العالم المتقدم لا ينظر الى التركيبة الوزارية ولا يهمه كثيرا حجم الميزانية ككل وانما ماذا ستفعل الحكومة خلال سنة وسنتين واربعة سنوات، وما هي الآليات التي ستصرف عن طريقها اموال الدولة، ومن منطلق الاولويات الاقتصادية والتعليمية والصحية يأتي اهتمام المواطن بالبرنامج الحكومي. طرح البرنامج الحكومي لرئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي خطوة في الطريق الصحيح مما يعزز الثقة بالحكومة الجديدة من قبل ابناء الشعب عامة، ومن الخبراء الاقتصاديين والاكاديميين والعلماء خاصة. يدعم البرنامج التوجه الى الاقتصاد الحر ويهتم بتطوير الواقع الاقتصادي عبر تنمية القطاع الخاص، فضلا عن تعزيز الصناعة والتجارة والزراعة، وتوفير البنى التحتية الضرورية لخلق مصادر مالية اخرى بجانب ما يدره تصدير النفط. هذا بالاضافة الى توجهه الى النهوض بواقع الانتاج الزراعي والثروة الحيوانية وذلك عن طريق توفير المستلزمات الضرورية لزيادة الانتاج الزراعي والحيواني، والى تحقيق عدد من مستلزمات التطور الاقتصادي وتحسين البيئة منها اعداد خارطة للمناطق المصدرة للعواصف الغبارية ودراسة ظاهرة التصحر في العراق والحد من تدهور التربة وانشاء محطات نموذجية لاجراء التجارب الزراعية واستخدام تقنيات الري الحديثة وتقليل كلف الزراعة والحد من التلوث البيئي.
البرنامج الحكومي واضح الاهداف والمهمات الستراتيجية من خلال تأكيده على تطوير الجوانب الاساسية الصناعية والزراعية للاقتصاد الوطني وتحسين معيشة الناس. تطوير هذه الجوانب المهمة من الاقتصاد ستحتاج الى جهود جبارة من كل الجهات ذات الصلة بالاقتصاد والصناعة والزراعة والبيئة، خصوصا من الخبراء والباحثين والعلماء العاملين في هذه المواضيع لحل المشاكل العالقة والمساهمة في اعداد الكوادر المؤهلة وتوجيه المناهج في الجامعات لمواكبة التطبيقات الحديثة في مجال تحسين الزراعة واصلاح الاراضي ومنع التصحر والقضاء على التلوث وتوطين صناعات وتقنيات وبحوث في مجالات الزراعة المكثفة والانتاج الحيواني والمياه والبيئة، وبتبني بحوث علمية تطبيقية تسهم في دعم استراتيجية الحكومة وتحقيق رفاهية المواطن، وفي هذا المجال نؤكد على ضرورة دعم جهود البحث العلمي والابداع والابتكار ونقل التكنولوجيا في دوائر ومراكز وزارة العلوم والتكنولوجيا ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات والمعاهد التقنية العراقية، ومشاركة هذه الجهات مشاركة اساسية وفاعلة في تحقيق اهداف البرنامج.
سيتطلب نجاح البرنامج الحكومي الى زج العلماء والباحثين والتقنيين العراقيين في مشاريع تنموية واسعة خصوصا في مجال العلوم والتكنولوجيا، والتعاون مع العلماء والخبراء العراقيين الموجودين خارج الوطن بغرض الاستفادة منهم في مجالات تطوير ورفع كفاءة التعليم والتدريب والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات، والمساهمة في اعداد الخطط والمبادرات لتطوير الاقتصاد الوطني ورفد الوزارات والجامعات ومراكز البحوث والتطوير بخبرات وكفاءات علمية عالمية على درجة عالية من المهنية من اجل تقديم خدمات على درجة عالية من الجودة خصوصا في قطاع التعليم. اننا نعلم ان التعليم والاقتصاد عنصران متلازمان، إذ يدرك الاقتصاديون أهمية الكفاءات المتعلمة تعليما عاليا ومتميزا والمدربة احسن تدريب، والتي تحدد أداء مختلف دول العالم في القطاعات الحيوية الرئيسة مثل الصناعة، والصحة، وجودة الحياة.
اني ادعو الدكتور حيدر العبادي لعقد مؤتمر علمي وعلى وجه السرعة لوضع ستراتيجية متكاملة لتطوير الاقتصاد العراقي عن طريق العلوم والتكنولوجيا من خلال خطة وبرامج عمل تشارك في تنفيذه جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والجامعات والجهات المهتمة بالزراعة والانتاج الحيواني والمياة والبيئة. ومن المهم لكي يضمن نجاح السياسات الحكومية في هذه المجالات ان توضع اليات خطة الاستفادة من الخبرات العالمية واشراك الجهات العلمية المعنية ومنها شبكة العلماء العراقيين في الخارج (نيسا) ضمن برنامج يكون بمستوى طموحات الدولة في الاستفادة من الكفاءات الموجودة في الخارج وان يشجعها على العودة الدائمة للوطن. شبكة نيسا انشأت من قبل العلماء العراقيين في الجامعات الغربية من أجل توفير الخبرة والدعم في مجال العلوم والتكنولوجيا وفروع المعرفة الاخرى باعتبارها جزءا حيويا من التنمية والتطوير في العراق ولتبادل المعرفة وتدريب العلماء والفنيين والخبراء والمناقشه في مجال التربية والتعليم والابتكار ونقل التكنولوجيا. اعضاء الشبكة سيكونون بالتأكيد دعامات قوية لردف السياسات الحكومية الفاعلة لتطوير الصناعة والزراعة وتحسين البيئة.
وفي النهاية اؤكد ان تنفيذ البرنامج الحكومي يحتاج الى تظافر كل جهود الوزارات والخبراء والعلماء لتتكامل مع جهود العلماء والخبراء العراقيين في المهجر من اجل تحديد الاساليب والطرق الفاعلة لتحقيق نهضة واعدة تشارك في تنمية اقتصاد العراق ودفعه الى الامام.
*) اكاديمي في جامعة دبلن وباحث في في مجال العلوم والتكنولوجيا والتنمية البشرية
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية