د. أبراهيم كبة

عماد كبه : خالي الدكتور إبراهيم كبة

خالي الدكتور إبراهيم كبة كان من رجال العراق الذين لعبوا دوراً تأريخياً هاماً في حياته السياسية والفكرية. ولد في سنة 1919 وتوفى في سنة 2004 لقد كان مثقفاً حقيقياً وكان موسوعياً في علمه ومعارفه وقد أتقن اللغات العربية والفرنسية والأسبانية والإنكليزية والكردية. وقد كانت مكتبته الموجودة في دار جدتي التي كان قد جمع فيها كتبه قبل سفره إلى الخارج للدراسة تضم المئات من الكتب القيمة وكنت قد نهلت منها في وقت مبكر من عمري ثقافتي الأولى آلتي أثرت في تأثيراً كبيراً فقد قرأت فيها تولستوي ودويستوفسكي وجارلس ديكنس وبوشكن وكوركي وغيرهم كثير من الكتاب الكبار في العالم وكانت هذه الكتب تحتوي على حواشي بخط يد د. إبراهيم معلقاً على محتوى هذه الكتب وكنت أقرأ هذه التعليقات التي لا يكاد تخلو منها أي ورقة من تلك الكتب بشغف كبير وكنت أقضي ساعات مختفياً في سرداب بيت جدتي الذي كان يحتوي هذه الكتب على رفوف تصل إلى السقف وتحتاج إلى درج عالي للوصول الكتب الموجودة على الرفوف العالية.
وقد كان خالي قبل سفره إلى الخارج للدراسة يميل إلى الأفكار القومية والوطنية التي سادت في ذلك الوقت الذي تميز بنشاط سياسي وفكري محموم وكان الشيخ محمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال (وهو خال الدكتور إبراهيم) ومحمد حديد رئيس الحزب الوطني الديموقراطي مع شلة أخرى من الوطنيين العراقيين الآخرين مثل جعفر أبو التمن يعملان في جبهة المعارضة ضد سياسة نظام نوري السعيد وحلف بغدد وسياسة قمع الأحزاب.

وبعد سفره من العراق للدراسة فإن د. إبراهيم احتك بالأجواء اليسارية التقدمية متنقلاً بين العواصم الأوروبية والعربية وبالأخص باريس ولندن ومدريد قد عمل هذاعلى بلورة وصياغة منهج ابراهر اهيم كبة الماركسي الإشتراكي الإنساني. عاد ابراهيم كبة الى بغداد عام 1952 بعد إكمال دراسته وقد ناهضته السلطات الملكية السعيدية وطاردته في العمل والسكن . أثناء ذلك ساهم كبة في صياغة ميثاق جبهة الاتحاد الوطني سنة 1957 وكان على صلة مباشرة بالحركة الديمقراطية العراقية.

ومن ذكرياتي عن خالي إبراهيم بعد عودته من سفره وسكنه في بيت جدتي في بستان كبة بأنه كان رجلاً بسيطاً يتحدث إلى الجميع بغض النظر عن منزلتهم وعقائدهم وأذكرإنه قدجلب معه هدايا لعائلته ولنا شملت لوحات فولكلورية مصنوعة من نوع من القماش السميك ذا ألوان مختلفة تمثل صراع الميتاادور الحامل للخرقة الحمراء مع الثور. كما أذكر إنه في يوم من أيام الصيف الحارة وكنت في عمر قد أدرك المفاهيم السياسية والفكرية إني ذهبت إليه وفاجأته بالسؤال التالي : كيف تفسر بأن علماء معروفين بموضوعيتهم وحياديتهم من الغرب الرأسمالي ومن الشرق الإشتراكي يختلفون اختلافاً جذرياً في آرائهم في الإقتصاد والمبادئ؟ ولا أنسى جوابه القصير الذي بقى ذاكرتي إلى هذا اليوم حين أجابني على هذا السؤال بقوله: إن كل منهم يحمل الأفكار التي تتوالم مع مصلحته . وحينئذ فهمت لأول مرة معنى الأيدولوجية !!

استوزر ابراهيم كبة في اول حكومة وطنية بعد ثورة 14 تموز 1958 وتولى حقيبة التجارة كما تولى حقائب وزارية أخرى بالوكالة كالنفط والاصلاح الزراعي. وكان له الفضل الاول في كسر القطيعة الاقتصادية مع البلدان الاشتراكية وبالاخص الاتحاد السوفييتي والمانيا الديمقراطيةوالصين الشعبية .وفي صياغة قانون ٨٠ التي تم تحريرالنفط العراقي من قبضة الشركات النفطية الإستعمارية وبناء الصناعات الثقيلة في العراق وقانون الإصلاح الزراعي الذي حرر الأرض من قيضة الأقطاعيين الذين تملكو ألأرض ظلماً وبهتاناً والمزارعين من عبوديتهم ومن الجوع والمرضالذي كان سائداً في أرياف العراق.
الا ان تردد السياسة القاسمية في حقل الحريات العامة وبناء أسس المجتمع المدني الحديث وإطالتها الفترة الانتقالية ، وتأخير تشريع الدستور الدائم ، وتسييرها ماكنة الدولة على يد نفس الجهاز الإداري الملكي القديم البعيد عن الديمقراطية الدستورية دفعت كبة لتقديم استقالته اكثر من مرة وجوبهت برفض الزعيم عبد الكريم قاسم (حتى اواسط عام  196 ؟)  وهو قد ساهم بهمة في العمل الاكاديمي التدريسي والبحثي في جامعة بغداد في مجالات الاقتصاد والتخطيط والإجتماع وغيرها كما شارك في تحرير مجلتي الثقافة الجديدة والثقافة (العراقيتين ) ذواتي التوجه التقدمي والفكر العلمي النضالي الحديث وهو يغذ السير بأتجاه ترسيخ مفاهيم وقيم جديدة في الساحة الفكرية العراقية المعاصرة .وقد تعرض بسبب توجهاته الى عنت الحكم الملكي الهاشمي وما بعده فعلى سبيل المثال فصل سنة 1954 مع مجموعة من ابرز اساتذة جامعة بغداد .كما اعتقل بعد سقوط حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في شباط 1963 .ولم يفت ذلك من عضده بل خرج مرفوع الرأس شامخا يدرس طلبته ويشرف على اطروحاتهم ويجاهر بفكره اليساري التقدمي .

وان له كتب ودراسات ومقالات كثيرة أحصاها ولده الاستاذ سلام. وتعد بالعشرات من الكتب والمحاضرات في كافة الشؤون الاقصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من المسائل الفكرية .كما كتب عنه كثيرون وكل من كتب عنه ، يؤكد بأن الاستاذ الدكتور ابراهيم كبة واحد من أبرز المفكرين الاقتصاديين العراقيين والعرب. وقد كان له دور مهم في ترسيخ الافكار الاشتراكية، وتنمية الوعي اليساري في العراق . ولم يكن الرجل قابعا في برجه العاجي كأستاذ جامعي ، وانما كان منغمسا في الحياة العامة درس وحاضر وكتب وترجم وعلق وناقش وجادل وحلل واستنتج ووضع نظريات مهمة لاتزال تدرس في المعاهد والكليات الاقتصادية العراقية والعربية والعالمية .
كان الاستاذ الدكتور ابراهيم كبة فوق هذا وذاك انسانا كريما ،ومربيا فاضلا ، شجاعا نبيلا متواضعا التف حوله طلبته وزملائه وحري بنا ان نظل نذكره فلقد ترك بصمة واضحة ليس في تاريخ الفكر الاقتصادي العربي المعاصر فحسب ، وانما في التاريخ العراقي والعربي المعاصر. وكان من دعاة تشديد الصيانة الحزبية وارساء المركزية الديمقراطية على اسس وطيدة بحكم استقواء اعداء الشعب وبالاخص زمر البعث والرجعية واتسمت شخصيته بالحزم اللامتناه والصرامة التي يشهد عليها القاصي والداني ، العدو والصديق .
رحمة الله على خالي العزيز والتبقى ذكراه رمزاً للوطنية والإخلاص لوطننا الحبيب عماد كبة

16/4/2021

———————————————————————
المصادر
ابراهيم كبه ، عراقيبيديا نسخة محفوظة 19 مارس 2017 على موقع واي باك مشين.
إبراهيم كبة واسهاماته في إثراء الفكر الاقتصادي في العراق نسخة محفوظة 05 أغسطس 2012 على موقع واي باك مشين.
الوزارات العراقية في عهد الجمهورية الاولى 1958-1963 نسخة محفوظة 09 يوليو 2018 على موقع واي باك مشين.
السيرة الذاتية للدكتور ابراهيم كبة نسخة محفوظة 11 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
“ابراهيم كبة: كتاب دراسات في تاريخ الإقتصاد والفكر الإقتصادي”. مؤرشف من الأصل في 18 يوليو 2018. اطلع عليه بتاريخ 18 يوليو 2018.

المصدر: موقع عادل حبة على الفيس بوك

https://www.facebook.com/profile.php?id=100010601501121

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: