كعادتي، أنظر لأي مسألة من خلال المصالح، فهي المحرك للأداء السياسي والحروب والاتفاقات والخلافات وكل أنواع الحركة في التاريخ، والنفط يمثل محور هذه المصالح وهو أبو الثروات المشروعة وغير المشروعة.
قبل سيطرة داعش على محافظة نينوى بأيام أعلن الإقليم أنه يعمل على ربط حقول كركوك بالأنبوب الكردي لتصدير النفط من خلال ميناء جيهان التركي، في الوقت الذي لم يكن هناك اتفاق مع الحكومة الاتحادية حول هذا الموضوع.
بدا الأمر كما المزحة الثقيلة، لكن تبين أن وراء الأكمة شر مستطير، حيث لم يكن بالحسبان أن داعش ستستبيح محافظة نينوى والمحافظات المجاورة لها عدا محافظة كركوك، وذلك من خلال مؤامرة دنيئة تم تدبيرها في وضح النهار على ما يبدو من مجريات الأمور وما تم كشفه من حقائق على الأرض.
قد يكون التساؤل عن التوقيت بين الحدثين ساذجا، حدث احتلال داعش لنينوى وترك كركوك بيد البيشمركة وبعض الشرطة المحلية الضعيفة حد الإعياء، والحدث المتمثل بمسعى الاقليم تصدير نفط الحقول الشمالية من خلال خط يعمل على إنشاءه لربط هذه الحقول بخطوطه، لأن لا يمكن بأي حال من الأحوال ربط حقول كركوك بخطوط الإقليم ما لم تكن تلك المناطق بيد حكومة الإقليم، فكيف عرفت حكومة الإقليم بما سيحدث وتعاقدت مع شركة “كار”، ذراع التآمر الفني للإقليم، لإنشاء هذا الخط من قبل عدة أشهر من الآن؟
أترك الإجابة على هذا التساؤل للقارئ الكريم.
كما وأترك للقارئ الكريم أيضا الإجابة على التساؤل الأول المتمثل بترك داعش محافظة كركوك وقفزها إلى صلاح الدين في حين تقع كركوك بين نينوى وصلاح الدين!؟
حقيقة لا يوجد مبرر قانوني أو دستوري يسمح للإقليم بتصدير نفط كركوك، فالمادة112 أولاً تنص على “تقوم الحكومة الإتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة…”، وحقول كركوك المنتجة بعض من الحقول المنتجة حاليا، أي وقت كتابة الدستور.
إن الدستور ترك مهمة إنتاج الحقول القديمة للحكومة الاتحادية، وهذا أمر واضح وجلي، فهي مهمة إتحادية بإمتياز، لكن بالتعاون مع حكومات الإقليم أو المحافظات المنتجة، وكما أسلفنا، لا يوجد إتفاق مسبق بين الإقليم والحكومة الاتحادية حول هذا الموضوع، فمن أين استطاع الإقليم أن يتحدث بهذه الثقة بأنه سيربط هذه الحقول بخطوطه ما لم يكن يعرف أن داعش ستغير بعضا من ملامح الخارطة الإدارية في تلك المناطق؟
قد يحمل هذا التساؤل بعضا من الإجابة، لكن مازال هناك فسحة واسعة للتأمل، أتركها أيضا للقارئ الكريم.
وها هو، الإقليم، اليوم يستولي على هذه الحقول بقوة السلاح، ومع الأسف الشديد أن السلاح عراقي، ليكمل مشروعه بمد الأنبوب الذي يبلغ طوله27 كيلومتر من حقل كركوك وحتى أقرب نقطة على الأنبوب الكردي الذي لم نكن نعرف الغاية من إنشاءه حتى وصلنا لهذه النتيجة بعد الأحداث الأخيرة.
أفلا يؤكد ذلك مرة أخرى أنه كان ما وراء الأكمة شر مستطير؟
عموما، يبدو لي بوضوح أن الإقليم وجد أن الرد على إيقاف نسبة الإقليم البالغة17% هكذا يجب أن يكون، أي بالمؤامرة وقوة السلاح، لفرض أمر واقع جديد على الحكومة الاتحادية يستطيع من خلاله ابتزاز نسبة17% أو أكثر، ومن ناحية أخرى يوصل رسالة لشركاءه من الشركات المتعاقدة عنده، والشركاء السياسيين العراقيين، والدول الضالعة في المؤامرة، أن باستطاعته فعل الكثير، وهذا شيء من الكثير.
لكن أي كثير هذا الذي يأتي بقوة السلاح والبطلجة وحياكة المؤامرات مع شذاذ الآفاق والأكثر إجراما على وجه الأرض؟
لكن ربما نسي الإقليم أنه لم يستطع بيع نفطه المنتج في أراضيه عبر ميناء جيهان التركي لحد الآن، وبقيت الشحنات الأربع تجوب البحار ولا تجد لها مشتريا، إلا شحنة واحدة بيعت لإسرائيل بأسعار تقل عن نصف سعر النفط في الأسواق العالمية، وربما أقل، فلا أحد من الطرفين، البائع والمشتري، قد صرح بالسعر الذي بيعت به الشحنة، وكما هو معروف عن إسرائيل، الطفل المدلل لأمريكا والغرب، بأنها ضالعة بالبلطجة والجريمة أيما ضلوع، ولا تجد من يحاسبها على أي فعل مهما كان قبيحا.
الشيء بالشيء يذكر، فإن الدولة الوحيدة التي أيدت الإقليم بتمرده على الحكومة الاتحادية هي إسرائيل، وقد أصبح علم إسرائيل هو العلم الذي يرفعه أزلام زعيم الإقليم الأوحد في العالم، وما شهدناه في لندن لهو من الدلالة ما يكفي وأكثر.
نعم قد يستطيع الإقليم بيع نفط الشعب العراقي هكذا تهريبا وبطرق غير قانونية، لكن لا يمكنه بيع قطرة واحدة بالطرق الشرعية، فلا توجد شركة عالمية محترمة تشتري النفط المسروق مهما كان سعره.
وهذا بحد ذاته أمرا يجب أن يتحاشاه الإقليم لأنه سيضر به أكثر مما يضر بالشعب العراقي الذي أعلن زعيم الإقليم الأوحد عدائه له وتمادى بسرقة ثرواته وأهدرها من أجل تحقيق نزوات غير مشروعة، هذا الأمر يجب أن يتحاشاه لأنه يعطي رسالة للشركات التي استدرجها، بل خدعها، للعمل في الإقليم لتطوير الحقول النفطية من أنها لا تستطيع بيع نفطها إلا من خلال الحكومة الاتحادية مهما فعلت حكومة الإقليم، أي أن على الشركات التي تعمل في الإقليم العمل بالطرق الغير شرعية، وأنها لا تستطيع بيع منتجها في الأسواق العالمية إلا تهريبا وبعيدا عن أنظار القانون الدولي، وأن عليها معادات الشعوب وما لذلك من تداعيات وآثار سلبية على مستقبلها، وهذه مهمة شاقة لا تقبل بها الشركات. فالشركات ومهما كانت سيئة فإنها لا تقبل العمل بظل ضروف كهذه، لأنها تصرف أموالا طائلة لا ترغب بتركها في كردستان ركاما من الحديد دون فائدة ما لم تساهم بسرقة شعب واع لكل ما يجري، ويا لها من جريمة!
وسياسة لي الأذرع والبلطجة الذي يمارسها الإقليم لإرغام الحكومة الاتحادية على القبول بالسياسة النفطية الشاذة التي انتهجها والتي تتجاوز على المال العام وتخالف الدستور جملة وتفصيلا، عليه أن يدرك بأنها سياسة غير مجدية وستترك آثارا لا تحمد عقباها على الأمد البعيد وحتى القريب، وقد بات واضحا للعيان، بأن هذه السياسة والأساليب لم ولن تكون ذات جدوى مهما فعل زعيم الإقليم الأوحد، وهذا ما لمسته الشركات على الأقل لحد الآن، لهذا توقفت عن العمل بشكل كامل تقريبا إلا تلك الشركات التي يملكها ساسة الإقليم أو التي يملكها الساسة الأتراك الشركاء حتى النخاع بالجريمة.
وأعتقد جازما أن الشركات قد أدركت الآن جسامة الخطأ الذي وقعت به بعد أن تبين لها أن الشريك الكردي ليس لديه مشروع حقيقي، فكل ما لديه هو مزايدات فارغة وسياسات لا تجد لها آذان صاغية إلا من قبل بعض الساسة العراقيين فقط، لأن هؤلاء الساسة هم أيضا يرغبون بالمساهمة بعملية نهب ثروات الشعب العراقي كما يفعل زعيم الإقليم الأوحد، على قاعدة أخوتنا المصريين “مفيش حد أحسن من حد”.
فما نراه من اصطفاف لعدد من السياسيين العراقيين هذه الأيام مع زعيم الإقليم الأوحد والدفاع عن سياسته، خصوصا النفطية، ما هو إلا تعبيرا عن رغبتهم العارمة بالاستحواذ على نصيب من نفط الشعب كما حصل ساسة في الإقليم على نصيب من هذه الثروة من خلال إدخال شركات يتقاسمون معها حصة المشاركة التي دخلوا بها، لأن العقود هي من حيث الأساس عقود مشاركة بالإنتاج، أي أن الشركة تكون شريكا بنسبة من النفط المستخرج خلال فترة العقد.
فهؤلاء الساسة العراقيين المصطفين مع زعيم الإقليم الأوحد قد أحظروا شركاتهم أيضا والتي ستأخذ عقودا للمشاركة بالإنتاج في باقي مناطق العراق خارج الإقليم فيما لو تحقق لهم حلم “منع الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء” رغم أن الدستور يبيحها.
للإنصاف أجد أن طرفا واحدا يشذ عن هؤلاء الذين اصطفوا مع زعيم الإقليم الأوحد، يشذ عنهم بتحقيق هذه الرغبة الحرام، أي رغبة سرقة ثروة الشعب العراقي النفطية، هؤلاء هم التيار الصدري، فعلى حد علمي المتواضع ليس لديهم مشروع من هذا القبيل، فخلافهم مع الحكومة يتمحور حول العفو العام عن المساجين من أعضاء التيار، أما الباقون فإني أعتقد جازما أنهم يحملون هذه الرغبة، فإزالة هذه العقبة من أمامهم، أي “لا ولاية ثالثة”، يكون الطريق ممهدا نحو الثروة الهائلة، وأي ثروة، إنها نفط العراق الغزير.
*)مهندس وخبير نفطي
بغداد – 12 تموز-2014
الى الدكتور بارق شبر
تحية طيبة
هل اصبح منبركم الاقتصادي موقعا لزرع و نشر الكراهية و الحقد الاسود على الكورد؟
و شكرا
حضرة السيد ديار أحمد المحترم
شكراً علي متابعتك لموقعنا ونرحب بكل الملاحظات التقدية ولكننا نرفض اتهامات باطلة واتستفزازبة فهي لاتصب في مصلحة السشعب الكوردي. الموقع مفتوح لكل الاراء المهنية الرصينة وتجد عدة مقالات لزميلنا العزيز د. فرهنك جلال وهو مستشار إقتصادي لرئيس اقليم كردستان. انتقادت بعض الكنتاب موجه لسياسة الاقليم النفطية ولاعلاقة لها بالحقد على الشعب الكوردي.
وصف الزميل الأستاذ حمزة الجواهري، وهو خبير نفطي يُعتد به، وتتصف كتاباته بالموضوعية والرصانة، وصف الخلفيات الأساسية لإحراءآت وسياسات سلطة إقليم كردستان، بقيادة مسعود البرزاني المسعور بكراهية عرقية أو شخصية للحكومة الإتحادية، بل وللشعب العراقي نفسه، بغض النظر عمن يرأسهم، وبيّن بوضزح خروج سلطته على الدستور، لإنها، في الحقيقة، سياسة بلطجة وإستحواذ، اي إستغلال ضعف الحكومة المركزية وإنشغالها بمواجهة الإرهاب الإحتلالي الداعشي الذي إنكشف الآن تواطئه مع البرزاني نفسة. نعم، انه يلعب لعبة إنتهازية قصيرة الأمد، وسيواجه هو والإرهابيين شجب العالم كله، كما ستدور الدوائر عليه. لقد ورط الشعب الكردي في مدخل صعب وخطير. لقد حصل حتى الآن على ما هو حتى أكثر من الإستقلال، فهاهو يأمر سلطته لطبع نقود خاصة بالإقليم تحمل صورة والده. فبدلا عن إنتهاج المدخل الديمقراطي السلمي لتحقيق الأمن والرخاء للشعب الكردي، ينصب نفسه الآن معولا لهدم الوجود العراقي الموّحد. إنه عمليا يساند إحتلال شمال العراق، والموصل المجاورة بالذات، ويرفض ما يتوجبه الدستور على كل العراقيين وسلطاتهم المحلية لإن تأخذ دورها للدفاع عن وحدة الشعب العراقي. ولا يتناقض ذلك مع تطلع الكرد لتحقيق تقرير المصير والإستقلال، ولكن على أسس دستورية، وعلى وفق ثوابت تأريخية وجغرافية وديمغرافية، وليس عن طريق الإستحواذ غير الشرعي على كركوك والأراضي التي سماها متنازع عليها. متى نشأ هذا التنازع؟ نشأ عندما قرره مسعور هذا. على اية حال، إن العوامل على الأرض هي التي ستضع حدا لخروقات وتآمرات مسعود البرزاني هذا.