يسر هيئة التحرير ان تقدم للقارئ الكريم كتاب هندسي خروجاً عن قاعدة نشرالكتب الإقتصادية وذلك لان محتوى الكتاب على علاقة بالتخطيط للمشاريع التي تفشل بعد التنفيذ بسبب الفشل في التصميم الهندسي وليس فقط بسبب فشل التخطيط المالي واللوجستي وسوء الادارة كما يظهر غالباً الى العيان. المهندس عبد الإله الدوه جي يتم بالقضايا الإقتصادية وهو صديق للعديد من اعضاء الشبكة ويحرص على التواصل معهم
د. بارق شُبَّر
مقدمة المترجم
هنري بيتروسكي مهندس أمريكي متخصص في تحليل الفشل[1]. وهو بروفسور للهندسة المدنية والتاريخ في جامعة ديوك، وكاتب غزير الإنتاج نشر ما يقارب خمسة عشر مُؤلّفاً بَدْأً بكتاب “أمر إنساني أن تُهندس: دور الفشل في التصميم الناجح” عام 1985، ثم مؤلفات أخرى عالجت تاريخ التصميم الصناعي وتاريخ أشياء عادية كالقلم وماسكة الورق والفضّيات. ومُؤلفه: “لنسامح التصميم: فهم الفشل” هو من أواخر وأهم ما كتب بيتروسكي.
وُلد هنري بيتروسكي عام 1942 في بروكلن في نيويورك. حصل على درجة البكلوريوس من كلية مانهاتن عام 1963، ثم الدكتوراه في علم الميكانيك النظري والتطبيقي من جامعة إلينوي في أربانا – شامبين عام 1968.
موضوع الكتاب غريب على المكتبة العربية وموضوع غير متداول في جوانبه التفصيلية في أدبيات المهنة الهندسية الأكاديمية والعملية في البلدان العربية. فمن المعتاد أن يتبارى المهندسون بإنجازاتهم ونجاحاتهم ولا يتطرقون إلى إخفاقاتهم ليحللوا أسبابها ويستقوا الدروس المفيدة منها. لذلك فإن ترجمة هذا الكتاب الهام، لحالات حقيقية للفشل ومناقشتها وتحليلها بتفاصيلها المشوّقة-المملة في آن، هي إضافة نوعية لمكتبة المهندس والمصمم العربي، بل لمجمل المهتمين بالقراءة الجدية الهادفة.
ولقد استمتعت بقراءة الكتاب وترجمته رغم الصعوبات التي جابهتني في إيجاد المرادفات العربية المناسبة لبعض المصطلحات والتعبيرات المهنية وغير المهنية المرتبطة بمجتمعات المهنة الهندسية في أمريكا. والأصعب من ذلك خصوصية أسلوبه المُستهدِف للقاريء الأمريكي بصفة خاصة، ورغم التفاصيل الدقيقة المطوّلة التي سردها المؤلف لأمثلة الفشل، وصلت في بعض الحالات إلى درجة الإطناب والتكرار.
وكان خير معين لي في هذا المشروع الممتع-الصعب أخي وصديقي وزميلي لعقود الدكتور حسن الشريف الذي كان بالنسبة لي أكثر من مراجع للترجمة، فبدونه لم أكن لأستطيع إنجاز المهمة بشكل مرضٍ. فله مني كل الشكر والتقدير والإعجاب بدقته المتناهية ووُسع إلمامه باللغة العربية والتعبير الموضوعي الدقيق لمفاهيم علمية ومهنية وجدت من الصعوبة التعبير عنها أو صياغتها دون استشارته.
وأود أن أذكر أنني لم استعن خلال عملية الترجمة بأي معجم أو مِكْنز مطبوع، بل استعنت بالمعاجم الإلكترونية والمترجمات المتوفرة على أجهزة الجوّال الذكية التي لولا توفرها لاستغرقت عملية الترجمة وقتاً أطول بكثير مما استغرقته فعلاً.
يستعرض بيتروسكي في هذا الكتاب عدداً من قصص الفشل سيئة الصيت من زماننا، كانهيار جسر مينيابولس عام 2007 وسقوط مبنىً للشقق في شنغهاي عام 2009 وصولا إلى بقعة الزيت المتسرب في خليج المكسيك الشهيرة عام 2010. وتدل جميع هذه الحوادث، التي كان بالإمكان تلافيها، على العلاقة التفاعلية بين الإتسان والآلة ضمن أنظمة وهياكل لم يحلم المصممون عند تصميمها بتعقيدات وتشابك سلوكها لحين فوات الأوان. ويبين بيتروسكي بأنه حتى أكثر التكنولوجيات بساطة يمكن أن تتأثر بمحددات وتعقيدات وتناقضات ثقافية واجتماعية-اقتصادية.
