جاء في دراسة جديدة للدكتور السعدي (“الاقتصاد السياسي لتنامي قوة النفط في العراق: مرحلة حاسمة،” المستقبل العربي، العدد 378، آب2010):
“إن من المتصور أن تبرز التطورات الرئيسية التالية نتيجة اتفاقيات النفط الجديدة:
1- تزايد هيمنة السلطة الحاكمة.
2- تزايد دور القطاع الخاص الوطني، وخاصة قطاع التشييد (المقاولات) والصناعات المرتبطة به، وفي الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وفي قليل من الشركات المساهمة الكبيرة. ولكن، ستبقى ضرائب الربح والدخل هامشية.
3- تراجع أهمية القطاع العام في الصناعة التحويلية والزراعة والمشاريع الخدمية، بينما سيحافظ على دوره في التمويل وفي تسيير مشاريع البنية الأساسية الاستراتيجية.
4- تزايد نفوذ الماليين والصناعيين والتجار والمزارعين الأغنياء والمهنيين في قطاع الخدمات المالية.
5- تزايد دور البنوك والسوق المالية وشركات التأمين وبقية الخدمات المالية.
6- تزايد أهمية الطبقة الوسطى في الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية.
7- تزايد دور ريادة القطاع الخاص في تطوير التكنولوجيا وفي الإدارة الكفء للشركات والمشاريع.
8- ستزداد أهمية نظام الأمن والرفاه الاجتماعيين للحفاظ على منافع العاطلين عن العمل، وكبار السن، والمتقاعدين، والفقراء.[1]
يتابع الدكتور السعدي في هذه الدراسة موضوع الريع النفطي بعد أن كتب عنها العديد من الدراسات الأخرى بالعربية والإنجليزية، وثبت دور الموارد النفطية في تطوير (وكذلك تشويه) الاقتصاد العراقي في أحدث كتاب صدر له.[2] قراءة التجربة القائمة منذ الغزو الأمريكي في 2003 كما يخبرنا الكاتب تبين ازدياد الدور الريعي للإيرادات النفطية دون أن يرتبط ذلك بتغيير في السياسة الاقتصادية وفي تشكيل الرؤية المنظمة لها. لكن التصورات المقدمة، رغم خلفية التحليل الاقتصادي، أقرب إلى الاستنتاجات المنطقية وما يرتجيه الكاتب ضمن رؤيته للاقتصاد العراقي وتأكيده على الخروج من أسر الاقتصاد ذو البعد الواحد وتنويع مصادره بالتوازي مع الموارد الريعية.
هذه تصورات يمكن أن تتحقق على أرض الواقع كما يعرضها د. صبري أو تنحرف عن تصوراته فليس بالإمكان التحكم الكامل بما يسفر عنه الحراك الاجتماعي والسياسي ودينامية التطور الاقتصادي. ويلاحظ على هذه التصورات أنها لم توضع في إطار زمني محدد يمكن خلالها أن تتجسد التصورات في سياسات ومؤسسات وكأنه يريد التأكيد على اتجاهات تنتظم الأفكار الاقتصادية النقدية السائدة والممارسات القائمة عليها.
تقتصر ملاحظاتنا في هذه الورقة على بعض التصورات التي اقتبسناها أعلاه لقناعتنا بعلاقتها بقطاع التأمين العراقي في الحاضر وما يرجى له في المستقبل. وسنحاول إبراز بعض الآثار التأمينية للاتفاقيات النفطية.[3]
تزايد دور القطاع الخاص الوطني
تزايد دور القطاع الخاص الوطني، على خلفية اتفاقيات النفط الجديدة، قد يترتب عليه تزايد طلب القطاع للحماية التأمينية وخاصة الطلب على وثائق تأمين المقاولات، وهذا بافتراض أن عقود المقاولات الحكومية تشترط التأمين لدى شركات تأمين عراقية.[4]
المعلومات الأولية المتوفرة تشير إلى أن الأعمال “النفطية” التي ترسيها شركات النفط العالمية على شركات القطاع الخاص العراقي صغيرة الحجم وغير معقدة، وتنحصر في الوقت الحاضر بتشييد المسقفات والأعمال الصغيرة والبيوت السكنية المؤقتة في الحقول النفطية الخاضعة للتطوير. أما الأعمال النفطية الأساسية والمعدات والمواد المتعلقة بها والمستوردة من الخارج فإنها ترسي على شركات الخدمات النفطية الأجنبية المتخصصة التي تقوم بأعمال حفر الآبار وصيانتها وما يتبعها من عمليات لإنتاج النفط وجمعه ونقله. وهذه الشركات لها وثائق تأمين خاصة بها (وثائق مُجمّعة تغطي أعمالها في مختلف أنحاء العالم) مرتبة في أوطانها الأصلية ولا تفكر في إجراء التأمين على مخاطر أعمالها في العراق لدى شركات تأمين عراقية لا بل أن بعضها تستعين بشركات تأمين مقبوضة.[5]
تصور تزايد دور القطاع الخاص يقوم على فرضية أن الاستثمارات الأجنبية المادية المباشرة تجلب معها موارد للاقتصاد المحلي لم تكن موجودة أو فقيرة (تكنولوجيا متقدمة، مهارات عالية، كفاءة في الأداء، تنشيط الاقتصاد في مناطق تواجدها من خلال الطلب على الخدمات المحلية وغيرها). امتداد تأثير هذه الاستثمارات spillover effect على جوانب مختلفة للاقتصاد المحلي قد لا يظهر آنياً والزمن كفيل لتأكيد صحة أو خطأ هذا التصور.
تراجع أهمية القطاع العام
تراجع القطاع العام في “الصناعة التحويلية والزراعة والمشاريع الخدمية” يترتب عليه انخفاض دخل شركات التأمين العامة من أقساط التأمين على منشآت الصناعة التحويلية والزراعية والخدمية لأن شركات القطاع العام تؤمن على أصولها المادية لدى شركات التأمين العامة.
ولو صحت تصورات الكاتب فإن انخفاض دخل شركات التأمين العامة (شركتين فقط) سيعوضه تزايد دخل شركات التأمين الخاصة وربما شركات التأمين الأجنبية التي ترغب في توطين عملياتها في العراق في المستقبل. مصير شركات التأمين العامة ليس معروفاً في الوقت الحاضر ولم يطرح موضوع خصخصتها رسمياً. هي الآن تتنافس مع شركات التأمين الخاصة على الأعمال غير الحكومية، ومتى ما تم تطبيق أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 بشكل صحيح (أنظر أدناه تحت عنوان تزايد دور ريادة القطاع لخاص) عليها أن تتنافس أيضاً على تأمين الأعمال الحكومية.
تزايد دور ريادة القطاع الخاص في تطوير التكنولوجيا وفي الإدارة الكفاءة للشركات
حجم الأعمال التي تكتتب بها شركات التأمين الخاصة صغير، وهي ضعيفة في كوادرها الفنية في الوقت الحاضر مقارنة مع الشركتين العامتين لكن المستقبل سيكشف عن دور مهم لها، ضمن رؤية الدكتور السعدي، في إدخال تكنولوجيا المعلومات، وممارسة الإدارة دون الخضوع الكامل للبيروقراطية في العمل (توزيع مسؤولية اتخاذ القرار بدل حصرها بيد المدير المفوض أو المدير العام، الاستجابة الفورية لمطالب المؤمن لهم، الاستثمار في تحسين المهارات الفنية). الوضع الحالي لهذه الشركات لا يشي بذلك إلا أن الضغط التنافسي، ومسؤولية الإدارة أمام المساهمين، وكذلك الدخول في عمليات دمج واستحواذ بما فيها الشراكة مع شركات تأمين أجنبية ذات قدرات فنية عالية سيدفع باتجاه تسلم بعض هذه الشركات مواقع الريادة في قطاع التأمين.
يشهد سوق التأمين العراقي حالة من فوضى التنافس على الأسعار بين بعض الشركات القائمة وضعف الخدمات يتطلب تدخلاً من ديوان التأمين العراقي لضبط الأوضاع باعتباره القيّم على مصالح المؤمن لهم. ولعل الالتزام بأحكام قانون التأمين سيوفر آنياً أحد شروط تقدم الشركات الخاصة في تنافسها مع شركات التأمين العامة. فمن المفترض أن يجري التأمين على الأصول العامة للوزارات والمؤسسات الرسمية حسب ما يقضي به قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 بموجب الفقرة الثالثة من المادة 81 والتي تنص على ما يلي:
“يجري التأمين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات أو دوائر الدولة في التأمين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون، ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها.”
القطاع العام لا يلتزم بهذه المادة ولم يجري تصحيح لهذا الوضع لأن “العادات قاهرات” كما يقال، فالمسؤولين[6] عن التأمين في الوزارات يميلون إلى التأمين مع شركات التأمين العامة بحكم العادة أو بسبب الجهل بأحكام قانون التأمين. ولم تنجح شركات التأمين الخاصة في محاولاتها العديدة مع المؤسسات المعنية لتغير هذا الوضع. وبالطبع فإن شركات التأمين العامة ساكتة عن هذا الموضوع وحتى جمعية شركات التأمين وإعادة التأمين العراقية ليست معنية به بسبب تركيبة مجلس إدارتها.
أهمية نظام الأمن والرفاه الاجتماعيين
القول بأن أهمية نظام الأمن والرفاه الاجتماعيين ستزداد بفضل الاتفاقيات النفطية (زيادة الموارد المالية للدولة) يحتاج إلى تكييف لأن الميل العام لدى معظم أفراد الطبقة السياسية الحاكمة هو تقييد هذا النظام وليس التوسع فيه. ومع هيمنة إيديولوجية الليبرالية الجديدة يصبح تعزيز هذا النظام صعباً، وما هو قائم منه لا ينهض على قناعات اقتصادية بأهمية بناء دولة الرفاهية وإدارة الطلب العام بقدر ما هو موضوع للتنافس السياسي بين مكونات الطبقة السياسية.[7] لكن إحدى نتائج تقليص العبء المالي على الدولة هوالدفع باتجاه تحويل عبء الأمن والرفاه (الصحة والتعليم والمسنين وتقاعدهم) على الأفراد، ضمن التكييف لمتطلبات صندوق النقد الدولي الذي يجد دوره قائماً بفضل سياسة الاقتراض التي أرستها الحكومة الحالية. الانحسار المخطط لدور الدولة قد يُعجّل من تعظيم دور شركات التأمين في تقديم منتجات تأمينية تستجيب للطلب على التأمين الطبي والرعاية الصحية والتعليم والمرتب التقاعدي من خلال وثائق التأمين على الحياة.
ويرتبط هذا التطور بتصور الدكتور السعدي عن “تزايد أهمية الطبقة الوسطى في الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية” وهذا يفترض تزايد دخول الطبقة الوسطى، وهي غير مُعرّفة الآن بدقة، ولكن ما يؤشر على وجودها هو الأعداد الكبيرة العاملة في أجهزة الدولة (الوزارات، البرلمان، رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية) وفي الإدارات المحلية وفي إقليم كردستان العراق والمنافع المادية المخصصة للبعض والفئات المنتفعة من ارتباطها بالحكومة وعقودها.
تزايد دور البنوك والسوق المالية وشركات التأمين
دور البنوك وشركات التأمين في الوساطة المالية وتمويل الاستثمار في الوقت الحاضر ضعيف جداً إن لم يكن معدوماً. نقول هذا وفي بالنا، من باب المقارنة، ما يقوم به السوق المالي في الدول المتقدمة، فهو سوق تتم فيه المتاجرة بالأصول المالية. وتشمل هذه:
بورصة المتاجرة بأسهم الشركات والدين العام
سوق النقد للمتاجرة بالقروض قصيرة الأجل
سوق المتاجرة بالعملات الأجنبية
سوق المتاجرة بالمشتقات المالية (وهذه ليست معروفة في العراق بعد)
يتصور الكاتب أن القطاع الخاص الوطني سيقوم بهذا الدور الاقتصادي (وفيما يخص هذه الورقة دور شركات التأمين كوسيط مالي وكقناة للصناديق الاستثمارية). وقد لا نختلف مع هذا التقييم خاصة ونحن بإزاء مشروع تأسيس اقتصاد رأسمالي في العراق، لكن المعطيات الحالية لا تؤشر على دور مهم وكبير لشركات التأمين في تمويل النمو الاقتصادي فحجم أقساط التأمين المكتتبة في العراق لا يتجاوز بضعة ملايين من الدولارات (أقل من عشرة ملايين دولار).
لم يشهد العراق منذ 2003 على دور مشهود لشركات التأمين في تمويل النمو الاقتصادي. ومن المعروف في التاريخ الاقتصادي لبعض البلدان الغربية، ومنها بريطانيا، أن شركات التأمين كانت تلعب دوراً مهماً في تقديم القروض العقارية، وقروض للحكومة لتطوير المرافق العامة، وبناء أرصفة الموانئ، وقروض لشركات السكك الحديدية، والإدارات المحلية، والمساهمة في تطوير المرافق في مستعمرات التاج البريطاني، وقروض للإفراد بضمانة وثائق التأمين على الحياة وشراء أسهم وسندات المصانع الجديدة مساهمة بذلك في تطوير سوق لتداول رأس المال.[8] هذه المقارنة قاسية لكننا أشرنا إليها لإبراز أهمية الموضوع.
الحديث عن التأمين وكأنه متغير مستقل ليس صحيحا إذ أن النشاط التأميني، رغم دوره “الإنتاجي” في حماية الأصول المادية من خلال التعويض المالي عن الأضرار والخسائر المادية (وفوات الأرباح إن كانت هذه موضوعاً للتأمين) التي تلحق بهذه الأصول، وكذلك دوره الاستثماري من خلال توظيف أرصدة أقساط التأمين المتجمعة لدى شركات التأمين في أصول مادية أو مالية، يظل نشاطاً تابعاً بامتياز للصناعة والزراعة وما يرتبط بهما من خدمات. وعدا ذلك فإن النشاط التأميني في شقه الاستثماري يتأثر بالسياسة النقدية (تحقيق استقرار في المستوى العام للأسعار من خلال التحكم بعرض النقد ومعدلات الفائدة وحجم الائتمان المصرفي للحد من التضخم)، واستقرار في سعر الصرف) والمالية (الإنفاق الحكومي والضرائب).[9]
ونضيف إلي ذلك أن تحسن الأوضاع الأمنية سيشجع شركات تأمين أجنبية، ذات الإمكانيات الفنية والمالية العالية التي تستقدم كوادر مدربة من خارج العراق، وهو أمر غير مستبعد، على مزاولة العمل في سوق التأمين العراقي وبفضل مزاياها المالية والفنية تستطيع أن تكتسح الشركات العراقية القائمة. وبذلك فإن دور شركات التأمين الوطنية سيؤول إلى التقلص.
إن سوء إدارة الاقتصاد الوطني، وغياب الصرامة القانونية (قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي وفر الغطاء القانوني للتأمين خارج العراق)، ومحدودية الوعي الاقتصادي والاجتماعي بالتأمين (ضعف عادة التدبر والاقتصاد thrift and prudence وسيكولوجية الاتكال والاستهانة بعواقب الأخطار لدى الناس) يفسر في الوقت الحاضر ضآلة حجم النشاط التأميني. تراجع النشاط التأميني، مقارنة بعقد سبعينات القرن الماضي مثلاً، وهزاله الحالي مسألة تستحق المزيد من البحث العياني رغم قيامنا برصد بعض مظاهره في أوراق نشرناها سابقاً. هناك عوامل أخرى تقف وراء مراوحة النشاط في مكانه: بيروقراطية إدارات شركات التأمين العامة، وهي الأكبر من بين الشركات، وضعف مبادراتها لبناء القدرات الفنية، وكذلك الافتقار إلى الكوادر المدربة لدى الشركات الخاصة، وضعف مساهمة شركات التأمين في ترويج عادة التدبر والاقتصاد لدى الناس، وسوء الأوضاع الأمنية وتفاقم الفقر والأمية الأبجدية والثقافية وغيرها من أسباب (ومنها عدم إلزامية التأمين على أخطار معينة، وضعف توسيع دائرة توزيع المنتجات التأمينية) تفسر إخفاقات قطاع التأمين العراقي الخاص والعام في تحقيق نقلة نوعية في أدائه والخروج من وضعه المأزوم. ومن المفترض أن تزايد عدد شركات التأمين منذ سنة 2000 كان من شأنه أن يخلق تنافساً يؤدي إلى زيادة الطلب على التأمين (من خلال الجهد الإلحاحي في البيع sales pressure) لكن الزيادة لا تزال في حدودها الدنيا، والمنافسة تنحصر على أسعار التأمين ولا ترتبط بجودة الخدمات.
الملاحظات التي قدمناها عن تصورات د. صبري السعدي وربطها بقطاع التأمين يمكن أن توسع لتكون مادة لدراسة مستقلة، نظرية وميدانية، تغطي من بين عناوين أخرى:
تحديد النظام المالي في العراق – البنوك بضمنها المصرف المركزي، شركات التأمين، الوسطاء الماليون، سوق الأوراق المالية.
النظام المالي والاقتصاد العيني الإنتاجي (تمويل الاستثمارات الجديدة وتوسيع القدرات الإنتاجية).
العلاقة بين النشاط الاقتصادي بضمنه الاستثمارات العينية والنشاط التأميني واعتماد الأخير على النشاط الاقتصادي.
الوساطة المالية لشركات التأمين في العملية الاستثمارية – تدوير أرصدة التأمين نحو الاستثمار في الأوراق المالية وفي الاستثمار العيني.
ولكن مما يؤسف له أن الاهتمام الاقتصادي بالنشاط التأميني، كقطاع متميز، لم يلق عناية حقيقية. وقد ذكرنا في الماضي في دراسة سابقة أن:
“قطاع التأمين لا يرقى في أهميته إلى قطاع النفط المهيمن على تفكير الاقتصاديين العراقيين. وحتى العاملين في قطاع التأمين لم يدرسوا أهميته في المساهمة في الحفاظ على الثروات الوطنية (أي المساهمة في تجديد الأصول المتضررة من خلال تمويل التصليحات أو الاستبدال)، وكذلك دوره كوسيلة ادخارية فعّالة (وخاصة تأمينات الحياة)، والمساهمة في تكوين رأس المال، وإمكانية توفير فرص كبيرة للعمالة، وأخيراً دوره الحضاري في التقليل من النزاع الاجتماعي وتحويل عبء الاختلاف بين الأفراد إلى شركات التأمين (كما في تأمين المركبات). وبعبارة أخرى، فإن دور التأمين في التنمية الاقتصادية لم يلقَ ما يستحقه من عناية الباحثين.”[10]
الآثار التأمينية للعقود النفطية الجديدة، في الفترة الحالية، محدودة الأثر فيما يخص مساهمتها في زيادة دخل الأقساط المكتتبة. لكننا لا نعدم بعض الأثر في تعرُّف شركات التأمين العراقية على أغطية تأمينية جديدة لا عهد بها سابقاً، والدخول في معترك التعامل مع الشركات النفطية العالمية بصورة ضيقة مباشرة أو غير مباشرة، وتعزيز الثقة لديها في التلاؤم مع متطلبات عمل هذه الشركات رغم إمكانياتها الفنية والمالية الضعيفة.[11]
ومقارنة بالتوقعات العالية (المبالغ فيها كما يقول البعض) المرسومة لزيادة إنتاج النفط من الحقول القائمة وتلك الخاضعة للتطوير وما يترتب عليها من زيادة الواردات ورفع مستوى الصناعة النفطية[12] فإن المنفعة المتوقعة لقطاع التأمين سيكون صغيراً ما لم تتغير إدارة الاقتصاد وتتوضح معالم السياسة المرسومة لقطاع التأمين في العراق.[13]
لندن، أيلول/سبتمبر – تشرين الأول/أكتوبر 2010
misbahkamal@btinternet.com
نشرت هذه المقالة في المستقبل العربي، العدد 394، كانون الأول/ديسمبر 2011، ص135-142.
الهوامش
[1] يراد من هذا الاقتباس توفير السياق للقارئ الذي ربما لم يقرأ الدراسة، والاستفادة منه في ربط بعض عناصره مع تصور الكاتب لقطاع التأمين العراقي. (يمكن قراءة الدراسة باستخدام هذا الرابط:
http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/mustaqbal_378_42-60%20sabri%20alsaadi.pdf
ونشرت الدراسة باللغة الإنجليزية، بصيغة معدلة:
Sabri Zire al-Saadi, “Growing Oil Power Reshaping Iraq’s Future,” Middle East Economic Survey (MEES), VOL. LIII, No 32, 9-Aug-2010.
http://www.mees.com/postedarticles/oped/v53n32-5OD01.htm
2 صبري زاير السعدي، التجربة الاقتصادية في العراق الحديث: النفط والديمقراطية والسوق في المشروع الاقتصادي الوطني: 1951-2006 (بغداد ودمشق وبيروت: دار المدى، 2009).
3 نفترض أن تحليل الدكتور السعدي يمتد ليشمل ضمناً الاتفاقيات النفطية التي عقدتها حكومة إقليم كردستان العراق مع شركات نفطية أجنبية. والمعروف أن الموارد المترتبة على تصدير النفط من الإقليم تحول إلى الخزينة الاتحادية لكن سياسة الإنفاق لحكومة الإقليم لا تعكس بالضرورة سياسة الإنفاق الاتحادي. يعني هذا أن تصورات الدكتور السعدي لا تمتد إلى التطورات المرتقبة في الإقليم. ولعله يوسع دراسته مستقبلاً لإدخال اقتصاد الإقليم في تحليله.
4 شرط التأمين في بعض عقود التراخيص النفطية واضح في النص على التأمين مع شركات تأمين مسجلة في العراق، وإن لم يتوفر غطاء التأمين المطلوب في العراق يحق عندها لشركة النفط الأجنبية التأمين خارج العراق. وهناك إشكالية جديدة يبدو أن وزارة النفط أو إحدى الشركات التابعة لها قد خلقتها بسبب ما يبدو على أنه تجاوز لأحكام قانون تأمين تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 في حصر التأمين مع شركة محددة. وهذا موضوع يستحق الرصد والدراسة المستقلة.
5 أنظر: مصباح كمال “الشركات الأجنبية وشركات التأمين العراقية وضرورة تعديل قانون تنظيم التأمين لسنة 2005“. يمكن قراءة الموضوع في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية:
Iraq Insurance Review, http://misbahkamal.blogspot.com/2009/03/2005-29-2009.html
6 ليس في الوزارات العراقية والمؤسسات التابعة لها وكذلك شركات القطاع العام والقطاع المختلط موقع وظيفي لما يعرف بمدير التأمين وإدارة الخطر. ولذلك فتوصيف “المسؤولين عن التأمين”، رغم عموميته، صحيح. وينطبق هذا الوضع حتى على الصناعة النفطية. والملاحظ أن مسؤولية التأمين تتوزع على قسم الحسابات أو قسم الحقوق أو مكتب الوزير وغير ذلك. أي ان الاختصاص في إدارة التأمين يكاد أن يكون مفقوداً في مؤسسات الدولة. وذات الوضع يكرر نفسه بالنسبة للقطاع الخاص. ويستنتج من هذا الوضع القائم أن التأمين لا يحتل مكاناً مهماً في التنظيم الإداري للمؤسسات الرسمية والخاصة.
7 لقراءة مغايرة للموضوع أنظر مصباح كمال “التأمينات الاجتماعية في العراق: قراءة لموقف الحزب الشيوعي العراقي”، الثقافة الجديدة، العدد 338، 2010. يمكن قراءة الموضوع في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/2010/08/338-2010-56-65.html
8 Barry Supple, The Royal Exchange Assurance: A History of British Insurance 1720–1970 (Cambridge: Cambridge University Press, 1970), pp 326, 330
Michael Moss, Standard Life, 1825-2000 (Edinburg: Mainstream Publishing, 2000), pp 11, 73, 78, 97.
9 مصباح كمال، “التأمين: موضوع مهمل في الكتابات الاقتصادية العراقية”
http://misbahkamal.blogspot.com/2010/07/336-2010-36-49.html
نشرت نسخة معدلة من هذا النص في مجلة الثقافة الجديدة، العدد 336‘ 2010، ص36-49.
10 مصباح كمال “التأمين في العراق وعقوبات الأمم المتحدة” مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية.
http://misbahkamal.blogspot.com/2008/06/2002-73-96.html
وقد نشرت هذه الدراسة تحت نفس العنوان كفصل في كتاب جماعي بعنوان دراسات في الاقتصاد العراقي (لندن: المنتدى الاقتصادي العراقي، 2002)، ص 73-96.
11 مصباح كمال “”الاتفاقية الأولية” بين وزارة النفط وشركة شيل لمشروع غاز الجنوب والتأمين على أخطار المشروع المشترك” دراسة غير منشورة تم توزيعها على مدراء شركات التأمين العراقية.
12 وليد خدوري،”معلومات متضاربة حول زيادة طاقة إنتاج النفط في العراق” الحياة، 29 آب/اغسطس 2010.
13 أنظر: “السياسات الاقتصادية في العراق والخيارات البديلة: قطاع التأمين نموذجاً” الثقافة الجديدة، العدد 333-334، 2009). يمكن قراءة الموضوع في مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية
http://misbahkamal.blogspot.com/2009/12/2009.html
أنظر أيضاً مصباح كمال: “على هامش مسألة اعتماد سياسة للتأمين وإعادة التأمين في العراق” مدونة مجلة التأمين العراقي الإلكترونية http://misbahkamal.blogspot.com/view/magazine#!/2010/07/httpmisbahkamal.html
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية