هاجس السيادة:
ازداد الاهتمام مؤخرا في العراق بقضية “الأمن الغذائي” وسبل تحقيقه، وهو تطور في مستوى اهتمامات المواطنين والمجتمع بعد ان ساد الاهتمام الذي رعته الدولة خلال العقود الماضية، بالايدولوجيا والشعارات والتحزب، بعيدا عن الالتفات لتحسين شروط العيش، او تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن السياسي.
وكما في الكثير من المصطلحات، او المفاهيم، التي أصبحت متداولة منذ عام 2003، نتيجة لحرية التعبير المتاحة بدون اية رقابة او محاسبة، ومن خلال وسائل عديدة، فإن استخدام مفهوم “الأمن الغذائي” ينتابه الكثير من الالتباس لدى المواطنين.
فالكثير من المواطنين، بمن فيهم المتعلمون، يساوون بين «الأمن الغذائي» و مفهوم «الاكتفاء الذاتي» من الانتاج الزراعي. وقد ساد هذا الاعتقاد كثيرا على المستويات الرسمية، بما فيها في منطقة الشرق الاوسط، الى درجة تم بها الترويج إلا ان استيراد الأغذية من الخارج هو امر معيب، وهو ارتهان لأجندات خارجية، وإنتقاص من السيادة الوطنية الى غير ذلك. وقد تجسد الامر بوضوح في الخطاب السياسي الليبي وكذلك العراقي في ظل النظام السابق.
كما لجأت المملكة العربية السعودية، تحت نفس الهاجس الى انتاج كميات كبيرة من القمح، وبكلفة أعلى بكثير من كلفة استيراده من الاسواق العالمية، واستنزفت بذلك خزينها المهم من المياه الجوفية آنذاك، في عملية سرعان ما اكتشفت انها سياسة خاطئة فتوقفت هذه الممارسة المكلفة اقتصاديا وبيئيا، والتي لا يمكن في ظلها توفير حصانة دائمة لفكرة السيادة الوطنية المطلقة، في عالم متغير ولكنه مترابط، تعتمد اطرافه على بعضها البعض الآخر بشكل متزايد مع الزمن.
أما في العراق، وأثناء الحكم الشمولي الذي قام على اساس الايديولوجيا والشعارات، فقد أصبح الشك بكل ما هو أجنبي سياسة رسمية للبلاد. وتفنن النظام، نتيجة ذلك، بإتباع سياسات فاشلة ادت، فيما ادت اليه، الى تحطيم القطاع الزراعي، حيث فرضت الدولة نفسها كلاعب وحيد يحدد الانتاج والاسعار والتسويق والتخزين وغير ذلك، وتوجت تلك السياسات فيما بعد بحروب، فرض اثرها على العراق حصار اقتصادي وعزلة قاسية، كان يستحيل في ظلهما توفير الغذاء اللازم للمجتمع بدون تطبيق برنامج «البطاقة التموينية» وهو برنامج دعم غذائي تقوم الحكومة من خلاله بتقديم كميات محددة من المواد الاساسية للمواطنين بأسعار رمزية وبشكل دوري.
ملف صعب ولكن هل يؤدي الغرض؟
لقد بدأ تطبيق نظام البطاقة التموينية في عام 1991 وهو لايزال ساري المفعول، ولا يبدو حاليا افق محدد لإنهاء العمل به. بل ان البرنامج قد تعزز أكثر هذا العام بتحويل مبالغ اضافية، كانت قد رصدت في ميزانية الدولة لإنجاز مشاريع أخرى، بما فيها معدات عسكرية في ظل وضع أمني معقد، مما يعني ان برنامج “البطاقة التموينية” لا يزال يعتبر ملفا شديد الحساسية، وأن أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحتملة كافية لردع اية محاولة لمراجعته من قبل الحكومة، حتى لو كانت المراجعة بغرض تحسين الوضع الغذائي للسكان!.
فاصحاب الدخول الضعيفة، من العوائل وفئات المواطنين الفقراء والعاطلين عن العمل وغيرهم، خائفون من فكرة الغاء البطاقة التموينية، الى الحد الذي جعل المرجعية الدينية تكرر الدعوة من أجل تحسين مفرداتها، وتوفير التمويل اللازم لاستمرار البرنامج، مما أضاف المزيد من الحساسية على الملف لأنه يتعلق بلقمة العيش، وكرامة الناس، في ظل تعثر التنمية وبرامج الاستثمار التي تقوم الحكومة بتشجيعها، وفق قانون الاستثمار رقم 13 لعام 2006، الا ان ازالة معوقات الاستثمار، كما يبدو، بحاجة الى مدة أطول مما تتمناه حكومة منتخبة لأربع سنوات.
من جانب آخر فإن هناك اعتقادا سائدا لدى الناس يساوي ما بين “البطاقة التموينية” ومفهوم “الأمن الغذائي”. بل ان الكثيرين يعتقدون ان البطاقة التموينية في العراق هي الشكل الأمثل لتحقيق “الأمن الغذائي”، في حين أن اللجوء الى استخدام برنامج البطاقة التموينية هو اجراء وقتي يُلجأ إليه في الأزمات والكوارث التي تؤدي الى تعطيل، او تشويه، سوق الغذاء المحلي، مما يمنع المواطنين، وخاصة ضحايا المناطق المنكوبة، من الحصول على كفايتهم من الأغذية. وقد يتم توسيع نظام البطاقة ليشمل الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل، من غير القادرين على الحصول على الحد الادنى من الغذاء في ظروف استثنائية.
لذلك فإن فعالية نظام المساعدة الغذائية، او البطاقة التموينية، تكون قصيرة المدى للأسباب التالية:
- أنه برنامج إغاثي مخصص لفترة انتقالية قصيرة يتم خلالها مساعدة المنكوبين في الحصول على الغذاء الى أن يتمكنوا من ترميم حياتهم، وتأهيل معاملهم وحقولهم، وبالتالي يصبحون قادرين على الانتاج في ظروف مشابهة لظروف ما قبل وقوع الكارثة.
- لأنه برنامج سلبي وليس تنمويا، اي أن الطرف المستلم للحصة التموينية غير مدعو للقيام بأي عمل مقابل حصوله عليها، وبالتالي لا توجد لديه اي دوافع او حوافز للعمل، وبذلك تنتفي شروط أحداث التنمية الاقتصادية الكفيلة بالتخلص من نظام البطاقة التموينية
- لأنه برنامج غير موجه الى فئة معينة من السكان، بل الى جميع فئات المجتمع، بغض النظر عن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، أو إمكاناتهم المادية، على افتراض ان الجميع هم من ضحايا الكارثة ويستحقون الإغاثة.
- لأنه لا يمكن بأي حال قياس مدى فاعلية البرنامج اذا ما استمر لمدة أطول مما كان يفترض، بل ان استمراره يعتبر دليل فشل أكثر من كونه دليل نجاح. فالنجاح يتحقق فقط عندما ينتهي العمل بالبرنامج، لأن هذا يؤشر الى ان المجتمع قد استطاع تضميد جراحه، وعاد الى دورة الحياة الطبيعية، فيكون البرنامج بذلك قد أدى مهمته في تفادي حدوث مجاعة في المجتمع.
خصوصية تجربة العراق:
لقد أخذ استخدام نظام المساعدات الغذائية، ممثلا بالبطاقة التموينية، منحى مختلفا تماما في العراق. فبالإضافة إلى ما ذكر أعلاه يمكن ملاحظة ما يلي:
1- يبدو ان نظام البطاقة التموينية أصبح نظاما دائميا أو شبه دائمي وليس نظاما مؤقتا، وهذا واضح من المعطيات المتاحة أمامنا. ففضلا عن كونه مطبقا منذ عشرين عاما، فإن برامج مختلف القوى السياسية التي خاضت الانتخابات الأخيرة أكدت على استمراره. كما أن التصريحات المتنوعة لفئات المجتمع العراقي، وخاصة الفئات المحرومة من ذوي الدخول المحدودة تؤكد عليه. لا بل أن البطاقة الورقية إياها قد تحولت إلى بطاقة تعريف مدني للمواطن العراقي، تطلبها كافة مؤسسات الدولة للتعريف بالشخص في أية معاملة، سواء كانت للحصول على شهادة مدرسية أو تسجيل مدرسي او جامعي، او الحصول على الجنسية او جواز السفر، او بيع أو شراء عقار، أو زواج أو طلاق، وما شاكل ذلك
2- لقد صرف العراق منذ عام 1991 وحتى الآن مبالغ طائلة قد تتجاوز المائة مليار دولار لأجل استيراد المواد الغذائية المطلوبة في البطاقة التموينية، دون ان يخلق هذا “الاستثمار” الكبير من المال مناصب عمل للعاطلين، او يحفز الإنتاج الزراعي في البلاد، التي هي في أمس الحاجة لتحريك عجلة الاقتصاد للقضاء على الفقر والمجاعة التي تفشت منذ غزو الكويت عام 1990، والتي ما زال يعاني منها 23% من السكان حسب دراسة الجهاز المركزي للإحصاء حول الأمن الغذائي والهشاشة في العراق
3- أشار السيد وزير التجارة العراقي، في مؤتمر صحفي قبل حوالي أسبوع إلى أن وزارته بحاجة الى أكثر من (7) مليار دولار لتغطية احتياجات البطاقة التموينية للعراقيين. وهذا رقم كبير بكل المقاييس، وهو يشكل ثمانية ونصف بالمئة (8.5%) من ميزانية العراق لعام 2011 وهو مخصص بالكامل لاستيراد مواد غذائية للبطاقة التموينية، دون ان يحفز القطاع الإنتاجي الزراعي الداخلي لا من قريب ولا من بعيد
4- إذا علمنا بأن منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) ترجح ان الدول الأعضاء التي تخصص عشرة بالمئة (10%) من ميزانيتها السنوية للانتاج الزراعي، فإنها ستكون قادرة على تحقيق أمنها الغذائي، وهذا يوضح حجم الفجوة الهائلة في المقاربة المتبعة في العراق لقضية الأمن الغذائي مقارنة بالمقاييس الدولية. وللمقارنة فقط فإن تخصيصات ميزانية عام 2011 لقطاعي الزراعة والموارد المائية في العراق هي أقل من إثنين بالمئة (2%) وهذا اقل من المعدل العالمي في الدول النامية والبالغ خمسة بالمئة (5%.)
5- إن آلية ونظام توزيع المواد الغذائية على المواطنين، واللذين كانا سائدين في ظل نظام سلطوي وحزبي شمولي مفرط في مركزيته وسطوته، هما الآن سائدان في ظل نظام دولة فيدرالية ولامركزية في طور البناء، وأجهزة دولة تعاني -لأسباب عديدة – من الترهل وضعف الرقابة، مما ادى الى شكاوى لا حصر لها من المواطنين حول رداءة نوعية البضاعة ونقصها. ويعرض الاعلام الرسمي العراقي باستمرار نماذج مفزعة للفساد، وآخرها مئات الاطنان من الشاي المخلوط بنشارة الخشب على الحدود البرية، او الزيوت المنتهية الصلاحية في موانئ البصرة، وغير ذلك.
6- عدم وجود خطة بديلة لنظام البطاقة التموينية تهدف الى الانتقال التدريجي من نظام البطاقة التموينية الحالي، وهو نظام مساعدات عينية وليست مالية، الى نظام آخر، يضمن معها الفقراء ومحدودو الدخل حقهم بالحصول على ما يكفيهم من الغذاء. ويلاحظ هنا كذلك عدم وجود جهد تثقيفي او توعوي حقيقي لتنوير المجتمع بمصالحه العليا في تحقيق الأمن الغذائي على المديين المتوسط والبعيد، وقيادته للتخلص من نظام البطاقة التموينية الذي يثقل كاهل الميزانية دون ان يسهم بتحقيق الأمن الغذائي.
7- يبدو واضحا انه اذا تصدت الحكومة بشجاعة الى أمر المراجعة الشاملة لملف البطاقة التموينية بإتجاه التخلص منها لمصلحة المجتمع والدولة، فإن بعض القوى السياسية قد تحاول النيل منها وابتزازها، في حين ان العراق بحاجة الى وقفة مراجعة تتحد بها قوى المجتمع كافة لإنقاذ البلاد من هذا الارث الثقيل الذي ورثه من النظام السابق، واللجوء الى وسائل وبرامج أثبتت الحياة فاعليتها، مشابهة لما جرى في البرازيل والهند، والصين وفيتنام وغيرها من الدول التي حققت نجاحات باهرة على صعيد انتشال مئات الملايين من السكان من براثن الفقر والجوع، وتجاوزت الحدود الأنمائية التي وضعت لها ضمن أهداف الألفية الثالثة، وخاصة الهدف الاول المعني بمكافحة الجوع في العالم. وكذلك علينا ان نتذكر، ونتعلم من الإجراءات الصحيحة التي اتخذتها الحكومة العراقية لمعالجة تهريب الوقود المدعوم الى خارج البلاد في الأوقات التي كان المواطنون يقفون بها في الطوابير لأيام وساعات للحصول عليه.
من الضروري التأكيد بأن مأزق البطاقة التموينية في العراق لا يتحمله المواطنون. بل انهم قد وقعوا، دون ارادتهم، ضحايا هذه الطريقة في الحصول على الغذاء، وقد استغلت في اوقات سابقة واعتبرت مكرمة يقدمها الدكتاتور للسكان، وتمنع عن فئات معينة لأسباب سياسية، وقد انتفع من الاستيراد والتوزيع من انتفع من اركان النظام. وقد آن الوقت كي يقف الجميع امام مسؤولياتهم والعمل سوية للتخلص من كل ما يعيق انتشال المجتمع من براثن الفقر.
التعاون مع برنامج الأغذية العالمي:
ان المشروع المشترك الذي تتعاون من خلاله وزارة التجارة العراقية مع برنامج الأغذية الدولي (بليو أف بي) للمساعدة على تحسين أداء البرنامج (التعاقد، ومصادر التجهيز، والسيطرة النوعية، التوزيع) وتطوير القدرات العراقية بالاستناد الى خبرة هذه المنظمة الدولية الرائدة في في هذا الميدان، وكذلك توقيع مذكرة التفاهم بين برنامج الأغذية الدولي ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، من اجل تحديد المستفيدين، وتوفير شبكة حماية فعالة للفئات الفقيرة والمعوزة، سيوفر مدخلا الى مراجعة شاملة لمشروع البطاقة التموينية، باتجاه أكثر فعالية ونفعا للدولة والمجتمع، كمشاريع التغذية المدرسية التي تعتمد أساسا على الموارد والانتاج المحلي والوطني، أوتحويل المساعدة الغذائية العينية الى مساعدة مالية (عشرين الف دينار شهريا للشخص كما ورد على لسان وزير التجارة العراقي)، او اجراءات عديدة اخرى لا يتسع المجال لسردها
كما أرى أن من المفيد تعميم استنتاجات منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) عند دراسة تجارب البلدان التي نجحت في تحقيق منجزات كبرى على طريق تحقيق أمنها الغذائي، فوجدت ان البلدان الناجحة، وبغض النظر عن موقعها الجغرافي، او حجمها، او مستوى التنمية فيها، اعتمدت على مبادئ اربعة مهمة وهي:
1- تهيئة بيئة ومناخ يساعدان على تحقيق التنمية الاقتصادية (كالقوانين والتشريعات والاصلاحات الاقتصادية وتعزيز مناخ الاستثمار والاندماج بالاقتصاد العالمي وماشاكل
2- مساعدة الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا (تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، وتشجيع الاستثمار في الارياف والمناطق الزراعية، وتعزيز قدرات المزارعين على الانتاج الزراعي
3- التخطيط السليم للمستقبل (استخدام اسس التنمية المستدامة للموارد وليس استنزافها)
4- حماية المكتسبات المتحققة أثناء العمل باستمرار والبناء عليها، (مكافحة التراجع الاقتصادي وعدم الارتجال او القفز على الوقائع الملموسة، تشجيع البحوث الزراعية وتطبيق الناجح منها
.ان الدعوة الى التفريق بين “الحصة التموينية” كإجراء وقتي إغاثي ومفهوم “الأمن الغذائي” غير نابع عن نظرة استعلائية، او رغبة في حوار نخبوي، او ترف بقدر ما هو نابع من ادراك للاولويات الوطنية والمصلحة الوطنية العليا.
فالأمن الغذائي حالة تتحقق بشكل دائم عندما “يحصل جميع المواطنين، في جميع الاوقات، على غذاء كاف ومأمون ومغذّ لتلبية احتياجاتهم التغذوية، وأفضلياتهم الغذائية ليعيشوا حياة نشطة وصحية” وليس في قيام الحكومة بتوزيع مواد غذائية عليهم. فالمواطن الذي “يخلق” غذائه بنفسه، ويحصل عليه بالعمل والجهد، يكون أكثر احساسا بالعدالة، وبقيمة انتمائه الى وطن يمنحه فرصة الشعور بالكرامة كمواطن منتج وفعال في مجتمعه.
كما إن الدعوة الى الغاء برنامج الحصة التموينية لا تعني تعريض الشعب، وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل، الى مجاعة، بقدر ما هي دعوة الى استبدال البرنامج ببرامج أكثر فائدة وواقعية، تؤدي الى تحرير المجتمع من سطوة الفقر والعوز والجوع والاعتماد على المساعدات التي تقدمها الحكومة، وهي دعوة للتفكير بإيجاد حلول مناسبة لهذا القيد الموروث من النظام السابق، ونداء الى تكاتف الجميع من اجل مساعدة الفقراء والمعوزين وتمكينهم من تغيير ظروف حياتهم نحو الأفضل.
وهي بنفس الوقت دعوة لتصدي الحكومة لخلق شروط الانعتاق من الفقر، ولكن مع الاستمرار بتأدية واجبها تجاه المواطنين المحرومين وعوائلهم، إن كانوا اقل حظوظا في الحصول على العمل من الآخرين.
ان اعتبار الحصة التموينية خطا أحمر لايمكن المساس به، ليس بالضرورة موقفا صحيحا، وإن كان الأمر كذلك فعلينا ان نحلم ونعمل الى تحويله الى أخضر.
* سفير العراق لدى منظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغّذية العالمي (دبليو أف بي) وصندوق التنمية الزراعية الدولي (إيفاد) في روما
عن جريدة المدى – الأربعاء 20-04-2011
http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=39167
اشار البحث فى مقدمة بحثه الى ان الكثير يساون بين الامن الغذائى والاكتفاء الذاتى من الانتاج الزراعى وهذا غير صحيح لاشك فى ذلك لكن الباحث لم يعرف مصطلح الامن الغذائى وهو مصطلح معقد كما يعلم
عرفت قمة الغذاء العالمية لعام 1996 ما ترجمته (بان الامن الغذائى يتحقق عندما يتاح لكل الناس الحصول ( at times) من وقت لاخر على كفايتهم من الطعام المغذى وغير المضر للحفاظ على حياة صحية ونشيطة)
كانت بداية استعمال هذا المصطلح فى ادبيات التنمية الدولية خلال عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى الاهتمام بالامن الغذائى قد تزايد بسرعة بعد ازمة النفط الدولية وما تبعها من ازمة الغذاء خلال 1972-1974
يشير الباحث الى ان هناك ما يكفى من الغذاء فى العالم والمشكلة حسب رايه تكمن فى عملية التوزيع ث!!
ما دام البحث بصدد بلدنا العراق لابد من اجراء مراجعة تاريخية حيث كان العراق فى خمسينيات القرن الماضى ينتج مليون طن حنطة وكان مكتفيا من اللحوم والحليب والفواكه والخضروات وكان يصدر 600 طن سنويا من الشعير الى بريطانيا فعندما يكون سعرطن الشعير مطروح فى الموصل 8 ثمانية دنانير يصل الى ميناء ليربول بحدود 20 دينار (20 باون استرلينى)اليوم ينتج االعراق بحدود مليون طن حنطة او اكثر قليلا حسب الاحصاء الرسمى (عدد سكان العراق فى الخمسينيات بين 4-7 مليون واليوم اكثر من 30 مليون اما بقية المنتجات الزرعية فلا يجدر ذكر ارقامها لان السوق العراقية قد نسيها)
ما المشكلة التى يواجهها العراق اليوم ؟ (ليس العراق فقط)
واحد – العولمة وتحرير التجارة فلا عاصم لنا من اغراق اسواقنا بمختلف السلع ذات المنشا الزراعى وغير الزراعى الا الله ( علما بان المواطن العراقى صار ومنذو مدة طويلة لا يتقبل مذاق البيض المحلى وتتقزز نفسه من روءية الخضروات والفواكه العراقية المعباة باكياس مستعملة وبعلب بلاسيكية يتكرر اسعمالها بعد اعادة جمعها)
اثنان – توجه معظم من تبقى من الفلاحين والعمال الزراعيين الى التطوع فى الجيش وقوى الامن الداخلى مما ادى الى ارتفاع تكاليف العمالة الزراعية وخاصة فى قطاع البستنة الذى يحتاج اكثر من غيره الى العمل اليدوى ( يمكن مشاهدة عذوق النخيل دون تلقيح فى البساتين وبيوت المواطنين)
ثلاثة- انعدام او تدنى مظاهر التحضر فى الريف العراقى (قلة المدارس والعيادات واماكن الترفيه) وبراى لولا ارتفاع تكاليف الحياة وخاصة تكاليف السكن فى المدن لتحول الريف الى مناطق غير ماهولة بالسكان
اربعة – غياب عمليات اصلاح الارض(ملايين الدونمات وزعت على الفلاحين دون استصلاح ) عمليات رى دون عمليات بزل مما يوءدى الى تزايد الملوحة
خمسة- عجز الحكومة عن ايجاد حل توافقى مع كل من تركيا وسوريا لضمان حصة العراق من مياه دجلة والفرات وعدم اتخاذ اى اجراء تجاه قيام ايران بحبس المياه المنسابة من منابعها الى العراق
لا علاقة للبطاقة التموينية بالامن الاغذائى لا من قريب ولا من بعيد
اهم ما فى الامن الغذئى هو علاقته بصحة الانسان العراقى وديمومة حياته ومن هنا تبرز اهمية وجود موسسات صحية وتعليمية تعمل على تحسين نوعية الحياة فى العراق
من الناحية التاريخية بدا توزيع المواد الشحيحة او المفقودة فى السوق مع حصول ارتفاع كبير فى اسعارها فى المانيا اثناء الحرب العالمية الاولى حيث حصلت كل اسرة ( ربما اسرة احصائية) على دفتر يحتوى على عدد من الكوبونات تمكن الاسرة من لشراء باسعار مدعومة ثم انتشر التموين خلال الحربين الاولى والثانية
فى العراق من 1991 وحتى 2003 كانت هناك شحة وفقدان للسلع اى كان نظام التموين مبررا وتم استخدامه لجميع المواطنيين بسبب الشحة وارتفاع الاسعار علما بان نظام التموين الذى طبق فى اوربا وامريكا لم يقتصر على المواد الغذائية الاساسية فقط كما هو الحال فى العراق بل شمل مواد اخرى شحيحة او مفقودة مثل اطارات السيارات والسكاير وحتى المشروبات الروحية
ما اريد قوله ان السوق العراقية اليوم متخمة بالسلع والمعروض السلعى متنوع وهناك خيارات للمسهلك ان يشترى البضاعة الصينية الرديئة ولكنها رخيصة او يشترى السلعة اليابانية الجيدة النوعية ولكنها غالية الثمن
اين مبرر نظام التموين فى بلدنا فى الوقت الحاضر ؟
الجواب لا يوجد مبرر
اين تكمن لمشكلة اذا؟ المشكلة هذا الفقر وهذه البطالة ( ايشكو الفقر غادينا ورائحنا ونحن نمشى على ارض من الذهب!
يجب على الحكومة وضع برنامج علمى قابل للتطبيق واضح المعالم يتضمن تخصيص الاموال والمستلزمات الازمة وضمن زمن محدد يستهدف جعل الفئات الاجتماعية دون خطر الفقر فى اضبق الحدود الممكنة مع تشغيل العاطلين القاديين على العمل ليس فى دوائر الدولة بوضعها المترهل الحالى بل عن طريق خلق فرص عمل جيدة
هل بامكان الحكومة وضع مثل هذا البرامج ؟ هل لديها المال ؟ هل لديها المخططون والمبرمجون؟ هل لديها الارادة السياسية لخوض معركة الاصلاح؟
ولحين التخفيف التدريجى من حدة الفقر وخلق فرص عمل جيدة للعاطلين عن العمل الذين تتزايد اعدادهم مع تزايد عدد السكان فلا خيار سوى الاعانة للفقراء والعاطلين عن العمل كليا او جزئيا سواء اكانت الاعانة نقدا ام عينا
وهذا لخيار ليس سهلا بل يحتاج الى معلومات احصائية دقيقة لمعرفة من هو الفقير ومن هو العاطل عن العمل
لدينا جهاز مركزى للاحصاء ولكى يقوم الجهاز بتقديم المعلومات التى تشمل الريف والحضر يحتاج الى ميزانية لهذا الغرض وبامكانه تشغيل الكثير من العاطلين فى اجراء التعداد المطلوب
العراق كان وما يزال بلد غنى بثرواته المادية والبشرية وقد تعرض ابناه الى الفقر لاسباب معروفة واستطيع ان اسميه فقر مرحلى موقت وليس فقرا هيكليا مستعصيا على الحل مع التقدير
مداخلة موضوعية وتضع النقاط على الحروف بما يخص الجدل الدائر حول قرار الغاء البطاقة التمونية وردود الافعال العنيفة على القرار مما ادى الى الرجوع عن ذلك. انظر الى مقال الدكتور كامل العضاض وتعليق الدكتور علي مرزا في حقل جدل اقتصادي
د. بارق شبر