د. علي الورديدراسات اجتماعية وثقافية

د. بارق شبَّر: تأملات في المضامين الاقتصادية لأطروحات علي الوردي الفكرية

الخلاصة
يهدف البحث الى تلمس العلاقة بين علم الاقتصاد وعلم الاجتماع في الفكر الإنساني بشكل عام كصيرورة تاريخية، وعلى مستوى العراق ومن خلال دراسة مؤلفات علي الوردي وافكاره الاجتماعية بشكل خاص. يمثل هذا البحث محاولة متواضعة لقراءة منجز علي الوردي من منظور اقتصادي لاكتشاف العوامل الاقتصادية التي تضمنتها تحليلاته لطبيعة المجتمع العراقي والمعضلات التي يواجهها. كما يسعى لتقديم البرهان على أن منهج الوردي في البحث يأخذ أيضاً في الاعتبار العلاقات التفاعلية بين العوامل الاجتماعية والاقتصادية وما هو معروف بالمنهج “السوسيو-إقتصادي” في العلوم الاجتماعية، سيما وأن الوردي درس علم الاقتصاد في بداية مسيرته الاكاديمية.
 
المقدمة
في بداية مسيرته العلمية وبعد انهاء دراسته الثانوية ابتعثت الحكومة العراقية في عام 1939 الشاب علي الوردي المتفوق على زملاءه (الثالث على العراق) الى الجامعة الامريكية في بيروت لدراسة علم الاقتصاد، وحصل على شهادة البكالوريوس من هذه الجامعة المرموقة في عام 1943. وفي المرحلة اللاحقة وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1946 إبتعثته الحكومة مرّة أخرى الى جامعة تكساس في الولايات المتحدة لدراسة علم الاجتماع. انجز عمله الاكاديمي الاول تحت عنوان “دراسة في سوسيولوجيا الاسلام” في عام 1948 والذي أهّله للحصول على شهادة الماجستير. ثم واصل مسيرته بالحصول على شهادة دكتوراه فلسفة[1] في علم الاجتماع عن اطروحته الموسومة “تحليل سوسيولوجي لنظرية ابن خلدون – دراسة في سوسيولوجيا المعرفة” والتي انهاها في عام 1950. ومن ثم عاد الى العراق ليتعين استاذاً في كلية الآداب في جامعة بغداد، حيث أسس مع بعض زملائه قسم علم الاجتماع في عام 1953 .
وهنا نثير التساؤل لماذا لم يواصل الوردي مشواره مع علم الاقتصاد الذي بدأه في بيروت وفضَّل التوجه نحو علم الاجتماع الحديث العهد في الغرب بالمقارنة مع العلوم الاجتماعية-الانسانية الاخرى، والذي لم يكن معروفاً بعد في العراق؟ وما هي العوامل التي اثرت على قراره، هل كانت عوامل موضوعية تتعلق بتجربته في الجامعة الامريكية والطرق المتبعة آنذاك في تدريس علم الاقتصاد؟، والذي كان يمر في نهاية ثلاثينيات وبداية اربعينيات القرن الماضي بمرحلة صراعات جدلية ساخنة بين الفكر الكينزياني الحديث العهد وانصار المدرسة النيوكلاسكية التي كانت مهيمنة آنذاك. وتجدر الإشارة الى أن احد تفرعات النيوكلاسيك أعلنت انشقاقها عن العلوم الاجتماعية بتأسيس ما سمي بـ “علم الاقتصاد المجرد ” (Pure Economics). وكان يقف خلف هذا التوجه الجديد ماعرف بمدرسة لوزان التي ارتبطت باسم استاذ علم الاقتصاد ليون فالاراس (1834-1910)، الذي اعتبر النظرية الاقتصادية منظومة معادلات رياضية لا تختلف عن علم الفيزياء وعلم الرياضيات (Werner Hofmann,Sozialökonomische Studientexte,174). ومع هذا التحول والذي واجه بطبيعة الحال معارضة شديدة من قبل مدرسة “الاقتصاد السياسي” الكلاسيكية والماركسية، برز في نهاية القرن التاسع عشر علم الاجتماع الحديث[2]، كعلم مستقل عن العلوم الاجتماعية الأخرى كالفلسفة والاقتصاد وعلوم الدولة (العلوم السياسية) وعلم الشعوب (الاثنولوجيا)، ويعتبر الفرنسي اميل دوركهايم (1858- 1917) والألماني ماكس فيبر (1864-1920) من أهم المؤسسين لعلم الاجتماع الحديث. وتجدر الاشارة الى ان الأخير كان قد درس علم الاقتصاد والفلسفة وعلوم القانون والتاريخ.
ومن جانب اخر يمكن التكهن بأن تفضيل الوردي للتخصص في علم الاجتماع يرجع الى اعتبارات شخصية تتعلق بالبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها وهذا ما سأبحثه لاحقاً.
من خلال تبنيه لدخول الحداثة الى العراق بمفهومها الواسع والذي يشمل بجانب الابتكارات التقنية والفنية الحديثة الجوانب الفكرية الفلسفية والاقتصادية والتاريخية والاجتماعية تميَّز الوردي عن غالبية المثقفين في عصره بفهمه الشامل للحداثة، ليس كمشروع سياسي وايديولوجي وافد من الخارج، وانما كعملية موضوعية مرتبطة بالصيرورة التاريخية لتطور المجتمعات الإنسانية. لذا واجه الوردي خلال مسيرته المهنية استهجاناً من قبل بعض زملائه التقليدين في كلية الآداب[3] ومحاربة خفية وعلانية من قبل القوى الظلامية وصلت الى حد تكفيره وتحليل هدر دمه، ومن قبل الأنظمة الدكتاتورية التي منعت نشر كتبه، وكذلك العديد من المثقفين المؤدلجين من اليمين القومي الذي اتهموه بـ “الشعوبية”، ومن اليسار المتطرف الذين اتهموه بـ “الرجعية” (علي الوردي: الأحلام بين العلم والعقيدة،388)، واتذكر شخصيا أيام شبابنا في بدايات ستينيات القرن الماضي، كيف كنا من جانب نصفه بـ “اللبرالية”، بمعني أن أفكاره قادمة من الغرب، ومن جانب أخر كنا نتلهف للسفر الى الغرب للتمتع بالحرية الفكرية والاجتماعية السائدة هناك.
يهدف هذا البحث الى تلمس العلاقة بين علم الاقتصاد وعلم الاجتماع بشكل عام كصيرورة تاريخية، وعلى مستوى العراق ومن خلال دراسة مؤلفات علي الوردي وافكاره الاجتماعية بشكل خاص. فهذا البحث يمثل محاولة متواضعة ولا تدعي الكمال لقراءة منجزات علي الوردي من منظور سوسيو-إقتصادي (socio-economic approach)   متعدد التخصصات (multidisciplinary) في دراسته للمجتمع العراقي والمعضلات التي يواجهها في الحاضر.
[1]  اللقب العلمي الاكاديمي “دكتوراه فلسفة” (Ph.D: Doctor of Philosophy)  وكما هو مشاع في الجامعات الاوربية والامريكية لا يعني بالضرورة ان حامله تخصص في الفلسفة، وانما في احد العلوم الاجتماعية والتي كانت في السابق كلها منضوية تحت مظلة كلية الفلسفة. وترجع مفردة “الفلسفة” الى العصر اليوناني، حين كانت تعني “حب الحكمة”. انظر موسوعة ويكيبيديا باللغة الانكليزية.
[2]  في الكثير من الادبيات ينظر الى المفكر الفرنسي أوغست كونت (1798 – 1857) على انه المؤسس لعلم الاجتماع الحديث لمجرد انه استعمل لأول مرًة مصطلح “سسيولوجيا”.  ومن هذا المنطلق ينظر الكثيرون الى ان كارل ماركس وهنري دي سانت سيمون وهربرت سبنسر كانوا الاباء الكلاسيكيين لعلم الاجتماع الحديث، فضلاً عن العديد من المفكرين في حقبات ما قبل التنوير ومن بينهم ابن خلدون في القرن الرابع عشر.
[3]  على هامش مؤتمر على الوردي في بيروت في 25-26 شباط 2014 اخبرني المهندس وخبير المعلوماتية في منظمة الاسكوا التابعة للأمم المتحدة في بيروت السيد عبد الإله الديوه جي أنه كان معجباً بعلي الوردي بعد ان قرأ كتابه الموسوم “وعاظ السلاطين” في خمسينيات القرن المنصرم. لقد طلب من احد اقربائه الذي يعمل كأستاذ في كلية الآداب تنظيم لقاء مع علي الوردي إلا ان الاستاذ الجليل رفض طلب الشاب المتفتح بالقول “ماذا تريد من هذا المجنون. انت تضيع وقتك معه”.
لمواصلة القراءة يرجى تنزيل البحث كملف بي دي أف سهل الطباعة. انقر على الرابط التالي
بارق شبر-تأملات في المضامين الاقتصادية لأطروحات على الوردي الفكرية – نهائي27.4.2016

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. Avatar
    فاضل رضا:

    ان بحثكم الموسوم تأملات في المضامين الاقتصادية لأطروحات علي الوردي الفكرية هو أضافة علمية للدراسات االاجتماعية الاقتصادىة socioeconomic research وتلك المتعلقة بالعراق. لابد لي ان اشير الى اهمية ما جاء بالدراسة وخاصة تلك المتعلقة ب:
    ” ينعكس غياب السوق الوطنية المندمجة التي تستند على منظومة متطورة لتوزيع العمل على المستوى المناطقي (Regional Labour Division) وعلى مرونة عالية في حركة قوة العمل (Labour Force Mobility) ً سلبا على عملية التماسك المجتمعي في مجتمع هو بالاساس منقسم على نفسه ولا يخلو من نزاعات طائفية ومناطقية وأثنية عقيمة على جميع المستويا”.
    اعتقد ان أعادة طرح هذا الموضوع الان يعتبر في غاية الاهمية لان ديناميكية هذا المتغير له تأثيرا كبيرا على ديناميكة تماسك المجتمع. ويمكن ان يكون هذا الموضوع مجالا لبحوث دراسات عليا او ندوات بحثية خاصة بهذا الموضوع. والذي من الممكن ان ترفد صانعي السياسات الاجتماعية والاقتصادية بمنظور علمي حول أهمية مرونة حركة قوة العمل في الجانب التنموي وتماسك المجتمعات وكذلك تبلور فكر سياسي يعبر عن هذه الديناميكة.

  2. farouk younis
    farouk younis:

    استطاع الدكتور بارق شبر فى هذا البحث من قراءة منهج الدكتور على الوردى السوسيو- اقتصادى من خلال دراسته لطبيعة المجتمع العراقى —
    علم الاجتماع الحديث؛
    يذكر الدكتور بارق شبر ( فى كثير من الادبيات ينظر الى المفكر الفرنسى اوغست كونت 1788-1857 على انه الموْسس لعلم الاجتماع الحديث لمجرد انه استعمل لاول مرة مصطلح سسيولوجيا )
    فى حين يرى الدكتور على الوردى بان ( كونت حاول ان ياْتى بدراسة اجتماعية باعتبارها النموذج الذى يجب ان يقوم عليه علم الاجتماع الحديث — انه نجح فى اعطاء اسم لعلم الاجتماع وفى لفت نظر الباحثين الى مواصلة البحث فيه وبهذا استحق لقب موْسس علم الاجتماع ) انظر الدكتور على الوردى منطق ابن خلدون الفصل الثالث عشر – دار ومكتبة دجلة والفرات – بيروت – لبنان
    من الجدير بالذكر ان اشير هنا الى راى الدكتور الوردى بان ( المدرسة الخلدونية اقرب الى فهم مجتمعنا من بعض تلك المدارس الاخرى ) للمزيد راجع راى الوردى فى سبيل علم اجتماع عربى – مصدر سابق
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: