تقديم
كان بودنا تسجيل بعض الخواطر بعد زيارتنا للعراق في تموز 2012 لكن عملية التسجيل أوصلتنا إلى هذه المقالة التي نطل من خلالها على بعض القضايا التي تمس شركات التأمين الخاصة تستدعي المكاشفة، وهي دعوة موجهة للعاملين والعاملات في قطاع التأمين.
احتكار تأمين الأعمال الحكومية: نقد شركات التأمين العامة
تتعرض شركات التأمين العامة إلى نقد، صريح أحياناً ومضمر أحياناً أخرى، من قبل شركات التأمين الخاصة أو من أفراد. وليس كل هذا النقد يجد طريقه إلى النشر رغم تداوله بين العاملين في قطاع التأمين. ويتركز النقد الأساسي على احتكار الشركات العامة لتأمين الأعمال الحكومية وبخاصة عقود التراخيص النفطية، وهذه، بفضل حجمها، هي المنتج الأكبر لأقساط التأمين. ويستند هذا النقد على أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، كما جاء في مقالة للزميل سعدون الربيعي:
ما يؤسف له ما ورد في كتاب وزارة النفط المرقم 958 والمؤرخ في 3/5/2010 الموجهة إلى شركة نفط الجنوب والمتضمن توجيه كافة المقاولين المتعاقدين مع شركة نفط الجنوب لتأهيل وتطوير الحقول النفطية ضمن جولات التراخيص الأولى والثانية التعامل مع شركة التامين الوطنية (حصراً) وبدون منافسة مع الشركات الأجنبية والأهلية. إن هذا الإجراء يتعارض مع مضمون المادة (81) – ثالثاً من قانون تنظيم أعمال التامين رقم 10 لسنة 2005 والتي تنصُّ على ما يلي: (يجري التامين على الأموال العامة والأخطار التي ترغب الوزارات ودوائر الدولة في التامين ضدها بالمناقصة العلنية وفقاً لأحكام القانون ولجميع المؤمنين المجازين في العراق حق الاشتراك فيها). كما يتعارض مع إعمام وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي المرقم 4/5/4493 في 31/3/2010 والمعمم بكتاب ديوان التامين رقم 25 في 29/4/2010. وهذا ما يوضح عدم حصر التامين لدى شركة تأمين حكومية محددة وضرورة التزام جميع الشركات العامة والخاصة بهذا الاعمام.[1]
بالنسبة لعقود التراخيص النفطية، تغير الوضع حقاً بعد ان تدخل ديوان التأمين بإصدار تعميم على الشركات النفطية في تشرين الأول 2010، موجه إلى إحدى الشركات النفطية التابعة لوزارة النفط، والتأكيد على الفقرة 3 من المادة 81. كما أن دائرة التراخيص النفطية أبلغت شركات الوزارة أن يكون التعامل مع التأمين عن طريق المناقصة العلنية كما نص عليه القانون.
شركات التأمين العامة لم تضغط على الوزارات والمؤسسات الحكومية للتأمين لديها لكنها ظلت ساكتة عندما توجهت لها الوزارات والمؤسسات ولم تنبهها لمتطلبات القانون. ولا نعرف إن كانت هناك تصرفات أخرى تُلام عليها شركات التأمين العامة.
شركات التأمين الخاصة: التمني والواقع والمستقبل
تأسست شركات التأمين الخاصة بفضل قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997. وتم تسجيل أول شركة خاصة للتأمين، شركة دار السلام للتأمين، سنة 2000. ومنذ ذلك الوقت تزايد عدد الشركات العراقية الخاصة لتصبح حسب آخر إحصاء 29 شركة.
من المفترض أن يؤدي ازدياد عدد الشركات إلى زيادة في الانتاج الكلي (زيادة حجم الأقساط المكتتبة)؛ تحسين مستوى ونوعية الخدمات المقدمة لجمهور المؤمن لهم؛ تقديم أغطية تأمينية مبتكرة قائمة بذاتها أو من خلال توسيع نطاق التغطية. إلا أن الواقع الحالي هو دون هذه الافتراض. وما يشهده المراقب هو الاكتتاب غير الفني، واشتداد حدة المنافسة المنفلتة، بدافع الحصول على الأعمال. ومن تداعياته تهريب الأخطار وأقساطها إلى الخارج من خلال إعادة التأمين الاختياري. إن صحت هذه الملاحظة، فإن الدور الذي تلعبه شركات التأمين الخاصة في تنمية قطاع التأمين ضعيف جداً لا يتعدى توفير فرصة عمالة لعدد قليل من الموظفين وهامش صغير للربح للمساهمين.
ومن المفارقات في الوضع القائم أن الشركتين العامتين هما اللتين تحاولان زيادة الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الأقساط المكتتبة رغم أن جهودهما لا يقترن بالنجاح دائماً. فهناك حالة الشركات النفطية العالمية التي تشترط على أدنى احتفاظ، وعلى عدم الاستفادة من طاقة الاتفاقيات التي تديرها الإعادة العراقية.
في ظل هذا الوضع تطلب الشركات الخاصة موقعاً أكبر لكنها لا تمتلك، في الوقت الحاضر، الموارد المالية الكبيرة،[2] والكوادر البشرية المدربة، وربما حتى السياسات الانتاجية المناسبة لإحداث نقلة نوعية في عملها وفي مكانتها من حيث حصتها من حجم الأعمال. تُوصف بعض هذه الشركات مع الأسف، ومن باب الاستهانة بإمكانياتها، بأنها دكاكين صغيرة للتأمين. ويأتي هذا الوصف عند التذكير بعدد العاملين[3] في هذه الشركات وأحياناً عند مقارنة رأسمال شركات التأمين.[4] لكننا قلما نسمع بالمسببات. على سبيل المثال، ان عدد العاملين يؤثر على مستوى الخدمات؛ أو ان ضعف الضمانة (عدم تدقيق تصنيف المعيد الاختياري ومدى قدرته على تسديد المطالبات عند إعادة التأمين خارج النظام الرقابي) قد يؤدي إلى التفريط بمصالح المؤمن لهم مثلما أن الاكتتاب بأسعار تأمين غير اقتصادية باسم التنافس يقلص من حجم الموارد لمواجهة خطر كبير عند تحققه؛ أو ان تسريب أقساط التأمين يؤثر سلباً على تطور قطاع التأمين العراقي. وغير ذلك من معايير الحكم على شركات التأمين.
ويربط البعض التطور البطيء لشركات التأمين الخاصة بوجود شركتي التأمين العامتين. هل ان ضعف الشركات الخاصة هو حقاً بسبب وجود الشركات العامة؟ لو اختفت الشركتان بصفتهما الحالية وتحولتا إلى شركات مخصخصة هل سيتغير وضع شركات التأمين الخاصة؟ لا نعتقد ذلك إذ أن الخصخصة ربما تعزز من مكانتهما من حيث الإنتاجية، وتقليص التكاليف (التخلص من العمالة الفائضة)، وإدخال تقنيات جديدة لإدارة الأعمال والتسويق والبيع. العائق أمام شركات التأمين الخاصة ليس وجود هاتين الشركتين، ومن الضروري لذلك التعمق في البحث لاكتشاف مكامن الخلل أو القصور.
صحيح أن الشركتين تتمتعان بالأقدمية في السوق، وكوادرهما هي الأكبر، وربما الأفضل في مجالات معينة، من تلك الموجودة في الشركات الخاصة، ولهما موارد مالية أكبر نسبياً بضمنها رأس المال، وتستفيدان من تقليد لدى الوزارات والمؤسسات الحكومية في شراء التأمين من الشركتين العامتين. لكن ذلك لا يعفي الشركات الخاصة من مجابهة هذا الواقع مثلما حصل بالنسبة لتأمين عقود التراخيص النفطية. ما الذي عملته شركات التأمين الخاصة في هذا المجال؟
لا نعتقد أن الشكوى من شركات التأمين العامة قائمة على أساس ايديولوجي – نعني خلق مُناخ فكري لتقويض مكانة الشركات العامة. فقد تأسست شركة التأمين الوطنية كشركة حكومية في العهد الملكي عندما كان سوق التأمين العراقي قائماً على التنافس بين شركات ووكالات أجنبية وشركة عراقية واحدة. ولم يكن ذلك بدافع اشتراكي فقد ظلت الشركة، طوال وجودها، تعمل كمؤسسة رأسمالية تستهدف الربح كأية شركة تأمين خاصة. هي من أحد مواريث العهد الملكي التي بقيت عاملة رغم تبدل انظمة الحكم.
بعض النقد يتجه صوب استصغار أهمية وجود شركة تأمين عامة، لأنها بيروقراطية مترهلة بطيئة الأداء، تقتل روح المبادرة، وبالتالي فإن الارتقاء بها هو من خلال خصخصتها. هذا هو الانطباع العام لكنه بحاجة إلى تمحيص.[5]
في تصورنا ان شركات التأمين الخاصة لن تحتل موقعاً مهماً ما زال حجم الطلب (الشعبي ومن قبل الشركات العامة والخاصة ودوائر الدولة الاتحادية وفي الإقليم والمحافظات) على المنتجات التأمينية ضعيفاً، وما زال حجم رأسمالها صغيراً وكذلك افتقارها إلى الكوادر المدربة. عندما تتزاحم 29 شركة على إيرادات اكتتابية لا تزال دون 100 مليون دولار، مصدر القسم الأكبر منها من الدولة ومن المشاريع، فما الذي تستطيع الشركات الصغيرة أن تغنمه من هذه الإيرادات. وحسناً فعل الديوان عندما أصدر التعليمات رقم (15) لتحديد رأس المال المقرر بخمسة مليارات دينار (بالنسبة لشركات التأمين القائمة) وخمسة عشر مليار دينار (بالنسبة للشركات التي تؤسس بعد تاريخ نفاذ هذه التعليمات). لكن هناك بعض الإشكاليات في تطبيق هذه التعليمات أشار إليها الزميل سعدون الربيعي:
ان الزيادة الكبيرة في رؤوس اموال شركات التامين لا يمكن تطبيقها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية وقد طلبنا إعطائنا مهلة لمدة لا تقل عن ثلاثة سنوات على اقل تقدير كما يستحيل على المساهمين الاكتتاب بزيادة راس المال طالما سعر السهم في سوق العراق للأوراق المالية اقل من دينار في حين يطمح المساهم الى الحصول على نسبة ارباح وليس العكس.
واعتقد سيتم الحوار حول اندماج الشركات مع بعضها – وان هذه التعليمات ستفسح المجال للشركات العربية والاجنبية في الاستحواذ على قطاع التامين في العراق لما تمتلكه من ملاءة مالية كبيرة قد تعجز الشركات الخاصة من تحقيق هذه الزيادة.
وكما حصل لقطاع المصارف حيث ان معظمها لم تحقق لحد الان الزيادة المقررة والمحددة بـ 250 مليار دينار.
سنوافيكم لاحقاً عن المستجدات لهذا الموضوع في حين لم يحصل القطاع الخاص لأية استجابة او رد لما نكتبه لديوان التامين وقد حان الوقت للضغط باتجاه النقد الهادف للجهة القطاعية وزارة المالية. وسيتم تشكيل وفد ستحدد اسماؤهم لمقابلة السيد مسؤول اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب.[6]
تشجيع الشركات الخاصة القائمة على الاندماج للامتثال للسقف الجديد لرأس المال ضرورة اقتصادية وفنية. يقيناً لا نختلف مع مبدأ تكوين شركات تأمين قوية مالياً ومكتملة فنياً ولعل هذه التعليمات، وبغض النظر عن عدم إفصاح الديوان عن سبب إصدار التعليمات، فإنها فرصة للعديد من شركات التأمين لإعادة النظر في موقعها من خلال الاندماج.
شركات التأمين الخاصة وإعادة التأمين الاتفاقي
يجري حالياً تداول بين بعض شركات التأمين الخاصة بشأن إيجاد اتفاقيات لإعادة التأمين خارج الترتيبات الإعادية للإعادة العراقية، من خلال توحيد جهودها. وقد ظهر هذا الموقف لأن الاتفاقيات الحالية التي تديرها الإعادة العراقية منحازة في بعض مفرداتها لصالح الشركتين المملوكتين للدولة مما يعطي الشركتين ميزة تنافسية غير عادلة. النقد ليس موجهاً بالضرورة للإعادة العراقية لكنه يؤثر على موقعها. وحتى الآن، لم يتخذ أي إجراء ملموس من قبل الشركات الخاصة، والجهود موجهة نحو تعبئة الرأي وربما الحصول على المعلومات الاكتتابية تمهيداً لطرح برنامج اتفاقي كامل ومستقل فيما بعد.
قد يأتي الوقت الذي يتحقق فيه هذا المشروع لكن هناك بعض الصعوبات في الوقت الحاضر. منها صعوبة الاتفاق بين شركات التأمين المعنية على تعيين الشركة التي تقوم بمهمة التفاوض والتنسيق وإدارة الاتفاقيات (تقوم الإعادة العراقية حالياً بهذه الوظيفة). لكن الصعوبة الكبرى تكمن في جدوى مثل هذا المشروع المشكوك فيه في الوقت الحاضر بسبب صغر حجم الأعمال، وبالتالي كونها غير اقتصادية من وجهة نظر معيدي التأمين فالشركات الخاصة، خارج إقليم كوردستان، ليست في وضع مالي (رأسمال، احتياطيات، حجم الإيرادات) تستطيع معه الحصول على حماية اتفاقية. وإضافة الى كلفة الحماية الإعادية هناك تكاليف القيام بالمعاملات transaction costs للمعيدين وكذلك لشركة التأمين التي ستتولى إدارة الاتفاقيات، وهي ليست قليلة سواء أكانت مباشرة أو من خلال وسيط لإعادة التأمين. والمعروف ان الاتفاقيات الحالية، ومنذ 2004، لم تكن لتظهر إلى الوجود لولا المكانة المهمة، من ناحية الإيرادات خاصة، لشركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية. وكلتا الشركتين تستطيعان ترتيب اتفاقيات منفردة لكل منهما. النقد ضروري لكن الموقف السلبي من الشركات العامة ليس في صالح الشركات الخاصة وصالح سوق التأمين العراقي.
وفيما يخص الإعادة العراقية، وهي شركة عامة، فإنه لولا وجودها لما كان باستطاعة معظم شركات التأمين الخاصة توفير اتفاقيات خاصة بها نظراً لصغر حجم إيراداتها. كتبنا في السابق، وفي سياق آخر، دفاعاً عن إبقاء الاتفاقيات المشتركة والتوصية بتريث التأمين الوطنية في اتخاذ قرار الخروج من هذه الاتفاقيات لأن ذلك سيضر بمصالح السوق: تقويض مكانة الإعادة العراقية وربما حرمان شركات التأمين الخاصة من حماية إعادة التأمين الاتفاقي.[7]
نسمع شكوى مفاده ان الشركات الخاصة لا تغذي الاتفاقيات بما يكفي من أقساط لأن البعض منها يعيد تأمين الاخطار اختيارياً في الخارج، في بعض أسواق التأمين في الخليج وفي الأردن ولبنان ومع شركات عربية أو أجنبية خارج اتفاقيات الإعادة العراقية. ليس هناك توثيقاً لهذه الظاهرة.
قد يقال أليس من الأفضل أن تكون لكل شركة اتفاقياتها الخاصة بها في الوقت المناسب مع معيد تأمين أجنبي وإعطاء حصة للإعادة العراقية كأي معيد آخر؟ أصحاب هذا الرأي يستحضرون مثالين لشركتين في إقليم كوردستان استطاعتا ترتيب اتفاقيات خاصة بهما خارج ترتيبات الإعادة العراقية، وأهملتا إشراك الإعادة العراقية في اتفاقياتها، وهو موقف لم يجرِ البحث فيه. لعل هناك وسائل أخرى يمكن لشركات التأمين الخاصة اللجوء إليها لتحسن وضعها ضمن اتفاقيات الإعادة العراقية أو البحث عن بدائل.
التحامل على شركات التأمين الخاصة
يعتبر البعض وجود شركات تأمين خاصة إضراراً بسوق التأمين العراقي دون ربط هذا الموقف بحجج يمكن مناقشتها. كالقول بأن وجودها يؤجج تنافساً محموماً، ويشتت ما تبقى من كوادر مهنية، ويُسهّل من تسريب أقساط التأمين خارج العراق.
فالتنافس قابل للضبط من خلال الاتفاق على الحدود الدنيا لأسعار التأمين (دون تواطء بحق جمهور المؤمن لهم للحصول على أفضل الأسعار) والتأكيد على مستوى ونوعية الخدمات، وهذه من شأنها إفراز الغث من السمين.
التشتيت ليس حقيقياً لأن الكوادر التي تعمل في الشركات الخاصة كانت قد تقاعدت عن العمل في الشركات العامة وليس من السهل إعادة استخدامها في شركات التأمين العامة إلا بأوامر خاصة. ويمكن التعويض عن شحة الكوادر من خلال التدريب.[8]
تسريب الأقساط يتخذ أشكالا عديدة والشركات العامة ليست بمنأى عنه من خلال ضعف الاحتفاظ أو عدم الاستفادة من اتفاقيات الإعادة العراقية بسبب ضغط المؤمن لهم من الشركات العالمية العاملة في العراق. وإذا غضضنا النظر عن سكوت قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 على التأمين خارج العراق، خارج النظام الرقابي، فإن التسريب سيستمر إن لم يتحسن الاحتفاظ الصافي والإجمالي لشركات التأمين، وإن لم تتعزز القدرات الاكتتابية والاحتفاظية للإعادة العراقية.
ملاحظة أخيرة
لم تفكر إدارات الشركات الخاصة والعامة، حسب المعلومات المتوفرة لدينا، وبسبب التأكيد على المنافسة دون غيرها من العلاقات، بالمشاركة co-insurance في تغطية الأعمال الكبيرة لتعظيم حجم الاحتفاظ الصافي، وتطوير أدوات التعامل معها. حصة شركات التأمين الخاصة من أقساط التأمين المكتتبة ربما لا تتجاوز 10% من حجم دخل الإيرادات السنوية التي بلغت عام 2010 ما يقرب من 80 مليون دولار.[9]
في ظل الأوضاع الاقتصادية القائمة يمكن لسوق التأمين العراقي أن يستوعب انماطاً متعددة من ملكية شركات التأمين: عامة، خاصة، تعاونية، تبادلية، تكافليه. وجود مثل هذه التعددية يوفر لجمهور طالبي التأمين الاختيار بين الشركات.
*) تشكر هيئة التحرير الخبير العراقي المتمرس في شئون التامين مصباح كمال على موافته بأعادة نشر هذا البحث القيم والذي تم اعاده في لندن في 17 أيلول 2012
ملحق
في دراسة سابقة لنا ذكرنا أن البعض يدعو إلى ما يسمى بإعادة هيكلة شركات التأمين العامة والبعض الآخر يدعو إلى خصخصة هذه الشركات دون تفكير كافٍ بتداعيات الخصخصة. ونقتبس الجزء التالي من الدراسة، بدون الهوامش، لفائدة القراء.
الخصخصة ليست حلاً سحرياً لأزمة الاقتصاد العراقي
في مقالة مُهمة حول مستقبل اليسار العراقي أكد د. عصام الخفاجي على
ان الوقوف ضد خصخصة قطاع الدولة يعني مزيدا من إضاعة من الفرص والموارد التي يمكن توظيفها بطرق أخرى لتحسين أداء الاقتصاد الوطني، فضلا عن أنه يمثل الدخول في معركة خاسرة سلفا. أقترح، عوض ذلك، أن يطرح الحزب مطلب ضمان تثبيت ملكية العاملين في أي مشروع تتم خصخصته لنسبة 25 بالمئة من رأس المال وتمثيلهم بمثل هذه النسبة في مجالس الإدارة، ويشترط ألا يتم التصرف بتلك الحقوق لفترة زمنية محددة (20 سنة على سبيل المثال) ضمانا لعدم استغلال المتموّلين لحاجة العاملين وشراء تلك الحقوق.
لن نناقش أطروحة د. عصام الخفاجي، رغم العنوان الكبير الذي اخترناه، إلا من خلال نظرتنا لقطاع التأمين العراقي. نحن على قناعة أن الخصخصة، لوحدها، لا تحل القضايا العقدية للاقتصاد العراقي كحل مشكلة البطالة والفقر وتضييق الاعتماد على الريع النفطي. كما أن نهوض وتطور قطاع التأمين ليس مرهوناً بالخصخصة.
الخصخصة بالمطلق لكل الشركات والمنشآت التابعة للدولة لا ينسجم مع التحليل الملموس لكل حالة على حدة لاكتشاف مكامن الخلل فيها والتي يمكن أن تُصحح قبل اتخاذ قرارٍ لخصخصتها. ربما تضم بعض هذه الشركات مزايا تضاهي تلك الموجودة لدى مثيلاتها من الشركات الخاصة وهو ما نعتقد أن شركات التأمين العامة تتمتع بها لكنها تحتاج إلى تطوير. ومن رأينا أنه ليست هناك مبررات اقتصادية لخصخصة هذه الشركات بل هناك ضرورات للتطوير.
شركات التأمين العامة، الممولة ذاتياً منذ سنة 1997، تختلف عن معظم الشركات العامة تلك التي تعمل في قطاع الصناعة، فهي، على سبيل المثال، لا تقترض من وزارة المالية لتسديد رواتب العاملين فيها. الخبر التالي يشرح هذا الأمر:
“تواصل عشرات الشركات التي تتبع وزارة الصناعة وتعمل بنظام التمويل الذاتي، اقتراض رواتب موظفيها البالغة مليارات الدولارات من وزارة المالية، في ظل العجز عن تحويلها الى “شركات رابحة”.
وتملك وزارة الصناعة 75 شركة، تعمل جميعا بنظام التمويل الذاتي، وتشغل نحو 250 الف منتسب، 68 الفا منهم عادوا عبر نافذة “الفصل السياسي”. ويعاني معظم هؤلاء من عدم تغيير عناوينهم الوظيفية منذ سنوات، ما جمّد رواتبهم عند حدود واطئة.”
لا بل أن شركات التأمين تدفع نسبة من أرباحها للمستحقين من العاملين والعاملات. خلال تاريخها الذي يتجاوز نصف قرن لم تعتمد هذه الشركات على أي تمويل من قبل الدولة (الخزينة المركزية) لتغطية عجز (وهي لم تتعرض إلى عجز) لا بل هي كانت دائماً مصدراً لتمويل الميزانية من خلال الضرائب التي تدفعها على الأرباح المتحققة ورسم الطابع على وثائق التأمين الصادرة.
إذا كان هذا هو الواقع الحالي لهذه الشركات هل هناك ضرورة اقتصادية لخصخصتها أم أن هذه ترجمة لموقف إيديولوجي وربما ينطوي على مرامي غير ظاهرة الآن.
سؤال آخر موجّه لإيديولوجي الليبرالية الجديدة: لماذا لا يترك مصير شركات التأمين العامة ليتقرر في السوق “الحرة” من خلال قرارات المستهلكين (طالبي التأمين) وليس بقرار سياسي. أليس دعاة ومروجي إيديولوجيا السوق الحرة في كتب الاقتصاد المدرسية والمنابر الإعلامية والمؤسسات البحثية يؤكدون أن المستهلك هو صاحب السيادة في السوق؟ فلتتنافس الشركات العامة والخاصة على جذب المستهلكين إليها وليقرر هؤلاء أيهما الأفضل في تقديم المنتجات التأمينية والخدمات المرتبطة بها ومن ثم “طردها” من السوق من خلال عدم التعامل معها.
ما هو الهدف؟ إخضاع الشركات لمبدأ الربح كي تكون شركات رأسمالية؟ هذا الهدف لا مقوم له إذ أن الشركات تمارس أعمالها بهدف تحقيق الربح، وهي خاضعة لقيم الربح والخسارة.
ربما الهدف هو التخلص من الموظفين الفائضين عن الحاجة وتحسين مستوى الكفاءة الإنتاجية. يمكن تحقيق ذلك دون خصخصة الشركات. الشركات العامة متهمة بأنها غير كفوءة في الأداء او انها غير قادرة على ابتكار منتجات تأمينية جديدة أو أنها تدير أعمالها بفساد وكل هذه أمور قابلة للنقاش بشكل عام وتحتاج الى فحص كل حالة على انفراد وليس إطلاق الحكم. ونحن ميالون إلى تأكيد أن شركات التامين العامة في العراق في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت متقدمة في الأداء ومبتكرة للمنتجات (او قل مواكبة ومقلدة لما هو موجود في أسواق تأمينية أخرى) وخالية من مظاهر الفساد المالي والإداري.
يمكن النظر إلى الشركات العامة على أنها تتمتع بريع بفضل موقعها. فرغم وجود شركات تأمين خاصة منذ سنة 2000 فإن الموقع الريعي للشركات العامة هو من إرث الماضي ونعني به إرث رأسمالية الدولة. فبحكم العادة تلجأ منشآت القطاع العام إلى الشركات العامة لشراء وثائق التأمين. هذا رغم أن قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (المادة 81 ) ينص على استدراج العروض في تأمين الأصول العامة.
شركات التأمين العامة هي الأكثر غنى من الشركات الخاصة، وقد يستمر موقعها الريعي حتى بعد الخصخصة. إذا كان هذا التوقع صحيحاً فما الذي تجنيه شركات التأمين الخاصة من الخصخصة؟ ستشتد المنافسة على الأسعار، وستتركز المنافسة، خارج الأسعار، على تقليص كلفة الانتاج (عنصر حاسم في تقييم أداء الشركات العامة) وزيادة المبيعات دون تخفيض الأسعار من خلال حملات إعلانية، وتغيير نطاق أغطية التأمين، وجباية أقساط التأمين بالتقسيط، وتحسين نوعية الخدمة المقدمة لحملة وثائق التأمين. هذه المنافسة قائمة في الوقت الحاضر بدون خصخصة الشركات العامة.
في قطاع التأمين العراقي تعمل شركات التأمين العامة جنباً إلى جنب الشركات الخاصة أي أن الشركات العامة تعمل ضمن ضوابط السوق التنافسي – ومنها أن شركات التأمين الخاصة الكفوءة والناجحة تضغط كنموذج بديل للشركات العامة وقد تستقطب العناصر الجيدة من الشركات العامة (معظم إدارات شركات التأمين الخاصة منذ 2000 هم من خريجي شركات التأمين العامة). مثل هذا الوضع يحفز الشركات العامة لمواجهة الشركات الخاصة في السوق. عندها تلجأ الشركات العامة إلى تحسين أدائها، إن كان دون ما هو مخطط له أو بالمقارنة مع أداء الشركات الخاصة، من خلال اعتماد جملة من الإجراءات:
– التدريب المكثف والمستمر للعاملين بما فيه احترام المستهلكين ضمن ضوابط العقود والقوانين
– الاستفادة من خبراء استشاريين من خارج الشركات في مجالات معينة – على سبيل المثال إدخال الحاسوب في جميع مجالات تنفيذ الأعمال اليومية او إعادة النظر في نظام الحوكمة وسبل تعزيزه
– إجراء دراسات من قبل استشاريين مستقلين لكلفة الانتاج للمقارنة مع شركات التأمين الخاصة المماثلة
– الاستفادة من نماذج التخطيط في الشركات الخاصة المتقدمة، وغيرها من الأدوات التي تستخدم في الشركات الخاصة: مساءلة المدراء ومجالس الإدارات، ضوابط لمنع سوء استخدام السلطة من قبل المدراء، التعلم من الحوكمة المؤسسية لدى الشركات الخاصة الناجحة الملتزمة بضوابط الأداء والمساءلة امام المالكين (مالكي الأسهم من الأفراد والشركات).
لو قارنا بين الشركات العامة والخاصة في العراق في الوقت الحاضر لوجدنا إنها جميعاً تدور في فلك المدير العام والمدير المفوض. أي ان التنظيم الداخلي متشابه وبالتالي فإن المركزية هي السمة المميزة التي تسود في الشركات العامة والخاصة وكذلك البيروقراطية.
نعيد السؤال: هل الخصخصة هي الصيغة الوحيدة لإعادة الهيكلة أم أن هناك نماذج أخرى لها؟ ألا يمكن لهذه الشركات أن تكون مملوكة لحملة وثائق التأمين وتدار كمؤسسة تعاونية؟ نثير هذا السؤال وفي بالنا تأميم قطاع التأمين سنة 1964. موقفنا من التأميم ينطبق على إعادة الهيكلة فقد كتبنا الآتي بشأنه:
لم تكن نتائج التأميم متجانسة: تقدمٌ من ناحية وحجرٌ على التطور من ناحية أخرى، استقلالٌ في الإدارة آناً وتدخلٌ سياسي وهكذا. وهذا يعلمنا أن لا نقاء في النظرية التي تنتظم التأميم وفي النتائج الفعلية المنظورة وغير المنظورة التي تترتب على التأميم. ولكن يظل هناك دائماً فسحة للتداول بشأن الخيارات المتوفرة في إدارة قطاع التأمين والاقتصاد الوطني. القول أن لا بديل هناك هو الموقف المتطرف عند اليمين واليسار معاً لإلغاء حرية المفاضلة بين البدائل.
كان بالإمكان التفكير بخيارات أخرى غير التأميم الذي كرّس سيطرة الدولة على ملكية مرافق اقتصادية كان الأفضل أن تترك تحت ملكية وإدارة القطاع الخاص. هناك دور للدولة وهناك دور للقطاع الخاص وبينهما نماذج أخرى للملكية لم تجرِ الاستفادة منها، وهي التي لم تلقَ الاهتمام المطلوب من الاقتصاديين ومن أصحاب القرار في الماضي أو الحاضر لإصلاح النظام الاقتصادي وتداخله مع السياسي والاجتماعي.
نعرف أن العالم كله يتغير وبنية الاقتصاد العراقي يجب أن تتغير ضمن مشروع يقوم أساساً على تحديد الرؤية لمكانة المحرك الأساسي، الموارد النفطية، وتقليص الاعتماد عليها، ومعالجة أزمة البطالة والفقر ووضع أساس متين لدولة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. لكن الخصخصة ليست المفتاح السحري لحل قضايا الاقتصاد العراقي إن لم توضع ضمن المشروع الاقتصادي الوطني. وعلى المرء أن يسأل: لماذا ولمصلحة من ستخصخص شركات التأمين العامة؟
[1] سعدون الربيعي، “شركات التامين العراقية الخاصة تسعى لتوفير الخدمات التأمينية المتميزة”، مرصد التأمين العراقي:
[2] باستثناء شركتين في إقليم كوردستان لكن حجم أعمالها المكتتبة صغيرة، حسب المعلومات غير الموثقة المتوفرة لدينا.
[3] عدد العاملين في 18 شركة تأمين بضمنه الاعادة العراقية، كما أحصيناه في تموز 2012، هو 1,326موزع كما يلي:
729 في شركة التأمين الوطنية، 345 في الشركة العراقية للتأمين (شركتين عامتين)، 252 في 16 شركة تأمين خاصة.
[4] بلغ إجمالي رأسمال جميع شركات التأمين، بما فيه الإعادة العراقية واستثناء فرع شركة تأمين إيرانية، أي 29 شركة، كما هو في تموز 2012 (133,770,000,000 دينار)، ما يقرب من 114.33 مليون دولار. وتوزَع هذا الرقم الإجمالي كما يلي:
40 مليار دينار، شركة كار للتأمين، أربيل
30 مليار دينار، شركة آسيا للتأمين، سليمانية
15 مليار دينار، شركة التأمين الوطنية، بغداد
38 مليار دينار، باقي الشركات بضمنها شركة إعادة التأمين العراقية
وتظل التأمين الوطنية هي الأكبر من حيث حجم إيراداتها، وتتبعها بالدرجة الثانية العراقية للتأمين.
[5] كمقاربة للموضوع، أنظر: مصباح كمال، “هل هناك مشروع لإعادة هيكلة شركات التأمين العامة؟ تمهيد لمناقشة موسعة”، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 346، 2011 وكذلك مجلة التأمين العراقي:
http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/01/restructuring-state-owned-insurance.html
[6] رسالة من سعدون الربيعي للكاتب مؤرخة 6 حزيران 2010.
[7] مصباح كمال، “إعادة التأمين الاتفاقي لسوق التأمين العراقي: التماس شخصي”، مجلة التأمين العراقي: http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2008/09/1-2008.html
[8] ضياء هاشم مصطفى، “إضافات لمشروع صياغة سياسة لقطاع التأمين في العراق” مرصد التأمين العراقي:
[9] جمعية التأمين العراقية، إحصائية نشاط شركات التأمين العاملة بالعراق (2005-2010)، بغداد، [حزيران] 2010، ص2-ص7. البيانات تقتصر على 15 شركة تأمين ولكنها مؤشر جيد على مستوى الإيرادات.
لتنزيل الملف بصيغة بي دي أف
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
ان الطرح الحصيف والمناقشات الموضوعية التي قدمها مقال الزميل والأخ العزيز الاستاذ مصباح كمال يلقي اضواءا منيرة على هيكلية قطاع التأمين في العراق التي تبدو منبعجة، فالشركات الخاصة متناثرة وغير متينة، لا من ناحية حجوم رأس المال ولا من ناحية الكوادر العاملة. وهي تواجه سوقا ضعيفة نسبيا للتأمينن خارج نشاطات القطاع الحكومي، كما تقابلها شركتا تأمين عامة مع شركة إعادة التأمينن وهي ليست فقط أكثر ملائة، إنما أيضا أكثر خبرة ومراس وإشتغال في السوق العراقية. أعتقد ان مقترح الخبير البارز الأستاذ مصباح لهذه الشركات الخاصة أن تندمج وتوحد مواردها المالية والبشرية العاملة في شركتين أو ثلاثة، عندها ستأخذ المنافسة العقلانية طريقها بصورة متوائمة مع نمو وحاجات الإقتصاد العراقي. شكرا للزميل مصباح على مساهمته العلمية هذه.
كامل العضاض