أخي الفاضل السيد الدكتور أحمد البريهي علي المحترم
الأخوة الأعزاء
تحية طيبة
يسعدني مشاركتكم في مناقشة الأفكار التي طرحتها في ملاحظاتي على الدراسة القيمة للزميل الفاضل الدكتور محمد علي زيني. وأتمنى أن تتواصل النقاشات, إذ ليست هناك وصفة جاهزة لوضع العراق على الطريق السليم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي.
أخي العزيز
أثرتم في مداخلتكم القيمة عدداً من الملاحظات التي تستوجب الحوار وسأحاول مناقشة النقاط التالية:
ما هي المعايير التي يمكن اعتمادها في التحليل الطبقي للمجتمع أو بتعبير أدق معايير الانتماء الطبقي في المجتمع؟
هل من علاقة بين المنشأ الطبقي والسلوك الاجتماعي والأخلاقي؟
وما هو تأثير الانتماء الأثني على الفرد والمجتمع؟
وهل ينحصر الفساد في فئة أو شريحة معينة أم يمكن أن يتجاوز الحدود الطبقية وكيف؟
وكيف يمكن تحليل الواقع العراقي بالذات وفق الظروف الملموسة التي يعيش فيها المجتمع؟
وهل هناك من مسافة فاصلة بين جانب الأيديولوجيا والجانب المهني في التحليل الاجتماعي؟
1 . التحليل العلمي لبنية أي مجتمع يفترض أن تنطلق من دارسة معمقة لمكوناته الاجتماعية والعلاقات الناشئة بين مختلف تلك المكونات, سواء أكانت واضحة في حدود بعضها عن البعض الأخر, أم تجلى فيها التداخل والتشابك الاجتماعي بحيث يصعب تشخيص التمايز في ما بين الطبقات والفئات الاجتماعية. ولا شك في أن حالة المجتمع متغيرة بتغير بنيته الاقتصادية, وأن كان هذا التغير ليس سريعاً بل ياخذ وقتاً ومرحلة غير قصيرة.
حسب المعلومات التي لديَّ هناك اتفاق عام يبرز في التحليلات التطبيقية لبنية المجتمعات في الدول المختلفة, سواء أكان المقصود المجتمعات ما قبل النظام الرأسمالي, أي النظام الإقطاعي, أم النظام الرأسمالي القائم, ويشير إلى إن هناك علاقات اجتماعية تلتقي عندها الفئات المالكة لوسائل الإنتاج من جهة, وتلك التي لا تمتلك وسائل الإنتاج بل مجبرة على بيع قوة عملها مقابل أجر لصاحب رأس المال من جهة ثانية.
وفي الوقت الذي توجد الكثير من المصالح والأهداف وأساليب العمل والعلاقات الاجتماعية التي توحد بين الرأسماليين, فإن هناك أيضاً ما يجعلها تخوض المنافسة وتبرز التناقضات والصراعات في ما بين فئاتها المختلفة وكذلك في الفروع الاقتصادية التي تعمل فيها. كما إن هذا الواقع نجده في الطرف الآخر أيضاً, أي في صفو الفئات الاجتماعية التي لا تمتلك وسائل الإنتاج وتبيع قوة عملها لقاء أجر.
ومع ذلك هناك على العموم علاقات ومصالح اجتماعية ومهنية مشتركة ترتبط بملكية رأس المال أو ملكية وسائل الإنتاج والإنتاج, كما إن هناك علاقة اجتماعية ومهنية ومصالح مشتركة بين القوى العاملة. ومن هنا يمكننا أن نتابع بوضوح كبير أن أصحاب رؤوس الأموال على الصعيد الوطني يمتلكون منظمات ومؤسسات خاصة بهم تلتزم قضاياهم وتدافع عن مصالحهم وتتبنى سياساتهم من جهة, وهناك منظمات ونقابات وجمعيات تدافع عن قضايا العمال ومصالحهم وتتبنى سياساتهم. نجد هذا على الصعيد الوطني, كما نجده على الصعيد العالمي.
والمصطلح المستخدم في علمي الاقتصاد والاجتماع لكل من هاتين الطبقتين في المجتمع هو الطبقة البرجوازية بكل فئاتها وشرائحها, والطبقة العاملة بكل فئاتها وشرائحها العديدة. ولم ينف وجود هاتين الطبقتين علماء الاقتصاد والاجتماع في الدول الرأسمالية المتقدمة, وهو تعبير ليس من نتاج الفكر أو الأيديولوجيا الماركسية, بل هو أقدم بكثير من ماركس وإنجلز.
ومن يبحث في شؤون هذه الطبقات عليه أن يميز بين مجالات نشاط هذه الفئات ومدى علاقته بالاقتصاد الوطني, أي في مجال الإنتاج أو التداول والتوزيع أو الخدمات الأخرى أو في المضاربة في السواق المالية والسندات …الخ. إذ يمكن ان نتلمس تفاوتاً في سلوكيات هذه الفئات, وإن برزت في العقود الأخيرة وخاصة في فترة العولمة نوع من التفاعل والتمازج والتشابك بين هذه المجالات في الكارتيلات العالمية أو في الشركات المتعدية الجنسية. وتزداد أهمية هذا التمييز في الدول النامية, ومنها العراق.
أنا لا أتحدث هنا عن الأخلاق أو السلوك الاجتماعي, فهي قضية مختلفة سآتي عليها لاحقاً, ولكن هنا أتحدث عن تلك المعايير التي يلتقي عندها تحديد مفهوم الطبقة, إنه الموقع من وسائل الإنتاج والعملية الإنتاجية والإنتاج. هنا الحديث عن رأس المال العضوي وليس عن المال بشكل عام.
وحين تكون هناك مصالح وأهداف أو مهمات مشتركة تنشأ عنها بالضرورة أفكار وسياسات وإجراءات تبرز في أوساط الطبقة البرجوازية والطبقة العاملة في آن واحد. كما تصدر عن الدولة وعبر السلطة السياسية قوانين ومراسيم وإجراءات تعبر, على وفق موازين القوى بين الطبقتين, عن مصالح هذه الطبقة او تلك أو تسعى على المراوسة أو المساومة بينهما. ويمكن ان نشير على فترة الحرب الباردة التي جعلت مثل هذه السياسة ملموسة في الدول الرأسمالية المتطورة بسبب المنافسة التي فرضتها الدول الاشتراكية على الدول الرأسمالية في مجال الأجور والضمانات الصحية والاجتماعية وبعض الجوانب الاجتماعية الأخرى. والتي بدأت تنحسر الآن نسبياً.
وهذا ما نجده في واقع وجود أحزاب مختلفة تعبر عن هذه الطبقات والفئات الاجتماعية, وأحياناً تتداخل المصالح والأهداف في أحزاب سياسية مختلطة, ولكن تبقى هناك فوارق, نجد ذلك في حزب المحافظين وحزب العمال في بريطانيا أو في الأحزاب الفرنسية (حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي في فرنسا, والحزب الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي أو حزب اليسار في ألمانيا, وهكذا في غالبية دول العالم. وتشكلت عبر الزمن وعلى قاعدة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية ما يطلق عليه بالـ “أيديولوجيا” التي تعبر وتلتزم بها هذه الطبقة أو تلك من هاتين الطبقتين الاجتماعيتين.
لم يختلف الأمر في ظل العلاقات الإنتاجية الإقطاعية أو النظام الإقطاعي من حيث المبدأ فقد كانت هناك طبقة مالكة أو مستحوذة على الأرض الزراعية بصورة قانونية أو بغيرها, وأخرى فلاحية تشتغل على الأرض المملوكة أو المستحوذ عليها من الإقطاعيين أو كبار ملاكي الأراضي الزراعية. وكان الإنتاج يوزع بين الفلاح الذي ارتبط بالأرض الزراعية (القن أو الأقنان) وبين الإقطاعي بحدود 1 : 5 أو 4. وفي الوقت الذي تابينت ملكيات الإقطاعيين من حيث المساحة وعدد الفلاحين الذي يعملون فيها, تباينت أيضاً فئات الفلاحين المعدمين والفقراء وصغار ومتوسطي وأغنياء الفلاحين.
ما أشرت إليه في أعلاه لا يمس العراق, بل اطرح هنا معلومات ومعرفة نظرية وتطبيقية عامة حول مفهوم الطبقة والعلاقات الطبقية التي, كما أرى, جرت تزكيتها بدراسات علمية في مختلف بلدان العالم الرأسمالي, دعْ عنك الدراسات التي صدرت في تلك الدول “الاشتراكية” السابقة. وسيأتي فيما بعد البحث في الشأن العراقي.
خلال الأعوام الأخيرة ومع التطور الهائل في العلوم والتقنيات لم يعد مفهوم الطبقة العاملة يقتصر على أولئك الذين يبيعون قوة عملهم الجسدية أو الذين كان يطلق عليه “البروليتاريا” فحسب, بل اتسع المفهوم ليشمل قاعدة أوسع من القوى العاملة الفكرية والجسدية, أولئك الذين يعملون في قطاعات إنتاجية وخدمية واسعة وكثيرة, وهو أمر مهم. إذ إن الطبقة العاملة أصبحت تحتوي على فئات كثيرة ليست بالضرورة موحدة في ما تسعى إليه بسبب التباين في مواقع العمل والعلاقات والأجور وما إلى ذلك, ولكنها تلتقي مع ذلك في كونها غير مالكة لرأس المال أو وسائل الإنتاج والإنتاج. الإنتاج يذهب إلى أصحاب رؤوس الأموال والأجر يذهب إلى العمال. ونسب التوزيع تعتمد على عوامل كثيرة. وعلينا أن نلاحظ مع التطور الهائل الجاري في القوى المنتجة المادية والبشرية, وخاصة في تقنيات الإنتاج والإدارة الحديثة أن العلاقة بين رأس المال الثابت (وسائل الإنتاج) ورأس المال المتحرك (الأجور) بدأ يتغير باستمرار لصالح الأول, والذي ترك تأثيره المباشر على رفع مستوى وحجم البطالة في الدول الرأسمالية المتقدمة.
2. هل من علاقة بين المنشأ الطبقي والسلوك الاجتماعي والأخلاقي؟
من حيث المبدأ وكقاعدة عامة, وليس الاستثناء, فأن الجماعات التي نطلق عليها بالبرجوازية لها سلوك اجتماعي ونفسي ومهني متقارب بحكم علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية أو المهنية والسياسية والمصالح المشتركة التي تجمع في ما بينها, كما لا بد من الأخذ بالاعتبار أن البرجوازية ليست فئة واحدة أو شريحة واحدة, وهي بالتالي متباينة نسبياً لا في حجم الملكية فحسب, بل وفي مجالات نشاطها وبالتالي في بعض جوانب سلوكها الاقتصادي والاجتماعي والمهني والثقافي على وفق المجال الذي تعمل فيه. وهكذا هو الحال في جانب الطبقة العاملة أيضاً, مع واقع وجود تباين غير قليل بين الفئات التي تدخل ضمن هذه الطبقة. ولكن يبقى الموقع من وسائل الإنتاج والعملية الإنتاجية والإنتاج يحدد السلوك العام, ولكن لا يعني غياب استثناءات وفوارق في السلوك الشخصي نتيجة عوامل كثيرة منها اجتماعية ونفسية وتربوية وعائلية والمحيط الذي ينشأ فيه الفرد والتناقضات والصراعات التي يعيشها المجتمع في مرحلة معينة من مراحل تطور هذا المجتمع أو ذاك. بل علينا أن نقول بأن هناك استثناءات غير قليلة تلعب فيها عوامل تربوية عائلية مباشرة أو عوامل التعليم والتراث والمستوى الحضاري والثقافة الإنسانية التي يتبناها الفرد.
إن قراءة التاريخ يدلنا على وجود مثل هذه الاستثناءات, ولكنها استثناءات تؤكد القاعدة بالنسبة إلى العلاقة الأساسية الغالبة.
ومن المناسب أن أشير هنا إلى إن المنشأ الطبقي عند الابتعاد عن نشاط الطبقة التي نشأ فيها لا يعني بالضرورة الاحتفاظ بنفس السلوك الاجتماعي والأخلاقي العام للطبقة, بل يمكن أن يتخذ الإنسان من منشأ معين سلوكاً آخر. أي أن هذا البرجوازي أو ذاك يتصرف كما يتصرف العمال, وهذا العامل أو ذاك أو المنحدر من فئة اجتماعية فقيرة وكادحة يتصرف كما يتصرف البرجوازيون. ومثل هذه النماذج لا تغيب عن كل المجتمعات.
كما لا بد من الإشارة إلى ضرورة التمييز بين المراحل المختلفة التي يمر بها هذا المجتمع أو ذاك والتي تؤثر على سلوك الفرد وأخلاقه, سواء أكان عاملاً أم مالكاً لوسائل الإنتاج. ففي مرحلة النضال ضد الهيمنة الأجنبية نجد أن الطبقتين تتعاونان وتنسقان وتلتقيان في النضال من أجل مصالح مشتركة, ولكنهما يختلفان حول مصالح أخرى, ومع ذلك فهما يناضلان سوية من أجل تلك المصالح المشتركة. ولكن تختلف الحالة في الغالب الأعم حين ينتقلان إلى مرحلة جديدة وتبدأ مرحلة من يمسك بزمام السلطة والاقتصاد والنفوذ. عندها يبدأ التمايز في المصالح والإرادة والسلوك الاجتماعي والسياسي وتبدأ التناقضات الاجتماعية والصراعات الطبقية والسياسية. وفي هذه المرحلة وفي أي مرحلة أخرى يمكن أن يجري التحري عن أساليب ديمقراطية وسلمية في حل المعضلات والتناقضات.
أما الأخلاق فهي لا تنفصل عن السلوك الاجتماعي, وتشير التجارب الدولية إلى إن العلاقة بين الطبقات والفئات الاجتماعية لا تخضع في الغالب الأعم للأخلاق, بل للمصالح الاقتصادية والبقاء في السلطة السياسية.
هل هناك من مسافة فاصلة بين جانب الأيديولوجيا والجانب المهني في التحليل الاجتماعي؟
تشكل صياغة الأسئلة من المسائل العلمية والفنية غير السهلة, وهي في الغالب الأعم تعبر عن وعي واستيعاب جيد في الموضوعات المثارة, ولكنها تريد في الوقت نفسه تحقيق المزيد من النقاش والتعمق في جوهر القضايا المطروحة لا للاستهلاك الكمالي, بل من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة أو متقاربة أو حتى مختلفة للمسائل المطروحة. هكذا فهمت وتفهمت أسئلة الأخ الفاضل الدكتور أحمد بريهي علي, فهو راغب بفتح نقاش فكري علمي وتطبيقي على واقع العراق الراهن فيه جانبه النظري وجانبه العملي. ومبادرته فسحت في المجال الحوار والنقاش المفتوح. واستجابتي السريعة لهذا الحوار والنقاش الفكري والعملي يدلل ليس على أهميته لي وللسيد الدكتور أحمد بريهي علي حسب, بل لنا نحن العاملين في الحقل الاقتصادي والاجتماعي والنفسي من جهة, ولكل القراء والقارئات الكرام إن وصلت أليهم النقاشات الهادئة والموضوعية والهادفة من جهة أخرى. وهو ما آمل به.
حين أطرح موضوعة أو فكرة أو رأياً فهو تعبير عن رأيي الشخصي في تلك اللحظة وهي قابلة للصواب والخطأ, وهي مطروحة للنقاش وعبر النقاش, إذ يمكن أن ترسخ أو تعدل أو تغتني أو تصحح. وهو أمر ضروري قطعاً في واقع بلادنا وحاجتنا الماسة والملحة والضرورية للحوار والنقاش المتواصلين. ومن هنا أشكر مرة أخرى السيد الدكتور أحمد بريهي علي على تفضله بطرح رأيه وتلك التساؤلات المهمة والمثيرة للجدل والتي لا يمكن إلا أن تكون حولها آراء ومواقف واجتهادات متعددة ومتباينة أو متفقة.
المسألة الأخيرة التي أود تبيان رأيي بها تبحث في العلاقة بين الأيديولوجيا والمهنية, أو المسافة الفاصلة بين الجانب الإيديولوجي والجانب المهني. الفكرة المهمة التي عرضها الدكتور أحمد بريهي تقول:
” ملكية وسائل الإنتاج في العراق وعلاقة الناس بها وما يترب على هذه العلاقة أيضا مسألة شائكة. وكيف ينعكس ذلك كله على تكوين ألأحزاب والحركات السياسية و فرص الوصول إلى البرلمان ، هذه مسائل ليست مدروسة، بعد، بالمعنى المنهجي للكلمة وإن ما نقوله عنها يدخل في باب ألأيديولوجية أما بصفتنا المهنية التخصصية أتمنى لو أقرأ بحثا حول هذا الموضوع .”
يثار الكثير من الجدل حول الأيديولوجيا وضرورة الكف عنها أو الابتعاد عنها. ولكن لماذا يُراد ترك الأيديولوجيا, وهل هي من أو لدى طرف واحد أم إن الأيديولوجيا تشكل جزءاً أو هي منظومة كاملة تلتزم بها الطبقات والفئات الاجتماعية, وأحياناً تتداخل في ما بينها أو يكون فيها انتقائية من أيديولوجيات عديدة, وهل الأيديولوجيا معزولة عن المهنية أو هناك مسافة فاصلة بينهما؟ وهل عالمنا الراهن يعمل بدون أيديولوجيات, أم إنها المسيرة للعالم باتجاهات مختلفة ومتصارعة؟
لو قرأنا الأدب الاقتصادي والسياسي البرجوازي لوجدنا فيه اتهام شديد للشيوعيين على أنهم مؤدلجون وكذا لليسار بشكل عام. ولكن السؤال في المقابل هو: هل الرأسماليون بلا أيديولوجية؟ هل الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي البرجوازي غير مؤدلج؟ وبشكل عام: ألا تعبر السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية أو الثقافية والدينية والمواقف المختلفة حول القضايا المحلية والإقليمية والدولية عن أيديولوجيات مختلفة, ألا تعبر عن مصالح فئة أو طبقة اجتماعية معينة أو أكثر؟ وهل المهني قادر على عزل نفسه عن المحيط الذي يعيش فيه وعن الأيديولوجيات المتعددة السائدة في البلاد, سواء أكانت أيديولوجيا الفئة الحاكمة أم الفئات الحاكمة أم فئة واحدة أو فئات المعارضة؟
كلها أسئلة مشروعة وتحتاج إلى جواب عام, ولكنها تحتاج إلى إجابة ملموسة على وفق أوضاع أي بلد من البلدان, ومنها العراق أساساً بالنسبة لمناقشتنا.
الأيديولوجيا هي علم الأفكار, كما كان يعبر عنها قبل أكثر من قرنين, وهي أسلوب أو نمط في التفكير في المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والدين والثقافة والفنون .. الخ. كما يمكن أن تعبر على وفق هذه الأيديولوجيا أو تلك عن مصالح طبقة أو فئة اجتماعية بعينها. وترتبط الأيديولوجيا ودورها على وفق المنهج الذي يستخدمه الإنسان في التفكير وفي دراسة وتحليل واستخلاص الدروس والاستنتاجات عن الماضي والحاضر وآفاق المستقبل.
وكما هي أمور الحياة كلها يمكن أن يقع متبني هذه الأيديولوجيا أو تلك بالجمود الفكري أو الانفصال عن الواقع والتحليق في فضاءات لا ترتبط بصلة مع الواقع القائم. إذ إن الأيديولوجيا تشكل نظرة فلسفية وسياسية واجتماعية نحو العالم واتجاهات تطوره. وقد حصل ويحصل هذا يومياً في كل مكان من العالم, وفي بلادنا أيضاً.
يمكن للمنهج العلمي أن يساعد الإنسان على التخلص من احتمال تجميد الأيديولوجيا بنمط فكري قاصر عن التغير والتطور ورؤية التغيير الجاري في العالم وضرورات فهم الواقع الجديد الناشئ. وهذه المرض يمكن أن يصاب بها كل إنسان.
والمهنيون العاملون في مختلف الاختصاصات لا يمكن أن ينعزلوا عن واقعهم الحياتي والمعيشي ولا عن مجتمعهم ولا عن النظام السياسي الذي يسود في المجتمع ولا عن المعارضة التي ترفض سياسات النظام الحاكم القائم.
ولكل من المهنيين عموماً نمطه أو طريقته في التفكير وتبني أفكاراً وقيما ومعايير وتقاليد كأي إنسان آخر. وعلى وفق المستوى الثقافي للمهني وليس تخصصه فقط, تتحدد مواقفه الفكرية والسياسية والمهنية وربما انحيازه لهذه الأيديولوجيا أو تلك. وربما تفرض عليه أساليب وأدوات وأهداف عمل معينة تنطلق من طبيعة الوظيفة التي يؤديها, ولكن هذا لا يعني أنه يتبناها بل يمكن أن يحمل غيرها وضدها ولكنه ملزم وظيفياً أن يقوم بما يفرض عليه من جانب الفئة الحاكمة والأيديولوجيا المسيطرة في المجتمع عبر السلطة السياسية؟
هل هناك مسافة فاصلة بين الجانب الأيديولوجي والجانب المهني؟ نعم ولا. يعتمد هذا على مدى علمية المنهج الذي يمارسه المهني في التفكير والتحليل والاستنتاج وتحديد معالم الطريق الذي عليه أن يسلكه من جهة, وعلى طبيعة النظام السياسي القائم في البلاد من حيث المدنية والحرية والديمقراطية من جهة ثانية, وعلى طاقة الإنسان ذاته وقدرته التحمل وعلى اتخاذ الموقف المناسب في التمييز بين الأيديولوجيا والمهنية في اتخاذ القرار المناسب.
الأيديولوجيا يمكن أن تشوه الإنسان وسياساته ومواقفه أن ابتعدت عن الواقع, إذ ينشأ اختلال فعلي بين الواقع والخيال أو التخيل, بين الحلم والوهم, بين الممكن والرغبة. عندها تصبح الأيديولوجيا دين غير قابل للتغيير ومقدس, حينها يكون الإنسان عبداً وخاضعاً لقوالب فكرية غير قابلة للحياة وغير منسجمة مع الواقع المعاش أو توفير مستلزمات التغيير. وهو اختلال في نمط تفكير الإنسان.
هذا يحصل بالنسبة إلى كل الأيديولوجيات دون استثناء, سواء ما يطلق عليها بالسماوية أو الوضعية, ولكن بشكل خاص تلك الأيديولوجيات ذات النزعات الشمولية, ومنها الأيديولوجيا الدينية.
في المجتمع العراقي نجد أحزاباً سياسية ذات أيديولوجيات عديدة تنطلق من واقع العراق, ولكن وبسبب تدني عام للمستوى العلمي والفكري والثقافي, فأن الأيديولوجيات فيها كانت وما تزال قابلة للإصابة بالجمود والانغلاق والتقوقع. وخير مثال على ذلك الأيديولوجيات الدينية المذهبية التي تعود إلى أكثر من 2000 سنة أو أكثر من 1400 سنة, ومع ذلك يدعي السلفيون من كل الأديان بأنهم يريدون إعادة بناء ما لم يبن حتى في ذلك الحين كما كانوا يريدون. واليوم أصبح مثل ذلك البناء مستحيلاً, كما يطرحون الإسلاميون السلفيون منهم وغير السلفيين مثلاً: الإسلام هو الحل, والحاكمية لله وحده… الخ.
ويمكن أن نجد هذا عند بعض الماركسيين, سواء أكانوا شيوعيين أم قوى يسارية أخرى, ممن يطالب حالياً بالاشتراكية, فهو لا يعيش طبيعة المرحلة ولا مهمات البلاد ولا القوى الاجتماعية القائمة فيه والفاعلة في المجتمع. أو حين يحاول البعثيون بقيادة المتهم بجرائم الإرهاب والقتل عزت الدوري العودة إلى حكم البلاد, في حين الغالبية العظمى في المجتمع لا ترفض عودتهم فحسب, بل تريد رحيلهم أصلاً من البلاد, وبشكل خاص رحيل قادتهم أو من يمثلهم في السياسة العراقية في الوقت الحاضر.
المهني لا يمكن أن يكون باستمرار حراً في موقفه في ظل نظام شمولي وقمعي, إذ يمكن أن ينتهي إلى القبر, ولا يمكنه باستمرار السكوت, وبالتالي يمكن أن يتخذ موقف الرحيل والهجرة إلى بلاد العالم الشاسعة.
من حيث المبدأ يصعب عليَّ أن أتصور إنساناً مهنياً واعياً لا يملك نمط تفكير ونظاماً للأفكار السياسية والاجتماعية والفلسفية ووجهة نظر ورأي معين في الأحداث والمواقف السياسية والاقتصادية..الخ. ولكن كيف يمكنه التوفيق بين ما يحمله من فكر أو أيديولوجيا وبين مهنيته. أحياناً يجد نفسه منسجماً ومتناغماً, وأحياناً أخرى متقاطعاً. وفي هذا يبدأ الصراع داخل الذات وعلى عدد من العوامل ينتهي ذلك الصراع بحل معين أو يبقى يؤرق الفرد.
أطرح هنا مثالاً واحداً للنقاش.
أتبنى من حيث المبدأ فكرة العدالة الاجتماعية في العراق والتي تعني في المحصلة النهائية فكرة الاشتراكية كمصطلح تم الاتفاق عليه باعتباره صيغة معينة من صيغ توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي في المجتمع. وأنا في الوقت نفسه مهني من حيث الاختصاص. يمكن أن تشكل هذه أيديولوجيا لي بسبب استخدامي للمنهج العلمي في التحليل لماضي وواقع المجتمع وآفاق تطوره وتقدمه على المدى البعيد وبسبب التزامي بطريقة وأسلوب تفكير معينين وتبني مصالح فئات اجتماعية معينة أوصلتني كلها إلى هذه القناعة, رغم أني لا أنحدر من تلك الفئات الاجتماعية التي أريد لها العيش في أجواء العدالة الاجتماعية والقضاء على استغلال الإنسان, ولكن أصبحت منتمياً لها. ولكن هل هذا يعني أن عليًّ أن أدعو إلى بناء الاشتراكية في العراق في المرحلة الراهنة في وقت أرى المجتمع يعيش في ظل علاقات إنتاجية ما قبل الرأسمالية إلى جانب علاقات رأسمالية ضعيفة التطور, وعلاقات عشائرية لا تنتمي إلى المجتمع البرجوازي والمدني. إن دعوتي هذه ستعني بأني مصاب بمرض الجمود العقائدي والتخشب والابتعاد عن نبض الحياة وأحمل, كشخص, أيديولوجية متخشبة غير قابلة للحركة والحياة والفعل. المجتمع العراقي بحاجة إلى علاقات أخرى, إلى علاقات رأسمالية في المرحلة الراهنة شئنا أم أبينا. والحقائق صخور صلدة تحطم رؤوس من يصطدم بها, حسب الحكمة الإنجليزية, وإذا دعوت إلى علاقات رأسمالية, كما هي سائدة في الولايات المتحدة وبريطانيا, فسأكون مصاباً بمرض الجمود والتخشب أيضاً, إذ أن كليهما يعني الهروب إلى الأمام, في حين يؤكد واقع العراق إن الاقتصاد والمجتمع بحاجة إلى رأسمالية منضبطة غير متوحشة ومقيدة بقوانين اجتماعية, وبحاجة إلى عدالة اجتماعية نسبية تتناغم مع واقع المجتمع والحاجة المتزايدة إلى التراكم لإغناء الثروة الاجتماعية عبر التنوع بالإنتاج وإلى التقدم وإلى تخفيف التناقضات الاجتماعية والصراعات الطبقية والنزاعات السياسية المحتملة.
الأيديولوجيا التي أحملها ليست سُبة ولا مرضاً ولا جموداً بل وعياً للواقع القائم, ولكن هذا لا يعني قبولي بهذا الواقع, بل لا بد من السعي والنضال لتغييره بخطوات تسمح بها قدرات المجتمع ووعيه بضرورة التغيير…الخ. هنا أجد منسجماً ومتناغماً, كم أدعي, بين الجانب الأيديولوجي والجانب المهني في تكويني أو في تشخيصاتي. وربما يمكن أن يقول لي شخص آخر بأنك مخطئ. وهو احتمال وارد. ولهذا يمكن أن نبدأ بنقاش جديد.
الأسئلة الحية والمهمة التي أثارها الزميل الفاضل الدكتور أحمد بريهي علي لا يمكن الإجابة عنها بهذه السرعة بل تستوجب الكثير من الجهد وبعض التفرغ للكتابة فيها. أتمنى أن يتسنى لي ذلك.
في تعقيب مهم للزميل الدكتور أحمد بريهي علي على الحلقتين الأولى والثانية من مناقشتي أشار إلى مسألتين:
المسالة الأولى
“في مجتمع وصل إلى مستويات مرموقة من التقدم ، أي في المرحلة الصناعية و ما بعدها، نفترض أن الكيان- النظام الاجتماعي يرتكز على فئتين ( طبقتين): مالكي وسائل الإنتاج و العمال. وبذلك نحاول البحث عن القانون ألأساسي لحركة المجتمع هناك . ويصبح مسار التغير هو تعاقب وقائع النزاع و التسوية بين طرفي ذلك التضاد . ولكن المشكلة في العراق إن وسائل الإنتاج الموظفة في مجالات العمل ألأجير خارج قطاع الدولة أقل من 10% من مجموع ما يطلق عليه رأس المال. وهذا يتضح بمجرد استعراض مشهد الاقتصاد العراقي مع قليل من البيانات التقريبية . والعمل المأجور ، أيضا، لا يتجاوز هذه النسبة من مجموع السكان النشيطين اقتصاديا. وقد يكون كلاهما أقل وهو ألأرجح . فأين يكون موضع ( مكان) القانون الأساسي للحركة في العراق حسب النموذج النظري الذي نستخدمه الآن للتحليل. إذا اتفقنا إن هذا الطراز من التضاد لم يصل يعد إلى الكتلة الحرجة التي تجعله مهيمنا على ديالكتيك الصيرورة”.
المناقشة:
أشرت إلى أن المجتمع العراقي هجين في علاقاته الإنتاجية وفي بنيته الطبقية ولم تتبلور بعد الطبقة البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة ولم يتحولا في تقدير حتى الآن من طبقتين بذاتهما إلى طبقتين لذاتهما, وهي عملية لا ترتبط بالعدد أو حجم كل منهما ودورهما في الاقتصاد والمجتمع فحسب, بل وكذلك بوعيهما الطبقي وفهمهما لمصالحهما ونضالهما المشترك للخلاص من بقايا العلاقات ما قبل الرأسمالية.
التناقض في العراق حالياً, كما أرى, ليس بين البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة, بل هو يجمعهما النضال المشترك ضد السياسة الاقتصادية والاجتماعية لفئات من البرجوازية الصغيرة اليمينية والبروليتارية الرثة التي تعبر عن إرادة بعض الأحزاب الإسلامية السياسية اليمينية وبعض القوى القومية اليمينية أيضاً التي وصلت إلى السلطة بدعم وإسناد من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في آن واحد, بالرغم من اختلاف وصراع الدولتين, وتحصل على الدعم والتأييد والإسناد من شيوخ وقوى عشائرية ومؤسسات ومرجعيات دينية. وهذا الواقع يتجلى في السياسات الاقتصادية, ومنها التجارية, والسياسات الاجتماعية والسياسات المالية والنقدية التي تمارسها الحكومة العراقية, وبشكل خاص السياسة النفطية والتجارية تصديراً واستيراداً من جهة, والسياسة المناهضة للتصنيع وضعف التوجه صوب تحديث الزراعة وتنويع الإنتاج عموماً من جهة أخرى.
فالصراع ضد التخلف وضد الفئات الحاكمة التي يفترض تغييرها عبر الطرق الديمقراطية والسلمية في حالة رفض تغيير سياساتها, بما في ذلك سياساتها الطائفية. وهذا يتطلب تغيير ميزان القوى الاجتماعي والسياسي.
البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة كلاهما ضد المجتمع القبلي وضد الطائفية وضد تدخل الدين بالدولة, وهما معاً من أجل إقامة مجتمع مدني ديمقراطي حديث. لهذا فالصراع ليس ضد البرجوازية الوطنية وليس ضد رأس المال الوطني وليس ضد القطاع الخاص, بل مع القطاع الخاص ومع الرأسمال الوطني ومع البرجوازية الوطنية لا من جانب الطبقة العاملة, التي ما تزال ضعيفة كالبرجوازية الوطنية, فحسب, بل ومن جانب كافة القوى الديمقراطية ومنها اليسارية والقوى اللبرالية الديمقراطية.
اتفق تماماً بأن القطاع الخاص ضعيف والدولة ما تزال تسيطر على أغلب العاملين وعلينا تخليص المجتمع من هذه الظاهرة, ولكن هذا لا يتعارض مع وجود قطاع دولة اقتصادي في القطاعات الاقتصادية الضرورية مع تعزيز لدور القطاع الخاص وتوفير مستلزمات تطوره ومشاركته في الإنتاج ووصول البرجوازية الوطنية إلى السلطة السياسية بدلاً من قوى البرجوازية الصغيرة والقوى الهامشية التي تحتل مواقع لها في السلطة إلى جانب ممثلي العشائر الذين يجدون في الصناعة عدواً لهم ولهيمنتهم على الريف والزراعة اقتصادياً واجتماعياً ونفوذاً ووجاهةً (البرستيج). علينا أن ندرك بأن المؤسسات المالية والنقدية الدولية تدعم هذه الحكومة وتحاول دفعها للحفاظ على السياسات المختلة التي تمارسها والتي لا تخدم الاقتصاد الوطني والمجتمع, وهي إحدى المشكلات التي تعاني منها الطبقة البرجوازية الوطنية والطبقة العاملة وكادحي الريف وصغار المنتجين والحرفيين.
هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, كما أرى, هي المحرك الفعلي الراهن للصراع في المجتمع, وهي التي ستدفع بالمجتمع للتخلص من سلوكيات وأخلاقيات الفئات الحاكمة, بما في ذلك الفساد وتدهور المعايير والحفاظ على الردة الفكرية والاجتماعية والتشويه الذي حصل على الإنسان والمجتمع خلال العقود الخمسة المنصرمة.
المنهج العلمي المادي لا ينطلق من شابلونه معينة أو من قوالب ثابتة وجامدة يحشر فيها الواقع العراقي ليخرج باستنتاج وضع مسبقاً, بل يفترض في الباحث أن يستخدم المنهج لدراسة الواقع القائم بكل تفصيلاته والعوامل الفاعلة فيه والمؤثرة عليه داخلياً وإقليمياً ودولياً… الخ ليصل إلى الاستنتاجات المناسبة ويحدد التناقضات والصراعات المحتملة وربما يتحرى عن سبل الحل لها.
جاء في كتاب المقدمة لأبن خلدون ما يشير إلى هذا النوع من البحث الأصيل حيث كتب ما يلي:
“.. لا يكفي أن تصف موج البحر, وظهور السفن, حين تريد أن تتكلم عن حياة البحر .. لا بد لك أن تفهم ما في القاع .. قاع البحر المليء بالغرائب والتيارات والوحوش .. وقاع السفينة حيث يجلس عبيد وملاحون إلى المجاديف أياماً كاملةً, يدفعون بسواعدهم بضائع تحملها السفن, وثروات وركاباً .. وينزفون عرقاً, وتتمزق أجسامهم تحت السياط .. أجل! ينبغي أن تعطيني الصورة كاملة, عندما تريد أن تقنعني بأمر من الأمور”. (أبن خلدون, عبد الرحمن بن محمد. مقدمة أبن خلدون. دار الجيل. بيروت).
المسألة الثانية للزميل الدكتور أحمد بريهي علي
“وثمة قضية أخرى لو أرادت جماعة أن تبدأ بالفعل نشاطا سياسيا من أجل الإصلاح من أين تبدأ لكسر الحلقة المفرغة. أقصد لا بد أن يحاول علماء النفس و الاجتماع البحث الجاد عن سبب هذه الكارثة بطريقة تؤدي إلى ما يسميه أهل الاقتصاد اكتشاف أدوات للسياسة أي التأثير في الواقع لتغييره. إن الجزء المهم من المشكلة ليس الفاسدين بل لماذا هذا الحياد ، عمليا ، تجاه التخريب والعبث و إذا استعرنا ما ينقل عن تروتسكي ، صوريا، نقول يمكن لقلة قليلة من المفسدين تدمير العراق في ظل حياد ألأكثرية . فكيف الحال إذا تجاوز أعضاء النخبة الذين يحظون بالاحترام الاجتماعي الحياد الى التحالف . لماذا لا ننبش في الثقافة السائدة ونجد القيم التي أنتجت معايير السلوك هذه ونحاول تدبير طريقة لتغييرها. لقد تبين إن الاستعداد للتفكير الموضوعي بمنتهى الضآلة رغم القدر الواسع من الحرية هنا في العراق . الإنسان الذي أعايشه كان لا يطيق النظر في الوقائع ثم تجاهلها وبعد ذلك ألغاها تماما . قد نتحاور بالمعقول في ألأمور التي لاتهمنا ومنها الشأن العام !!! و تأكد حتى مبادئ الحساب و القياسات تصنف بأنها مغرضة و حاقدة إذا وقفت موقفا شريفا و قالت إن 1+1 لا يساوي ثلاثة. إذا فهم منها الأخ العزيز إن الحقيقة قد تكون مختلفة عن مرغوباته.”
أخي الفاضل الدكتور أحمد بريهي علي
لقد حاولت السير على هذه القاعدة التي اقترحتها في هذا المقطع. لقد أنجزت كتاباً تحت عنوان “الاستبداد والقسوة في العراق” ويبحث في تاريخ القسوة والاستبداد في العراق تقريباً, طبع في العام 2005 في مطبعة مؤسسة حمدي في السليمانية. وقد استعنت بكتاب الأستاذ عبود الشالجي (م) الموسوم “موسوعة العذاب” بسبعة أجزاء. ثم بحثت محنة ومأساة اليهود في العراق والفرهود بكتاب صدر بطبعتين وعن نفس المؤسسة وفي العام 2006 و2010, ثم أنجزت كتاباً آخر تحت عنوان “لمحات من عراق القرن العشرين” بـ 11 جزءاً, أثنان منها يبحثان عن العراق الأموي-العباسي, والثاني عن العراق تحت الحكم العثماني, والبقية عن عراق القرن العشرين. وحاولت فيها أن أتحرى عن هذا المشكلات التي أثرتها صواباً ورجوت الباحثين التعمق فيها. طبع جزءان من الكتاب الأخير وستطبع البقية خلال هذا العام والسنة القادمة.
توصلت إلى استنتاجاتي الشخصية في هذا الصدد. ولكن أجد صعوبة في اختصار الكتابة عن هذا الموضوع المهم في صفحة أو صفحتين, ولذلك قررت ترك الموضوع لمناسبة أخرى أولاً, وربما يأخذ بعض الأخوة الباحثين المشاركة في النقاش ثانياً, وسأحاول توفير هذه الكتب لكم ثالثاً.
أعتذر إن بدرت مني كلمة غير مريحة في سياق المناقشة.
مع وافر الاحترام
أخوكم
كاظم حبيب
برلين في 20/6/2011
رد الدكتور كاظم حبيب على مداخلة د. أحمد ابريهي علي
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية
اولاا تحية طيبة للدكتور كاظم ثانيا هذا الرجل لا يريد ان يصدق بان ظاهرة العولمة حقيقة واقعة وثالثا يتجاهل بان الماركيبة علم وان العلم يتطورويتغير كل لحظة رابعا هذا الرجل لا يعترف بما يسمى اقتصاد المعرفة خامسا دكتور كاظم لا يريد التلوث باللبرالية الجديدة سادسا كاظم يريد تطبيق الاشتراكية فى مجتمع مثل العراق لا وجود للبروليتارية الصناعية فيه سادسا دكتور كاظم رجل نظرى بامتياز لا علاقة له بالسوق العراقى وغير مهتم بمطالب الناس الذين يريدون حصنهم العينية من النفط الخام لكن دكتور كاظم حبيب رغما عنى من الاقتصاديين العراقيين الذين يبحثون عن الحل واقول له ضع يدك بيد احمد بريهى فهو دليل التائهين فى الازمة الراهنة للاقتصاد العراقى