الاقتصاد العراقي الكليالمكتبة الاقتصادية

وليد خدوري: الاقتصاد العراقي: الأزمات والتنمية

يعتبر كتاب الدكتور علي خضير مرزا الذي يحمل عنوان «الاقتصاد العراقي: الأزمات والتنمية»، والصادر في بيروت في تموز (يوليو) الماضي، مرجعاً أساسياً عن الاقتصاد العراقي، يضاف إلى المؤلفات الاقتصادية لكل من الدكتور محمد سلمان حسن والدكتور خير الدين حسيب، التي نشرت في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين.
وتشكل هذه الأدبيات المراجع الأساسية للتطور الاقتصادي العراقي، إضافة إلى عشرات الكتب والمصادر المتخصصة التي ترفد المكتبة العربية بالدراسات عن دولة العربية موعودة اقتصادياً، ولكن تعثرت وتدهورت بسبب الحروب والسياسات المرتجلة وسوء الإدارة والفساد
 
وما يميز المراجع الأساسية أنها عالجت تحول الاقتصاد العراقي من الاعتماد على الزراعة والتجارة، إلى الاقتصاد الريعي النفطي. وشرح مرزا في البداية مسلسل الأزمات السياسية والاجتماعية والجيوسياسية التي تركت آثاراً سلبية في الاقتصاد العراقي، على رغم الموارد الطبيعية والبشرية المتوفرة له. ولا يُخفى موقع البصرة الاستراتيجي، التي تشهد حركة احتجاجية ملتهبة، والتي تعتبر عاصمة العراق الاقتصادية كونها ميناء البلاد على مجرى شط العرب وذات التاريخ التجاري مع الدول المجاورة والإقليمية الممتدة من دول الخليج إلى الهند وأوروبا. وشكل مطار البصرة نقطة عبور للعديد من شركات الطيران العالمية ذهاباً وإياباً من الشرق إلى الغرب. وتحوي البصرة أيضاً عائلات يُشهد لها بتاريخها التجاري وبأدائها الناجح والواسع داخل العراق وخارجه. وكان بعض هذه العائلات يدير أسطولاً بحرياً تجارياً، وأخرى بدأت تصدير التمور المغلفة والمعلبة، وبعضها تخصص في تجارة الحبوب والماشية. والإشارة إلى البصرة اليوم ضروري على ضوء الحركات الاحتجاجية والشلل الذي أصابها وشحّ مياه الشرب والانقطاع المستمر للكهرباء. فشح المياه لا يعود فقط إلى عدم توافرها، خصوصاً وأن شط العرب يحاذي شواطئ المدينة، والمشكلة لا تكمن فقط في السدود التي شيّدتها تركيا، فهذه المشاريع ليست جديدة. وإغلاق إيران عشرات الأنهر والروافد خلال الشهور الماضية كان أُعلن عنه مسبقاً. ولكن المشكلة تكمن في عدم إنجاز محطة جديدة لتكرير المياه في الوقت المناسب، وفي سياسة التوظيف العشوائية التي اعتمدها النظام منذ عام 2003، والتي نتج عنها تعيين موظفين حزبيين غير مؤهلين ومن دون خبرة وتعليم مناسب، وشيوع ظاهرة النهب والسرقة.
ومن الصعب التطرق إلى أزمات الاقتصاد العراقي الحديث من دون الولوج في التحديات الاجتماعية، أي أسباب هجرة العائلات التجارية وتهجير الأقليات المتخصصة في الأعمال التجارية. ولا يمكن توجيه أصابع الاتهام فقط إلى دور «الفخ الريعي النفطي»، على رغم أن هذا عامل مهم في الأزمة، إذ استطاعت دول مجاورة التعايش مع الريع النفطي وفي الوقت ذاته الحفاظ على التجارة الحرة والتخطيط الاقتصادي.
وسلط مرزا الضوء على مشكلتين، الأولى الارتفاع الكبير في عدد السكان العالية، الذي يبلغ نحو 3 في المئة سنوياً، البطالة، والثانية شحّ المياه. ولكن كان من الضروري التعمّق في شرح تحديين آخرين ذات أهمية أيضاً، الأول خسارة العراق البيوت التجارية وكبار المزارعين، التي بدأت منذ التحولات السياسية خلال ثورة 1958 وبعدها. أما التحدي الثاني فيتمثل في انتشار الفساد بشكل غير مسبوق من قمة السلطة إلى أسفلها بعد غزو عام 2003.
ووضع مرزا إصبعه على الجرح الكبير للاقتصاد العراقي الحالي، حيث تتمحور سياسة حكومات بعد عام 2013 على التوظيف الحكومي العشوائي، وقال: «بعد انهيار أسعار النفط في 2014-2015، ظهر واضحاً أن التوظيف في الجهاز الحكومي وصل حدّه، وبدأت بوادر تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي نهاية عام 2016، والذي اشترط وضع حد أعلى للتوظيف الحكومي».
وتوقع الكتاب زيادة عدد الداخلين إلى سوق العمل بحوالى 482 ألف شخص سنوياً، وتكمن معضلة الحكومات بعد عام 2013 في اعتمادها سياسة توظيفية حزبية عشوائية تشترط إفادة الحزبيين والانصار على رغم عدم خبرتهم أو درايتهم بالعلوم والإدارة، وافتراض استمرار أسعار مرتفعة للنفط تغطي مسيرتهم الخاطئة، ولكن ظهر كل هذه الرهانات أثبتت فشلها عند انهيار الأسعار
وحرص مرزا، وهو الخبير النفطي والاقتصادي، على شرح السياسات النفطية العراقية والمتغيرات الدولية، أي سياسات منظمة «أوبك، المؤثرة فيها، ومرحلة الامتيازات النفطية والإدارة الوطنية. ويعتبر الفصل عن «المشهد النفطي بعد تغيير عام 2003» مرجعاً أساسياً، مدعوماً بالتحاليل والتفاصيل لهذه الفترة التي اكتظت باللغط حول ماهية العقود النفطية للحكومة المركزية وإقليم كردستان، والعلاقات والخلافات النفطية بين المركز والإقليم، والتي كادت أن تؤدي إلى تقسيم البلاد.
وقدم مرزا تحليلاً للتفاوت في علاقة بغداد بالمحافظات في ظل النظام الفيديرالي، ولقواعد تقاسم الريع النفطي. وعالج الاقتراحات والانتقادات حول سياسة التوزيع المباشر لعوائد النفط على المواطنين العراقيين. وهذا الموضوع الذي لا يزال يثير الكثير من الجدل، اذ يدعي بعض مؤيديه أنه سيؤدي إلى إضعاف نفوذ الحكم الديكتاتوري، وكأن الديكتاتوريات تكون فقط مع الريع النفطي. ويدعي مناهضون للموضوع أن المشروع غير عملي وسيعرقل التنمية الاقتصادية، ناهيك بصعوبة تنفيذه في ظل غياب عقد اجتماعي وشيوع الفساد.
وشكل تحليل مرزا لمختلف جوانب هذا النقاش، أي إيجابايته وسلبياته، مرجعاً في النقاشات حول مشروع توزيع الريع النفطي، وأهمية نجاح أو إخفاق تنفيذه في الدول النفطية الأخرى. ويوفر شرح السياسة النفطية بعد عام 2003، وجهة نظر دقيقة ومهنية في ظل اللغط التي صاحبها، خصوصاً العائدات المالية الناتجة عنها والمسؤولية تجاه الشركات
(*)  كاتب عراقي متخصص في شؤون الطاقة
المصدر: جريدة الحياة اللندنية
http://www.alhayat.com/article/4603109/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/%D8%A5%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. farouk yo
    farouk yo:

    انا لم تسنح لي فرصة قراءة كتاب الدكتور علي خضير مرزا لكن لفت نظري في مقال الاستاذ وليد خدوري قوله ( كان من من الضروري التعمق في شرح تحديين اخرين ذات اهمية ايضا الاول خسارة العراق البيوتات التجارية وكبار المزارعين التي بدات منذ التحولات السياسية خلال ثورة ١٩٥٨ وبعدها اما التحدي الثاني — الخ)
    التعليق
    – بعد قيام مجلس الاعمار وفي عقد الخمسينيات كان بداية تكوين القطاع العام مع زيادة عدد التجار ( البيوتات التجارية ) المتخصصة اساسا في تجارة الاستيراد والملكية العقارية والخدمات الشخصية
    – خسارة كبار المزارعين بعد عام ١٩٥٨ كان السبب تفتيت الملكيات الخاصة الكبيرة في الزراعة ودعم الملكيات الصغيرة مع اهمال الزراعة والتاكيد على التصنيع
    – من هم كبار المزارعين انهم ١٢ من الملاكين الزراعين ( انظر محمد سلمان حسن – دراسات في الاقتصاد العراقي ص ٤٨ مذكورة اسماءهم )
    – اذا كان المقصود بالبيوتات التجارية تجار الجملة والمفرد في التجارتين الخارجية والداخلية فقد عملت هذه الطبقة التجارية على تركيز جهودها في عمليات الاستيراد من الخارج والتوزيع الداخلي للسلع المستوردة واستمرت في عملها حتى في ظروف الحصار الاقتصادي الجاءر على العراق حيث كان التجار العراقيون وبالتعاون مع التجار الاردنيين يقومون بفتح الاعتمادات المستندية واستيراد السلع الى الاردن ومن ثم شحنها الى العراق لقاء عمولات كبيرة نسبيا علمان بان المنفذ الاردن كان مستثنى من الحصار
    – من خرب الزراعة شحة المياه وملوحة التربة وهجرة الفلاحين الى المدن والانخراط في الدواءر الحكومية وفي تشكيلات الجيش والشرطة المحليةً
    – في كتابها Land and poverty in the middle east 1948 شخصت DOREEN WARRINER المشكلة في الزراعة العراقية هي شحة المياه مقابل ملايين الدونمات من الاراضي الصالحة للزراعة ووجهت الكاتبة انتقادات لاذعة للشيوخ والسراكيل في كتابها ذاك
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: