المالية العامة والسياسة الماليةمظهر محمد صالح

د. مضهر محمد صالح : صناديق الثروة السيادية: تقييم اولي لتجربة صندوق تنمية العراق

Iraqi Economists Network

 لتنزيل الملف بصيغة بي دي أف

 

 

صناديق الثروة السيادية:

 

تقييم اولي لتجربة صندوق تنمية العراق

 

المستشار

الدكتور مظهر محمد صالح

                        آيـــار / 2008

 

1 .  مـدخـــــل

      ـــــــــــــــــ

لقد جاء نمو الكيان المؤسسي لصناديق الثروة السيادية Sovereign Wealth Funds ( SWFs)، كاستجابة قوية للتراكمات الحالية في الموجودات الاجنبية للقطاع الرسمي او الحكومي على المستوى العالمي. ويلحظ ان نشوء تلك الصناديق الذي شاع استخدامها اصطلاحيا بصناديق الثروة السيادية منذ العام 2005 هو ليس بالامر الجديد ولاسيما في البلدان الغنية بالموارد الطبيعية والنفطية منها بشكل خاص . وعلى الرغم من ذلك ، فان تلك الصناديق قد باتت تمثل نمطا سائدا في استثمار الموارد الحكومية وموجوداتها المالية في الاقتصادات ذات الاسواق الناشئة في يومنا هذا. وكذلك لدى البلدان التي غدى تطورها معتمدا على الصادرات من المواد الاولية غير النفطية  وتتمتع في الوقت نفسه بفائض كبير في موازين مدفوعاتها .

 

وعلى هذا الاساس ، فقد بات يُنظر الى صناديق الثروة السيادية على انها صناديق استثمار متخصصة تنشؤها الحكومات او تمتلكها بغية الاحتفاظ بالموجودات المالية لاغراض الفترة الطويلة ، وعادة ماتكون تلك الصناديق ممولة من الاحتياطيات الدولية او غيرها من مصادر العملة الاجنبية ، وانها تعد ايضا من الملكيات الكبيرة التي تأخذ شكل حقوق او مطالبات claims  بالعملة الاجنبية على غير المقيمين .

 

وبهذا ، فقد عُدت تلك الصناديق المملوكة للدولة، بأنها كيانات تستطيع ادارة مدخرات البلاد لاغراض الاستثمار وتتألف من موجودات مالية كالاسهم والسندات والحقوق وادوات مالية اخرى . الا ان الاموال المتراكمة في الغالب تكون بصورة ودائع من العملة الاجنبية يضاف اليها الذهب وحقوق السحب الخاصة اضافة الى المركز الاحتياطي للبلاد لدى صندوق النقد الدولي الذي تمسكه البنوك المركزية عادة او السلطات النقدية سوية مع الموجودات الاخرى للبلاد مثل استثمارات المتقاعدين وصناديق النفط وغيرها . كما يمكن لهذه الصناديق ان تُمسك في آن واحد بالعملة الوطنية او بالعملات الاحتياطية الدولية مثل الدولار واليورو والين . وان الجهات التي يعزى اليها القيام بمهمة ادارة هذه الصناديق يمكن ان تشمل المصارف المركزية وشركات الاستثمار لتتولى ادارة صناديق كصناديق التقاعد الرسمية وصناديق الثروة النفطية وغيرها.

 

ويلحظ ايضا ان الفوائض العالية في الحسابات الجارية لموازين المدفوعات وكذلك تدفقات رؤوس الاموال الداخلة الى بعض البلدان قـد تركت جدلا مستمرا حول السياسات الاساسية التي ينبغي اعتمادها للتعامل مع تلك التراكمات المالية السيادية والتكيفات او التعديلات الممكنة إزاءها والتي منها على سبيل المثال :

 

–                           المستوى المطلوب من مرونة في سعر الصرف

–                          المستوى الامثل للاحتياطيات الاجنبية للبلاد وامكانية تخصيص جــزء منها لاستثمارها في تلك الصناديق السيادية .

 

وإزاء ما تقدم ، يتضح الفرق بين ماتقوم به الكيانات السيادية من الاحتفاظ بالثروة وبين ادارة الاحتياطيات الاجنبية للبلاد اذ ان الاولى تتولى تعظيم العائد لفترة طويلة في حين تتولى الاخيرة ادارة استقرار وسيولة العملات لفترة قصيرة.  وعلى الرغم من هذا التمييز ، لوحظ ان العديد من المصارف المركزية والسلطات النقدية اخذت خلال السنوات الاخيرة بمراكمة مقادير من الاحتياطيات الدولية تفوق الحاجة الى السيولة  او حاجتها لادارة التحويل الخارجي. كما بات الكثير منها يعتقد باهمية التنويع الواسع لموجوداتها كبديل لمعطيات الفترة القصيرة التي تقتضي الاحتفاظ بوحدات نقدية عالية السيولة ، كما ان البعض من تلك المصارف المركزية ابتدء بشراء الاسهم والمشتقات المالية حسب مستوياتها المختلفة .

لقد حولت، ظاهرة النمو في الموجودات السيادية، القطاع الحكومي الى مجموعة استثمارية عالية النشاط ، وبهذا فان استثمار الثروة الحكومية عبر مختلف الخيارات المتاحة يقتضي توافر ادارة مالية تتسم بالدقة والحذر الشديد عند استثمار هذه الموجودات المالية الرسمية. حيث تركز القراءات الحديثة المتعلقة بصناديق الثروة السيادية على موضوعات مهمة مثل :

 

–            الشفافية في الحسابات الحكومية والحسابات الخارجية

–                           تحديد الاهداف المختلفة والمتعددة لتلك الصناديق ودرجة الاقتراب    من المخاطر وآفاق الاستثمار عبر الامد الطويل .

–                           التأكيد على العائد return عوضا عن التركيز على مسألة السيولة          liquidity   قــدر تعلــق الامر باحتياجات ميزان المدفوعات .

 

ولكن تبقى التساؤلات لصيقة بصورة مستمرة بمسألة التأثير المحتمل إزاء قيام الدولة بتخصيص موجوداتها او تحويل استراتيجيات استثماراتها ذلك طبقاً لدرجة تحركات رؤوس الاموال الدولية واسعار الموجودات (وخير مثال على ذلك ما تقوم به الصين حالياً من استراتيجيات في ادارة احتياطياتها الاجنبية ) . وبهذا الشأن تشير التقديرات الاولية بأن الاحتياطيات الدولية التي تحتفظ بها الجهات الرسمية الدولية تبلغ حاليا قرابة 6ر5 ترليون دولار، يضاف الى ذلك مـابين 9ر1 الى 9ر2 ترليون دولار والتي تقع ضمن الترتيبات التي تؤشرها صناديق الثروة . وعلى الرغم من سعة هذه المقادير الا انها مازالت هي اقل بــ 10 مرات من الموجودات التي تقع تحت ادارة مستثمري مؤسسات السوق الناضجة والبالغة 53 ترليون دولار، ولكن مع ذلك هي اعلى بشكل معتدل من استثمارات صناديق التحوط التي تقدر حالياً بنحــو (1 ترليون دولار الى 5ر1 ترليون دولار) . 

 

وتراقب المؤسسات المالية الدولية اليوم حالة النمو المتواصلة في تلك الموجودات وتوجهات الحكومات بهذا الشأن،التي اخذت تعظم تراكماتها من الموجودات الاجنبية بمتوسط سنوي قدره 800 الى 900 مليار دولار وهو توجه تسير عليه غالبية بلدان الاسواق الناشئة ، وان هذا التوجه في تراكم الاحتياطيات الدولية سيجعل اجمالي الموجودات منها يقارب 12 ترليون دولار بحلول العام 2012 .

 

2 .  هل صناديق الثروة السيادية هي من نمط واحد

ام من انماط مختلفة ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

على الرغم من انه لايوجد اتفاق شامل او عام حول تعريف صناديق الثروة السيادية والذي سبق الاشارة له ، الا ان تلك الصناديق يتفق على تعريف مشترك لها بانها صناديق استثمار ذات طبيعة خاصة تنشأ و تمتلك من قبل الحكومات للاحتفاظ بالموجودات الاجنبية لاغراض الفترة الطويلة . الا ان هذا التعريف يقودنا الى تناول مسألتين اساسيتيـــن :

الاولى –      وتتعلق بمصادر اموال صناديق الثروة السيادية ، اذ تأتي تلك الاموال من مصادر مختلفة ومنها ذات طبيعة مشتركة . فبعض الاموال هي ناتج عرضـي by products للفوائض المتراكمة في الموازنات العامة للدول والناجمة عن مركب ايرادات الصادرات ومقيدات الانفاق . ويمكن ايضا ان تأتي الفوائض المالية والادخار العام من مصادر داخلية حصرياً مثل العوائد الناجمة عن خصخصة المشاريع الحكومية على سبيل المثال ، وهي بذلك تكون واحدة من مصادر صناديق الثروة السيادية لتماثل في الوقت نفسه الفائض في ميزان المدفوعات سواء اكان هنالك فائض مماثل في الموازنة العامة ام لم يكن .

      

والثانية –    تتعلـق بالتحليل العضوي لاهداف السياسات المعتمدة لتلك الصناديق :-  

 

اذ يلحظ ان ثمة تمييز بين الانماط المختلفة للصناديق يقوم على الاهداف الرئيسة من نشأتها والتي تصنف بالشكل الآتـي :

               أ –    صناديق الاستقرار Stabilization Funds :

وهي صناديق تنشؤها عادة الدول الغنية بالموارد الطبيعية بغية عزل الموازنة العامة والاقتصاد الكلي من تقلبات اسعار تلك المواد ( النفط في الغالب ) . اذ تراكم تلك الصناديق موجودات مالية خلال السنوات التي تتسم بالعوائد التصديرية العالية بغية استخدامها في سنوات لاحقة غير مؤاتية تختل فيها شروط التبادل التجاري الدولي . ويلحظ ان صناديق الاستقرار كانت قـد أنشأت ابتداءً لتسهيل الايرادات المالية وضمان انسيابيتها خلال السنة المالية او لغرض تعقيم sterilize التدفقات الداخلة من العملة الاجنبية . ولكن عندما تستمر الموجودات في صناديق الثروة بالنمو خارج المستويات المرغوبة لتحقيق هدف الاستقرار ، فان السلطة الحكومية المسؤولة عن ادارة الصندوق تقوم من جانبها بتعديل اهدافه واعادة تصميم هيكليته بما يساعد على توسيع اغراضه . وكثيراً ما تقسم الموجودات في تلك الصناديق الى شرائح مختلفة وعلى وفق اهداف متنوعة وربما احيانا يتم خلق صناديق منفصلة (جديدة) وباهداف مختلفة او متنوعة. كما ويلحظ بأن الترتيبات المؤسسية اللازمة لادارة الانماط المختلفة من الصناديق كثيرا ما تكون بعهدة البنك المركزي بشكل رئيس ويكون قسم منها بعهدة وكالات اخرى مستقلة . اذ يتولى البنك المركزي مسؤولية تمويل الموارد المالية الى الصناديق الاخرى واحيانا تقوم الصناديق الاخرى المذكورة بتحويل مواردها الى البنك المركزي ليتولى ادارة بعض عملياتها بالانابـة.

 

ب‌-           صناديق الادخار Saving Funds

وهي صناديق يطلق عليها بصناديق الاجيال ، تعبر عن رغبة الحكومات بأهمية ان تكون عوائد موارد البلاد الطبيعية السيادية مشتركة عبر الاجيال . حيث تتولى صناديق الادخار في تلك البلدان الغنية بالموارد الطبيعية تحويل عوائد الموارد الطبيعية غير القابلة للتجديد الى حقوق استثمارية متنوعة من الموجودات المالية الدولية . ويلحظ ان الزيادات الراهنة في اسعار النفط  قـد اضافت اهتمامات اخرى على الاهداف الادخارية ، مما اخذت تشجع العمل الحكومي في ادارة الموجودات على نحو اكثر من ذي قبل وباتجاه تنويع وظائف صناديق الادخار المتأثرة بنمو الثروات السيادية .

 

ج –   العمليات المتعلقة باستثمار الاحتياطيات :

يعد الاستثمار في الاحتياطيات الدولية بمثابة كيان منفصل وظيفته اما خفض التكاليف السالبة الناجمة عن الاحتفاظ بالاحتياطيات او لمواصلة السياسات الاستثمارية ذات العوائد العالية ، وينظر في احيان كثيرة الى الموجودات التي تقع ضمن الترتيبات الاخيرة بانها مازالت تعد ضمن نطاق الاحتياطيات ( اي على الرغم من انخفاض سيولتها وارتفاع درجة مخاطرها بسبب تفضيل العائد المرتفع على السيولة ) .

 

               د –    صناديق التنمية Development Funds

توظف صناديق التنمية في اعلاه مواردها صوب القيام بمشاريع ذات الاولوية الاقتصادية والاجتماعية وتحديداً مشاريع البنية التحتية .

 

               هـ-    صناديق احتياطي التقاعد Pension Reserve Funds

من الجلي انها صناديق توظف مواردها بغية ادامة رواتب ومعاشات شريحة المتقاعدين ، وتستخدم هذه الصناديق احيانا بمثابة نمط لمواجهة الالتزامات العرضية contingent liabilities التي تترتب بشكل طارئ على الميزانية العمومية للحكومـة Governmental balance sheet 

 

3 .  تقييم اولي لوظائف واهداف صندوق تنمية العراق

وهل هو صندوق ثروة سياديــة ؟

       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

عند النظر الى صناديق الثروة على وفق تقسيماتها واهدافها المختلفة والتي تـم عرضها آنفا ، فانه يمكن اعتبار صندوق تنمية العراق DFI أحد صناديق الثروة السيادية والذي يمكن تقييمه على مستويين :

 

المستوى الاول : اذ يمثل (صندوق تنمية العراق)عند هذا المستوى احد صناديق الاستقرارstabilization fund  لمواجهة الحالات العرضية والطارئة contigents  في الموازنة العامة . وعلى هذا الاساس تـم اقتراح تسعير برميل النفط لاغراض تحديد ايرادات الموازنة العامة للعام 2008 بواقع 57 دولاراً للبرميل الواحد ( وهو سعر اقل من الاسعار المعتمدة حالياً في تصدير النفط العراقي بنحو 24 – 28 دولاراً للبرميل الواحد ) ذلك بغية تركيم موارد اضافية في الصندوق بموجب الفروقات السعرية الافتراضية المذكورة آنفاً ولغايات واضحة تتعلق باعتماد سياسات استقرار وانسيابية عالية في تمويل النفقات العامة عند تعرض موارد البلاد المالية الى تقلبات فجائية او غير مرغوبة خلال السنة المالية. كما يلحظ ايضاً بأن الاستثمارات المالية في هذا المستوى تميل الى مبدأ السيولة  liquidity حالياً اكثر من ميلها الى مبدأ تعظيم العائد  return، مما يجعلها ضمن نطاق واهداف صناديق الاستقرار التي تعمل على اساس الفترة القصيرة .

 

المستوى الثاني :  وهو حساب احتياطي بالعملة الاجنبيةً ويقع ضمن العمليات المتعلقة باستثمار الاحتياطيات الدولية التي سبق الاشارة اليها ، اذ ينظر الى موارده في المرحلة الحالية على انها سائلة قدر الامكان لمواجهة اي اهتزازات عاجلة على استقرار القطاع الخارجي في الاقتصاد وانعكاسات ذلك على السوق المالية وعموم الاستقرار الداخلي .  وبهذا يعد هذا المستوى ضمن صناديق الثروة السيادية ومن النمط الذي يتجنب اية تكاليف سلبية جراء ادارة تلك الاحتياطيات في هذه المرحلة المبكرة من تراكم الاحتياطيات الاجنبية التي تغطي قرابة ثمانية اشهر استيرادية للعراق في الوقت الحاضر وهي لم تبلغ حدودها المثالية واهدافها النهائية بعد. وان الذهاب الى مبدأ التنويع التام يتطلب التحول التدريجي من مبدأ السيولة  liquidityفي ادارة تلك الاحتياطيات الى مبدأ العائـــد  return وتعظيمه مما يعني تحمل شئ من المخاطر جراء الاستثمار الطويل الاجل الذي يمتد لاكثر من سنة واحدة وبمختلف الموجودات المالية والمقومة بمختلف العملات وعلى وفق مايسمى staggering maturities – or laddering اي التحوط من تقلبات مخاطر اسعار الفائدة interest risk وهو امر يقتضي في الوقت نفسه التنويع بين السندات على سبيل المثال،، حسب آجالها بين القصيرة والمتوسطة والطويلة الامد في آن واحد بغية تعظيم العوائد او الدخل الناجم عن الاستثمار باقل المخاطر الممكنة .

 

فــي ضوء ما تقــدم ، يمكن الاستنتاج بأن صندوق تنمية العراق ، يعد صندوقا للثروة السيادية، وانه في الوقت نفسه يعتبر صندوقاً متعدد الاهداف سواء لاغراض الاستقرار وفقا لمتطلبات السياسة المالية وبسيولة نسبية عالية او لاغراض استثمار الاحتياطيات الاجنبية وفقاً لمتطلبات السياسة النقدية وبسيولة نسبية عالية ايضاً.

 

 

 

– انتهــى –

 

 

 

 

 

المستشار

د . مظهر محمد صالح

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: