خواطر إقتصادية

مصطفى محمد إبراهيم: النمور الأسيوية: هل تصلح إنّ تكون نموذجاً للتنمية في العراق؟

أطلق الباحثون وعلماء الاقتصاد مصطلح النمور الأسيوية على دول شرق أسيا (تايوان ، سنغافورة ، هونغ كونغ ، كوريا الجنوبية) وذلك للبعد الرمزي والثقافي . فالنمر في الثقافة الأسيوية يرمز إلى سرعة الحركة والمباغتة ، إضافة إلى قدسيته عند معظم ثقافات شرق أسيا . لذلك استخدمت صفاته لتوضيح ماحدث في تلك البلدان ، خلال أربعة عقود من العمل التنموي ، حققت خلالها معدلات نمو اقتصادي عالية وتصنيع سريع خلال المدة مابين الستينيات والتسعينيات وفي بداية القرن الواحد والعشرون ، وتحولت هذه البلدان إلى بلدان متقدمة وساعدت في نمو اقتصادات بعض الدول الأسيوية وتمتلك بلدان النمور الأسيوية توجه مشاركة خاصة مع بعض الدول الأسيوية ذات الاقتصاد الجيد مثل الصين واليابان ، وكانت نتيجته مذهلة ومحيرة لكل أساتذة وخبراء الاقتصاد في العالم . إذ تمكنت تلك الدول من التغلب على شحه ثرواتها الطبيعية ، وعدم وجود موارد اقتصادية كافية ، لتصنع لها مكاناً مرموقاً بين الدول الصناعية الكبرى ، ولتكون منافساً قوياً وشريكاً مؤثراً في الاقتصاد العالمي .

علماء الاقتصاد يرون إن تلك الدول قد وصلت إلى ما هي عليه ألان عن طريق الالتزام الصارم بسياسات اقتصادية واضحة والعمل الدؤوب على تنفيذها والتركيز على النهوض بالتصنيع والتصدير لسد حاجات الدول الأخرى مع الحفاظ على فائض تجاري جيد من خلال الاستمرار في توسيع الإنتاج ، بالإضافة إلى إزالة العقبات التي تقف في طريق الاستثمار الأجنبي المباشر والغير المباشر . ومن العوامل المهمة الأخرى حسب رأي علماء الاقتصاديين هو حرص حكومات تلك الدول على الاستثمار في تطوير المواطن! ، ورفع المستوى التعليمي والمعرفي ودعم مراكز البحوث العلمية! ومن ثم عكسه بشكل أوسع على المجتمع والدولة !، وعلى عملية الإنتاج وتطوير الصناعة والحياة العامة في دول النمور الأسيوية .إذ بلغ عدد السكان في تايوان في عام 2014 (23) مليون نسمة وفي سنغافورة (5) ملايين نسمة وفي هونغ كونغ (7) ملايين نسمة وفي كوريا الجنوبية حوالي (50) مليون نسمة ، إما مساحة تايوان فبلغت (1,104) وسنغافورة (710) وهونغ كونغ (99,828) وكوريا الجنوبية (36,188) كم مربع . في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول (GDP) لسنة 2014 (415,670) مليون دولار لتايوان (185,226) مليون دولار لسنغافورة (932,512) مليون دولار لهونغ كونغ (476,554) مليون دولار لكوريا الجنوبية .

وما يخص صلاحية النموذج التنموي لهذه الدول للتنمية الاقتصادية في العراق ، فنعتقد إن ذلك ممكن من الناحية النظرية على الأقل ، لذا يتعين على أصحاب القرار السياسي الاقتصادي في العراق الاستفادة من الكفاءات الاقتصادية الكثيرة الموجودة في العراق وفي المهجر وتحفيزها على إعداد دراسات مستفيضة لتجارب هذه الدول ودول أخرى كثيرة نهضت باقتصاداتها خلال العقود الثلاثة الماضية وحققت نجاحات مشهودة . بطبيعة الحال لايمكن ان ننقل نماذج التنمية الناجحة كقوالب جاهزة إلى الواقع الاقتصادي العراقي وينبغي مراعاة الخصوصية في كل تجربة كل بلد على حدة . ومن جانب أخر لابد وان توجد مشتركات بين تجارب جميع الاقتصادات الناجحة يمكن تسميتها بالقوانين العامة التي تحرك النمو الاقتصادي بغض النظر عن الخصوصيات في البلدان المختلفة . ويسعى علم الاقتصاد الحديث منذ تأسيسه على اكتشاف هذه القوانين وتطويرها وبذلك يتم صياغة السياسات الاقتصادية وترجمتها إلى الواقع الاقتصادي في مختلف الدول . من الواضح إن الغالبية العظمى للأبحاث والدراسات الكثيرة التي أعدها ويتم إعدادها من قبل الكفاءات الاقتصادية العراقية تركز على تحليل أسباب الفشل الاقتصادي العراقي وتلقى باللائمة على قرارات السياسات الاقتصادية الخاطئة ، وإهمالها لتنمية القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة) وللتنمية البشرية (التعليم والصحة) الذي يشكل القاعدة المادية للإبداع والتطوير التكنولوجي والكثير من الشروط الأساسية للتنمية الاقتصادية . وفي الوقت الذي نؤكد فيه على ضرورة إعداد مثل هذه الدراسات والأبحاث لمراجعة وتقييم المسيرة الحالية للاقتصاد العراقي ، إلا إننا نعتقد بان هذا النهج يساعد على تشخيص دقيق لأسباب الفشل الكامنة ولكنه لا يساعدنا على تحديد سبل معالجته . لذا نقترح إن يتم التركيز في البحث الاقتصادي العلمي المستقبلي عن النموذج التنموي المناسب للعراق على تشخيص العوامل المشتركة في تجارب الأمم المختلفة والتي أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على نجاح أو فشل التجربة الخاصة لكل دولة على حده، بهدف الوصول إلى تحديد الوسائل والآليات التي جربتها هذه الدول بنجاح لحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية .

*  باحث اقتصادي وموظف في البنك المركزي العراقي

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. Avatar
    مصطفى محمد ابراهيم:

    السلام عليكم
    تحية طيبة …..
    اشكرك استاذ فاروق يونس على تعليقك الرائع والقيم ، وقد قدمت هذه الخاطرة المتواضعة والبسيطة خدمة للبلد العظيم وان شاء الله ساقوم بتقديم العديد من البحوث والاوراق العمل في الايام القادمة خدمة للبحث العلمي ، اكرر شكري واعتزازي لك وللدكتور بارق شبر على مساعدته لي
    مع التقدير

  2. Avatar
    نسرين غالي قاسم:

    شكرا لللاستاذ مصطفى محمد ابراهيم على هذا المقال الرائع الذي اتسم بالوضوح . وبحسب رأينا المتواضع انت تمتلك الكفاءة والطموح على الرغم من انك في بداية طريقك العلمي … وفقك اللة

  3. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    يقول الدكتور عاطف قبرصى استاذ الاقتصاد فى جامعة مكماستر – اونتايو – كندا فى ورقته المقدمة باللغة الانكليزية الى اجتماع الخبراء حول الحكم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر -القاهرة 11-13 تشرين الثانى / نوفمبر 2001
    (ان النجاح البارز لاقتصادات اقطار جنوب شرقى اسيا منذ اوائل عقد الستينات من القرن العشرين يثير سوْالا جوهريا هو : ما تفسير هذا النجاح ؟ انها لحقيقة لا تنكر انه فى الاقتصادات الثمانية التى تشكل جزءا من (( المعجزة الاقتصادية فى جنوب شرق اسيا )) – اندنوسيا وتايلند واليابان وجمهورية كوريا ومابزيا وتايوان وسنغافورة وهونكونك -كانت الدولة مسوْولة عن النمو الاقتصادى والسوْال الحقيقى هو اى السياسات والاعمال التى قامت بها الدولة قد خدمت نجاح هذه الدول ولماذا ؟ ثمة اتفاق عام فى الراى حول العناصر الرئيسية فى هذا النجاح ولا يمكن فصل العناصر لانها تشكل مجموعة متفاعلة كاملة وفيا يلى اهم هذه العناصر :
    – معدلات الادخار العالية
    -معدلات الاستثمار العالية فى راس المال البشرى والمادى
    التوزيع المتساوى للدخل والثروة
    – الحكومات المستقرة
    – الاستقرار الاقتصادى الكلى
    تشتير تجربة شرقى اسيا بوضوح الى دور الدولة الواضح فى دعم التنمية وتسريعا فلم تحل الدولة فى شرقى اسيا محل السوق بل اكملته وضمنت له مكانا غير انها ابقته فى المكان الصحيح وادركت هذه الدول قيود الاسواق وخيبتها فى توليد النتائج المرغوبة وتعمدت اتباع مجموعة سياسات معينة تضمنت ما يلى :
    – منحت الاسبقية للاقتصاد على السياسة
    – ولدت استقرارا اقتصاديا كليا شاملا
    – نظمت الاسواق لضمان ادائها على نحو مناسب
    – اسست اسواقا جديدة لم يكن لها وجود
    – وجهت الاستثمارات نحو النمو العالى وقطاعات التصدير العالية
    – خلقت بيئة موْاتية للاستثمار الخاص والمبادرة الخاصة ضمن الاهداف المحددة علنا
    – قلبت نتائج السوق غير المتساوية ووزعت الموارد على نحو اكثر تساويا
    – قللت الى الحد الادنى السلوك الباحث عن الريع Rent seeking
    – خلقت نظام خدمة مدنى يستند الى الكفاءة
    وتمثلت التنمية بقيادة الدولة فى خمسة مجالات هى :
    1- السياسات الصناعية 2- تشجيع التعاون 3- ادارة المنافسة 4- النمو المنصف 5- النمو بقيادة التصدير )
    ( راجع مناقشة كل مجال بالتفصل فى ورقة الدكتور عاطف قبرصى )
    شكرا للاستاذ مصطفى محمد ابراهيم على مقاله الذى اتسم بالموضوعية وسلاسة العرض
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: