إن كان ثمة ما يتفق عليه كل المعنيين بالشأن العراقي، سواء من أبناء البلاد، مسؤولين ومواطنين اعتياديين، أم من غير العراقيين، دولاً وإعلاماً ومنظمات دولية، حكومية وغير حكومية، وشركات وأوساط أعمال وباحثين وعلماء، فهو شدة تعقيد أوضاعه وقساوة ظروفه، وثقل تركة عقود من التسلط الاستبدادي والحروب العبثية وحصار اقتصادي ربما لم يشهد له مثيل من حيث شموليته في التاريخ المعاصر، من خراب ودمار أصاب جميع مناحي الحياة. يضاف إلى هذا كله إرهاب حرب وحشية تشنها قوى إرهابية متنوعة يجمعها هدف إجهاض اي إمكانية لتحقيق تحولات سياسية-اجتماعية، واقتصادية – اجتماعية ذات طابع وطني ديمقراطي عميق، والعمل من أجل فرض نظام استبداد جديد تحت مسميات فكرية وايديولوجية وسياسية مختلفة.
وفي ظل هذه الأوضاع المتشابكة والمتداخلة من حيث تعدد الفاعلين السياسيين العراقيين والخارجيين، وتداعيات الاحتلال والانهيار في بناء الدولة الذي رافق وأعقب سقوط النظام الدكتاتوري، طرحت أمام البلاد مجموعة من المهام المتداخلة تتعلق باعادة بناء الدولة على أسس دستورية ديمقراطية اتحادية تستند إلى توازنات جديدة ما بين مكونات الشعب العراقي إثر انهيار التوازنات السابقة التي كانت قائمة منذ نشوء ما يسمى بالدولة العراقية الحديثة بعد عام 1921، وتمكين العراق من توفير شروط استعادة سيادته الكاملة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وكذلك إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لتحقيق الانتقال نحو اقتصاد السوق المفتوح. وفي هذه الورقة المكثفة، سنعنى فقط بالجانب الأخير، وبالقضايا المتعلقة بوضع الاقتصاد العراقي على طريق النمو والتنمية المستدامة.
1 – مرحلة الانتقال
يمتلك العراق كل المقومات لأن يكون بين الدول المزدهرة ولأن يتمتع أبناؤه بمستوى من المعيشة والدخل مكافئ لمجموعة الدول المتوسطة الدخل حسب التصنيف المعتمد من قبل المنظمات الدولية، والبنك الدولي تحديداً. فهو غني بموارده الطبيعية، وخصوصاً بالنفط والمياه، كذلك بموارده البشرية، حيث تقدر قوة العمل فيه بأكثر من سبعة ملايين شخص، نسبة غير قليلة منها ذات تأهيل جيد رغم التدهور الكبير الذي شهده النظام التعليمي في العراق بمراحله المختلفة منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي. ولكن سياسات النظام المباد وحروبه المدمرة ونهجه الاستبدادي ونظام اقتصاد اوامري ينخره الفساد والمحسوبية لم تفرط فقط بهذه الإمكانيات، بل أجهزت على ما تحقق من إنجازات حتى أواخر عقد السبعينيات وعمقت الاختلالات في بنية الاقتصاد العراقي، سيما في إضعاف أنشطته الانتاجية الزراعية والصناعية، وزادت من طابعه الريعي وعرضت البنى التحتية للدمار والتآكل نتيجة العمليات العسكرية وضعف الادامـة وغياب الاستثمارات الجديدة.
لذلك باتت عملية إعادة إطلاق التنمية الاقتصادية وتحقيق النمو المستدام مرهونة بإجراء اصلاحات عميقة ترقى إلى هيكلة جديدة للاقتصاد العراقي. وهنا تثار قضايا مثيرة للجدل، او تختلف بشأنها الاجتهادات حسب أدوات التحليل المعتمدة والمنطلقات الفكرية، وفي نهاية المطاف، حسب مصالح المجموعات والقوى الاجتماعية المختلفة التي تعبر عنها هذه الرؤى والمواقف.
ما هي خصائص المرحلة التي يمر بها العراق اليوم؟ يطرح هذا السؤال بالحاح في بعض أوساط النخب العلمية وبدرجة أقل في اوساط السياسيين الذين تدفعهم إلى التعامل البراغماتي تعقيدات الأوضاع وعدم قدرة المنظومات الايديولوجية المختلفة على تقديم إجابات وحلول وافية وشافية للواقع العراقي. وقد يبدو السؤال للمواطن المشغول بهموم شحة الخدمات والمنتجات النفطية وغلاء الأسعار وتدهور الأمن أكاديمياً وبعيداً عن هذه الهموم. وهو بالطبع ليس كذلك، لأنه يؤسس للمشاريع التي تتصدى لمعالجة هذه الهموم.
وقد لا يكون استخدام تعبير المرحلة دقيقاً لتوصيف ما عليه الحال في العراق. فالحديث عن مرحلة يعني ضمناً أن مقدماتها ونهاياتها معروفة، إن لم يكن تفصيلاً، وإنما بمعالمها الرئيسة. وفي حالة العراق، نعرف البدايات والممهدات، ولكن الغموض لا يزال يكتنف المآل. فتوازنات القوى على جميع المستويات لا تزال متحركة، والمتغيرات عديدة، وبعضها خارج عن مؤثرات الوضع الداخلي، والبرامج والمشاريع والاصطفافات في حالة تشكل وإعادة تشكل، وكل ذلك يسهم في تحديد مسار مركب العراق ومراسيه القادمة. وسنعتمد تعبير المرحلة مع الأخذ بعين الاعتبار هذه التحفظات.
المرحلة الحالية انتقالية واستثنائية. إلاستثناء جليّ ولا حاجة للافاضة في شرح اسباب وسم الوضع الحالي بذلك. (العنف المنفلت والارهاب، تصدع بنى الدولة، وجود القوات الأجنبية حتى وقت قريب، …)، أما الطابع الانتقالي فيستحق التوقف عنده. حسب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يمر الاقتصاد العراقي بحالة انتقالية من اقتصاد مركزي اوامري إلى اقتصاد حر تلعب فيه آليات السوق الدور المقرر والحاكم. وبرنامج الاصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي يرسم الطريق ويحدد التحولات المطلوبة لتحقيق هذا الانتقال. وحسب البنك الدولي، يجب أن يقوم العراق بثلاثة أنواع من الانتقال بعضها متلازم والآخر متعاقب، وهي :
1 – من النزاع إلى الاستقرار وإعادة التأهيل والاعمار.
2 -من هيمنة الدولة إلى التوجه نحو السوق.
3 – من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد يعتمد على قاعدة انتاجية متنوعة.
ويعني هذا التوصيف، إزالة المعوقات والكوابح أمام انتشار وتطور العلاقات الرأسمالية في جميع مفاصل الاقتصاد الوطني. ويجدر التنويه في هذا السياق إلى أن الكوابح لا تقتصر على هيمنة الدولة على الاقتصاد وثقل الانظمة والضوابط التي تعطل المبادرة وتحاصر نشاط القطاع الخاص. فإلى جانب ذلك، تعمل الأطر والبنى الاجتماعية والمؤسسية والثقافية ما قبل الرأسمالية. وينبغي الاّ يغيب عن ذهننا أن الوحدة الأساسية في اقتصاد السوق هي حرية الفرد في اتخاذ قراراته وفق منطق عقلاني (Homus economicus). ولا شك أن فاعلية آليات السوق وكفاءته تتأثر سلباً عندما يطغى التفكير والسلوك الجمعيان.
2 – مضمون ومعوقات إعادة الهيكلة الاقتصادية
يجب أن لا يغيب عن التحليل أن القوى المحركة لهذه المرحلة الانتقالية، بمفهومها الواسع الذي يشمل جميع التحولات التي تندرج في سياق فتح الطريق أمام تطور العلاقات الرأسمالية، ليست داخلية فقط، وإنما تأتي أيضاً من الخارج عبر التدخلات والضغوط الدولية. وهذه تأخذ شكل مساعدات ومنح وبرامج اقتصادية وتأهيلية مختلفة تقدم في سياق تكريس منطق وآليات السوق، ولكن الأهم هو الدور الذي تمارسه المنظمات الدولية، وخصوصاً صندوق النقد الدولي الذي اوكلت اليه مهمة الاشراف على تنفيذ برنامج الاصلاحات الاقتصادية التي يتوجب على الدولة العراقية القيام بموجب الالتزامات الاقتصادية والمالية المترتبة عليها في إطار اتفاقية SBA المبرمة في 23 /11/ 2005. وكما هو معروف كانت هذه الاتفاقية جزءاً من متطلبات اتفاقية نادي باريس المبرمة في 21/11/2004 لغرض خفض الديون العراقية، مما يمنحها قوة ضغط كبيرة على صناعة القرار في مجال السياسة الاقتصادية العراقية. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وخلق شروط النمو المستدام عبر تحقيق المفردات التالية :
* تحقيق الاستقرار النقدي من خلال السيطرة على المعروض النقدي عبر آليتي سعر الفائدة وسعر الصرف التي تقع ضمن مسؤولية البنك المركزي، والعمل على ضبط وتائر نمو الانفاق الحكومي. السيطرة على التضخم وخفض معدلاته، من خلال آليات وأدوات السياسة النقدية من ناحية، وكذلك التأثير على أسواق السلع والخدمات.
* إزالة التشويهات في نظام الأسعار وخصوصاً، من خلال تخفيض الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وخصوصاً ذلك الذي يقدم للعوامل الداخلة في الانتاج، وإزالة ما يعيق التحديد والتذبذب الحر للأسعار. العمل على محاربة التهريب، وخصوصاً للمشتقات النفطية عبر رفع أسعار تدريجياً لتقارب أسعار دول الجوار.
* ترشيد المالية العامة عبر خفض المصاريف والنفقات التحويلية والتوزيعية، كالدعم الحكومي ومراجعة نظام البطاقة التموينية بما يحقق خفض عبئها على المالية العامة. والاجراءات المقترحة متنوعة، بعضها يشمل تقليص نطاق شمولها لتركز على ذوي الحاجة، وتقليل مفرداتها، ورفع كفاءة آلية توزيعها، والعمل على تحويلها إلى بدلات نقدية. ويندرج في هذا السياق برنامج خصخصة الشركات العامة للدولة.
* تطوير دور الجهاز المصرفي
* تحسين الحاكمية على صعيد نظام الادارة العامة والادارة الاقتصادية (محاربة الفساد، التخطيط، إحالة المناقصات،…)
إن حصيلة هذه الاصلاحات هي تفعيل آليات السوق وإزالة التشوهات من نظام الأسعار، وتحقيق بيئة ملائمة لحركة رؤوس الأموال وللاستثمار، وفسح المجال للقطاع الخاص ليكون المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي. وبالتالي رفع مستوى كفاءة وأداء الاقتصاد العراقي.
وملاحظة أولى في هذا الشأن، وقد تبدو كمفارقة، هي أن صندوق النقد الدولي يعنى بالأمد القصير، في حين يتولى البنك القضايا ذات الأمد المتوسط والطويل. فللأول دور أساس في تحقيق سياسات الاستقرار الاقتصادي، أما البنك الدولي فمهمته في المساعدة على تحقيق المشاريع التي توفر شروط ومستلزمات التنمية وفق قدرات الانتاج في بلد ما. كمشاريع البنى التحتية وتأهيل الموارد البشرية. أي أن أهداف ونشاطات البنك توثر على الهياكل الانتاجية، وبالتالي يفترض أن يتولى الدور الرئيس في عمليات إعادة الهيكلة، في حين أن المهمة تولى بالأساس إلى صندوق النقد الدولي.
ولكن الأهم في الموضوع يتصل بشروط نجاح أي برنامج إعادة هيكلة اقتصادية واي سياسة اقتصادية ذات آثار اجتماعية واسعة. فلمثل هذه البرامج تكلفة اجتماعية في المرحلة الانتقالية ولحين أن تبدأ ثمارها بالظهور، فضلاً عن أن لأي تغيير هيكلي آثار على نسق توزيع الثرورة والدخل في المجتمع. لذا ما يؤمن نجاح برنامج التغيير الهيكلي هو تحقيق قدر من التوافق والاجماع حوله. وهذه مهمة ذات طابع سياسي-اجتماعي وليس اقتصاديا فقط. وإذا وجدت شرائح اجتماعية واسعة ومؤثرة في تطبيق البرنامج ما يزيد من صعوباتها الاقتصادية ويسلب منها حقوقا اقتصادية اكتسبتها ويضاعف من حالة عدم اليقين والقلق، فإنها ستواجه البرنامج بمعارضة وبحركات احتجاجية تتخذ أشكالاً مختلفة. ومن هنا أهمية أن تخضع مثل هذه البرامج لنقاش الواسع، وخصوصاً من قبل ممثلي الشعب في مجلس النواب وكذلك من قبل ممثلي مختلف القوى الالاجتماعية، كممثلي العمال وأرباب العمل ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى مجالس المحافظات وغيرها من الأطر. وتؤكد تجارب مثل هذه البرامج في البلدان الأخرى هذه الحقيقة.
وفي حالة العراق، لا شك أن التدابير والمشاريع التي تتعلق بالبطاقة التموينية والدعم الحكومي لأسعار المشتقات الحكومية، وخصخصة الشركات الحكومية تندرج ضمن المسائل التي يجب أن تخضع للنقاش العام تحقيقاً للقناعات المشتركة.
ولأجل أن تتوضح الأهداف النهائية لأي اصلاح، من الضروري أن تندرج في إطار استراتيجية تنمية وطنية متفق عليها. وقد أعلن العراق فعلاً منذ عام 2004 عدة استراتيجيات تنمية وطنية، آخرها استراتيجية التنمية الوطنية للاعوام 2013-2017، تحدد ألأولويات الطويلة الأمد لإعادة الإعمار والاصلاح. وهي تقوم على رؤية يلعب فبها القطاع الخاص دور المحرك الرئيس ويسنده قطاع عام فاعل وشفاف. وثمة حاجة لمناقشة هذه الاستراتيجية مجدداً مع إضافة استراتيجية قطاعية لها. والنقاش الجديد ضروري لكي يتحقق أوسع إجماع بشأن خياراتها، وإن اقتضى الأمر مراجعتها، وكذلك إغناؤها بتصورات متعددة حول مضامين الاصلاح المطلوبة. وقد برزت الحاجة لمثل هذا النقاش، وتحديداً لوجود خطة استراتيجية، عند مناقشة مشروع الميزانية في مجلس النواب في الأسابيع الأخيرة. ولجميع هذه القضايا دور مقرر وحاسم في شكل وأسس اندماجنا بالاقتصاد العالمي، وموقعنا فيه.
3 – – تنويع القاعدة الانتاجية الاقتصادية
لم تخل أية خطة اقتصادية استراتيجية في العراق ومنذ سبعينيات القرن الماضي، من هدف تقليل الاعتماد على النفط وتنويع القاعدة الانتاجية. ولكننا اليوم أكثر اعتماداً على النفط من أي وقت مضى، فهو يمثل أكثر من90 بالمائة من موارد الموازنة العامة وحوالي 70 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، و98 بالمائة من الصادرات.
وأسباب هذا الفشل يعود قسط كبير منها إلى السياسات الخاطئة التي اعتمدت في التصرف بأموال العائدات النفطية والسماح لآليات الريع النفطي وآثاره الاقتصادية- الاجتماعية بأن تفعل فعلها في الاقتصاد والمجتمع والمؤسسات، بحيث تحول الأقتصاد العراقي إلى اقتصاد ريعي، انحسرت فيه الأنشطة الانتاجية، واستفحلت فيه تلك الأنشطة التي تبحث للاستحواذ على حصة أكبر من الريع دونما خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. ولنتوقف قليلاً عند مفهوم الاقتصاد الريعي والدولة الريعية.
أ- مفهوم الاقتصاد الريعي والدولة الريعية
شهدت معظم البلدان المصدرة للنفط، مجموعة من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السلبية المترابطة اُصطلح على تسميتها “بالآثار المنحرفة للريع(PERVERT EFFECTS) ” كالهدر والتضخم وارتفاع أسعار صرف عملاتها وتنامي الفوارق الاجتماعية والركود في البنى السياسية وصعوبة تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية وتضخم الأجهزة البيروقراطية وانحسار الإنتاج الزراعي وانتشار السلوكيات الاستهلاكية الريعية واستشراء الفساد. وفي عام 1977 أطلقت مجلة الايكونومست البريطانية تعبير “المرض الهولندي”، نسبة إلى تأثير إنتاج الغاز في بحر الشمال على الاقتصاد الهولندي، على مجموعة الظواهر المعيقة لنمو الاقتصاد الوطني التي تنجم عن ارتفاع كبير ومفاجئ في العوائد الآتية من الخارج والتي تستلمها وتتصرف بها الدولة.
وفي جميع هذه الحالات اعتبرت هذه البلدان “ريعية” (RENTIER STATE) أي تلك الدولة التي تتلقى على أساس منتظم مبالغ مهمة من الريع الخارجي، ويقصد بالريع الخارجي العوائد يدفعها أفراد، أو شركات أو حكومات أجنبية إلى أفراد أو إلى شركات أو إلى حكومات بلد معين. ونلاحظ بان هذا التعريف للريع لا يتعلق فقط بالريع النفطي، وإنما لا يشترط أن تحصل الدولة على الريع لتكون دولة ريعية، وان كانت الحالة الأكثر انتشارا هي سيطرة الدولة على إيراد الريع سواء كان نفطيا أم وارد تصدير مواد أولية أخرى.
ويلاحظ بان هذا التعريف للريع وللدولة الريعية لا يتناول الريع الاقتصادي الداخلي، الذي لا يقتصر مصدره على الربح الاستثنائي الذي تتيحه القيود الحكومية لبعض الشرائح والأنشطة الاقتصادية، كالتقييدات على الاستيراد مثلا التي تسمح للتجار الحاصلين على إجازات الاستيراد ان يحققوا أرباحا احتكارية غالبا ما يضطرون الى التخلي عن جزء منها الى مسؤولي الدولة على شكل رشاوى، وإنما يشمل أيضا الإتاوات التي تتم “جبايتها” بالعنف أو بالتهديد بالعنف من قبل الدولة، أو بعض الأجهزة الحكومية أو شبه الحكومية أو التي تحظى بحماية من الأوساط المتنفذة في الدولة.
وينطبق مفهوم الاقتصاد الريعي على ذلك الاقتصاد الذي يعتمد أو يستند بصورة جوهرية على الانفاق الحكومي وحيث يلعب الريع دورا أساسيا فيه. وفي هذا السياق، يستخدم المفهوم العام للريع الذي يطلق على كل دخل لا يقابله نشاط إنتاجي من طرف الجهة التي تتلقاه كما ان حجم هذا الدخل ووتيرة تدفقه لا يرتبط مباشرة بنشاط الجهة المستفيدة منه. فمن الخصائص المميزة للدخل الريعي انفصام العلاقة بين العمل ومردوده، وتجد هذه السمة تعبيراتها الملموسة في ضعف و تضاؤل دخل النشاطات المنتجة مقارنة بالدخول التي تدرها النشاطات القائمة على المضاربة (في العقار و الأوراق المالية والعملة) والوساطات التي تدر عمولات مجزية والتجارة المستندة الى موقع احتكاري أو شبه احتكاري في السوق. و يعتبر الاقتصاد الريعي “الشكل المثالي” لاقتصاد التداول، إذ يتنافس الأفراد والمجموعات، وحتى الدولة، من اجل السيطرة على الريع. وتكاد تكون معظم النشاطات الاقتصادية وسيلة لتأمين تدوير الدخل أو تحويله عوضا عن ان تكون محكومة بسلوكية ذات طبيعة إنتاجية تخلق قيمة مضافة للاقتصاد.
وفي حالة العراق، تضافرت تلك الظاهرة التي تقترن عادة بالاقتصاد الريعي مع السياسات الهوجاء المدمرة للنظام البائد لتجعل منه اقتصاداً مأزوماً تعطلت فيه مفاعيل النمو والتطور.
ب- كيفية الحد من الآثار السلبية للريع النفطي
كنا متلهفين للخلاص من ديون صدام ثم وقعنا في شروط فخ البنك الدولي ولم تخفف عجلة التقدم كما ملاحظ من الجدول اعلاه نعم حاجة الشعب للتمتع بخيراته بعد الحرمان ماكن لها ان تقود القائمين على هذا الشان ان يجهلوا العواقب نعم هناك طرق متعددة للنهضة الاقتصادية وكلها مرتبطة بالحلقة المفقودة الرابطة بين النظرية والتطبيق ولوتفكرنا مليا لوجدناها تشترى من الاسواق العالمية وشرائها بالاستثمارالمتجدد عن طريق وضع التنمية البشرية بموازاة التنمية للينى التحتية لاي مشروع لكي تستلم المشاريع المستقبلية وتقود تنميتهابلامكانات الذاتيه كما تفعل ايران حاليا وكما فعلت ماليزيا والهند والبرايل قبلها وهذا سهل في ظل الاسعار الجيدة للنفط وتوزيع المبالغ الاستثمارية بحسب استعدادات المحافظات الاقتصادية للمشاريع التي يتوقع نجاحها فيها اي يصراحة واضحة الحل في عرض العراق كله وبكل واقول بكل مفاصله لنظام المساطحة لمدة لاتقل عن معدل 20سنة بشروط تنمية مستدبمة
انصب التحليل والتوكيديات المسردة الابتعاد كليا عن تشخيص الازمه الحقيقة التي يعيشها البلد حينما تم اغفال تسليط الضوء علي حقيقه مره تم انكارها او علي الاقل الابتعاد عن كشفها لا سباب ربما مجهولة” في ان الدولة الجديدة ونظامها السياسي ولد وترعرع في احضان ” المرشد الاول بريمر “الذي وضع لبنات طريق مستقبل العراق ,وحينما ظل الجميع يسير بخطاه وعدم التصدي الحق للأثار الكارثية لأوامره وارشاداته القانونية التي تجاوزت (المائة ) بكافه تبعاتها المهلكة التي الحقها بالاقتصاد والمجتمع العراقي , ومستقبل اجياله القادمة , كله حصل تحت لافته الدستور و الخلاص من نظام التخطيط الأوامري ,بل يبدو انها ( تعليمات وارشادات السيد بريمر ) تحولت بل اصبحت فرقان حياه النخبة الحاكمة واجهزتها التنفيذية ).
عليه فأن المخرج لا يتم من خلال المحاولات الجادة للباحث في سرد توصيفات الاوضاع الحاصلة في العراق او عبر تسميات تنظيريه وأكاديمية ” المرحلة الانتقالية والاستثنائية ” والخ من توريدات (العنف المنفلت والارهاب تصدع بني الدولة والاصرار علي تحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد مركزي اوامري الي اقتصاد حر وبموجب وصاية صندوق النقد الولي والبنك الدولي ) بل يتوجب مواجهه هذه الحقائق وكيفيه التصدي لها .
فالعراق ظل يعيش دائما وعبر تاريخه منذ تأسيس دولته بعد الحرب العالمية الاولي نموذج” لا اقتصاد حقيقي ” او اقتصاد سوق مشوهه غائب الهوية ولم بكن حرا … بل منفلتا … مركزي اوامري شكليا , وفي ظل اداره حكومية عرجاء… هكذا ظلت اسواقه مشوه, كما غاب الوعي المجتمعي الحقيقي عن انسانه في البناء, حينما انصب اهتمام الفرد فيه في مجرد تحقيق كيانه المادي او ترتيب وضعه وذاته الاجتماعية , او لسد رمق عائلته .
من هنا ظل تدخل السلطة مجرد تحكما عشوائيا وبسبب حيازتها الريع النفطي من دون اهداف واعيه وبذلت الوقت استفاد من هذا الضياع زمر معلومة في المجتمع تحت تسميات والقاب مختلفة عليه لم يتم في العراق انضاج او بلوره وعي او حس وطني واجتماعي جامع
مع ذلك يمكن القول ان كافه السلاطين في العراق من كافه اصنافهم ومراجعاهم ا ومدراسهم الفكرية والايدلوجية ا وانتماءاتهم العرقية والطائفية اخفقوا في كيفيه السيطرة والتحكم والتوزيع العقلاني للريع النفطي المكتسب ,من اجل تطوير البلد والارتقاء بالمجتمع والفرد خصوصا , حينما ظلت كافه المحاولات الصادقة ا و حتي الكاذبة منها , وما اكثرها تحوم في الضياع , وانصبت معظم المحاولات في توجيه هذا الريع النفطي الذي ادعي انه الوحيد بعد اهمال كافه منابع العطاء ,و بالدرجة الاولي لصالح فئات ونخب محدودة, خصوصا اصحاب النفوذ السياسي والاجتماعي والديني والمرتزقة من كافه الملل وسواق الكلام المعسول , علاوة علي تامين مصالح القوي الخفية المرتبطة اساسا بالأسواق الرأسمالية العالمية.
من هنا يمكننا الاستخلاص ان عوائد النفط في العراق ساهمت في الحصيلة النهائية ليس في بناء البلد وتطوير الفرد , بل انها عملت في تضيع البلد وخرابه من خلال ترهيل الفرد , كما لم تعمل كما كان من المبتغى وعبر الاستخدام العقلاني وفقدان الحوافز الحقيقه لتعبئه المجتمع وحشد قواه من اجل البناء والرقي , هكذا لم يخلق في العراق عبر ماضيه وحاضره نظام تحفيز اقتصادي يرعي الابداع والمبادرة الحرة او توجيهه المجتمع الي اهميه الانتاج , بل ظلت ممارسه المبادلات الانيه بين الجميع هي السمه المميزة لحركه اقتصاد البلد خارج نطاق النفط ,والتاريخ شاهد حق علي مثل هذا الضياع
من هنا نرجو بأمل ان يحاول الباحث النظر في بعض تساؤلات هامه التي قد تبدو استفزازيه ,من اجل تعزيز الحوار وتبادل الآراء منها لا حصرا :
· 1. اليس قرارات بريمر في الانفتاح الاقتصادي ووصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي و ما اطلق عليه ” علاج الصدمة” شكلت مرحله جديده واعاقت بناء اقتصاد وطني متوازن يضمن العدالة والكفاية الاقتصادية ,حيث استهدف منها فقط خلق نخبه ماليه تستطيع ان تحتل مواقع متميزة وتتحكم في مسيره الاقتصاد العراقي ومستقبل اجياله وتحت شعارات اقتصاد ودعم القطاع الخاص من دون مراعاه الواقع , وهكذا تحول في ظل هذه الواجهه الفساد المالي والاداري سمه مميزه لديمومه هذا النمط المختار مما تم عبره ادخال البلد في اتون مظلمه خصوصا و حينما عمد الي تغييب النشاط الاقتصادي المنتج المثمر للمجتمع ,بالتالي تم عبر ها اصدار حكم الاعدام الابدي علي الصناعة الوطنية والزراعة والمهن الحرفيه والابداعات الحرفيه ,حينما تم التركيز فقط في اشباع رغبات تجار” الشورجه ” والطبقة الملتفة حولها من ناحيه , وتسكين الام الناس العاتية في اغداق جزء من سيول العوائد النفطية المنهمرة _من خلال تصاعد الاسعار غير المسبوق في الاسواق العالمية من ناحيه اخري, كله حصل ذلك عبر التصرف الجاهل بإيرادات النفط و اغراق السوق بالسلع الاستهلاكية الضرورية او غير الضرورية , مما ولدت هستيرية ” استهلاكيه” لا مثيل لها وتم قبولها او بدت منطقيه و تماشت مع امزجه المجتمع المحروم في ظل النظام الدكتاتوري السابق .
· ففي ظل الانفتاح والسوق الحر الجديدة وبعد ” التحرير” , ساهمت هذه السياسيات ” والمخدرات العشوائية” جميعها في الاستمرار بترسيه قواعد نظام “اقتصاد حرب ” وسمت الاوضاع في العراق منذ عقد الثمانيات ولغايه الان . هكذا تم الاستمرار علي هذا الطريق البائس اي ممارسه ” نمط اقتصاد اسواق موازيه غير منظمه او مسيطر عليها ” وهذا ما عاشه العراق عبر تاريخه منذ تأسيس دولته بعد الحرب العالمية الاولي مرورا بالعهد الملكي او فترات الجمهورية الاولي والثانية او الثالثة وانتهاء بالعهد الهجين الحالي , او تحت ما ادعي به حريه السوق او تخطيط مركزي اوامري وغيرها من استعارات لغويه حيث عملت جميعها ليس في تنميه البلد, بل اريد منها فقط خلق نخب غنيه متسلطة لتمهيد دمج مصالحها بالعولمة والاقتصاد الرأسمالي العالمي وان تشكل البديل الملزم عن الدولة والقطاع العام الذي فشل عبر عقود طويله
· 2.هل ان تسويات ديون النظام السابق ,التي منحت له ليس بارده او قناعه الشعب بل من اجل تعزيز طموحاته الإمبراطورية وغزواته, حيث ان الشعب العراقي ليس له فيه” ناقه ولا جمل” .
· هذا ولابد ضمن هذا السياق اثاره تساؤلات وجب دائما ا ثارتها منها علي سبيل المثال لا حصرا .. هل يجب تحميل الشعب العراقي أعباء مثل هذه الديون حيث تغاضي العراق و الفريق المفاوض مع نادي باريس في عدم الاصرار الدخول في مثل هذا النمط التفاوض علي طبعيه هذا الديون واعتبرها قضيه ثانويه لا تستحق بذل الجهد لقاء تنازلات او تخفيضات عن جزء من الديون ربطت بالقبول الكامل لمشر وطيات صندوق النقد الدولي في التكيف واعاده هيكله الاقتصاد العراقي بالمنطوق العام لربط عجله الاراداه الوطنية بإرشادات توصيات وحكم اجهزه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ” التي اخفقت عموما في بقاع كثر من العالم ولم تجلب غبر البلاء ” ,و حينما اعتبر ذك جزء من صفقه ناجحة ساهمت في تخفيف اعباء الديون عن كاهل العراق وحسب تصريحات وزير المالية الاسبق الاستاذ عادل عبد المهدي , لكنها بذات الوقت كبلت البلد بشروط قاسيه قد لا يمكن تحمل اعباءها غير الضعفاء والفقراء في المجتمع , وفسح المجال للفساد والسرقة وتوطيد اركان النخب المتسلطة . العقد الاخير من مسيره الممارسة اكبر شاهد حينما ادرج البلد في اعلي مراتب الدول الفاشلة والفاسدة في العالم
· 3.لم يتطرق الباحث عن خريطه طريق ممكنه او واجب اتبعاها في ظل الاوضاع السائدة حاليا في العراق التي تتميز بضياع النظام والامن وتعمق الفساد والرشوة وشراء الذمم وحسب تشخيصاته المحكمة ,عليه هل يعتقد الباحث ان اجراءات محاولات الاصلاح الحالية والتي ترمي فقط اضافه اجهزه بيروقراطية جديده ” مجلس الاصلاح الاقتصادي “مجرد توطيد هيمنه رئيس الوزراء وتعضيد اجهزته الحاكمة وحسب النموذج التركي
هل يمكن فعلا مثل هذا الاصلاح في دفع عجله التنمية الغائبة في العراق , ام انها فقط اريد منا تفعيل طموحات بريمر في تأسيس طبقه رأسماليه ونخب متسلطة يمكنها تسهيل دمج الاقتصاد العراقي بالرأسمالية العالمية وان تكون بديل عن الملكية العامة , خصوصا من اجل خلق مستلزمات خصصه قطاع النفط
2013/11/7
من البحث القبم للاستاذ رائد فهمى اقتبس ما يلى ( اما بشان القطاع الخاص فكل من له دراية ومعرفة دقيقة بالاقتصاد العراقى وواقع القطاع الخاص يقر بان الاخير لا يمتلك اامكانية ان يصبح المحرك الرئيس للاقتصاد الوطنى وعماد تنميته ولكن هذه الامكانية ستطور ولا شك مستقبلا )
لا احد ينكر بان امكانات القطاع الخاص محدودة وان النفط ( القطاع العام ) سيقى ولعقود طويلة هو المحرك للاقتصاد الوطنى
ولكن ليس هذا مربط الفرس
الامر الاكثر اهمية هو دراسة وتحليل القطاعات او النشاطات التى يستحوذ عليها القطاع الخاص كليا او بنسبة كبيرة ولغرض القاء الضوء على هذا الجانب ساستعين بالبحث القيم للدكتور كامل العضاض الذى تزامن نشره على الشبكة مع مقال الاستاذ رائد فهمى
قدم لنا الدكتور العضاض ( الجدول رقم 1 ) تحت عنوان مساهمة النشاطات الاقتصادية بالنسب المئوية وسوف استل منها النشاطات التى يتواجد فيها القطاع الخاص بثقل كبير وكما يلى
النشاط 2003 2009
الزراعة 3-14% 2-5 %
الصناعة التحويلية 3-4% 6-2%
النقل والمواصلات 2-3 % 5-5%
تجارة الجملة والمفرد 2-3% 8-5%
ملكية دور السكن 2-3 % 8-6 %
على الرغم من ان سنة 2003 ليست سنة مثالية الا انه يلاحظ بان الزراعة وهى النشاط الحيوى للقطاع الخاص قد تدهورت مساهمتها النسبية وبنسبة انخفاض قدرها 1-9% الامر الذى يشير الى مدى تدهور الانتاج الزراعى وقد تم تعويض هذا الانخفاض الى درجة ما بارتفاع نسبة مساهمة ( تجارة الجملة والمفرد ) من 2-3% علم 2003 الى 8-5 % عام 2009 ومن الموءكد ان السوق العراقية قد توسعت وتنوع المعروض السلعى بعد عام 2009 بالاعتماد على الموارد السلعية المستوردة من الخارج
كل ما اريد قوله باختصار شديد هو ضرورة ان تتجه خطة التنمية نحو تعزيز مواقع القطاع الخاص فى الزراعة والصناعة التحويلية وملكية دور السكن والتجارة الداخلية والنقل والمواصلات وملكية دور السكن وتشيد المزيد منها للقضاء على مشكلة السكن
المطلوب كاولوية
– الاهتمام بالثروة الحيوانية – مصدر اللحوم والصوف والجلود والحليب ومنتجات الالبان بل والاسمدة العضوية
– توفير البذور المحسنة للزراعة – مسئلة مهمة لقطاع البستنة
– توفير القروض للفلاحين والمزارعين لزيادة الاستثمار وبالتالى زيادة التكوين الراسمالى فى الزراعة
– بناء طرق المواصلات التى تربط الريف بالمدينة – ايصال الكهرباء – بناء المدارس والمراكز الصحية
هذا قيض من فيض مما يطلبه القطاع الزراعى من الدولة لتحقيق اصلاح زراعى حقبقى للارض وللمجتمع الزراعى
اما فيما يخص القطاع الصناعى الخاص فان هذا القطاع قد تقلص من حيث عدد المشاريع الصناعية او من حيث نوعية المنتجات على الرغم من استمرار وجود وزارة الصناعة التى تقع على عاتقها رعاية وتنمية القطاع الصناعى الخاص
فلماذا لا تتحرك هذه الوزراة للاضطلاع بمهامها ؟سوال يحتاج الى جواب