الفشل في تخيّل احتمال الفشل هو خطيئة المهندسين الكبرى. لقد أدرك العاملون في تطوير برمجيات الحواسيب هذه الحقيقة في بدايات تكوين حقل هندسة البرمجيات، الحديث التكوين نسبياً مقارنة بحقول هندسية أكثر عراقة، فذهبوا يفتشون خارج حقلهم وتخصصهم الفتي في هندسة الإنشاءات ليجدوا فيها المنظور التاريخي الذي يساعدهم في تشخيص أخطائهم المحتملة.
ويُرينا النجاح من خلال الفشل بأن القيام بعمل شيء أفضل – من خلال توقع حالات الفشل المحتملة، وبالتالي تحاشيها بعناية – هو بالضبط الطريق الأسلم المؤدي إلى الاختراعات والتصاميم الناجحة. ويستكشف بيتروسكي طبيعة الاختراع وشخصية المخترع من خلال عدد من الأمثلة غير المسبوقة لأشياء صُنعت. على سبيل المثال: عُلب أدوية تمنع الأطفال من الوصول إليها، وقوانين وإرشادات وطنية، واجهزة طبية، وناطحات سحاب، وجسور ذات مجازات طويلة، وخلافه، مؤكداً من خلال هذه الأمثلة أن الطريق المؤكد للفشل هو نمذجة تصاميم جديدة اعتماداً بشكل أعمى على تصاميم ناجحة في الماضي، مستعرضاً حالات فشل دراماتيكية بدْأً بانهيار جسر تاكوما ناروز عام 1940 وكوارث المركبات الفضائية في العقود الأخيرة وصولاً إلى انهيار مركز التجارة الدولية عام 2001.
يستعرض المؤلف أيضاً حالات فشل حديثة تعود جذورها إلى الماضي البعيد، ويؤكد أهمية دراسة السجل التاريخي للفشل الذي يرجع جزء غير قليل منه لمحاولات وهياكل تعود لحضارات سابقة قبل قرون. كما يُظهر السجل التاريخي للفشل أيضاً أنماطاً من السلوك البشري والاجتماعي كانت لها تداعياتها في هياكل ضخمة كالجسور ومؤسسات واسعة كناسا.
يحلل بيتروسكي في فصول الكتاب الاربعة عشر عدداً من الأمثلة والحالات الدراسية لكوارث وأخطاء في هياكل هندسية- لم يخطر ببال مصمميها فشلها- بقدر كبير من تفاصيل مدهشة تدل على عمق البحث الذي أجراه عن هذه الحالات، عند إعداد الكتاب، مُدْخلاً في بعضها أحداثاً وتجارب شخصية تجعلها أشبه ما تكون بقصص لحياة الكاتب بقلمه، كي يستنتج في نهاية المطاف بأن الفشل مُعلِّم جيد. ويتنبؤ بأن حالات انهيار الكبرى تحدث بوتائر كل ثلاثين سنة تقريباً تُمثّل الفجوة الزمنية بين جيل وجيل من المهندسين. وقد يكون من المناسب التوقف في الختام عند مقولة لبيتروسكي اختزل بها خبرته في تحليل الفشل عبر أكثر من أربعة عقود:
النجاح هو نجاح فقط لا غير. لكن الفشل هو ما يقود إلى التحسينات والإبداع
عبدالإله الديوه چي بيروت في 26 ديسمبر/ كانون أول 2013 |
[1] http://en.wikipedia.org/wiki/Henry_Petroski
كتاب اكثر من رائع ، ووصف في مراجعة في احد المواقع :
ان احد الأمور التي يمكن ان يندم عليها الانسان في حيانه ، هي عدم قراءة هذا الكتاب !
و مع كل الاحترام و مع كل التقدير لإستاذنا المهندس عبد الاله الديوه جي ، و لجهده الهائل في ترجمة هذا الكتاب الذي يحتاج الى تخصص عميق في ترجمة الكثير من مصطلحاته ، و قدم لنا ترجمة رائعة ، الا انني ارجو ان يتحمل مداخلتي هذه و هي ان ترجمة العنوان قد لا توصل الفكرة وراء مراد الكاتب من عنوانه باللغة الإنكليزية !
عنوان الكتاب بلغة الكتاب الاصلية هو :
To Forgive Design : Understanding Failure
و الترجمة العربية للأستاذ الديوه جي كانت :
لنسامح التصميم … تفهّم الفشل !
انا صراحة و رغم تخصصي في الهندسة الإنشائية ، لم افهم مباشرة مراد الكاتب حين قرأت الترجمة العربية اول مرة ، الى ان قرأت العنوان باللغة الأنكليزية !
برأيي المتواضع ، وارجو ان يتقبل استاذنا الديوه جي هذا التدخل ، ان الترجمة التي توصل فكرة و مراد الكاتب هنا هي :
حتى نسامح التصميم ، لا بد من تفهّم الفشل !
و كما في المثل الايطالي :
” أن تكون مترجماً فأنت خائن ”
و هو من الذم الذي يراد به المدح ، اي ان مهمة المترجم ايصال روح النص و المراد حتى لو خان النص اي امتنع عن الترجمة الحرفية !
احترامي و تقديري للجميع
وفقكم الله ودام عليكم نعمه