة للنهوض بالواقع الاقتصادي للعراق ، وفيه بعض المقترحات المهمة على الصعيد الداخلي والدولي لما يمكن البلد من ادارة موارده بطريقة مناسبة وممهدة للتنويع الاقتصادي في كافة الانشطة والقطاعات اعتمادا على قطاع الطاقة ولاسيما (النفط والغاز الطبيعي) .
والله ولي التوفيق
علي عبد الكاظم دعدوش
لتحميل الكاتاب كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية