هناك عدم توازن كبير في العلاقات التجارية الوثيقة بين العراق وإيران ، حيث تُرجح كفة الميزان بشكل صارخ لصالح طهران. وفي هذا الصدد، تقدَّر الصادرات الإيرانية إلى العراق بـ6.5 مليار دولار مقابل صادرات عراقية إلى إيران بقيمة 60 مليون دولار. ولم يسلم قطاع الكهرباء من هذا التفاوت، حيث توفر إيران حالياً نسبة 5.9 بالمائة من إمدادات الطاقة الخاصة بجارتها، وفقاً لوزارة الكهرباء العراقية. وعلى الرغم من أن الإمدادات الإيرانية من الكهرباء أكثر تكلفة من تلك المنتجة محلياً في العراق، إلا أن العرض الإيراني ساعد في دعم قطاع الطاقة الذي يتعافى ببطء في العراق منذ عام 2003.
ولم تكن مثل هذه التجارة لتسترعي أنظار المجتمع الخارجي في الظروف العادية طالما تجنب العراق التعامل مع الأطراف الإيرانية الخاضعة للعقوبات. ولكن مع تراجع قيمة العملة الإيرانية، ومع إنفاق «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني أكثر من 6 مليارات دولار سنوياً (وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة) لدعم للنظام السوري، فهناك خطر متزايد من أن تسعى الكيانات الخاضعة للعقوبات إلى الاستحواذ خلسةً على مبالغ طائلة من العملة الأجنبية. ولذلك فإن مدفوعات العراق القادمة من الكهرباء قد تكون اختباراً رئيسياً لقدرة طهران على توجيه المدفوعات الأجنبية إلى وجهتها الصحيحة، وعلى قدرة المجتمع الدولي على مراقبة مثل تلك التحويلات.
يشار إلى أن شركة “تافانير” القابضة المتخصصة المملوكة بالكامل تقريباً من قبل وزارة الطاقة الإيرانية تتفاوض مع العراق على صفقات سنوية لتصدير الكهرباء منذ عام 2013. وتتفاوض الشركة على التعريفات نيابة عن شركات توليد الكهرباء الإقليمية التي تزود العراق بالطاقة. كما تنقل المدفوعات إليها.
وحين واجه العراق ضربة مزدوجة في حربه ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتحطم أسعار النفط، كافحت البلاد من أجل دفع فاتورة كهربائها الشهرية إلى طهران والتي بلغت كلفتها [آنذاك] 100 مليون دولار. ففي نيسان/أبريل 2015، عندما تصدت القوات العراقية لتقدم التنظيم الإرهابي ودفعته إلى خارج ضواحي بغداد، أوقفت إيران تصدير الكهرباء لمدة سبعة أشهر، ولم يُستأنف حتى بداية عام 2016. بيد، لم يسدد العراق سوى ثلاث دفعات في ذلك العام، وأخذت الديون المستحقة تتراكم لتصل في نهاية المطاف إلى 1.3 مليار دولار، فعادت إيران وقطعت إمدادات الكهرباء مرة أخرى عند انقضاء مدة العقد خلال شهر كانون الأول/ديسمبر من ذلك العام. ولكن بين نيسان/أبريل وتموز/يوليو 2017، سدد العراق 500 مليون دولار، وفي 8 آذار/مارس 2018، وافقت إيران على توفير 1000 ميغاواط لمدة عام آخر. وهذا الأسبوع أرسل العراق مبلغ 100 مليون دولار إلى شركة “تافانير”، ومن المتوقع دفع تسديدات جديدة بقيمة 200-300 مليون دولار في الأسابيع المقبلة.
وفي الواقع أن التوقيت مهم للغاية بالنسبة لشركة “تافانير”، فديونها المستحقة لشركات الكهرباء الإقليمية وصلت إلى حوالي 5 مليارات دولار، وهي بحاجة ماسة إلى تسديدها، مع الإشارة إلى أن ثلاث من هذه الشركات، وهي “بهبهان” و”منشهر” و”دلاهو”، تزوّد العراق بالطاقة الكهربائية في حين تجد صعوبةً في دفع رواتب عمّالها ومواكبة الصيانة بسبب تقصير “تافانير” في تسديد المستحقات.
لذلك من الضروري لصالح بغداد وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة أن تقوم “تافانير” بتحويل الأموال العراقية الواردة إلى تلك الشركات الإقليمية بشكل فوري ومباشر. والجدير بالذكر أن العديد من الشركاء الدوليين لـ “تافانير” – بمن فيهم شريكها الاستراتيجي الذي زودها بقروض بلغت 10 مليارات دولار – أي شركة “كيبكو” الكورية الجنوبية – سيخسرون الكثير إذا ما تعاملت الشركة مع جهات خاضعة للعقوبات. وحتى أن الرهانات أكبر بالنسبة للعراق، إذ تحتاج البلاد إلى إمدادات موثوقة من الطاقة لمواصلة تعافيها من سنوات الحرب وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة الشهر المقبل. ولا شك في أن «الحرس الثوري» الإيراني يأمل في التأثير على هذه الانتخابات من خلال أتباعه السياسيين الأقوياء وميليشياته القوية الذين يعملون بالوكالة عنه في العراق. وفي مرحلة تتسبب فيها الكلفة المالية للحرب السورية باستنزاف «الحرس الثوري»، قد يرى مسؤولوه في دفعات الكهرباء العراقية مصدر محتمل لأموال إضافية لدعم وكلائهم العراقيين قبل الانتخابات وبعدها.
وبالنظر إلى التعيينات السياسية الأخيرة للرئيس ترامب والتطورات الأخرى، يبدو أن واشنطن مستعدّةً لإطلاق استراتيجية أكثر فاعليةً للتصدي لإيران والضغط عليها، الأمر الذي قد يعني تكثيف الرقابة على التحويلات المالية المسددة لمؤسسات النظام الإيراني والشركات المرتبطة بها. لذلك يجب أن تكون كل الأنظار موجّهة نحو دفعات العراق الكهربائية خلال الأشهر المقبلة، من أجل رصد أي تحويل [أموال] محتمل. فإذا استوفت بغداد ديونها لشركات الكهرباء الإقليمية الإيرانية، يمكن توقّع قيام كل شركة بالعمل على تحسين مدفوعات الرواتب وعمليات الصيانة التي تقوم بها، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تكون هذه المؤشرات وغيرها من المعلومات الاستخبارية دليلاً على تحويل المدفوعات إلى «الحرس الثوري». ومن هذا المنطلق، يتعين على وزارتَي الخزانة والخارجية الأمريكيتين العمل مع شركاء “تافانير” الأجانب، مثل حكومة كوريا الجنوبية والبنوك، لضمان عدم قيام الجهات الخاضعة للعقوبات بإقحام نفسها في معاملات الطاقة.
وعلى المدى الطويل، يتعين على واشنطن مساعدة العراق على إصلاح هذا التفاوت المقلق في تجارته مع إيران. فقد تم إضعاف المزارعين العراقيين لمدة عقد ونصف بسبب الحدود المفتوحة وممارسات رمي الأغذية التي يتّبعها التجار الإيرانيون. كما أن [الإنتاج] الصناعي في البلاد عانى هو الآخر. أما على المدى القريب، فعلى “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق أن تعطي الأولوية لدعم قضايا الكهرباء، لكي تتمكن بغداد من التخلص التدريجي من اعتمادها على الإمدادات الإيرانية المستوردة عبر تعزيز جهودها الخاصة لتوليد الطاقة ونقلها وتوزيعها، بينما تقوم بتنفيذ برامج لإصلاح الدعم الحكومي. كما أن التعاون الثنائي في هذا الإطار يجب أن يساعد العراق على تسريع خطته لإنهاء عمليات شراء الغاز الطبيعي الإيراني الباهظة الثمن، والتي تكلف الدولة 11.23 دولاراً أمريكياً لكل ألف قدم مكعب (مقارنة بـ 6.50 دولارات تدفعها أوروبا لواردات الغاز الأكثر بعداً من روسيا). ويعني ذلك مساعدة بغداد على الاستخدام الأفضل لما يقدر بـ 565 مليون قدم مكعب من الغاز المحلي الذي تهدره حالياً كل عام من خلال إحراقه.
(*) مايكل نايتس هو زميل “ليفر” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لدراسات الشرق الوسط نيسان 2018
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/the-irgc-may-try-to-divert-iraqs-electricity-payments
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية