النفط والغاز والطاقة

وليد خدوري: استراتيجية الطاقة العراقية

يملك العراق احتياطات نفطية ضخمة، لكن التخبط السياسي طوال العقود الماضية من حروب ومقاطعة اقتصادية، ناهيك عن مشكلة طريقة توزيع الريع النفطي ما بين الرواتب والتقاعد والجهاز العسكري، حالا دون الاستثمار في مشاريع إنتاجية أو تشييد البنى التحتية. يضاف إلى ذلك شيوع ثقافة الفساد أخيراً، وانخفاض الإنتاج النفطي إلى مستويات متدنية أقل كثيراً من طاقات البلاد، وإخفاق الحكومة في توفير طاقة كهربائية كافية، على رغم تخصيص حوالى 30 بليون دولار لوزارة الكهرباء منذ عام 2003. وتبلغ الخسائر المترتبة على البلاد بسبب الانقطاع الكهربائي في السنوات الأخيرة حوالى 40 بليون دولار سنوياً.

وللتعامل مع موضوع الطاقة من مختلف جوانبه، وهي الطريقة التي يتم بها التخطيط والتعامل مع هذه القطاعات عالمياً، صدر أخيراً تقرير بإشراف هيئة المستشارين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي بالتعاون مع الاستشاري «بوز أند كومباني» حول التحديات والفرص المتاحة للطاقة عراقياً، والأهداف المرجو تحقيقها على المديين القصير والبعيد حتى عام 2030.

واستنتجت الدراسة أن على العراق، للاستفادة القصوى من ثروته، تحقيق أمور أهمها، ترشيد الاقتصاد المحلي وتنويع الاستثمارات الرأسمالية وزيادتها، إعادة النظر في عمل مؤسسات الدولة وهيكلتها بحيث تحدد المسؤوليات لعملها وطرق محاسبتها وتوفير الكوادر البشرية الكفوءة للعمل فيها، وشمولها بالحوكمة.

واقترح التقرير (الذي يشمل سبعة فصول، نشر منها ملخص فقط حتى الآن) برنامجاً استثمارياً متكاملاً لقطاع الطاقة حتى نهاية العقد المقبل. وهذا يقتضي تطويراً صناعياً سريعاً ومتوازناً لمجمل قطاعات الطاقة لتحقيق الاستفادة المثلى. فعلى سبيل المثل، ينتج العراق حوالى 1.7 بليون قدم مكعبة من الغاز يومياً، يحرق حوالى 40 في المئة منها، والكمية المحروقة تكفي حاجات العراق المحلية في توليد الكهرباء والصناعات. من ثم، إذا تم تطوير هذه الصناعة بسرعة وتوقف حرق الغاز، كما في معظم الدول المنتجة الأخرى، يتوجب عندئذ تشييد محطات الكهرباء والمصانع اللازمة، وربطها بشبكة توزيع الكهرباء الوطنية للاستفادة من كميات الغاز الجديدة وعدم هدرها.

أكد التقرير أنه لا يمكن جني الفوائد من تطوير القطاع من دون تشييد البنى التحتية اللازمة لكل قطاعات الطاقة. وأشار إلى ضرورة تشييد هذه البنى التحتية خلال السنوات الثلاث المقبلة. وتقدر قيمة الكلفة الاستتثمارية حوالى 620 بليون دولار. ويتوجب على الوزارات المعنية بشؤون الطاقة أن تتعاون في شكل خلاق لتحقيق الأهداف المنشودة. كما يتطلب هذا إصلاحات واسعة النطاق لهذه الوزارات، وإعادة ترتيب أولوياتها وهيكلة إداراتها. ومن ضمن الإصلاحات المقترحة الاستعانة بالخبرات العراقية في الخارج.

سنحاول هنا أن نركز على قطاع النفط فقط. فلا يزال الاقتصاد العراقي يعتمد في شكل واسع على النفط، إذ إن 45 في المئة من الناتج و90 في المئة من موازنة الدولة لعام 2010 اعتمدت على ريع الصادرات النفطية.

تقدر احتياطات العراق النفطية بـ143 بليون برميل. ويوجد ثلاثة أرباع الاحتياط في سبعة حقول عملاقة هي غرب القرنة، الرميلة، مجنون، كركوك، شرق بغداد، الزبير ونهر عمر. وتقع كلها، باستثناء كركوك وشرق بغداد، في جنوب البلاد. وبما أن المسح والاستكشاف لم يشمل بعد كل أراضي العراق، فيتوقع أن يصل الاحتياط إلى حوالى 200 بليون برميل. ويشير التقرير إلى أن العراق خطا خطوات كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية في زيادة قدرته الإنتاجية المستقبلية. فقد منحت الحكومة الفيديرالية عقود خدمة فنية لعدد من شركات النفط العالمية لتطوير أو زيادة الإنتاج من 12 حقلاً ضخماً. وعلى رغم أن توقع الطاقة الإنتاجية المستقبلية صعب في المراحل الأولى من هذه العقود، يقترح التقرير التعامل مع أنماط إنتاجية مستقبلية من أجل التخطيط الاقتصادي.

ويشير التقرير إلى أن هدف العراق النفطي الاستراتيجي في المرحلة الحالية هو التأكد من تطوير الحقول بسرعة، والوصول بمستوى الإنتاج بنهاية 2014 إلى مستوى تقدر حدوده الدنيا بحوالى 4.5 مليون برميل يومياً في 2014. وهذا يعني أن على وزارة النفط المتابعة المستمرة للتأكد من تطوير خمسة حقول مهمة (غرب القرنة – المرحلة 1 و2، الرميلة، الزبير ومجنون) التي يشكل إنتاجها المخطط له حوالى 75 في المئة من مجمل الزيادة الإنتاجية، والإسراع بمشروع تحلية مياه البحر وتوسيعه لضخ المياه في حقول إضافية، والتأكد من إنجاح عملية التحلية وهي تتم وفق القواعد المرعية. ويتوجب على وزارة النفط أيضاً، الإسراع في تشييد منظومات الأنابيب الحقلية وربطها بأنابيب التصدير الرئيسة، والتأكد من أن يكون هذا التشييد متزامناً مع زيادة الطاقة الإنتاجية المتوقعة.

وأوضح أن العراق بصدد تشييد شبكة من خطوط الأنابيب التصديرية، بحيث يصبح من الممكن تصدير 3.75 مليون برميل يومياً عبر المنافذ الشمالية إلى البحر الأبيض المتوسط وخط أنابيب عبر الأردن إلى البحر الأحمر بحلول 2017، وتوسيع الطاقة التصديرية من الجنوب لتصل إلى 6.8 مليون برميل يومياً بحلول عام 2014.

أما هدف العراق الثانوي، فهو العمل خلال السنوات الثلاث المقبلة لتحديد مستويات الطاقة الإنتاجية في المدى البعيد.

لا شك في أن الدراسة مهمة وضرورية. لكن المشكلة هي في كيفية تنفيذها في أوقاتها المحددة في هذه الأوضاع السياسية الرديئة. فهل من الممكن فعلاً إصلاح سياسات الوزارات وهياكلها، في وقت تخفق هذه المؤسسات الحكومية في توفير المواد الأساسية للمواطنين. وتشتكي الشركات النفطية العاملة في العراق من العراقيل البيروقراطية التي تواجهها والتي تؤخر من تنفيذها للمشاريع. كما أن مراجعة الملخص تدل على أن البيانات المستوفية لا تشمل تلك المتعلقة بإقليم كردستان، على رغم مقابلة بعض المسؤولين هناك للحصول على المعلومات. وأخيراً، لم نقرأ في ملخص التقرير، أثر الزيادة الإنتاجية الضخمة والسريعة على الأسواق والأسعار العالمية، فمن الواضح أن مزاحمة الدول المنتجة الكبرى لن تكون سهلة ومن دون ثمن.

* مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية

الحياة الأحد ٢٣ يونيو ٢٠١٣

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: