حينما يتعرض بلد ما إلى كوارث مدمِّرة كأعاصير تسونامي، الزلازل، الحروب، إنتشار وباء فتّاك يهدّد الثروات البشرية والحيوانية والنباتية والمائية، تضَع تلك الكوارث بصماتها على كل جوانب الحياة وفي مقدمتها الجانب الإقتصادي الذي يُصاب بالشلل ويُنتِج أزمات حادة وفي مقدمتها الأزمةً المالية، وبالذات إذا كان إقتصاد البلد أحادياً ريعياً، كالإقتصاد العراقي. وفي ذات الوقت تمثل الكوارث إمتحاناً عملياً صعباً تواجهه أجهزة إدارة الدولة ويجعل تلك الأجهزة واقعة على المحَك، إن كانت قادرة على التغلب والخروج بأقل الخسائر من تلك الأزمات.
قبل ستة أعوام، في 2008، عندما حدثت الأزمة المالية في الولايات المتحدة وألقتْ بظلالها على الإقتصاد العالمي وأدّت إلى إنهيار أسعار النفط من 143 دولار إلى 30 دولار للبرميل الواحد، لم يتعض آنذاك المسؤولون عن إدارة الدولة عامةً والإقتصاد العراقي خاصةً، ولم يبادروا ويتخذوا إجراءات فعّالة من شأنها تنويع مصادر الدخل القومي، بَلْ صرَّحَ في حينه وزير المالية الأسبق، ساخراً ومستهزئاً، بتأثيرات الأزمة المالية على العراق وقال أنّ العراق لن يتأثر بتلك الأزمة! … لا غرابة من تصريح الوزير، لأنه شخص دخيل على عالم الإقتصاد والإدارة المالية والتنبؤ والتخطيط الاقتصادي. كان بالإمكان النهوض بالقطاعات الانتاجية التي تساهم في تكوين الناتج المحلي، لكن أهمِلَت لسببين: أولهما – جهل المعنيين بالملف الإقتصادي، وثانيهما – عدم الإدراك بأن تنوع مصادر الدخل يعني القضاء على قطاع التجارة الطفيلية الذي يُدار من قِبَل المتحاصصين بغنائم السلطة.
وفي الظروف الراهنة، يواجه العراق مرة أخرى أزمةً ماليةً حادة وعجزاً في الموازنة السنوية بسبب هبوط أسعار النفط والإنفاق غير المُبرر على مشاريع وهمية وتبذير المال العام ألذي يُمثل أحد أشكال الفساد. .. لذا، يُحتّم الواقع الحالي ومن أجل معالجة العجز الحاصل في الموازنة السنوية أنْ يتحول إقتصاد البلد إلى إقتصاد تعبـوي. وتعبئة الإقتصاد لا تعني عسكرته لغرض مواجهة الأعمال الارهابية، إنّما تعني الإدارة المباشرة لجميع مفاصل الإقتصاد الوطني والإشراف عليها من قِبَل السلطة التنفيذية لفترة مؤقتة،
ولحين عبور الأزمة المالية، ويتطلب ذلك تنفيذ الخطوات التالية:-
1- الامتناع عن إستيراد السلع الكمالية وإحلال مثيلاتها من المنتجات المحلية.
2- رفع نسبة الضريبة بصورة عالية، كي تساهم في تكوين الدخل القومي السنوي من ناحية وتحد من الكم الهائل من الإستيرادات من ناحية أخرى.
3- التوقف التام عن إستيراد السيارات ،التي تجاوزَت المليون سيارة، والتي تسببت ولاتزال تسبب أزمة في المشتقات النفطية التي يجري إستيراد جزء منها من الخارج، إضافةً إلى التلوث البيئي وإرتفاع درجات الحرارة الذي تصنعه عوادم وسائط النقل… ومن العوامل التي تساعد على الحد من إستيراد وسائط النقل المختلفة هو إنشاء مترو الانفاق، ففي البلدان المتقدمة، عندما يبلغ عدد السكان لأية مدينة بتعداد ما يزيد على المليون إنسان، حيث يجري التخطيط لانشاء شبكة قطار الأنفاق في تلك المدينة من أجل تلافي الزحام المروري.
4- التركيز على إستيراد السلع الأساسية ذات العلاقة بحياة الناس، كالأدوية والمحاصيل الزراعية، (الحنطة والرز حصرياُ)، والمبيدات الزراعية وقطع الغيار للمصانع القائمة التي تستطيع تلبية حاجات السوق الداخلية.
5- إلزام الدول المصدرة لأسلحتها إلى العراق بانشاء مصانع لإنتاج العتاد الحربي لتلك الأسلحة في داخل العراق، حيث يستنزف إستيراد العتاد من الخارج حالياً مبالغ طائلة ترهق ميزانية الدولة. وللأسف هذا البند غير موجود في إتفاقية التسليح مع الجانب الأمريكي، ولا وجود لبند آخر يُلزِم الجانب الأمريكي بامداد العراق بقطع الغيار حتى عندما تتقاطع مواقف العراق مع مواقف الادارة الأمريكية حول بعض الأمور الإقليمية والدولية، فسياسة الولايات المتحدة معروفة في ذلك الجانب، فعند إمتناع تزويد العراق بما يحتاجة من الأدوات الاحياطية، سيتحول السلاح الأمريكي الذي بحوزة الجيش العراقي إلى حديد خردة، وذلك الاجراء يمثل التبعية العسكرية التي تؤثر مع التبعية الاقتصادية على إستقلالية القرار الرسمي العراقي.
6- التوقف عن خلق وظائف جديدة وفرص العمل في القطاع الحكومي، إذ تمَّ الاعلان عن إيجاد 108 ألف فرصة عمل جديدة في موازنة 2015، وهذا القرار يزيد من مشكلة تضخم الجهاز الإداري للدولة الذي يعاني من وجود أكثر من ثلاثة ملايين موظف وعامل، (زائدين عن الحاجة). والأجدر، هو إعداد الدراسة التي تفضي إلى التخلص من تلك الملايين الزائدة بتحويلهم إلى القطاع الخاص والابتعاد عن التمسك بالمثل القائل، (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق). ستبقى تلك المشكلة قائمة، ما دامَت القرارات تُتخـَذ بصورة عشوائية وبعيدة عن مفاهيم التنمية الشاملة.
7- تخفيض رواتب الدرجات الوظيفية الخاصة وإلغاء الإمتيازات المالية الملحَقة بها، لأنّ المبالغ المالية لتلك الإمتيازات هي أكثر بكثير من الرواتب ذاتها وتمثل أحدى صوَر الفساد المالي المُقنــَن.
8- الاسراع بتشريع قانون يُحــَـدِد عدد المستشارين للرئاسات الثلاث ونوابهم، وأنْ يكون للتحصيل الأكاديمي للمستشار علاقة مباشرة بعمله الإستشاري.
*باحث وكاتب إقتصادي
الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأس هيئة التحرير وانما عن رأي كاتبها فقط وهو الذي ستحمل المسؤولية العلمية والقانونية لوحده
الأستاذ الدكتور مجيب
تحية وإحترام
بعد سقوط النظام البائد، ذهبنا إلى العراق مجموعة من الكفاءات العلمية وبمختلف الاختصاصات للمشاركة باعادة بناء العراق إقتصادياً وعلمياً وإجتماعياً وثقافياً والنهوض بواقع الخدمات المتخلفة، غير سائلين عن أية إمتيازات مادية وإغراءات معنوية، لكن جوبهنا بوضع العراقيل أمامنا مثل (إمتلاك البطاقة التموينية، بطاقة السكن) … وقد تأكدنا من بعض الأصدقاء الأكاديميين في الداخل بأننا غير مرغوب بنا، لكوننا لو إتخذنا مواقعنا المناسبة (الرجل المناسب في المكان المناسب) فانّ أولئك الذين بيدهم دفة إدارة الدولة سوف لن يبقون في أماكنهم الوظيفية وسيُتضَح أمرهم، لذا لاسبيل أمامهم من أجل البقاء في السلطة سوى غلق الأبواب بوجوهنا … لا بَل لم نحصل حتى على الرواتب التقاعدية ألتي تتناسب مع شهاداتنا ودرجاتنا العلمية … فعليه لم يبقَ أمامنا سوى الوازع الوطني الذي يدفعنا لكتابة المقالات الهادفة لتقديم الحلول والاستشارات العلمية (مجاناً) من ناحية، وتنوير الشارع العراقي عما يجري ويدور، وعمّن يعبث بالاقتصاد الوطني ويسرق خيرات العراق.
مع فائق الاحترام والتقدير
د . عبد علي عوض
الاستاذ الدكتور عبد علي المحترم
تحية و تقدير..
شكرا على مقالتك القيمة (ولكن لمن تقرع مزاميرك يا داوود) ، طبيعة الطبقة السياسية الحاكمة في العراق ارتبطت برباط عضوي (مع المكاسب المادية المرتبطة بالسلطة من مرتبات وامتيازات .. وغيرها ) ،كما ان هذه الطبقة ذاتها ارتبطت بالهيكل الريعي للاقتصاد فصار السياسيون تجار او شركاء للتجار،وبالتالي فليس من مصلحتهم فك اسر السوق العراقية وارتباطها بالسوق العالمية ،لذا فهم اقل الناس حرصا على تنويع الاقتصاد الوطني ،واقل الناس حرصا عل خلق اقتصاد تعبوي يؤسس لاستدامة مالية بعيدة كل البعد عن الارتهان للريع النفطي .. ختاما عذراً على الاطاله .. مع فائق التقدير د.مجيب حسن محمد ، استاذ الاقتصاد ، جامعة الزاوية … ليبيا
الاستاذخالد إسماعيل الولي
شكراً جزيلاً على كلماتك الصادقة. هنالك الكثير من الأمور ألتي لم أسردها في مقالتي، لكن سأحاول نشرها لاحقاً.
مع التقدير والاعتزاز
الاستاذ الدكتور عبد علي المحترم
تحية و تقدير
مقالك و تحليلك الرائع يصب في خدمة العراق و العراقيين و ينطوي على دراية باصل المشكلة طرق حلها اتمنى لحضرتك دوام الموفقية و النجاح بعملك
مع التقدير و الاحترام
خالد اسماعيل ناصر الولي
http://www.navigatoriraq.com