اقتصاد المحافظات والتنمية الاقليمية

أ.د. عبد الكريم جابر شنجار العيساوي: رؤى اقتصادية لمحافظة القادسية: الواقع والضرورات

إن المشاهد لمحافظة القادسية (الديوانية) والأقضية والنواحي يرصد بوضوح مدى الحاجة إلى خطوات غير اعتيادية في سبيل تعزيز التنمية الاقتصادية الاجتماعية، فالطابع السائد عنها كونها مدينة زراعية يعمل سكانها في قطاع الزراعة بنسبة (48%)، وتضم مجموعة بسيطة من المصانع والمعامل الحكومية التي تعمل بخسارة ليست استثنائية بل تصاعد تبذيرات الحجم وبعد تخلف قطاع الصناعة في ظل عقد التسعينات وتراجع هذا القطاع ما بعد عام 2003، بسبب التنافس مع الاستيرادات الخارجية التي أغرقت السوق العراقية بالسلع الرخيصة، إلى جانب خسارة قطاع الزراعة لكوادره بعد انخراطها بالجيش والشرطة لضمان دخل ثابت لأبناء المجتمع الزراعي.
 
ويلحظ بسهولة أن المحافظة خسرت الكثير من المهن والحرف اليدوية التي كانت تمتلك فيها ميزة نسبية.  بالطبع أن الحال لا ينطبق على محافظة القادسية لوحدها بل على نطاق العراق ككل.
إن العراق ما بعد عام 2003 أصبح يمتلك الفرص المناسبة للنهوض الاقتصادي بما حباه الله سبحانه بالثروة النفطية الهائلة، ولكن الذي جعل تعطل الشرارة الأولى في الانطلاقة الصحيحة للأسباب، بعضها داخلية، تعود إلى تداخل الرؤى السياسية المحلية حول الاستثمارات الأجنبية وطريقة استخدامها ومثال ذلك ما جعل الاختلاف ما بين القوى السياسية الحاكمة حول قانون البنى التحتية.
لمواصلة القراءة يرجى تحميل ملف بي دي أف سهل الطباعة. انقر على الرابط التالي
عبد الكريم شنجار العيساوي-رؤى أقتصادية-محررة

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (6)

  1. farouk yoي
    farouk yoي:

    يتفق الباحثان كل من الدكتور عبد الكريم جابر شنجار العيساوي و الاستاذ مصباح كمال ويلتقيان في تشخيص المشكلة حيث يشير الاستاذ العيساوي الى ( قلة الوعي المجتمعي ) ويشير الاستاذ مصباح كمال الى ان ( عرض الحماية التامينية سيظل غير مستغل في غياب الوعي بالتامين )
    نعم ان غياب الوعي بالتامين في القطاع الزراعي – على سبيل المثال من شانه ان يوءدي الى عزوف شركات التامين عن طرح هذا المنتج على الرغم من اهمية التامين الزراعي وانعكاساته على الاقتصاد الوطني
    لدينا عدد كبير من شركات التامين نسبيا في القطاع الخاص لكن هذه الشركات كغيرها من الشركات لا تنظر الا على ما يحقق مصالحها وهي تتنافس على سوق صغيرة وعلى ( حصة صغيرة) في سوق التامين المحلية ذلك لان حصة الاسد تذهب لشركات التامين الاجنبية وليس هناك حماية للمنتجات العراقية الزراعية والصناعية والتامينية وذلك نتيجة للفهم الخاطيء لاقتصاد السوق والانفتاح التجاري والمالي على الخارج
    مع التقدير

    • مصباح كمال
      مصباح كمال:

      حول قلة الوعي بالتأمين وضعف الطلب على الحماية التأمينية الزراعية
      جمع الأستاذ فاروق يونس في تعليقه القصير العديد من القضايا التي يعاني منها قطاع التأمين العراقي ومنها ظاهرة ضعف أو قلة الوعي بالتأمين. وليس هذا بالمكان المناسب لعرضها وتحليلها ذلك لأنها بحاجة إلى بحث تفصيلي أكاديمي لاكتشاف مكونات هذا الوعي الناقص والوسائل المناسبة لخلقه وإدخاله في صلب التفكير بالموقف من الأخطار التي تحيط بنا وتلك التي ترتبط بأعمال الإنشاء والإنتاج والنقل والخزن والاستهلاك؛ وباختصار، الأخطار الكامنة في “العمران البشري”. لقد ظلت معالجة ظاهرة الوعي الناقص بأهمية الحماية التأمينية (لدى الأفراد والجماعات والشركات وحتى الدوائر الحكومية) محصورة في ما يمكن وصفه بالكتابة الصحفية السريعة التي لا تتعدى ملامسة سطح الأشياء. ولم تجري الاستفادة من ما سماه مؤرخ بريطاني،Barry Supple، بعادة التأمين أو عادة التدبر للمستقبل، في تاريخ التأمين في مجتمعات أخرى، وكيف دخلت إلى وجدان الناس. وقد حاولت التعريف بهذا المقترب البحثي من خلال ترجمة مراجعات نقدية لبعض الدراسات التاريخية لمؤسسة التأمين، وهي منشورة في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، ومنها:
      ―تطور التأمين الاجتماعي: الرعاية الاجتماعية والشيخوخة في أوروبا وأمريكا الشمالية
      ―التأمين على الثورة الصناعية: التأمين ضد الحريق في بريطانيا العظمى، 1700-1850
      ―المراهنة على الحياة: ثقافة التأمين على الحياة في إنكلترا، 1695-1775
      ―التأمين التبادلي: 1550-2015: من رفاهة النقابات وجمعيات الأخوة إلى شركات التأمين المتناهية الصغر المعاصرة
      إن الوجه الآخر لقلة الوعي بالتأمين، من منظور اقتصادي، هو ضعف الطلب الفعّال على الحماية التأمينية في مختلف أشكالها. وهذا الضعف هو الآخر لم يلقَ ما يستحقه من البحث الأكاديمي. أنتقى الأستاذ فاروق غياب الوعي بالتأمين في القطاع الزراعي كمثال. وقد سبق أن ناقشنا جوانب منه في تعليقات سابقة في موقع الشبكة (راجع: البعد المفقود في الكتابات حول إدارة القروض والمشاريع الصغيرة: التأمين الزراعي مثالاً. وكذلك: شركة مختصة لتأمين الصادرات العراقية).
      إن شركة التأمين الوحيدة التي توفر غطاء التأمين الزراعي هي شركة التأمين الوطنية العامة. وكان إنتاجها من أقساط التأمين الزراعي خلال 2016-2017 كالآتي:
      ألف دينار
      اسم الشركة/السنة 2016 2017
      شركة التأمين الوطنية 175,824 170,275
      المصدر: جمعية التأمين العراقية: إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق لعام (2016-2017)
      إن الطلب على التأمين الزراعي كان، منذ إدخاله في سوق التأمين العراقي من قبل شركة التأمين الوطنية في سنة 1982، ضعيفاً رغم أن الشركة كانت توفر حزمة من وثائق التأمين. واقتبس أدناه ما كتبه زميلي فؤاد عبد الله عزيز، مؤسس فرع التأمين الزراعي في الشركة وأول مدير للفرع، بهذا الشأن:
      “1 – تأمين المحاصيل الزراعية على شكل وثيقة موسعة لتشمل الحريق والاخطار الاضافية على الابنية والمعدات يضاف لها التأمين على المحصول الزراعي من الاخطار المذكورة وكذلك الجفاف في المناطق الديمية والبرد (الحالوب) والامطار الغزيرة والفيضان والآفات الزراعية التي لا يمكن السيطرة عليها بالمكافحة.
      2 – وثيقة تأمين المركبات الزراعية على مختلف اشكالها وهي أقرب إلى وثيقة تأمين السيارات الخصوصية.
      3 – تأمين المواشي لتغطية نفوق الحيوانات بسبب الحوادث أو المرض والاعتلال.
      4 – وثيقة تأمين الدواجن لتشمل خطر الحريق والاخطار الاضافية الاخرى وكذلك تغطية هلاك الطيور بسبب الاخطار المذكورة ومن جراء الامراض شريطة ان تتخذ الاجراءات الوقائية بشكل كامل.
      5 – وثيقة تأمين خاصة بخيول التربية أو السباق من الهلاك بسبب الامراض أو العطل المانع من السباق بشروط واسعار خاصة.”
      وقد أفرد زميلي سببين لتفسير ضعف الطلب على هذه الوثائق، ولكن دون شرح إضافي، بالقول:
      “لم يتقدم أي من المزارعين للتأمين على محاصيله الزراعية مع ان حملة ترويجية كانت قد جرت بالتعاون مع الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية. وكان واضحا ان ارتفاع اقساط التأمين واعتياد الفلاحين على الدعم الحكومي هما السببين الرئيسيين في ذلك.”
      (الاقتباسات من كتاب لم ينشر بعد لفؤاد عبد الله عزيز، ثلاثة عقود في شركة التأمين الوطنية، 2018)
      إن موضوعي الوعي التأميني والطلب على الحماية التأمينية ينتظران من يقوم ببحثهما.
      أشكر الأستاذ فاروق يونس على مثابرته ف التعليق واهتمامه بالنشاط التأميني.
      مصباح كمال
      28 كانون الأول 2018

  2. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    عزيزي د. عبد الكريم شنجار جابر العيساوي
    أشكرك على حسن استقبالك وتعاملك الكريم والبنّاء مع تعليقي على مقالتك.
    ربما كان بإمكانك أن ترد عليَّ وأنت في راحة مكتبك، لكنك آثرت الذهاب إلى شركة التأمين الوطنية-فرع الديوانية لاستقراء الموضوع. وبفضل ذلك قدّمت لقراء الشبكة معلومات عن عمل الشركة ليست في التداول العام، ولمست الجدية لدى العاملين، واكتشفت وجود فرع لشركة التأمين العراقية في المحافظ، وغياب فروع لشركات التأمين الخاصة (هناك أزيد من ثلاثين شركة تأمين خاصة مرخصة للعمل من قبل ديوان التأمين).
    استنتجت، بفضل استقراءك للوضع التأميني في الديوانية، ما أسميته بقلّة الوعي التأميني، وبالتالي المكانة الضعيفة التي يشغلها قطاع التأمين في المحافظة. ثم أشرت، بسرعة، إلى الحاجة إلى:
    أولاً، زيادة عدد منتجي أعمال التأمين لتوسيع الوعي بالأهمية الاقتصادية للتأمين لدى أصحاب المصالح التجارية. وهو موضوع قابل للنقاش لأن زيادة عدد المنتجين بحد ذاته لا يترجم نفسه إلى تعميق الوعي بأهمية الحماية التأمينية، خاصة في غياب ثقافة التأمين في المجتمع، ما لم تقترن هذه الزيادة برفع مستوى المعرفة التأمينية، العامة والمتخصصة، عند المنتجين.
    ثانياً، “البحث عن وسائل تشجيعية للولوج الى هذ القطاع الخدمي الإنتاجي” وأخال أن هذه الدعوة موجهة لأصحاب رأس المال في القطاع الخاص باعتبار أن التأمين، وكما ذكرتَ، “يعد في اعتقادنا مجالا حيويا الى الاستثمار الخاص.” وهذه الدعوة قابلة للنقاش أيضاً. إن ولوج شركات التأمين الخاصة إلى قطاع التأمين في المحافظة يعني زيادة عرض الحماية التأمينية، لكن هذا العرض سيظل غير مستغلاً في غياب الوعي بالتأمين، وفي غياب الطلب الفعّال على التأمين، ومن إفرازات مثل هذا الوضع تسعير حمّى المنافسة بين الشركات وهبوط المستوى الفني في العمل وبالتالي نوعية الخدمة التأمينية.
    إن تعليقي المقتضب هذا وغير المكتمل لا يعفينا من متابعة الموضوع على المستوى النظري والميداني. لذلك، آمل أن تنهض الفرصة لك لمعاودة البحث في موضوع النشاط التأميني وتقديم المزيد من المعلومات والتحليل.
    مع خالص التقدير.
    مصباح كمال
    27 كانون الأول 2018

  3. د.عبدالكريم جابر شنجار
    د.عبدالكريم جابر شنجار:

    الأخ العزيز الأستاذ مصباح كمال المحترم
    . شكرا على مداخلتكم الرائعة حول مقالنا المتواضع حول رسم ملامح للتنمية المكانية الى محافظة القادسية .. وبالإشارة بشكل خاص الى قطاع التأمين . هذا القطاع الحيوي والذي يعد في اعتقادنا مجالا حيويا الى الاستثمار الخاص …بالطبع دفعني مروركم الكريم الذهاب الى شركة التأمين الوطنية / فرع الديوانية .. والتقيت بالاخوة العاملين هناك لمست الجدية في عملهم . والرغبة الى توسيع المشمولين في استمارات التأمين البالغة نحو (23) استمارة تشمل كل نواحي التأمين المختلفة .. ومن خلال الحوار والنقاش معهم …توصلت الى قناعة ان القطاع يضمن حياة العائلة ..ولكن الأجواء المتسمة بعدم الثقة بين المفترض أن يكون مستفيد وشركة التأمين .. كذلك سواد قلة الوعي بشكل كبير والذي يمتد حتى الى المثقف والمتعلم مع الأسف الشديد .. وبالطبع لايزال قانون رقم 52 لسنة 1980 هو الأساس في تعويض كل شخص يتعرض الى حادث بسيارة ( من وفاء الى أي ضرر جسدي ).. وهو تأمين على الحياة دون أن يعلم المواطن بذلك ..ومن خلال الحوار تبين مدى سهولة إجراءات التأمين . وبالاطلاع على اوليات أحد المندوبين للتأمين ( أو ما يطلق عليهم بالمنتجين). والذي كان حريص على المعلومات التي يحتفظ بها .حاولت أن أحصل على عمق ثقافة التأمين لدى المواطن في محافظة القادسية …ذكر هذا المنتج أن في حوزتة حوالي(300) أستمارة تتوزع تقريبا ما بين:
    * 70% حريق
    */الحوادث الشخصية نحو 10%
    * التامين على الحياة.5%
    *السيارات4%
    *حماية الاسرة والسكن (وثيقة مركبة ) نحو 5%
    ونستنج من هذه النسب مدى قلة الوعي المجتمعي .. وهذا يعني أننا نحتاج الى ما يأتي:
    * زيادة عدد المنتجين لغرض توسيع التوعية ومن خلال التقاء بأصحاب المصالح التجارية لبيان أهمية التأمين على مختلف النواحي الحياتية وفي الوظيفة.
    * من الممكن البحث عن وسائل تشجيعية للولوج الى هذ القطاع الخدمي الإنتاجي.
    ومن الجدير بالذكر توجد الى جانب شركة التأمين الوطنية .. شركة التأمين العراقية ..في حين لا توجد شركات الى القطاع الخاص في مجال التأمين والتي تواجد بشكل ضعيف ثم اختفت بسب ضعف الشفافية في عملها الى جانب ضآلة حجم قطاع الاعمال في المحافظة..
    امين

  4. farouk yoي
    farouk yoي:

    تاتي اهمية هذه الدراسة كواحدة من الدراسات القليلة في اطار الدراسات الاقتصادية- الاجتماعية التي تتناول التنمية المحلية على مستوى احدى المحافظات العراقية وهي محافظة القادسية ( الديوانية ) حيث لخص الاستاذ الدكتور عبد الكريم جابر شنجار العيساوي واقع هذه المحافظة ( مدينة زراعية، مجموعة بسيطة من المعامل والمصانع ، تخلف وتراجع القطاع الصناعي بعد عام ٢٠٠٣ ، خسارة المحافظة لكثير من المهن والحرف اليدوية ، )
    يقرر الباحث ( تبقى مسالة ضمان تحقيق اهداف الاستثمار المختلفة هي الاهم في سبيل خدمة المواطن في هذه المحافظة ) ثم يقدم روءيته في القطاعات السلعية والقطاعات الانتاجية الخدمية والقطاعات الخدمية الاجتماعية )
    المطلوب
    اعتمد الدستور العراقي مبداء اللامركزية في الادارة الحكومية وكفل للاقاليم ومجالس المحافظات التي لا تنظم في اقليم استقلالية كبيرة و صلاحيات واسعة لم تشهدها الانظمة السابقة فالمطلوب ان يتم وضع هذه الدراسة موضع الدراسة والتطبيق من قبل مجلس محافظة الديوانية و اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه المحافظة التي وصفها القاص زعيم الطاءي ب ( نرجسة القلب الضاءعة)
    مع خالص التقدير للاستاذ الدكتور عبد الكريم جابر شنجار العيساوي

  5. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    الدكتور عبد الكريم العيساوي ورؤيته لقطاع التأمين في محافظة القادسية
    منذ فترة لم يُشر اقتصادي عراقي لقطاع التأمين أو يكتب عنه (آخر مقالة نشرت في موقع شبكة الاقتصاديين كانت للدكتور سناء عبد القادر مصطفى بعنوان “تأمين المشاريع والمنشآت الصناعية في العراق” بتاريخ 16 آب 2017). لذلك يأتي تكريس فقرة في مقالة الدكتور عبد الكريم العيساوي لهذا القطاع، من منظور الاقتصاد الإقليمي regional economics، كمبادرة يستحق عليها الشكر.
    (1) “التحدي المعقد” للاقتصاد العراقي
    يقول الدكتور العيساوي إن عراق ما بعد عام 2003 أصبح يمتلك الفرص المناسبة للنهوض الاقتصادي بفضل الثروة النفطية الهائلة، ولكن ما عطَّل الشرارة الأولى في الانطلاقة الصحيحة لنهوض أسباب، بعضها داخلية، تعود إلى تداخل الرؤى السياسية المحلية حول الاستثمارات الأجنبية وطريقة استخدامها …”
    لقد كانت الثروة النفطية هي الأساس الذي يقوم عليه الاقتصاد العراقي في الماضي والحاضر. وإذا تمَّ التسليم بهذه الحقيقة فإن فرص النهوض الاقتصادي كانت قائمة منذ بدء تدفق الإيرادات النفطية. وقد جرت محاولات في خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي لتحقيق النهوض/النقلة النوعية في الاقتصاد الوطني لكنها تعثرت وتعطلت بسبب الحروب والعقوبات الدولية، ومنذ 2003 سوء الإدارة والفساد والنهب وغياب المشروع الوطني لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد العراقي. كان بإمكان الدكتور العيساوي عرض أسباب تعطل النهوض الاقتصادي لكنه اكتفى بالإشارة إلى تداخل الرؤى حول الاستثمارات الأجنبية وطريقة استخدامها. ويفهم ضمناً من موقفه أن الاستثمارات الأجنبية هي الرافعة الأساسية للنهوض الاقتصادي؛ وهذا موضوع قابل للنقاش، وللاقتصاديين العراقيين مواقف متباينة بشأنه. ففي تصريح لجريدة المدى بتاريخ 12 تموز 2017 ركَّز الدكتور أحمد بريهي على الانطلاق من القدرات الذاتية المحلية بالقول:
    “اننا لغاية الآن نسمع الحديث يركز على المال والانفاق وهذا خطأ كبير، لأن المطلوب في العراق من الآن النهوض بالقدرة الوطنية على البناء والاعمار وضمان وجود شركات متخصصة قادرة تشكلها الحكومة بالتعاون مع القطاعين العام والخاص، مع أو بدون شركات اجنبية، وهنا نضمن وجود شركات وطنية نزيهة وكفوءة وطنية بالمشاركة مع جهات اجنبية، وهذه الشركات يمكن أن تكون فعلاً قادرة على الاعمار، الآن المسألة ليست متعلقة بإنفاق الاموال، فنحن انفقنا الكثير والكثير جداً منها ولم نحصل على شيء لأن القدرة الوطنية للبناء في العراق واطئة جداً.”
    أو الإطار الذي رسمه الدكتور صبري زاير السعدي لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد العراقي، ففي فصل بعنوان “التحدي المعقد” الذي يواجهه الاقتصاد العراقي يكتب في دراسة مكثّفة (نموذج اقتصادي جديد للعراق: الرؤية المستقبلية وشركات الدولة الكبرى والريع النفطي، دار نور للنشر، 2017):
    بالرغم من أن المعالجات الأساسية للتعامل مع المشكلة الرئيسية لاقتصادات الريع النفطي قد نوقشت على نطاق واسع ولفترة طويلة، إلا أن الاستفاضة فيها وتعديل المقترحات السابقة ضروري لمواكبة الظروف الجديدة السائدة ولتجنب نتائج أزمات عصر العولمة الاقتصادية بما فيها تزايد إجراءات الحماية. وبالنسبة لأفق مستقبل العراق، فإن من الضروري أيضاً تقديم جهود جديدة في مجال التخطيط الاقتصادي وللسياسات والإجراءات الاقتصادية. وبالتحديد، هناك ضرورة لصياغة أهداف للرؤيا المستقبلية الوطنية الغائبة، ولتهذيب الأوليات للاستراتيجية الاقتصادية بعيدة المدى، ولبرمجة الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، ولتحديد السياسات الاقتصادية الكلية المناسبة، ولتطوير المحفزات “للاستثمار الأجنبي المباشر” بهدف توطين الصناعات المستخدمة للتكنولوجيا المتقدمة … (ص 6)
    هناك ضرورة لتحديد ملامح الاقتصاد العراقي القائم ومن ثم “صياغة أهداف للرؤيا المستقبلية الوطنية الغائبة” كما يكتب الدكتور السعدي. لذلك فإن إدراج مجموعة من الرؤى/التمنيات في قائمة ليس كافياً أو بديلاً لما يراد أن يكون عليه الاقتصاد الوطني. فمثل هذا “المنهج” يعتمد وصفة اليد الخفية التي ستنظم مسار الاقتصاد دون الحاجة لتخطيط اقتصادي. ويبدو أن الهمّ الأساس للدكتور عبد الكريم العيساوي هو الترويج لدور القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي مع إهمال دور الدولة في التخطيط والاقتصاد. وهو بذلك يقتفي أثر من سبقوه منذ 2003، رغم فشل القطاع الخاص ودعاة الاستثمار الأجنبي في تنويع الاقتصاد وتحقيق تكامل بين قطاعات الاقتصاد.
    (2) نقد لرؤية الدكتور العيساوي لقطاع التأمين في محافظة القادسية
    ماهي الرؤية التي قدمها الدكتور العيساوي لقطاع التأمين في محافظة القادسية؟ الاقتباس التالي يضمُّ جملة ما كتبه حول القطاع:
    إذا ما سلمنا أن الحكومة الاتحادية تمسك ببعض المصارف، ولكن بالإمكان فتح شركات التأمين لضمان حياة المواطن من كافة الحوادث، فالملاحظ غياب هذه الصناعة، فغالبا ما تعالج اجتماعيا ويترتب على ذلك إلحاق الخسائر في الأرواح والممتلكات ويغيب على الكثير البيانات الإحصائية الضرورية لاتخاذ إجراءات الردع الحكومية لمنع تلك الخسائر. وفي هذا المجال يعد الاستثمار في إقامة مكاتب وشركات التأمين خيارا استثماريا مربحا.
    القول بإمكانية فتح شركات التأمين لضمان حياة المواطن ينطوي على أطروحة مضمرة، وهي أن شركات التأمين حالياً، في محافظة القادسية، لا توفر التأمين على حياة المواطن. وهذا ليس صحيحاً إذ أن لكل من شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية، الحكوميتين، وربما شركة أو شركات تأمين خاصة، فروعاً في المحافظة. إن الشركتين الحكوميتين توفران وثائق التأمين على الحياة والتأمينات العامة. ولذلك لا يصح القول بـ”غياب هذه الصناعة” [صناعة التأمين على الحياة].
    يقول الدكتور العيساوي إن الحوادث غالباً ما تُعالج اجتماعياً؛ أي أنه في غياب حماية التأمين يلجأ المواطن إلى حلول اجتماعية للتعويض من آثار الحوادث على الأرواح والممتلكات. وقد تتخذ هذه الحلول شكل التعاضد الأسري، البر بالوالدين، العونة العشائرية وربما حلول مماثلة أخرى.
    ليس واضحاً تماماً ما هو المعني بالقول: “ويغيب على الكثير البيانات الإحصائية الضرورية لاتخاذ إجراءات الردع الحكومية لمنع تلك الخسائر.” لا خلاف حول شحة البيانات الإحصائية الخاصة بتكرار وجسامة الحوادث، الطبيعية والبشرية، لتقييم كلفتها وتقدير عدد الإصابات البدنية، بما فيها الوفاة، التي تنشأ عنها. ومن المؤسف أن الإحصائيات التاريخية بهذا الشأن غائبة، وليست هناك محاولات على المستوى الحكومي أو مستوى قطاع التأمين وحتى المستوى الأكاديمي لجمع البيانات وتصنيفها. وبالنسبة للحكومة فإنها تفتقر إلى إطار قانوني ينظم التأمين ضد أخطار الطبيعة.
    إن ما يدعو إليه الدكتور العيساوي هنا هو قيام الحكومة باتخاذ الإجراءات لمنع وقوع الخسائر في الأرواح والممتلكات. إن أي إجراء مادي ينطوي على كلفة اقتصادية. على سبيل المثل تخطيط الشوارع لضمان التزام السيارات بخط السير، أو تثبيت علامات السير، أو إضاءة الشوارع، أو بناء السدود لدرء خطر الفيضان، أو توفير مجاري لمياه الأمطار … إلخ. هناك إجراءات أخرى تتمثل بإصدار القوانين. على سبيل المثل، القوانين والتعليمات المرتبطة بها بشأن استعمال الغلايات/المراجل، أو المصاعد، أو تثبيت أجهزة مكافحة الحريق في منشآت معينة. هذه القوانين والتعليمات الملزمة تنقل كلفة الامتثال له إلى الشركات والأفراد.
    لكن منع بعض الخسائر يمكن أن يتم من قبل الأفراد. فعندما تُشرّع الحكومة التعليمات لاستعمال الأحزمة في السيارات يتعيّن على الأفراد التقيد بهذه التعليمات لدرء أو تخفيف الخسارة/الإصابة في حالة اصطدام السيارة بسيارة أخرى أو بهيكل مادي وغيره.
    في ختام رؤيته لقطاع التأمين في القادسية يرى الدكتور العيساوي أن “الاستثمار في إقامة مكاتب وشركات التأمين خيارا استثماريا مربحا.” يبدو أن الدعوة هنا موجهة للقطاع الخاص وربما الاستثمار الأجنبي المباشر. ويفترض الدكتور العيساوي أن هناك طلباً فعّالاً على الحماية التأمينية من قبل الشركات والأفراد في محافظة القادسية يجعل من تأسيس مكاتب (وهي غير مُعرّفة في قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005) وشركات تأمين مشروعاً استثمارياً مربحاً. لكن هذا الافتراض هو مصادرة على المطلوب. لو كان هناك تأمين إلزامي على أخطار معينة، كخطر الحريق بالنسبة لمنشآت معينة، أو إلزام مؤسسات الدولة بالتأمين على الجسور والمباني العائدة لها، أو إلزام أصحاب المهن كالأطباء والمحامين والمحاسبين بالتأمين من أخطاء المهنة، لكان بالإمكان الحديث عن وجود طلب على التأمين.
    إن الدكتور العيساوي لديه الكثير الذي يستطيع عرضه بشكل تفصيلي في الكشف عن مكامن الخلل ونقد التوجهات الفاشلة لحكومات ما بعد 2003 لإخراج الاقتصاد العراقي من أزمته. وربما لديه أيضاً ما يفيد في شرح مكانة التأمين في اقتصاد محافظة القادسية؛ والأمل معقود عليه لإعادة النظر في وصفه لقطاع التأمين في المحافظة وبنيته. هو اختار محافظة القادسية لأنه قريب منها وقد يعمل وغيره من الاقتصاديين على دراسة الوضع الاقتصادي لمحافظات أخرى وتقديم رؤى للنهوض به.
    أشكر الدكتور عبد الكريم العيساوي على إبرازه لمكانة النشاط التأميني في الاقتصاد المحلي لمحافظة القادسية.
    مصباح كمال
    19 كانون الأول 2018

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: