أثارت قضية البنك المركزي العراقي، بعد الضجة الاعلامية، ردود فعل محلية وعالمية واسعة، وعلى ضوء هذه الضجة، اتخذت اجراءات باصدار أوامر القاء القبض على عدد ليس قليلا من مسؤولي البنك المركزي وموظفيه البسطاء، وسلم الدكتور مظهر محمد صالح الاقتصادي والخبير الضليع، المعروف محليا وعربيا ودوليا نفسه نتيجة لثقته العالية بنزاهته ومصداقيته في كل ما فعل. وللأسف الشديد فانه تم اطلاق سراح جميع المعتقلين بكفالة عدا الدكتور مظهر، وأعيد اعتقال السيد حازم نجم مدير عام الصيرفة، الذي جاء نقله مؤخرا للقيام بعمليات الاصلاح في المديرية، والجميع يشهدون بنزاهته وكفاءته، إذ بذل جهودا كبيرة في عملية اصلاح وتنظيم المديرية العامة لمراقبة الصيرفة والائتمان.
لقد مضى على اعتقال الدكتور مظهر حوالي شهرين، ولم يجر التحقيق معه إلا مرة واحدة. ومن المعلوم ان الدكتور مظهر شارف على 65 عاما من العمر وهو يعاني من امراض السكري والضغط، ولا ننسى أنه حاول انهاء خدمته في البنك المركزي قبل عامين لبلوغه سن التقاعد، إلا أنه واخلاصا منه لهذا الوطن الجريح، ورغبة منه في الاستمرار بخدمته، بنزاهته وقدراته العلمية والعملية المعروفة، خضع للاصرار على بقائه لمدة عامين آخرين. وكان نتيجة ذلك الاعتقال والنسيان لأسباب غير واضحة وغير مبررة. ولا أريد هنا التعرض لكل المخالفات القانونية التي رافقت قضية البنك المركزي من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. فهل هذا جزاء المخلصين لمهنتهم ووطنهم والخبراء في معرفتهم والنزيهين في سلوكهم؟
لقد تضمن تقرير ديوان الرقابة المالية، الذي استندت عليه اللجنة البرلمانية للتحقيق في قضية البنك المركزي، بعض الملاحظات التي لا تنسجم مع السياسات النقدية، ولا مع التوجه العام لقانون البنك المركزي أو قانون المصارف. ومن جملة هذه الملاحظات (عدم وجود تعليمات واضحة وثابتة ومستقرة تتضمن جميع الاجراءات والشروط والمستتندات الواجب توفرها، وان هذه التعليمات تصدر حسب ما يستجد في السوق). من الضروري التأكيد هنا أن السياسة النقدية (والمزاد جزء منها) ليست سياسة ثابتة، وانما متغيرة وتعتمد على مستجدات الظروف الاقتصادية في السوق، وتستخدم أدواتها حسب هذه المستجدات. ولذلك فان السلطات النقدية في العالم تصدر تعليماتها وتغير بعض بنودها أو تصدر تعليمات معارضة للتي صدرت سابقا، وذلك حسب مستجدات النشاط الاقتصادي ومتغيراته.
كما ان تقرير الديوان يأخذ على البنك المركزي تحميل المصارف مسؤولية التأكد من صحة وتدقيق معاملات المزاد. ومن المعلوم ان البنك المركزي لا يتعامل مع غير المصارف، كما أن المصارف تتعامل مع زبائنها عن طريق الوثائق المقدمة لها، وهي مسؤولة عن الاستكمال العددي لهذه الوثائق، ولا يمكن للمصارف أن تطلب صحة صدورها. وهذا ما تنص عليه قوانين التعامل المصرفي والعرف المصرفي. فالمصارف ليست مؤسسات استخباراتية أو دوائر أمنية لمتابعة المجرمين والسراق والمهربين، وليست لديها الصلاحية على ذلك. فهناك أجهزة مختصة بهذا الموضوع مثل الأمن الاقتصادي، بالاضافة الى وجود 5 دوائر حكومية لمتابعة عمليات تهريب وغسيل الأموال. واذا ما أرادت الحكومة التأكد من استخدام الزبائن لهذه الأموال وجهة استخدامها المنصوص عليها في الوثائق، فمن الضروري أن يتم التعاون بين المصارف والبنك المركزي والجهات المسؤولة عن الأمن الاقتصادي، وهي الكمارك والضرائب ودوائر غسل الأموال الخمسة والأمن الاقتصادي، وهذا يتطلب وجود قوائم لدى المصارف تحدد بها التفاصيل المطلوبة، وكما أشار اليها تقرير ديوان الرقابة المالية بشكل صحيح اذا ما طلب ذلك، وان تكون هناك قاعدة معلومات تتعلق بالزبائن ومشترياتهم من العملة الصعبة، والغرض من استخدامها، وهذا الموضوع يتعلق بتنظيم العمليات التجارية للقطاع الخاص عن طريق المصارف الخاصة، والدوائرالتابعة للقطاع العام، عن طريق وزارة المالية بوساطة المصرف العراقي للتجارة. وليس من صلاحية البنك المركزي ولا من مسؤوليته المبادرة بتنظيم النشاط التجاري. فلماذا لم تحمل المؤسسات الأخرى نفس المسؤولية التي تم تحميلها للبنك المركزي، وهي بالاساس ليست مسؤوليته؟ لاسميا وأن تقرير الديوان يؤكد أن عدم تطابق مبالغ التحويل المشتراة مع حجم الاستيرادات، قد يكون بسبب التهرب من الرسوم الكمركية الكاملة والضرائب.
لقد باع البنك المركزي 36 مليار دولار العام 2010 وحوالي 40 مليار دولار العام 2011، بحسب تقرير ديوان الرقابة. وفي الوقت نفسه استورد العراق 58 مليار دولار العام 2010 وحوالي 64 مليار دولار العام 2011 بحسب احصائيات منظمة التجارة الدولية، بما في ذلك السلع والخدمات الحكومية والخاصة. فهل تم تحليل هذه الارقام واستنباط العلاقة بينها والمبالغ التي بيعت عن طريق المزاد؟ وهل تم فرز الاستيرادات الحكومية والخدمات واستيرادات القطاع الخاص حتى يمكن التوصل الى الارقام الفعلية لعلاقة مبيعات المزاد باستيرادات القطاع الخاص؟
من المعلوم ان مبيعات البنك المركزي من العملة عن طريق المزاد تشمل نوعين، الأول المبيعات عن طريق التحويل الى البنوك المراسلة التي تتعامل معها المصارف المحلية، لتلبية احتياجات السوق من السلع الاستهلاكية والرأسمالية عادة، والى جانب ذلك يبيع المزاد العملة النقدية الى المصارف، وعن طريقها الى مكاتب الصيرفة وشركات التحويل المالي، ومنها الى الافراد لتلبية الاحتياجات الخاصة بالافراد – سفر، سياحة، علاج، دراسة وغيرها. ونتيجة للظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والظروف الاقليمية، ارتفع الطلب على العملة النقدية في العراق، واتخذ البنك المركزي عدة اجراءات للحد من أعمال المضاربة، فضخ مبالغ أكثر من الدولار النقدي، وفي الوقت نفسه أدلى بتصريحات تؤكد متانة الدينار العراقي واجراءات البنك المركزي لزيادة الثقة بالدينار، ومنها تصريحات الدكتور مظهر المتعلقة بتوجه البنك المركزي لتخفيض سعر الدولار مقابل الدينار ما أثر كثيرا على الحالة النفسية للسوق وأدى الى تراجع سعر صرف الدولار الى مستواه الطبيعي.
ومن الملاحظ ان تقرير ديوان الرقابة المالية ينتقد تعليمات البنك المركزي لتخصيصه مبالغ مبيعات العملة الى المصارف على أساس رأسمالها بقوله (ان حجم رأس المال ليس معيارا يمكن الاستناد اليه في تحديد السقوف، باعتباره مرتبطا بموجودات المصارف وليس فقط عملياتها التشغيلية)، ورغم الابهام الموجود في هذا الاعتراض، فانه لم يقترح أسلوبا آخر لتحديد مبلغ المبيعات. وفي كل الاحوال هذه وجهات نظر خاضعة للنقاش ولا تعد أساسا لتوجيه أي اتهام أو انتقاص من عمل البنك المركزي.
ان تقرير ديوان الرقابة المالية لا يشكل إلا ملاحظات على عمل البنك المركزي قابلة للنقاش، ولا تعتبر اتهامات بعمليات فساد يقوم بها البنك المركزي أو العاملون فيه. واذا ما اردنا الحقيقة فانها اتهامات لكل الاجهزة التي تمارس وتشرف على النشاطات التجارية في العراق، والتي لا تخضع لرقابة البنك المركزي.
ان المتتبع للأمور لا يستطيع أن ينكر أن هناك بعض الخلل في عمل البنك المركزي فيما يتعلق برقابته على المصارف، وهو بالأساس ناجم عن غياب النظام المصرفي الشامل واستخدام التكنولوجيا الحديثة للرقابة الآنية والتحوطية في البنك المركزي وفي المصارف، وعدم توافر الخبرة الكافية. الا ان ذلك لا يرتقي الى مصاف الجريمة والاتهام بها. كما ان هذه الحالة تشمل جميع المؤسسات الحكومية، وتقارير ديوان الرقابة المالية للاعوام 2004 – 2011 تؤكد ذلك. وقد شخصت هذه التقارير حالات متعددة من الاهمال والتقصير الاداري والمالي، يشم منها رائحة الفساد المالي، وسوء الادارة، وعدم الالتزام بتطبيق التعليمات. فهل طبقت عليها الاجراءات التي تطبق على كوادر البنك المركزي حاليا.
أعتقد أن هناك فهما غير واضح لعمل البنك المركزي ومهامه والنظام المصرفي بشكل عام، وان اساس هذا الفهم لا يزال منطلقا من الفهم الشمولي للاقتصاد ومرافقه الحيوية، وعدم التمييز بين ما كان في النظام المقبور، وما يجب أن يكون عليه الوضع الحالي بعد التغيير، ولا يوجد التزام بالدستور وقانون البنك المركزي. فهل يمكن الاساءة الى مثل هذه المؤسسة وكوادرها بالشكل الذي تم على مختلف المستويات والذي ادى الى الاساءة للعراق وسمعته المالية ونظامه المصرفي محليا وعالميا؟ وبدلا من تقدير هذه الكوادر القيادية الخلاقة، نقوم بالاساءة اليها والقضاء على معنوياتها وعزلها عن خدمة هذا الوطن الجريح، ووضعها في المعتقلات بدون تحديد التهمة ولا مدة الاعتقال. ان السكوت عن مصير الدكتور مظهر وتركه في المعتقل يعد اهانة لكل من هو مخلص لهذا الوطن، ولكل الكوادر العلمية المخلصة التي تحاول انقاذ ما يمكن انقاذه مما وصل اليه العراق من تدهور اقتصادي.
* خبير اقتصادي عراقي
عن جريدة العالم البغدادية 16/1/2013
http://www.alaalem.com/index.php?news=ماذا عن الدكتور مظهر محمد صالح؟&aa=news&id22=4260
لقد اوضح الدكتور ماجد الصورى بكل جلاء قضية البنك المركزى العراقى وما تبعها من اجراءات ياصدار اوامر القاء القبض على عدد من مسوءلى البنك وموظفيه البسطاء
ما اصل المشكلة؟
يقول الدكتور الصورى تضمن تقرير ديوان الرقابة المالية الذى استندت عليه اللجنة البرلمانية للتحفيق فى قضية البنك المركزى بعض الملاحظات التى لا تنسجم مع السياسات النقدية ولا مع التوجه العام لقانون البنك المركزى ومن جملة ذلك عدم وجود تعليمات واضحة وثابتة ومستقرة تتضمن جميع الاجراءات والشروط والمستندات الواجب توفرها
ويوضح الدكتور ماجد الصورى ان السياسة النقدية والمزاد جزء منها ليست ثابتة وانما متغيرة وتعتمد على مستجدات الظروف الاقتصادية فى السوق وتستخدم ادواتها حسب المستجدات
اوجه كلامى لكل شخص يحقق فى قضية البنك المركزى ولكل محاسب فى ديوان الرقابة المالية ان يوضح للقضاء العراقى ماهى وظيفة ديوان الرقابة المالية فى العراق وما علاقة الرقابة المالية بالسياسة النقدية فى البنك المركزى العراقى او اى بنك مركزى فى اى دولة من دول العالم ؟ والاهم من ذلك هل كان المدقق المكلف بعملية اجراء فحص شامل لسجلات او حسابات البنك المركزى العراقى مدربا وموءهلا للقيام بهذه المهمة الرقابية بهدف تدقيق حسابات البنك المركزى العراقى وتقرير ما اذا كانت هناك مصروفات لم تقيد فى الدفاتر بصورة صحيحة وما اذا كانت الاصول قد قيمت تقيما صحيحا وابداء رايه الفنى وبشكل محايد فى تعبير القوائم المالية الختامية عن نتيجة اعمال البنك
على ديوان الرقابة المالية ان يوضح بان لا علاقة لعمله بالسياسة النقدية كما اوضح الدكتور الصورى بان السلطات النقدية فى العالم تصدر تعليماتها وتغير بعض بنودها او تصدر تعليمات معارضة للتى صدرت سابقا وذلك حسب مستجدات النشاط الاقتصادى ومتغيراته
يبدو ان الخطء بدء من تقرير ديوان الرقابة المالية وان الرجوع عن الخطء فضيلة
ولا يصح الا الصحيح