مقدمـة: تقاريـر آفاقيـة
ظهر خلال تشرين ثان/نوفمبر تقريرين مهمان عن موازين الطاقة/النفط في العالم للفترة 2012-2035. الأول أعدته منظمـة الدول المصـدرة للنفط (أوبك) بعنوان “آفاق النفـط في العالم”، OPEC (2013). والثاني أعدته وكالـة الطاقـة الدوليـة IEA بعنوان “آفاق الطاقة في العالم”، IEA (2013a, 2013b). وفي هذا المقال سنتناول المستويات المحتملة لإنتاج النفط في العراق وتبعاتها الممكنة في ظل موازين العرض والطلب العالميين على الطاقة/النفط كما تعرض أساساً في التقرير الأول مع ذكر النتائج المقارنة الواردة في التقرير الثاني. وستختصر الإشارة للتقرير الأول بعبارة “تقرير المنظمة” وللثاني “تقرير الوكالة”. من ناحية أخرى، بالإضافة “لتقرير الوكالة” هناك تقرير آخر يتعلق بالعـراق حصراً أعدته وكالة الطاقـة الدوليـة في تشرين أول/أكتوبر 2012، IEA (2012). انظر قائمة المصادر. ومنعاً للالتبـاس سنشير للمقـال الآخر بعبارة تقريـر الوكالة-2012.
يحتوي تقرير المنظمة في ثناياه توقعات بعدة حالات/سيناريوهات عن مستقبل العرض والطلب العالميين على أنواع الطاقة المختلفة ومن ضمنها العرض والطلب على النفط وسوائل الغاز وما يُسقَّطه التقرير كحصة لمجموعة دول الأوبك في إشباع الطلب العالمي. ومع تعرضه للحالات/السيناريوهات المتعددة فإن الشرح والتحليل والتوصيات في التقرير تتركز حول حالة/سيناريو “الإشارة” reference case. إن ما يحدد الحالات/السيناريوهات هو مجموعة من العوامل هي من جانب الطلب: مستوى ومعدلات نمو النواتج المحلية الإجمالية العالمية وسياسات الطاقة للدول والمجموعات المختلفة وسياسات البيئة العالمية وتوجهات إحلال أشكال الطاقة المختلفة. ومن جانب العرض: حجم الموارد والاحتياطيات النفطية ومدى توفر أشكال الطاقة الأخرى وطاقات الإنتاج والتطورات التكنولوجية والبيئية والظروف الجيوسياسية في مناطق العالم المختلفة.
ومع أن تقرير المنظمة يمكن أن ينظر له كوظيفة تقوم بها سكرتارية الأوبك سنوياً ولا تمثل بالضرورة رأي الحكومات الأعضاء إلا أن مؤشراتها ينبغي أن تناقش ومضامينها تحلل فيما يخص أثارها على العراق خاصة فيما يتعلق بمستقبل العرض والطلب العالميين على النفط ودور الأوبك والعراق في تجهيز الزيادات المتوقعة في الطلب مستقبلاً. مع العلم أن تقرير المنظمة يتجنب تفصيل أو ذكر برامج الإنتاج في دول الأوبك المختلفة ومنها العراق. على سبيل المثال، ليس هناك أي إشارة للبرامج الطموحة لزيادة إنتاج النفط الخام في العراق في الامدين المتوسط والطويل.
ومع نظرته التي تتخطى عقدين من الزمن حتى 2012-2035، يتم في تقرير المنظمة أيضاً التعرض إلى الأمد المتوسط 2012-2018/2020. وهذا التعرض مناسب للعراق حيث قد تشهد نهاية هذه الفترة الوصول إلى مستوى إنتاج الهضبة plateaus المتعاقد عليه (أو المستويات المعدلة منه) في عقود الخدمة.
ومن المناسب ابتداءً ملاحظة أن اسقاطات تقرير المنظمة للعرض النفطي تقسم النفط إلى نفط خام وسوائل الغاز الطبيعي وغيرها من السوائل في حين أن الطلب يقسم النفط حسب نوع المنتجات النفطية (بنزين، وقود طائرات، وقود سفن، الخ). اي ليس هناك مقابلة تامة بين مكونات العرض ومكونات الطلب. في حين في الحقيقة هناك طلب على النفط الخام قد يختلف، قليلاً او كثيراً، عن الطلب على السوائل النفطية الأخرى. وفي غياب تفصيل في هذا المجال، سنفترض وجود احلال تام بين النفط الخام والسوائل النفطية كمجهز للطلب العالمي. وهذا الافتراض فيه شيء من التحكم الاضطراري.
منهجية الاسقاطات المستقبلية وأهم نتائجها
لعل أهم منطلق ضمني لتقرير المنظمة في اسقاطاته المستقبلية هو دور منظمة الأوبك الأساس في الحفاظ على استقرار أسعار النفط العالمية. ويستخلص من هذا المنطلق إن مجموعة دول الأوبك هي منتج “متبقي” swing producer. ويتبين ذلك واضحاً في منهجية الإسقاط في التقرير للفترة 2013-2035. حيث أنه بعد إسقاطه للطلب العالمي على الطاقة ومن ثم على النفط الخام والسوائل النفطية الأخرى، للفترة المبينة، يطرح منه العرض العالمي المتوقع من خارج الأوبك لنفس الفترة (بما فيه النفط من المصادر غير التقليدية، خاصة من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغيرها) لتتبقى بعد ذلك حصة الأوبك في اشباع الطلب العالمي حتى سنة 2035. فالمتبقي والحالة هذه ليس تنبؤاً لما ستنتجه مجموعة دول الأوبك مستقبلاً حسب برامجها النفطية وإنما ما ينبغي عليها إنتاجه للحفاظ على تحقق مستويات للأسعار العالمية مبينة في الإسقاطات، كما سيشار اليه أدناه.
وتظهر محددات هذه المنهجية في سيناريو الإشارة (وبدرجة أكبر في سيناريو أخفض للطلب العالمي على النفط) في تقرير المنظمة. حيث يلاحظ (أنظر جدول 1، أدناه) ان التقرير يفترض أنه بين 2012 و2018 فإن كل الزيادة في الطلب العالمي والتي تبلغ 5.5 مليون برميل/يوم (م-ب-ي) سيتم إشباعها بالكامل من قبل دول منتجة للنفط خارج الأوبك. لا بل أن تقرير المنظمة يفترض أنه خلال 2012-2018 فإن مجموع أنتاج دول الأوبك ينبغي أن ينخفض لاستيعاب العرض الإضافي من خارج الأوبك والذي يتخطى الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي ليبلغ 5.7 م-ب-ي (5.5 م-ب-ي لإشباع الزيادة في الطلب العالمي و0.2 م-ب-ي كمية إضافية). أي أن إنتاج مجموع دول الأوبك من النفط الخام والسوائل ينبغي أن ينخفض من 36.8 م-ب-ي في 2012 إلى 36.0 م-ب-ي في 2018. ومن ضمن ذلك ينخفض إنتاج النفط الخام من 31.1 م-ب-ي في 2012 إلى 29.2 م-ب-ي في 2018 (مع العلم أنه يصل قعراً مقداره 28.8 م-ب-ي في 2017). أي ان الانخفاض في ما يشبعه نفط خام الأوبك، من الطلب، سيكون شديداً نسبياً ولا يخففه إلا ارتفاع إنتاج السوائل خلال هذه الفترة. ويعني ذلك أن كل دولة عضو في المنظمة ينبغي أن تخفض إنتاجها من النفط الخام خلال الفترة 2012-2018 للحفاظ على مستوى الأسعار العالمية الواردة في الإسقاطات. وهذا، بدوره يعني، إذا افترضنا جدلاً، أن العراق إذا أراد أن يلتزم بالتخفيض (بالرغم أنه خارج نظام حصص الإنتاج الآن) فإنه ينبغي أن يخفض إنتاجه خلال الفترة 2013-2018 عن إنتاج 3.2 م-ب-ي في 2012.
جدول (1) الطلب والعرض العالميين وإنتاج العراق من النفط 2012-2035
للاطلاع على الجدول على نحو اوضح الرجاء تنزيل ملف بي دي أف
نتائج مشابهة في تقرير الوكالة
إن تقرير وكالة الطاقة الدولية، المشار أليه أعلا، IEA (2013a)، والذي يغطي أيضاً الفترة حتى 2035 يبين، في سيناريو وسطي، تقريباً ذات التوجهات حول دور دول الأوبك في اشباع الطلب العالمي خلال الفترة حتى 2035. إذ يتبين فيه أنه حتى منتصف العشرينات فإن الزيادة في الطلب العالمي على النفط ستشبعها زيادات الإنتاج من خارج الأوبك مع تراجع حصة دول الأوبك. ويبرز في هذا المجال تزايد الإنتاج من النفط من مصادر غير تقليدية في الولايات المتحدة والبرازيل وكندا. ولكن بعد منتصف العشرينات ستستعيد وتزيد مجموعة دول الأوبك (خاصة العراق، IEA, 2013b) حصتها في اشباع الزيادة في الطلب العالمي على النفط. وعلى غرار تقرير المنظمة يبدو أن تقرير الوكالة يتبنى ضمناً، في إسقاطاته، فكرة المنتج المتبقي للأوبك.
ومن ناحية سعر النفط يفترض تقرير الوكالة أن يرتفع سعر النفط (متوسط برنت ودبي وWTI) تدرجياً من 105 دولار للبرميل في 2012 إلى 128 دولار (بدولارات 2012) في 2035. ويقارن ذلك مع تقرير المنظمة الذي يفترض سعر 110 دولار (بدولارات 2012) في 2035 (لسلة نفوط الاوبك). وهنا من المناسب ملاحظة أن إمكانية واستدامة تحقق الزيادة في عرض الطاقة، ومن ضمنها النفط وخاصة من المصادر غير التقليدية، حتى عام 2035، الواردة في كلا التقريرين تعتمدان، بجزء كبير منهما، على الحفاظ على هذه المستويات العالية من أسعار النفط. ذلك إن انخفاض الاسعار عن هذه المستويات ولفترات مطولة يؤدي إلى اختلال الموازين ويجعل زيادة العرض خاصة من المصادر غير التقليدية للنفط غير مجزية اقتصادياً. وفي هذا السياق ينبغي أن يُفهم نص تقرير الوكالة بان الولايات المتحدة ستكون مكتفية من انتاجها من الطاقة بحلول 2035.
برامج الإنتاج النفطي في العراق وسوق النفط الدولية
من الواضح أن هذه الصورة التي يعرضها التقريران لا تتوافق مع برامج الحكومة المركزية وإقليم كردستان للتوسع في إنتاج النفط. فحسب الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة INESوالتي تمثل تصوراً اولياً رسمياً (فيما يخص السلطة المركزية) ستبلغ الزيادة في الإنتاج لكل العراق (بما فيه إقليم كردستان) بين 2012 و2018 حوالي 5.1 م-ب-ي. وحسب مسار أخفض للإنتاج متمثل بسيناريو وسط في تقرير الوكالة-2012 ستبلغ الزيادة خلال هذه الفترة 2.1 م-ب-ي (جدول 1 أعلاه). إن ذلك يعني أن العراق مقبل على زيادة كبيرة في الإنتاج خلال الفترة 2012-2018. فكيف يتوقع منه، إذن، تخفيض الإنتاج عن 2012؟ مع العلم أنه حقق زيادة في الإنتاج خلال العشرة الأشهر الأولى من 2013 عن معدل 2012. أما خلال الفترة 2018-2035 فستتراوح الزيادة في الإنتاج من 1.3 م-ب-ي حسب الاستراتيجية الوطنية المتكاملـة للطاقـة إلى 3.0 م-ب-ي حسب السيناريو الوسطي لتقريـر الوكالة-2012. وهذا المدى بدوره أعلى من الزيادة التناسبية المذكورة أعلاه. وإذا أخذنا الفترة ككل، 2012-2035، فإن الزيادة في الإنتاج العراقي تتراوح ضمن المدى 5.1-6.3 م-ب-ي. إن هذه زيادة كبيرة جداً. فإذا سلمنا بمنطلق المنتج المتبقي لمجموعة دول الأوبك الواردة ضمناً في تقرير المنظمة فإن هذه الزيادة تمثل 50%-61% من الزيادة في الطلب المسقط لنفط الأوبك والبالغة 10.3 م-ب-ي الواردة في تقرير المنظمة خلال الفترة المبينة (جدول 1 اعلاه).
من هذا يتبين أن دخول العراق بهذا الحجم من الإنتاج، سواء كان حسب السيناريو “الرسمي” أو السيناريو الوسطي الأخفض لتقرير الوكالة-2012، ينطوي على زيادة كبيرة في العرض النفطي لا تتوافق مع دور الأوبك كمنتج متبقي. عند ذلك يصبح الترتيب الحالي داخل الأوبك وافتراض دورها كمنتج متبقي معرضان للتغيير. إذ إن من المستبعد أن تقبل باقي الدول التكيف مع الزيادة المخطط لها في الإنتاج من العراق. وستكون نتيجة ذلك زيادة العرض بما يتخطى الطلب ومن ثم انخفاض الاسعار العالمية. ولا شك ان ذلك لن يصيب دول الأوبك فحسب وإنما الدول المنتجة للنفط خارج الأوبك وبالذات الإنتاج من المصادر غير التقليدية للنفط. وبهذا ستعاد ذكريات انهيار الأسعار النفطية في 1986 عندما قررت المملكة العربية السعودية التخلي عن دورها كمنتج متبقي.
وستؤدي المنافسة (المفتوحة والمستترة) سواء بين دول الأوبك أو/و دول خارج الأوبك خلال العقدين القادمين إلى صراعٍ على حصة السوق فيما بين جميع الأطراف. ذلك إن من المعروف عموماً أن هناك حد أدنى (متصاعد خلال الزمن!) من عوائد النفط لكل دولة في الأوبك الذي أصبح ضرورة من الصعب الاستمرار لفترة طويلة بدونه، Aissaoui (2013)، خاصة وان اقتصادياتها واستقرارها الاجتماعي لا يتحملان انخفاضاً طويلاً أو تقلباً كبيراً في هذه العوائد. لهذا السبب قد تشهد المنطقة اضطراباً سياسياً/امنياً وتغيراً في التحالفات والأدوار لمنع أي تغيير جدي في الصورة القائمة.
استنتاج
إن فترة تدهور الأسعار قد تطول او تقصر حتى تدرك الأطراف المختلفة ان من مصلحتها الاتفاق على ترتيبات قديمة معدلة أو جديدة بما يحافظ على الأسعار بمستوى مناسب وعلى حد أدنى من العوائد. وربما سيتم ذلك بعد فترة من الصراع ثم المفاوضات والتفاهم ليس فقط بين دول الأوبك فحسب وإنما مع منتجي النفط خارجها أيضاً لغرض التوصل إلى تسويات تتقبل حصة للعراق في الإنتاج النفطي العالمي أكبر من تلك المفترضة ضمناً في تقرير المنظمة.
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية