لاشك في أن الحكومة هي الجهة المسؤولة عن السياسة المالية في الاقتصاد. في المقابل فإن البنك المركزي هو المسؤول عن السياسة النقدية، أي الإجراءات التي تحدد حجم عرض النقد وشروطه بهدف تحييد التضخم والمساعدة في توفير مناخ اقتصادي مستقر. وهناك بلا شك مشاكل تعتور العلاقة بين هاتين السلطتين، خاصة إذا ما غاب التنسيق بينهما.
ليس الهدف هنا أن ندخل في تفاصيل هذه المواضيع ولكننا نريد أن نركز على موضوع واحد منها، هو الاحتياطي من العملة الأجنبية أو غطاء العملة الوطنية. وأساس المشكلة في هذا المجال ينصبّ على اعتقاد البعض، خاصة ضمن الجهات الحكومية، بأن غطاء العملة الوطنية لا يختلف عن موارد الخزينة .
لابد أن نوضح هذه الأمور بالرغم من أنه كتب عنها الكثير في الأدبيات الاقتصادية الدولية والدراسات النقدية .
إن الاحتياطي أو غطاء العملة يتكون نتيجة لعلاقة المجتمع الاقتصادية مع الخارج. والعراق يمتلك علاقات اقتصادية تجارية ومالية ورأسمالية مع العالم ضمن ما يسمى بميزان المدفوعات، وحاصل جمع هذه العلاقات يشكل ببساطة التغير في احتياطي العملة الذي يضاف إلى موجودات البنك المركزي التي تتكون أساساً من رصيد الاحتياطي. وهذا الاحتياطي، وهو عملة أجنبية، يشتريه البنك المركزي بالعملة العراقية ليذهب إلى جانب الموجودات في الميزانية العمومية للبنك المركزي، وتكون العملة المصدرة للتداول وللمصارف في جانب المطلوبات في الميزانية العمومية للبنك المركزي. ومن الناحية العملية يتكون هذا الاحتياطي عن طريق قيام السلطة المالية أو الحكومة بشراء الدينار من البنك المركزي العراقي بعد أن تدفع له الدولار الذي يكون الاحتياطي.
نستطيع أن نفسر الاحتياطي من ناحيتين أساسيتين:
الناحية الأولى : أنه يغطي العملة المصدرة من البنك المركزي إلى الجمهور وإلى المصارف، فالبنك المركزي العراقي هو في حقيقة الأمر مدين إلى العراقيين الذين يملكون هذه العملة.
الناحية الثانية : يمكن أن ينظر للاحتياطي على أنه الرصيد النقدي الذي يمكن أن يمول الاستيراد لأطول مدة ممكنة عندما يتوقف الإنتاج أو يتوقف تولد الموارد المالية بشكل تام نتيجة لحروب وكوارث. إذاً فالبنك المركزي لا يهدف من وراء الاحتفاظ بهذا الاحتياطي إلى منع الموارد عن الحكومة، وإنما إلى أن يكون هذا الاحتياطي جاهزا” للاستخدام في الأزمات الكبيرة التي يمكن أن يتعرض لها البلد وتحول دون تولد موارد مالية للبلد. إننا نتكلم عن احتياطي أو غطاء العملة ولا يجب إن ينصرف ذلك إلى مفهوم الادخار ضمن الحسابات الوطنية. ونستطيع أن نشبه احتياطي العملة الأجنبية بالإطار الاحتياطي للسيارة الذي لا يستخدم إلا عندما تتوقف السيارة نتيجة لثقب في أحد إطاراتها مثلا.
إن قضية الحجم الذي يمكن أن يحتاج إليه البلد من هذا الاحتياطي يتوقف على طلب الحكومة والقطاع الخاص للدينار بشكل عام، فكلما زاد الطلب على الدينار من قبل الحكومة أساسا يرتفع حجم الاحتياطي، وبما أن الطلب على الدينار يرتبط بالنشاط الاقتصادي بشكل عام فإن مقدار الاحتياطي وزيادته يعد مؤشرا على زيادة النشاط الاقتصادي.
من ناحية أخرى إن حجم الاحتياطي الذي يجب أن يحتفظ به البنك المركزي يتوقف على إمكانية تمويل، لأطول مدة ممكنة، كل الاستيرادات في حالة حصول أزمة أو كارثة معينة يتوقف على إثرها الإنتاج وتدفق الموارد المالية. ففي الوقت الحاضر يملك العراق تمويلا للاستيراد مدة ( 7 ) أشهر فيما إذا توقف كل الإنتاج، أي أن الاحتياطي يكفي مدة (7) أشهر من الاستيرادات. إن مثل هذه المدة تعطي المرونة للمفاوض لإيجاد الحلول حول توقف الإنتاج والاستيرادات، كما أن المخطط يجب أن يتوقع دائما أسوأ الظروف ،وبالتالي يحتاط لأطول مدة ممكنة. وثمة خاصية أساسية للاقتصاد العراقي هي انفتاحه واعتماده على الخارج بشكل تام مما يتطلب تحوطه بشكل كبير.
ماذا يحصل عندما يتم التصرف بالاحتياطي لأغراض لا تدخل ضمن أهداف البنك المركزي؟ .. سنبين ذلك في ما يأتي:
أ- إن اقتطاع جزء من الاحتياطي من الميزانية العمومية للبنك يجب أن يؤدي إلى اقتطاع مماثل من جانب المطلوبات، وهذا الاقتطاع الأخير ليس أمراً هيناً كما يعتقد البعض ،إذ يتطلب الأمر سحب جزء مماثل من العملة المتداولة ومن الأموال المعدة للإقراض في المصارف المختلفة. ولا شك في أن ذلك سيؤدي إلى حالة انكماشية لا تساعد في النمو، أو أن يصار إلى تقليل الإصدار النقدي، أي عدم تلبية طلبات الحكومة من العملة المحلية لفترة مستقبلية غير معروفة، وبالتالي فإن ما تأخذه الحكومة من الاحتياطي يمكن أن تخسره كعملة محلية. وقد يعمد البنك إلى رفع سعر الصرف (رفع قيمة العملة العراقية) لتقليل الطلب عليها . وأخيراً قد يصار إلى تعويض النقص في الموجودات بعملة محلية، وهذا يعني إصداراً نقدياً جديداً لسد العجز، الأمر الذي تترتب عليه آثار تضخمية ،لأنه بالنتيجة سيكون هناك طلب لا يقابله عرض . إن الاحتياطي هنا سوف لا يحمل معنى الغطاء ،وبالتالي فإن العملة ستفقد جزءا من الحماية وسيفقد البنك المركزي فعاليته في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الضروري للتنمية.
ب- إن اقتطاع جزء من الاحتياطي يضعف من قابلية البنك المركزي ومرونته في محاربة التضخم، وسيتم حينئذ تشديد السياسة النقدية لمجابهة الظروف التضخمية ،الأمر الذي يعرقل الجهود التنموية للقطاع الخاص بشكل خاص. إن البنك المركزي يراقب تطورات التضخم بشكل مستمر ويحدد سياسته النقدية في ضوء ذلك أساساً. وبسبب حساسية القطاع النقدي فإن أي تلاعب في جانب الموجودات من الميزانية العمومية لا يعطي الثقة لواضع السياسة النقدية في صياغة هذه السياسة، وبذا سنكون أمام درجة عالية من اللايقين في صياغة أدوات السياسة النقدية ،حيث نلجأ إلى تغييرها بشكل مستمر، الأمر الذي يؤدي إلى حالة من اللايقين على المستوى الاقتصادي بشكل عام، وبالتالي التأثير سلباً في بيئة التنمية والاستثمار.
ت- إن اقتطاع جزء من الاحتياطي سيؤثر بالسلب على نافذة بيع العملة الأجنبية في البنك المركزي، الأمر الذي سيدفع البنك إلى تقليل هذا البيع أو تشديد سياسته في هذا المجال مما يؤدي إلى عدم استقرار أسعار الصرف. إن القطاع الخاص بالطبع يعتمد بشكل كبير على هذه النافذة ويتحدد نشاطه الاقتصادي من خلالها.
ث- في ظروف اللايقين التي نعيشها الآن إقليمياً ودولياً فإن البنك المركزي يجب أن يحتفظ برصيد عال من الاحتياطي يفوق مستوى الطلب على العملة الأجنبية بسبب هذه الظروف خاصة وأن الاقتصاد العراقي هو اقتصاد منفتح على الخارج ما يجعل للظروف الخارجية تأثيراً كبيراً عليه .ويجب على البنك المركزي أن يكون على درجة عالية من الاستقرار يستطيع صانع السياسة أن يعمل باطمئنان في ظلها
ج- إن استخدام الاحتياطي الذي يملكه البنك المركزي في الدفاع عن سعر الصرف هو ضمان لاستقرار الأسعار، وهو أمر ضروري للتنمية . وقد يعلق البعض إن الفعاليات الاقتصادية التي تقوم بها الجهات التنموية تعمل هي أيضا على تحقيق الاستقرار في الأسعار . هذا صحيح ولكن الاستقرار الذي نتكلم عنه ويركز عليه البنك المركزي هو الاستقرار على الأمد القصير، وهو الذي يتحقق عن طريق إدارة السيولة النقدية بتطبيق أدواتها التي تتسم بأمدها القصير . وهذا البعد الزمني للاستقرار تحتاج إليه التنمية والفعاليات الاقتصادية الأخرى .
ح- ضمان استقرار الأسعار وسعر الصرف هو أمر أساسي للاستقرار المالي الذي يتحقق عن طريق الوساطة المالية التي لا تتعرض للتقلبات. ومساهمة البنك المركزي في الاستقرار المالي وضمان استقرار الأسعار، يوفران الطريق لتطبيق نظام إشرافي على المصارف ومؤسسات القطاع المالي ابتداء وتطوير وظيفة البنك المركزي الأساسية كمقرض وملجأ أخير لإنقاذ المصارف من الانهيار.
خ- إن اقتطاع جزء من الاحتياطي يضعف من القوة التدخلية للبنك المركزي في السوق النقدية . يجب أن يكون البنك المركزي في وضع مستقر كي يتمكن من صياغة سياسته بشكل آمن ويوفر الثقة للجهاز المصرفي.
د- إن البنك المركزي يحارب التضخم عن طريق نافذته للعملة الصعبة وذلك بسحب الدينار، وهذه عملية نقدية. ثم إن العملة الأجنبية المشتراة تستخدم في توفير العرض السلعي ،وهذه عملية حقيقية . وهذه المراحل سوف تتأثر بالتأكيد باقتطاع جزء من الاحتياطي. من المهم التأكيد على أن نافذة العملة الأجنبية هي سياسة نقدية وليست سياسة تجارية بالرغم من أن موارد مزاد العملة تستخدم أساساً لتمويل تجارة القطاع الخاص
* محافظ البنك المركزي المُقال
عن جريدة المدى – عدد 2694 7/1/2013
لتنزيل الملف بصيغة بي دي أف
الدكتور الأستاذ سنان محمد رضا الشبيبي المحترم :ارجو ان تتفضلوا بالإجابة بصراحة عن تساؤلاتي التالية كمواطن يعتمد على فطرة سليمة – بفضل الله – للتمييز بين الحق والباطل ،وقد قرأ ت مقالكم ” لماذا لا يجب استخدام احتياطي البنك المركزي في علاج عجز الموازنة ……….
السؤال: 1 – هل تخشون ان يقع البنك المركزي في مخالفة قانونية للمادة(26) عندما يستخدم جزء من الإحتياطي لسد عجز الموازنة ومساعدة الحكومة في حل ازمتها المالية والإقتصادية وهي من واجبات البنك المركزي؟ وهل تشجعون على الإقتراض من المنظمات الدولية لرهن اقتصاد العراق وفرض شروط اقتصادية تمس سيادة العراق بالتصرف بموارده حسب متطلبات الوضع بشكل عام؟ ام ان هناك سلطة فوق السلطة الوطنية تمنع ذلك ؟
السؤال: 2 – ألا تعتقدون ان القروض يجب ان تكون للإستثمار وانشاءالصناعات التي تسد احتياجات السكان وليس لغرض الإنفاق الإستهلاكي ؟
انكم تخشون من التضخم في حال سحب الإحتياطي الدولي وانخفاض تصنيفه الإئتماني ، مع العلم ان جمهورية مصر في خطاب للرئيس المصري محمد مرسي عام 2013 امام البرلمان قال ان الوضع المالي ليس سيئاً كما يصوره الآخرون لأن لدينا صافي احتياطي دولي (15) مليار دولار، اي بزيادة 1.1% عن عام 2012 …
ومصر ليس لديها القاعدة الإنتاجية التي تحافظ على الجنيه المصري اكبر من ثروة نفط العراق التي هي اكبر ضمان لقوة الدينار وللإقتصاد العراقي بشكل عام .
فاذا كان هناك توجه جدي للنهوض بالإقتصاد االعراقي وزيادة الدخل وبناء دولة ذات سيادة واقتصاد قوي والخروج من الأزمة المالية والإقتصادية وحتى الأمنية فإن ذلك يتم من خلال وسيلتين كما يؤكده الخبراء الإقتصاديين
الأولى- استثمارات جديدة في قطاعات الإقتصاد كافة تقوم بها الدولة والقطاع الخاص وهذا غير ممكن الآن
الثانية – استغلال الطاقات االانتاجية المتاحة ؟ وهذاممكن بتشغيل كافة المعامل ومنشآت القطاع العام المعروضة للبيع أوالتصفية وتأهيلها وتطويرها وبذلك يتم تشغيل العاطلين وتعويض عن الواردات وتوفير العملات الصعبة ولايكون ذلك الآَ بالخروج من فوضى الإقتصاد الحر وخصوصاً في هذا الوضع الحرج الذي يمر به العراق و الهبوط المستمر في اسعار النفط ، وهذه الأسئلة اطرحها ايضاً على شبكة الاقتصاديين العراقيين …………… مع التقدير .
سلمان الوائلي
باحث اقتصادي
اكاد اجزم بان ليس هناك الا عدد قليل من الاقتصاديين النقديين قام بشرح معنى الاحتياطى النقدى بهذه السلاسة والبساطة والعلمية من النواحى المحاسبية والنقدية والمالية والاقتصادية بل اكاد اجزم بان الدكتور سنان الشبيى هو واحد من الاقتصاديين العراقيين القلائل الذين اوضحوا معنى انكشاف الاقتصاد العراقى واعتماده على الخارج وعلاقة ذلك بالاحنياطى مما يتطلب تحوطه بشكل كبير
اين يجب ان نضع الدكتور سنان الشبيى هل نضعه فى المكان المتميز الذى وضع فيه اللورد كنز !
ايها الناس المال لا يصنع التقدم
التقدم يصنعه الانسان من امثال المفكر العراقى سنان الشبيبى