الاقتصاد الدوليالتنمية المستدامةقضايا العولمة الاقتصادية والاجتماعية

د. محمد سعيد العضب: عولمه حقوق الملكيه الفكريه والتنميه المستدامه

لتنزيل البحث كملف بي دي أف – انقر هنا

المقدمه  

 عرفت منظمة التجارة العالمية حقوق الملكية الفكرية بانها الحقوق التي تعطي لكافة اعمال الفكر المبتكرة ومنتجات الابداع الذهنية وغالبا ما تعطي لمدة زمنية محدودة .

تنقسم هذة الحقوق الي قسمين كبيرين هما:اولا الملكية الادبية والفنية والحقوق المرتبطة بها او المجاورةلها ثانيا حق الملكية الصناعية والحقوق المرتبطة بها او المجاورة لها ويتفرع كل قسم منها بدورة الي نوعيات فرعية. فالقسم الاول يتمثل في حق المؤلف علي انتاجة الذهني في المجال الادبي والعلوم والفنون, وكذلك الاعمال الجماعية لهذا الانتاج الذهني, وبالاضافة الي ذلك الحقوق المجاورة التي تنصرف الي الاداء الفني والبث الاذاعي والتلفزيوني.

اما القسم الثاني فيتمثل في الملكية الصناعية, وهي تتضمن مجموعة من الفروع التي تشمل الاتي :

1.الاختراعات

2. الرسوم والنماذج الصناعية

3.العلامات الصناعية والتجارية والخدمية

4 .الاسم التجاري وبيانات المنشا, واخيرا المنافسة غير المشروعة.(1)

يطلق علي الاتفاقية” حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة” (اتفاق تربيس) التي نجمت عن اتفاق بين منظمة التجارة العالمية ( الجات سابقا )و المنظمة العالمية للملكية الفكرية( الويبو) القائمة منذ عام 1970بالتالي اكتسبت عام 1974 وضع وكالة متخصصة تابعة للامم المتحدة  ومقرها في جنبف (2)

تسود اراء ومواقف متعارضة مختلفة حول هذة الاتفاقية وضرورة عولمتها,حيث توجد جماعات ضغط تسندها الشركات متعددة الجنسيات تري في الاتفاقية هذة, ليس فقط حافزا في تشجيع وتنشيط الابتكارات والاختراعات في مجالات المعرفة البشرية بكافة فروعها, بل تشكل اداةهامة لعملية التطور الاقتصادي في العالم, وما قد ينجم عنها من منافع شاملة ومتوازنة لعموم سكان الكرة الارضية…الفقراء منهم والاغنياء, عليه هي ليس حصرا لصالح  ومنافع الشركات العالمية العملاقة(3).

في الطرف المقابل من هذة التصورات , توجد اراء معارضة تري في الحماية المطلقة والشاملة لحقوق الملكية الفكرية وعولمتها عنصرا سلبيا, ساهم لحد كبير في خصصة ليس فقط الاختراعات العلمية, بل عملت هذة الاتفاقية علي سرمدة وتخليد المصالح الانانية وتعظيم ارباح ا لشركات متعددة الجنسيات المتحكمة اساسا بمجمل نشاطات الاقتصاد العالمي , اي انها قادت الي المساهمة الواسعة في خصصة “الحياة الانسانيه” برمتهاحينما تم اخضاع كافة النشاطات البشريه  لمعيار وحيد” تعظيم الربح والنهم الاستغلالي الراسمالي”, خصوصا وحسب هذه التصورات… يعتبر احتكار المعلومات اجحاف بحقوق المجتمعات الفقيرة في الحصول علي تلك المعلومات , لما ذلك من  نتائج سلبية اهمها  تعطيل قوة الابداع التي من شانها ان تزدهر, كما يعتقد العديد من المفكرين ان هذة الامتيازات وحقوق الملكية الفكربه  المطلقه  تعتبر تحصينا للشركات الغربية متعددة الجنسيةكما تسمح لها تاسيس احتكارات وطرد المنافسين وابتعاد البحوث والتنمية عن حاجات الشعوب والدول الفقيرة.(4).

عموما اصبحت حقوق الملكية الفكرية تعامل علي انها حقوق اقتصادية وتجاريةبحتة , كما تمكنت الشركات متعددة الجنسيات التي تسيطرعمليا ليس فقط علي 70% من حركة التجارة العالمية, بل تمكنت عبر كيانها العملاق ان تصوغ لنفسها مفاهيم, واهداف, وعلاقات تختلف عن الانماط االمتعارف  عليهادوليا   , كما  تمكن هذا  الكيان ان  يفرض علي العا لم اهدافة ومصالحة الجديدة بشروط خاصة متميزه بةعبر اداوت  تنفيذية اخترعها  , منها خصوصا منظمة التجارة العاالمية.

علاوة علي ذلك تمكنت هذة الشركات العالمية من تراكم رزم ضخمة من حقوق الملكية الفكرية هذة, كما استطاعت تحويلها الي اصول استثمارية يجري تدوالها والمتاجرة فيها عبر العالم . هذا واخذت هذة الحقوق تحتل موقعا متميزا ضمن اصول ملكيتها التي اصبحت تشكل نسبةملحوظة من استثماراتها  الاجمالية,  حيث تقدر قيمه هذه الاصول بما يعادل  ثلث اصولها الاستثمارية الاجمالية في بلدان العالم المختلفة(5) .

رغم الاقراربطبيعةشرعية هذة الحقوق دوليا ,نري ان الاتفاقية الحامية لها, قد استهدفت ليس فقط ضمان مصالح الشركات العالمية متعددة الجنسية المالكةلهذة الحقوق , بل اخفقت في مراعاة التوازن الضروري والمطلوب بين مصلحة المخترع او المبتكر من ناحية, والتزامات وحقوق المستخدم لهذة الحقوق من الناحية الاخري.علاوة علي اهمالها احد اهم غاياتها الاساسية الرامية لتسهيل عملية نقل وتوطين التكنلوجيا المتطورة في بلدان العالم الثالث, لتتمكن هذة البلدان حل المعادلة الصعبة في عملية التنمية والتقدم .

فالاتفاقية الجديدة هذة تجاوزت كا فة الاتفاقات الدولية السابقة, حينما تم توسيع مجالات التقنيات والاختراعات المشمولةفيها , كما تم تضيق الاستثناءات الواردة في الاتفاقات السابقة التي اريد منها توفير بعض التسهيلات التي يمكن للبلدان النامية والفقيرة الاستفادة والانتفاع منها.علاوة علي اطالة مدة تسجيل براءة الاختراع وجعلها 20 عاما لكافة مجالات التقنيات الحديثه  (6).

فالضغوط المتزايدة لهذة الاتفاقية عبر العولمة الجارية في عالمنا المعاصر وضرورات التناغم والانسجام معها من ناحية, محدودية قدرات البلدان النامية المعتمدة اساسا علي التقنيات المستوردة من البلدان المتقدمة في تنفيذها من ناحية اخري, كلة قاد الي سرمدة حالة التخلف ,بل تصعيد الفجوة بين البلدان الفقيرة والبلدان الغنية, كما تعاظمت حالة عدم العدالة الكونية,بالتالي تفاقمت مشكلات الفقر والجوع والمرض.

هذا وظلت الغاية الاساسية والمحور المحدد لهذة الاتفاقية تكمن في حلقة مفرغة ,تتمحور  في  كيفية اسنااد عملية الانفتاح الاقتصادي والتحرر من الانظمة والتعليمات, تقليص دور الدولة في اقتصاديات البلدان المختلفة, هي وصفات علاج وضعها صندوق النقد الدولي تنفيذا لما يطلق علية اجماع واشنطن.

ان تعقيدات الموضوع وتشابك مدخلاتة تحتم التركيز, واثارة بعض القضايا الهامة التي منها :

1.حماية حقوق الملكية الفكرية واتفاقيات عقود التصنيع المبرمة بين الشركات متعددة الجنسيات وبلدان العالم الاخري خصوصا البلدان النامية والناهضة

2.حماية حقوق الملكية الفكرية في مجال صناعة الادوية والعقاقير الطبية
3.حماية حقوق الملكية الفكرية والزراعة

اولا: حماية حقوق الملكية الفكرية وعقود التصنيع

عبرتكثيف عملية العولمة تمكنت الشركات العالمية متعددة الجنسية من خلال امكا ناتها التقنية والمالية وتراكم المعرفة لديها, الاستمرار في السيطرة والتحكم بمسارات وتوجهات عملية التصنيع علي المستوي العالمي, وشملت هذة الهيمنة ليس فقط, فيما تم مشاهدتة من مستجدات في مجال قطاع الصناعة الاستخراجية واستغلال الموارد الطبيعية الوفيرة في البلدان النامية (منها صناعةالنفط والغاز الطبيعي والصناعات الملحقة معها ,كالبتروكيماويات والاسمدة وغيرها علي سبيل المثال) حينما اخترقت الشركات النفطيةالعالمية الكبري كافة اجراءات تاميم الامتيازات النفطيةو محاولات تاسيس وتوطيد قطاع نفطي وطني في عديد من البلدان المنتجة والمصدرة للنفط , من خلال ابتداع طرق استغلال جديدة ومبتكرة منها عقود الخدمة الفنية والمشاركة في الانتاج او اتفاقية المعرفةوغيرها,بل تمكنت شركات اخري متعددة الجنسية ايضا خلال العقود الثلاث او الاربعة الماضية وبمساعدة حكومتها من احداث تهجير صناعي , ربما قسري , حينما رات ان من مصلحتها وبموجب حسابات شاملة للكلفة- المنفعة التخلص من الصناعات كثيفة العمل وقليلة الربحية والتركيز علي المجالات كثيفة المعرفة وراس المال ذات معدلات الربحية العالية .علية قد حدث توطين مكثف لخطوط انتاجية وفروع مختلفةمن  الصناعة التحويلية ., خاصة في مجال صناعة الاجهزة الالكترونية الاستهلاكية التي احتضنتة , بالاخص بلدان ساحل المحيط الهادي كالصين وسنغافورة وغيرها . لقد تمت وتتم هذة العملية عبر ما يطلق عليةاتفاقيات وعقود تصنيع تبرم بين الشركات متعددة الجنسية والبلدان النامية والناهضة ذات العلاقة .

قبل الولوج في التحري عن ابعاد  انماط هذة العقود واتفاقات التصنيع واثارها علي عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة والعادلة, وما قد تمخض عنها من نموذج جديد للتصنيع يطلق علية التصنيع الموجة للتصدير, نري من الضرورة التطرق الي اشترطات اتفاقية القيود الفنية علي التجارةالتي تحكم الي حد بعيد عملية التصنيع وتعتبر المحدد الاساسي لها, وما يرتبط بها من التزمات اتجاة الايفاء بمتطلبات اتفاقية حقوق الملكية الفكرية. حددت منظمة التجارة العالمية احد شروط الانتماء لعضويتها الالتزام بما يطلق علية باتفاقية القيود الفنية علي التجارة (TATB) (7)

.تتجلي احد اهم مرتكزات هذة الاتفاقية في: اولا منع البلد العضو في منظمة التجارة العالمية من وضع استثناءات او قيود ضمن عملية التقييس ووضع المواصفات القياسية * او التعليمات الفنية للسلع والمنتجات والخدمات المستوردة والمصنعة محليا من ناحية,وثانيا اعتبار طلب البلد في اجراء المطابقات الضرورية والفحوصات المختبرية الاضافية اجراءات تعجيزية, خصوصا ان وجدت مواصفات كونية نافذة قد تتداخل او تتشابك مع مثل هذة التعليمات الفنية , حينما تصبح مثل هذة الاجراءات الوطنية عائقا في انسياب والدخول  الحر للمصنوعات الاجنبية  الي البلد العضو في المنظمة من ناحية اخري. اعتياديا و كما معروف , تطلب الدول اجراءات مطابقة وفحص السلع المستوردة بموجب تعليمات فنية وطنية معتمدة نافذة, كلة من اجل حماية صحة وسلامة مواطنيها من ناحية, منع المماراسات الخداعية والحفاظ علي البيئة وتحقيق الاهداف العامة من الناحية الاخري . انة بلاشك حق ومطلب شرعي للدول, عمدت الاتفاقية الي الغاءة او ابطال مفعولة, حينما فرضت التزامات علي البلد العضو في المنظمة تتمحور ليس فقط في ازالة كافة العقبات والاستثناءات التميزية امام الدخول الحر للسلع والتقنيات الاجنبية, خصوصا تلك المغلفة ببراءات اختراع, وما يرتبط بها من اتاوات ورسوم امتياز, بل استهدفت ايضا عرقلة البلد المعني من اعتمادا وتبني مواصفات خاصةوطنية للسلع والخدمات التي تتوافرفيها مواصفات كونية مشابهة التي هي بالاساس مواصفات فرضتها الشركات العالمية متعددة الجنسيةمن دون مراعاة لاوضاع البلد المستورد لمثل هذة التقنيات والسلع والخدمات,او ربما تعارضت مثل هذة المواصفات الكونية مع اهداف التنمية وطموحات البلد في التطويرالذاتي المستقل نسبيا ,وحسب مقتضيات مصالحة الوطنية.

اضافة لذلك ركزت الاتفاقية علي ما يبدو فقط في معالجة الانتهاكات التي تحصل عبر المواصفات القياسية الوطنية او الكونية لتلك الاختراعات المسجلة با سماء افراد تفرض رسوم امتياز عقلانية, علي اسس غير تمييزية(8), في حين اخفقت الاتفاقية في حسم مشكلات وقضايا عويصةناجمة عن اتفاقيات تراخيص التصنيع المتداخلة والمتشابكة والهجينة التي تعقدها الشركات متعددة الجنسية مع عديد من االبلدان النامية, بالاخص في مجال ما يطلق علية الاسواق المندمجة مثل قطاعات تكنلوجيا المعلومات والاتصالات والاجهزة الالكترونية الاستهلاكية, والاخيرة اصبحت من الصناعات التي تشكل ركنا هاما في عملية تصنيع عديد من البلدان النامية والناهضة. ان الاندفاعة الصناعية القوية ,التي تمت تحت تسمية التصنيع الموجة للتصدير, اعتمدت علي ما يبدو علي عقود واتفاقات الترخيص الصناعي المبرمةبين الشركات متعددة الجنسية والبلدان النامية,حيث يعمل بموجبها البلد النامي, كمقاول من الباطن لحساب الطرف الاجنبي من البلدان المتطورة بموجب اشتراطات وقيود شاملة ومتقاطعة وهجينة تجعل المنتج المحلي رهينة للشريك الاجنبي الغربي من اهمها : 1. التزام المنتج المحلي في انتاج السلع والمنتجات حسب المواصفات القياسيةو بالعلامة التجارية للطرف الاجنبي 2. الالتزام بكميات انتاج محددةحسب طلب الشركة الاجنبية 3. الاشراف الكامل والرقابة علي تسويق السلع المنتجة من قبل الشركة الاجنبيةسواء تم تسويق هذة المنتجات والسلع محليا او تم تصديرها الي الخارج 4.قبول المنتج المحلي بهامش ربح محدد مسبقا, الذي يقل في كثير الحالات عن معدلات الارباح المتحققةللطرف الاجنبي 5.دفع رسوم امتياز لرزم تقنية او عمليات صناعية متكاملة بموجب معادلات حسابية معقدة قد تبدو اعفاءة الظاهري من دفع اتاوات منفصلة لبراءات اختراع للسلع المعينة المنتجة.

ان عدم التزام المنتج المحلي في الاشترطات المشار اليها, ومحاولتةانتاج سلع مماثلة سواء بموجب مواصفات قياسية مطورة محليا او من قبلة, اوسعية تسويق هذة السلع المماثلة الاضافية محليا وخارجيا بعلامة تجارية خاصة بة,يتوجب علية , عندئذ دفع اتاوات براءات اختراع اضافية علي هذة السلعةالمنتجة المماثلة , قد تصل هذة الاتاوة الي حدود تعجيزية, بل ريما تشكل في كثير من الحالات عائقا حقيقا لزيادة او تطوير الانتاج , حيث تودي الي زيادة كلفة المنتوج وتقليص قدرتة التنافسية في الاسواق .هذا و توجد امثلة عديدة توضح الاعباء الثقلية لاتاوة براءات الاختراع المفروضةهذة . فمثلا المنتج المحلي الشريك الذي اتفق مع الشركة الاجنبية في انتاج جهاز التسجيلDVD ,علية ان يدفع اتاوة او رسم امتيازبراءة اختراع يبلغ (20) دولار من اصل سعر المفرد البالغ (49) دولارا, ان اراد انتاجة بمواصفات وطنية مطورة من قبلة, او تسويقة تحت علامة تجارية خاصة بة(9) بالتالي اصبحت تشكل عائقا مؤكدا في توسيع او تطوير الانتاج,حيث يجب علي المنتج المحلي, الالتزام بالموشرات الكمية المقررة للانتاج , وبالتقنيات المفروضة من قبل الشركة الاجنبية. بكلمات اخري تعتبر الشركة الاجنبية المخطط والموجة لمسارات الانتاج في البلد النامي, وما علية الا الخضوع و الانصياع . علاوة علي ذلك اصبحت هذة الرسوم الباهضة سمة مميزة لاتفاقية التصنيع المبرمة,وهي تستحوذ علي الجزء الاعظم من القيمة المضافة المتولدة من العملية الانتاجية. اكد هذة الحقيقة البنك الدولي في تقرير لة موخرا , حينما اشار فية الي ان تكلفة الصناعة الهندسية والالكترونية ستزيد بنسبة63% علي الاقل بعد ان تسدد مصانعها حقوق براءات الاختراع في مكونات هذة الصناعات وهو ما يهدد قدرتها علي التطوير والمنافسة الامر الذي ينهي الي الافلاس والاغلاق وتشريد اكثر من 8مليون عامل(10) . فهذة الشروط تعتبر عملية تحجيم للبلد النامي , تستهدف بالدرجة الاولي ابقاءة ضمن الاطر المرسومة لة في التصنيع من قبل الشركات متعددة الجنسية, وفي سقف مصالحها الاستراتجية المحددة, وما تريد بة من مسارات تصنيع لة يجب عدم تخطيها .

لاجل تنفيذ عقود واتفاقات التصنيع المبرمة مع الشركات الاجنبية يتطلب من البلد الموطن لهذة الصناعات او المضيف للاستثمار الاجنبي الصناعي المباشرتحمل اعباء وتكاليف, تتجلي ليس فقط في خلق البئية القانونية والادارية و تطوير البني الارتكازية المختلفة كالطرق وشبكة الاتصالات وتجيزات الطاقة وغيرها من المنافع , وتطوير بني التعليم والتاهيل والتدريب , بل علية ايضا سواء عبر قطاعة العام او الخاص تحمل تكاليف بناء وتشييد المصانع والوحدات الانتاجية المطوبة,التي من المحتمل ان تستورد معظم مكوناتها من الخارج ,ومن فروع الشركات متعددة الجنسة المتعاقد معها

للوهلة الاولي يبدو نمط التصنيع هذا يشكل صفقة متبادلةمتوازنة وعادلة , يحقق عبرها البلد النامي منافع تشغيل الايدي العاملة العاطلة لدية وحل مشكلة البطالة- العائق الازلي للنمو والتقدم-, وزيادة الصادرت وتحسين ميزان المدفوعات وتحقيق النمو في الناتج .في حين تتمكن الشركه الاجنبية المتعاقد معها تحقيق الارباح المتوقعة من عملياتها

.لاتوجد لغاية الان دراسات واقعية وتحليلات شاملة تتضمن تحليل الكلفة المنفعة المباشرة وغير المباشرة الاقتصادية الاجتماعية للطرفين المتعاقدين – البلد النامي والمنتج المحليوالشركه الاجنبيه صاحبه حق الامتياز والملكيه الفكريه

  -, وما يتحملة الطرفان من اعباء وكلف حقيقة مباشرة وغير مباشرة , الا ان القرائن تشير ان الكلفة التي يتحملها البلد النامي تفوق الكلف الحقيقة للشريك الاجنبي .. لهذا ورغم غياب مثل هذة التحليلات فان تكميم عناصر تحليل الكلفة- المنفعة الاجتماعية ضرورة حتمية, ليس فقط للتدليل علي محدودية المنافع الظاهرة المكتسبة من قبل البلد النامى (توفير فرص العمل وتحسن ميزان المدفوعات وتحقيق الوفورات في القطع الاجنبي ) بل قد توفر الادلة والحجج لتفنيد نمط عقود واتفاقات التصنيع المبرمة بين الشركات متعددة الجنسية وموسسات الاعمال او البلدان النامية اوالناهضة وطريقة التصنيع الموجة للتصدير التي تبناها وروج لها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . ان تضمين الحسابات هذة موشرات وعناصر وعوامل تعكس الكلف الاجتماعية الحقيقة التي يتحملها البلد النامي من خلال هذا النموذج من التصنيع ومحاولة قياسها بمتغيرات كمية ورقمية تتجاوز الحسابات التجارية التقليدية الشكلية , ربما تعتبر عند انجازها محاولة رائدة واضافةجوهرية لنظريات التصنيع وانماطة ونماذجة . فمن  اهم هذة العوامل التي يجب مراعاتها في مثل هذة الدراسة ما يلي :

• كلف بناء وتشيد البني الارتكازية في المدن الصناعية التي توطن فيها هذة الصناعات كتجهيزات الطاقة والماء والطرق وشبكة الاتصالات وغيرها من الخدمات العامة والتي تقوم حكومة البلد النامي في تمويلها وتنفيذها
• تردي ظروف العمل وغياب الحقوق العمالية ومحدودية الضمانات الاجتماعية مثل التامين الصحي والضمان الاجتماعي عن البطالة والشيخوخة
• تشجيع الشركات متعددة الجنسية استمرار انظمة الحكم الدكتاتورية والاستبدادية والشمولية وغياب الديمقراطية
• الكلف المرتبطة بتدريب وتاهيل الايدي العاملة المستخدمة والتي لاتتحمل اعباءها المنشاة الصناعية سواء من القطاع العام او الخاص والتي تتعاقد مع طرف اجنبي
• تدني مستويات الاجور والرواتب نسبيا وبالعلاقة مع هوامش الارباح المتحققة سواء للمنتج المحلي او الشريك الاجنبي
• تشغيل الاطفال والحرمان من التمتع بالطفولة, وما وما يتبع ذلك من تاثيرات سلبية علي الاجيال الحالية و اجيال المستقبل
• تمتع المستهلك في البلدان المتقدمة بسلع وخدمات مستوردة رخيصة مقارنة بحالة حصولة علي سلع مماثلة من الانتاج المحلي حيث تعتبر الفروقات بين الحالتين , منفعةللبلد المتطور المستورد لهذة السلع والخدمات , في حين يمكن اعتبارها خسارة او كلفة غير مباشرة للبلد النامي المنتج والمصدر لهذة السلع .

• عدم تمكن البلد النامي التمتع الكامل بنتائج وفوراتة من العملات الاجنبية المتحققة والاحتياطي النقدي من العمليةلاضطرارة تدوير معظمها في اسواق المال العالمية التي تسيطر عليها الشركات متعددة الجنسيات, وما قد توفر لها عملية التدوير هذة من امكانيات هائلة في تنشيط القطاع المالي العالمي, وما يتولد عن ذلك من منافع وارباح مباشرةاوغير مباشرة .يحصل هذا , سواء بسبب محدودية اوقصور النظام المالي وافتقار معظم البلدان النامية والناهضةالي اسواق مالية متطورة من ناحية ,او بسبب محدودية طاقات وقدرات البلد الاستيعابية الداخلية في الاستثمار لهذة الاموال من ناحية اخري .ان حالة تدوير الاموال الفائضة الجارية حاليا سواء في الصين او البلدان المنتجة والمصدرة للنفط اصبحت سمة مميزة في الاقتصاد العالمي المعاصر, التي يطلق عليه” تخمة الادخار”, وهي بالتاكيد دليلا واضحا لهذة الحقيقة المرة في حركة الاقتصاد العالمي المعاصر وعولمتة.
هذة امثلة توشر الاعباء الاضافية التي تتحملها شعوب هذة البلدان, ولاتظهر في الحسابات التجارية للشريك الاجنبي او الطرف الوطني الخاص او العام , التي تصاحبت مع عقود تراخيص التصنيع وما تمخض عنها من نمط التصنيع الموجة للتصدير.مما يجعل الحصلية النهائية الواضحة من العملية هي دائما لصالح الشريك الاجنبي والبلدان الغنية

بالاضافة لكلة , يمكن القول عموما ان تراخيص التصنيع او نمط التصنيع الموجة للتصدير الذي قام في الترويج لة صندوق النقد الدولي قد تجاهل بلاشك الاهداف الاجتماعية الحقيقة لعملية التنمية الاقتصادية القائمة علي العدالة الاجتماعية, والهادفة معالجة قضايا الفقر والمرض وتحسين الفجوة بين الاغنياء والفقراء , خصوصا حيمنا انصبت تقييمات الصندوق لاداء هذة البلدان علي مدي تحقيقها معدلات النموالاقتصادي -اي الزيادة السنوية في الناتج المحلي الاجمالي- وتحسن اوضاع ميزان المدفوعات وايفاء البلد الاجنبي لديونة الخارجية وتراكم احتياطي من العملات الاجنبية- وهي موشرات هامة وجوهريةتهم الصندوق ونشاطة – لكنها بالتاكيد قاصرة في التدليل الحقيقي عن نتائج التنمية المنشودة بكافة ابعادها الاقتصادية والاجتماعية. عليةيتطلب توفير موشرات اضافية للتدليل علي مدي تمكن هذا النمط من اخراج البلد النامي من مازق التخلف والفقر خصوصا ,وان المماراسات التاريخية السابقة التي سادت فترات الاستعمار المباشر لاتزال سائدة وان اختلفت الاساليب والطرق او اشكال توزيع الادوار.

حاول رئيس تحرير مجلة التقييس الالكترونية الاستاذ اندريف ابديكروف(12) اجراء مقارنة بين سياسات واهداف الشركات متعددة الجنسية بخصوص عقود التصنيع والتسويق المبرمة مع اطراف من البلدان وضرورة التزامها بالمواصفات وشروط التراخيص المختلفة مع المماراسات الاستعمارية السابقة وتوصل الي قناعة بان المنافع التي تجنيها الشركات متعددة الجنسية اليوم تفوق تلك المنافع التي حققتها القوي الامبرالية من خلال سيطرتها المباشرة او نفوذها الكوني القوي علي المستعمرات . نورد في ادناة ما طرحة بهذا الصدد” فهذة الاوضاع غير العادلة لنشاطات الشركات متعددة الجنسية تتطابق, بل ربما تتجاوز مماراسات القوي الاستعمارية السابقة.فعبر معظم القرن العشرين تمتعت القوي الاستعمارية وغيرها من الامم المتطورة بتفوق وريادة ملحوظة علي الامم النامية والناهضة سواء في مجالات الخبرات في التصاميم الهندسية, الطاقات الانتاجية, الموارد الراسمالية والايدي العاملة الماهرة. جميع هذة العوامل وفرت للبلدان المتقدمة حاليا مزايا تجارية ساحقة, كما تمكنت الانتفاع الكامل من مزايا تفوقها الاقتصادي والعسكري والتقني, حينما غزت واستولت مباشرة علي المستعمرات او تمكنت من تعزيز نفوذها الكوني عبر اساليب وطرق مختلفة. ولاجل تحقيق المنافع من هذة العملية الاستعمارية تطلب من البلدان الاستعمارية السابقة او المتطورة بناء قواعد عسكرية وحاميات شرطة وتطوير الهياكل الارتكازية في حقول التجارة والادارة والنقل والاتصالات, كما تحتم عليها حفظ السلام الاجتماعي في البلد المستعمر وتوجية عملية التصدير والاستيراد وتشغيل الكوادر او استيراد المطلوب منها لاستغلال واستخراج الموارد الطبيعية والدفاع عن المستعمرة من الانتفاضات الداخلية او العدوان الخارجي, كلة فرض عليها اعباء وتكاليف باهضة, وتحمل مخاطر واسعة, بل ربما ايضا تقديم ضحايا من مواطنيها ,كما كانت نتائج اعمالها هذة غير مؤكدة, خصوصا في المناطق والاقاليم التي تنافست عليها القوي الاستعمارية فيما بينها . اختلفت الاوضاع الان تماما, لكن مثلما قامت القوي الاوربية في تقسيم البلدان النامية فيما بينها سابقا, تقوم الان الشركات متعددة الجنسيات عبرعقد التحالفات التجارية المغلفة بمجموعة عقود وتراخيص براءات الاختراع ونشاطات تسويق مشتركة في جني وحصاد المنافع الهائلةبكلف وتضحيات ومخاطر اقل من السابق وخلال عهد الاستعمار المباشر,كلة عمق قدراتها ومزاياها التنافسية اتجاة منافسها الصغار وتوطيد سيطرتها علي الاقتصاد العالمي. لقد تمكنت الان الشركات متعددة الجنسية من خلال تعاظم نفوذها تضخيم ارباحها ,خصوصا عند تمكنها من وضع سلعها ومنتجاتها وتقنياتها في بوتقة امنة وهي حقوق الملكية الفكرية.”

ثانيا حقوق الملكية الفكرية وصناعة الادوية والعقاقير الطبية

تؤكد عديد من الدراسات والابحاث والاراء بخصوص العلاقة بين عولمة اتفاقية حماية الملكية الفكرية وصناعة الدواء عموما , والصحة العامة خصوصا, علي جملة من الحقائق نوجز في ادنا ة بعض منها  (13)

1. قادت عولمة اتفاقية حقوق الملكية الفكرية الي الارتفاع المستمر والمتزايد في اسعار  الادوية في كافة انحاء العالم بما في ذلك البلدان الفقيرة

2. استغلت الاتفاقية من قبل الشركات العالمية في صناعة الادوية لتعظيم ارباحها علي حساب حرمان الملايين من سكان الكرة الارضية في الحصول علي الادوية المنقذة للحياة. ففي هذا المجال يدلل المثال في ادناة جشع شركات الادوية العالمية ومستويات ارباحها .لقد تمكنت  مثلا الشركة الهنديةA CIP تطوير عقار مضاد للفيروسات الارتجاعية وعرضت بيعة الي منظمة اطباء بلاحدود بسعر يبلغ 5% من التكاليف التي تفرضها شركات اوربية للدواء المماثل(14)
3. لاتوجد ادلة واضحة وبراهين معتمدة بان الاتفاقية حول حماية الملكية الفكرية قد دفعت الشركات العالمية للادوية الي تنشيط ابحاثها او ابتكاراتها لمعالجة الامراض التي تتعرض لها البلدان النامية, بل تم توجية جل اهتمامها في التركيز علي الامراض التي لها سوقا رائجة في البلدان الغنيةو المتقدمة كمرض السكر والقلب .

4. ان استمرار ارتفاع كلفة استيراد الادوية المحمية ببراءة اختراع وتعسف شركات الادوية متعددة الجنسية قد دفع حكومات مثل البرازيل وجنوب افريقيا الي تجميد عديد من بنود اتفافية تربيس والسماح في استيراد او تصنيع اصناف دوائية مشابهة,مما اعتبرتة الشركات العالمية انتهاكا لها حيث  حدي بها ان ترفع دعاوي قضائية ضد حكومتي  هاذان البلدان.الا ان الحملةالدولية وتصاعد اصوات المعارضة والمنتقدين لاتفاقيةحقوق الملكية الفكرية والاعتراضات المتزايدة علي مماراسات شركات الدواء العالمية., قاد كلة ليس فقط سحب الشركات دعاويها, بل اضطر منظمة التجارة العالمية الي اضافة بند جديد في اتفاقية حقوق الملكية اطلق علية الترخيص الاجباري لتصدير الادوية للبلدان الفقيرة التي لاتملك صناعتها الخاصة لانواع من ادوية مماثلة او ترخيص تصنيع ادوية ببراءة اختراع الي شركات صناعية اخري عندما تشعر بان سعر الدواء مغالي فية بشكل لايمكن تبريرة . ” اي انها حالة خاصة يجوز للحكومة في حالة عدم توفر منتج معين او  ان توافرة في الاسواق  باسعار باهضة  او في حاله رفض مالك البراءة الخاصة او وضعة شروط غير معقولة لهذا الاستغلال ,كله اجاز  ان تسمح الحكومة لاحد المهتمين بهذا الموضوع استخدام براءة الاختراع ودفع اتاوة مناسبة تحددها الحكومة لمالك البراءة( المادة31) كما يشترط في حالة منح الترخيص الاجباري ان يكون التوريدللسوق المحلي بصورة رئيسة.”(15) علية ظلت هناك قيود وكلف اضافية يجب ان يتحملها  البلد المعني لصالح شركات الادوية العالمية. هذا و عارضت الولايات المتحددة دائما الترخيص الاجباري والاستيراد, لكنها رضخت لاحقا لهذة البنود الجديدة بعد تعرضها ببكيتريا “الجمرة الخبيثة”واضطرار الادارةباسم مكافحة الارهاب البيولوجي ليس فقط الطلب من شركة باير الالمانية صاحبة براءة الاختراع لتخفيف القيود المفروضة علي دواءها المعروف باسم “سيبرو”, بل قامت بترخيص شركاتها لانتاج مضاد حيوي مماثل لهذا الدواء,.بالتالي انتهكت اتفاقية حقوق الملكية الفكرية التي هي راعيها .مما يعكس بوضوح ازدواجية المعاييرالمستخدمه حسب المصالح الوطنيه الضيقه (16)

اعاقت الاتفاقية الدول من استيراد او تصنيع ادويةمعالجة وراثيا غير مسجلة ببراءات اختراع وذلك من اجل توفير الدواء الرخيص لامراض مثل الايدز او الامراض المتوطنة في البلدان االنامية والفقيرة لهذا السبب اضطرالمجلس الوزاري لمنظمة التجارة في الدوحة الي اصدار بيانة المشهور” الصحة العامة فوق الارباح” بالتالي تم الاعتراف ضمنيا بتجني الاتفاقية علي اوضاع الصحة العامة ,كم اكد علي حرية كل بلد في تحديد القواعد التي تتحكم في التراخيص لاستيراد او تصنيع الادوية, كما اشاد في بيانة المشهور علي ان الالتزام باتفاقية حقوق الملكية الفكرية يجب ان يشكل فقط الية لنقل التكنلوجية وتطويرها, مع كلة, ظل البيان هذا سرابا في دهاليز واروقة منظمة التجارة العالمية.
5تعرضت صناعة الادوية في البلدان العربية الي انتكاسات حادة من جراء تطبيقات اتفاقية تربيس, كما لحقت بها خسائر من خلال فتح الاسواق العربية وتعمق حالة احتكار ها من قبل شركا ت الادوية العالمية العملاقة .فمن ناحية اعطت احد بنود الاتفاقية لاصحاب براءة الاختراع حق الشفعة وحماية احتكارية مفرطة من ضمنها تعطيل تسجيل الدواء في اي دولة نامية لمدة 30 شهراو وفي حالة اعتراض شركة عالمية علي هذا التسجيل بدعوي انة يتعارض مع دواء لديها , فان علي الشركة المتقدمة بالتسجيل اثبات حقيفه بان  لا يمثل ذ لك  اعتداءا صريحا  علي براءة الاختراع للشركة العالمية.

ضمن هذا السياق  اكد رئيس الشركة القابضة للادوية في مصر, وهي من البلدان التي اقامت اولي بذور صناعتها الدوائية بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي في عقد الستينيات “بان الاتفاقية اتاحت وستتيح للشركات العالمية العملاقة في مجال الادوية فرصا اكبر لغزو الاسواق بانتاجها من الادوية القديمة التي كانت تنتجها شركات محلية بتراخيص منها في الماضي ,حيث توقفت الان عن منح مثل هذة التراخيص لانتاج ادوية جديده  مما  تحتم  استيراد المواد الخام من هذة الشركات باسعار مرتفعة.

عموما قد لحقت بالبلدان النامية التي سبقت في تنفيذ احكام الاتفاقية خسائر قدرها 14 مليار دولار خلال سنة واحدة بسبب فروقات الاسعار. ” (17)

يستنج من الحيثيات المعروضة, ان الاتفاقية”حقوق الملكيه الفكريه ” هذه لم  تساهم  في  تمكين  البلدان الناميه خصوصا الفقيره  وحكوماتها  في تحسين الاوضاع الصحية,بل عملت علي  تضخيم  تكلفة الرعاية الصحية بكافة بلدان العالم الفقير والغني, كلة من اجل تعظيم معدلات ربحية غير عقلانية لشركات الادوية العالمية بحجة توفيرها امكانيات البحث والتطوير.هذا واخفقت كافة الجهود والمحاولات الساعية الي تغيير المحتوي والفحوي الحقيقي لهذة الاتفاقية بما يتعلق بالصحة العامة, حيث ظلت الاضافات والتغيرات البسيطة والتعديلات الجارية لاتعدو عن كونها محدودة او ترقيعات شكلية بعيد ة عن معالجة جوهر المشكلة,( حق الشعوب والامم في التمتع بالعلاج المطلوب بتكلفة يمكن تحمل اعباءها من قبل الجميع- الاغنياء والفقراء-) فالدواء يعتبر حق اساسي من حقوق الانسان, يجب ان يتجاوز حسابات الربح والخسارة لشركات الادوية العالمية.

ثالثا:حقوق الملكية الفكرية والمنتجات الزراعية المعدلة وراثيا

تعد المنتجات الزراعية والحيوانية المعدلة وراثيا من اهم المنتجات الجديدة التي قامت الشركات متعددة الجنسية في تطويرها واحتكار حقوق استخدامها . تشمل المنتجات المعدلة وراثيا او المحورة جينيا تلك التي تتدخل الهندسة الحياتية في عملية انتاجها من حيث احداث تعديلات عليها بهدف مضاعفة المحصول والناتج او تحسن شكلة وحجم ثمارة. ينطبق التحوير هذا علي الحيوانات والاسماك المهجنة وراثيا. استغلت هذة الشركات الهندسة الحياتية في مجال الزراعة وطورت محاصيل كثيرة جمعيها لخدمة الزراعة التجارية الكبيرة وعدم مراعاة اساليب الانتاج الفلاحي الصغير سواء في البلدان المتقدمة او في البلدان النامية التي تفتقر لانماط الزراعة والفلاحة التجارية الموسساتية . مقابل انجازاتها هذة وحفظا لحقوقها بموجب اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية , استطاعت هذة الشركات العملاقة فرض مثل هذة المنتجات والبذور وما شابهها من سلالات مطورة وراثيا علي معظم بلدان العالم خصوصا بعد تمكنها الاستيلاء والاستحواذ علي سلالات نباتية طورها الفلاحون في انحاء العالم المختلفة بجهود بذلت عبر الالاف السنين,حينما قامت في اضافة جينا او بضع جنيات عليها وسجلتها ببراءة اختراع جديدةفي بلدها وفي عديد من بلدان العالم , باعتبارة منتوج مبتكر جديد, يختلف عن سلالتة الاصلية ,بالتالي اصبحت هذة السلالات باكملها ملكا خاصا لها تحميها قوانين منظمة التجارة العالمية كما اصبح اصحابها الحقيقون مضطرون الي الحصول منها علي اذن وترخيص خاص لاجل استخدمها مقابل دفع اتاوات الانتفاع منها( 18 ). علية وعبرهذة الحقيقة فقد تم سلب حق الفلاح التاريخي في الاحتفاظ ببذورة بعد تشويهها اصطناعيا واخراجها من اصلها الحقيقي .

علاوة علي ذلك ابتكر علماء هذة الشركات من اجل ترويج وتسويق هذة المنتجات المطورة وراثيا بتطوير خطط هندسية وراثية يقتل بها النبات بذورة, فلا تنبت ان زرعت و لايستطيع الفلاح ان يستخدم بذور الموسم السابق لانتاج محصول جديد, بل يجب علية شراء ها في كل موسم زراعي جديد (19)مما يصاعد التكاليف الانتاجية علية وتقليص هامش ربحة, بكل ما يتبع ذلك من نتائج علي تطور القطاع الزراعي وتحفيزة في الاستمرار علي الانتاج .

ان اشكاليةهذة البذور والمنتجات المعدلة وراثيا ليست قضية تكنلوجية اوزراعية بحتة, بل هي قضية متداخلة الابعاد لها جوانب سياسية اقتصادية وقانونية. انها تحولت الي اداة فعالة وشكلت سلاحا للسياسة الخارجية الاميركية, وذلك عبر الارتباط الوثيق بين طموحات وخطط الادارة في حكومات واشنطن المختلفة من ناحية , وبين مصالح الشركات الزراعية الانكلو اميركية العملاقة للهيمنة علي العالم من ناحية اخري,كلة من اجل السيطرة علي مقومات الحياة البشرية –الغذاء-. تعود خلفيات التزواج هذ ,او المشروع المشترك  بين الادارة الاميركية والشركات الزراعية الغذائيةالي مقولة هنري كيسنجرالتي صاغها عام 1970( من يسيطر علي البترول ..يسيطر علي الدول والامم , لكن من يسيطر علي الغذاء سوف يتمكن التحكم بالشعوب”, ومذكرتة في تقيلص سكان العالم ,بالاخص في (30 )دولة من بلدان العالم , منها بنغلاديش البرازيل كولومبيا مصر الحبشة الهند اندونسيا نيجيريا باكستان تركية ومن خلال استخدام سلاح الغذاء (20). التي تحولت الي قاعدة فكريةلعمل موسسة هامة تعتبر الاب الروحي لرسم و صياغة والتحكم في السياسة الزراعية الاميركية, هي موسسة روكفلر الوقفية المعفاة من الضربية, المزروعة حول العالم . تمكنت هذة الموسسة من تنفيذ اهدافها عبرانسجام وتوافق ذلك مع طموحات النخب الحاكمة في الادارات الاميركية المختلفة التي تتجلي في الهيمنة والسيطرة علي تجهيزات الغذاء في العالم . هذا وعملت الموسسة حثيثا في هذا المجال , حينما قامت وتقوم ليس فقط في تدريب وتاهيل خيرة علماء العالم الشباب الامعين في حقول الميكوبيولوجي, بل تم ابتداءا تحريفها اسم علم تحسين النسل( eugenic ) وجعلة علم الجنيات( genetic ) لاخفاء اغراضها الحقيقة. من هنا بدات باكورة اعمالها, واهم المواضيع علي اجندة فعاليتها, هي الثورة الخضراء حسبما اورد الاستاذ وليم انكدل في كتابة الموسوم (بذور التخريب).(21) فعلي الرغم ما حققتة الثورة الخضراء هذة من نتائج ايجابية تجلت في تعظيم وزيادة الانتاجية الزراعية في بداية الامر , لكنها بذات الوقت قادت الي 1.تخريب مساحات شاسعة من الاراضي القابلة للزراعة , 2.تدمير التنوع البيولوجي, وتسمم طبقات صخرية مائية 3. الاضرار الصحية التي لحقت بالناس 4. تحطيم وتخريب تنوع اصناف سلالات البذور 5. ترويج وتشجيع الاستخدام المكثف للمدخلات الزراعية المشتقة من النفط والغاز( بالطبع القطاع الذي يحظي باهتمام خاص من الموسسة) ادي الي مضار صحية وبيئة (22 ) هكذا اصبحت الاستراتجية المعتمدة من قبل الشركات الزراعية العملاقة حث وادخال البذور المطورة وراثيا في كافة انحاء الكرة الارضية مع اعطاء الاولوية للبلدان الافريقية والنامية . كلة مكن حسب قول الكاتب نخبة اميركية صغيرة عبرتوليفة متشابكة من الادوات منها الهندسة الوراثية وتطوير السلالات من البذور والتقاوي واستخدام المعالجات الجينية واشكال براءات الاختراع من ناحية, وعبر الفساد الاداري والمالي في اجهزة الدولةالبيروقراطية والخداع السياسي من ناحية اخري, الي تحقيق السيطرة وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة الاميركية علي انتاج وتجهيز الغذاء في العالم , اي بكلمات اخري التحكم بمقدرات الشعوب من خلال خبزها اليومي (23)من هنا تحققت لحد بعيد طموحات كسينجر التي عبر عنها 1970كما اشير لذلك اعلاة.

انها قصة شيطانية مضافة في كيفية قيام ادارات حكومة الولايات المتحدة الاميركية المختلفة ومؤسسات الاعمال الزراعية الكبري في الهيمنة علي العالم عبر هذة الاشكال الحياتية المسجلة ببراءات اختراع ويشكل بذاتة دليلا اضافيا لخصصة عولمة حقوق الملكية الفكرية.

 

المصادروالمرفقات

*يعرف التقييس بانة وضع اشتراطات للاستخدام العام والمتكرر للسلع والخدمات لتجنب المشاكل الفعلية او المحتملة وتحقيق درجة مثلي من النظام داخل سياق محددز تدور معظم انشطة التقييس الدولية والوطنية علي المتطلبات الفنية التي تحددها المواصفة القياسية .يفهم تحت المواصفة القياسية بانها شهادة يتم الاتفاق عليها بين الاطراف ذوي العلاقة(حكومة اومنظمات اقليمية او دولية او موسسة او مجموعة موسسات خاصة وعامة) وتحتوي علي توصيف فني او معيار دقيق تضمن تحقيق السلعة او الخدمة المحدد لها من جهة معترف بها. تعود جذور التقييس الي القرن الماضي وتطور سريعا عبر 150 عاما الماضية عند تاسيس منظمة التقييس العالمية والاتحاد العالمي للاتصالات( المسوؤل حليل علي قطاع تكنلوجيا الاتصالات) واخير تاسست مئات من الجمعيات جمعيها تقوم في توفير المواصفات القياسية في قطاع تقنيات المعلومات عموماهدفت قواعد منظمات التقييس القطاعية والوطنية وكذلك الاجهزة الكونية مرعاة التوازن بين حقوق مالك البراءة مع المكاسب المتوقعة من المواصفة(المصدر:www.gccconsumer.com and
www.consorttorium.org)
1.موقع الدراسات القانونية
www.tashreaat.com
2د. عبد الكريم خالد الشامي (حمايةحقوق الملكية الفكرية في الاتفاقيات الدولية)
3
www.iprcommission.org دمج حقوق الملكية الفكرية في سياسة التنمية
4بريان مارتن http://www.ahu.edu.jo
5 د.عايض العتيبي وسطام الطيار http://www.isaudipc.com وكذلك د.ثناءعبد اللة: قضايا العولمة بين القبول والرفض – مجلة المستقبل العربي العدد 256
6د. فاروق الاباصيري: تطوير التشريعات العربية في مواجهة العولمة جريدة الاهرام 24-4-2001 وكذلك
www.tashreaat.com
7
www.who.org agreement on technical barriers on trade
8
Andrew Upedgrove
Government Policy and Stndard-basedNeo Coloninalism
Consortiuminfo.org
9 المصدر اعلاة
10 المصدر السابق اعلاة
11راجع المصدر السابق رقم4
12 المصدر رقم 8
13 المصدر رقم3وكذلك التربيس وشركات الادوية الكبري http://www.phmovement.org
14محمد عبد الشفيع العولمة والتكنلوجيا دراسة حالة للصناعة الدوائية كتاب الاهرام الاقتصادي رقم 170
.15 احمد طلفاح حقوق الملكية الفكرية محاضرة مصورة المعهد العربي للتخطيط
www.arab-api.org
16نفس المصدر رقم 14
17 سعد هجرسك سرقة علنية وعولمة كاذبة مجلة المحيط الثقافي القاهرة وكذلك محمد شعبان واسامة داود ( الدواء العربي… السقوط في فخ تربيس)
www.Islamonline.com

18د.احمد المستجير القرصنة الوراثية دار المعارف مصر
19المصدر اعلاة
20-21-22-23
Seed of destruction The hidden agenda of gentic manuipulation by willam Engdahl وتعليقات مختلفة علية
*) خبير إقتصادي في ميدان التنمية الصناعية عمل سابقاً في وزار

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    لم توضح البحث ما ترتب على الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكرية من مستوى اعلى من الالتزامات الموجودة فى التشريعات الوطنية لمعظم الدول النامية وما تتيحه الاتفاقية من مزايا اضافية اهمها رفع مستوى الحماية ووضع الوسائل التى تكفل الحصول على حقوق الملكية الفكرية فى المجالات التى تنتجها بعض الدول النامية ومن بينها الاعمال الادبية وبرامج الحاسوب الالى والمولفات الفية المسموعة والمرئية كما لم يشر البحث الى الاثار غير المباشرة التى لا تقل اهمية عن الاثار الاخرى حيث ان العضوية توءكد الالتزام باحترام تللك الحقوق مما يوءدى الى تشجيع ااستثمارات الاجنبية فى مجالات الانتاج المختلفة على ان توسيع الالتزام الدولى بهذه الحقوق من شانه تخفيض كلفة الحصول عليها خاصة بعد انضمام اكبر سوقين من حيث الحجم وهما الهند والصين
    من الجوانب السلبية كما اشار البحث رفع مستوى الحماية وخاصة بالنسبة لبراءات الاختراع لتصبح 20 عاما بدلا من 10 اعوام كما كانت فى التفاقات الدولية السابقة وهذا من شانه رفع كلفة الحصول على براءة الاختراع كما ان شمول البراءة لطريقة الصنع وليس المنتج النهائى من شانه ايضا امتداد البراءة لكثير من المنتجات وما يهم البلدان النامية خاصة مثل الصناعات الغذائية والكيمياويات والادوية وامام الدول العربية مثلا وضع استراتيجية لتعزيز سبل البحث العلمى وتسجيل براءات الاختراع الوطنية وتبادل الخبرات فيما بينها وبين الدول المتقدمة
    ان التزام واحترام الدول الاعضاء فى منظمة التجارة العالمية بموضوع الملكية الفكرية من شانه ان يوءدى الى توسيع عمليات التسويق الامر الذى يوءدى الى تخفيض كلفة الحصول على البراءات من الدول المتقدمة كما ان المنافسة بين هذه الدول من شانه ان يوءدى الى زيادة عرض البراءات والاقلال من احتكارها
    كان بودى لو ركز الباحث على موضوع الملكية الفكرية كموضوع قائم بذاته اذ لا علاقة لهذه الاتفقاقية الدولية باتفاقيات عقود التصنيع التى يتم ابرامها بين الشركات والدول سواء ضمن الحدود الجغرافية للبلد الواحد ومعظم هذه العقود تتم الان داخل الولايات المتدة او مع البلدان الاخرى ومعضمها بلدان متقدمة وليس امام البلدان النامية الا الاندماج فى السوق الدولية وتحمل اعباءها
    وما حيلت المضطر الا ركوبها
    شكرا للدكتور محمد سعيد العضب على بحثه القيم

    • Avatar
      محمد سعيد العضب:

      اشكر الاستاذ فاروق يونس الذي له باع عريق في العلاقات التجاريه الدوليه,وان مداخلته القيمه اضافه جديده وفتح ابواب هاهه حول هذا الموضوع المعقد والشائك .مع ذلك اري ان عقود التصنيع مساله متداخله وهي من صلب موضوع اتفاقيه حقوق الملكيه الفكريه لما تتضمنها من براءات اختراع , وما يترتب عنها من اجحاف في حقوق الطرف الضعيف في العقد ( البلد النامي ) بل ربما اعاقت و تعيق هذه البلدان في تطويع نقل التقنيات المتطوره ,بالتالي تظل رهينه في الخضوع لمشيئه القو ي المسيطره (الشركات العالميه عابره القارات ) بالتالي ظلت وتظل عمليه التصنيع في هذه البلدان مجرد تجميع مفردات لاتشابك حقيقي لها مع قطاعاتها ا الاقتصاديه الاخري ,وافضل مثال عقود النفط (علي اختلاف اشكالها من امتياز او مشاركه او عقود خدمات ..الخ ) التي ظلت تقنياتها ونماذج عملها المستخدمه بعيد ه و لا صله لها في بنيه عموم الاقتصاد الوطني

اترك رداً على محمد سعيد العضب إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: