ملاحظة هيئة التحرير: تعكس هذا المقال ورقة كانت قد اعدت قبل اكثر من خمس سنوات وبعتها الكاتب في حينه الى مكتب رئيس الوزراء ومع الأسف لم يتم بحثها في حينه من قبل اي من المسؤولين آنذاك. بالرغم من مضي هذه السنين طلبت هيئة التحرير من الكاتب السماح بنشرها لأن الأفكار التي عرضت في الورقة مهمة وقابلة للتطبيق في القت الحاضر من وجهة نظر هيئة التحرير والتي تتقدم الى الكاتب بالشكر والعرفان على موافقته على النشر
+++++++++++
يمر العراق حاليا في منعطف تأريخي مهم حيث تنحسر تدريجياً الآثار السلبية التي تبعت سقوط النظام الدكتاتوري والقمعي السابق وما تبعه من احتلال البلاد من قبل قواتٍ أجنبية كان لها الدور الأساس في تخليص العراق من ذلك النظام الدموي.
لقد عانى العراق خلال السنوات القليلة الماضية من تدهور أمني كبيرولكن بعد أن تحسن الوضع الأمني مؤخراً بشكل ملحوظ ومع التوقعات بأهمية توفير فرص أفضل لإعادة تعمير البلاد نرى أنه من الضروري دراسة الموقف بأسلوب جذري يعتمد مبادئ أساسية ثلاثة هي: اولاً الشمولية والتكامل في التخطيط، وثانياً تطبيق مبادئ البيئة المستدامة في التخطيط و التنفيذ، وثالثاً التأكيد على ضرورة الاهتمام بإعداد خُططٍ لإعادة نهضة العراق كوطن ومواطنين وعدم التركيز على مشاريع إعادة الإعمار فقط.
من المهم التأكيد على أهمية الترابط بين المبادئ الثلاثة أعلاه إذا أردنا تحقيق نجاح فعلي وعملي ملموس من قبل أفراد المجتمع، يهدف بالأساس الى تنمية بشرية واقتصادية وعمرانية تحقق النجاحات المرجوة للعراق ضمن برنامج عمل واضح وصريح.
من المعروف إنّ مبدأ الشمولية والتكامل هو من أساسيات خطط الحكومات بصورة عامة بالرغم من الصعوبات العملية عند التطبيق، إلاَّ أَنّ إعتماد أُسس الإستدامة والحفاظ على البيئة يعتبر من المبادئ الحديثة نسبياً والتي بدأ تطبيقها في الكثير من الدول المتقدمة وخاصة منذ العقد الماضي نظراً لأهمية الترابط والتوازن بين المكونات الأساسية للبيئة المستدامة وهي البيئة والاقتصاد والمجتمع.
وبالنظر للظروف الخاصة التي مر بها العراق منذ ستينيات القرن الماضي فقد أصبح من المهم التوجه لعناية المجتمع العراقي كأفراد وكمجتمعات محلية، تأخذ بالإعتبار وبصراحة علمية طبيعة العوامل السلبية التي أثّرت بشكل مباشر على تنمية المجتمع العراقي ككل خلال العقود الماضية.
كما يتبين من أعلاه توجد علاقة واضحة وأكيدة بين العوامل الأساسية لخطة عمل مستقبلية ناجحة لتنمية وتطوير العراق، حيث تُعتبر تنمية قابلية الفرد العراقي هي اللَبِنة الأولى لوضع خطط تنموية متكاملة تعتمد في جوهرها على مبادئ إعادة نهضة العراق.
إن العراق بحاجة ماسة إلى دراسة علمية إجتماعية تبحث في تأثير المعاناة التي عاشها الشعب العراقي نتيجة عوامل عديدة منها: التفرد بالسلطة وغياب المسؤولية العامة، تشجيع التسيب في الأداء وعدم المحاسبة، تقييد التعليم وتسييسه الموجه، الحصار العقائدي وانحسار حرية الفكر، الإذلال والترهيب، القتل العمد والمقابر الجماعية، نتائج الحروب التي زُجَّ فيها أفراد الشعب سواءً ضمن الوطن في كوردستان أو مع دول الجوار (إيران والكويت)، الحصار الاقتصادي وما شمله من حصار صحي وتعليمي بالإضافة إلى المعاناة الحديثة التي تولدت منذ سقوط النظام من قتلٍ وإرهابٍ وتهجير.
كما يجب دراسة أثر نزوح الكفاءات والقابليات العراقية العلمية والفنية والأدبية إلى خارج الوطن منذ سبعينات القرن الماضي بالإضافة الى لجوء الشريحة الاقتصادية التي تمتلك القدرة على تنشيط القطاع الخاص الى الخارج. ومما لاشك فيه كان لهذه العوامل نتائج سلبية على توفر وسائل تنمية وتطوير العراق اقتصادياً واجتماعياً.
وإذا كان الفرد هو اللبنة الأولى فإن التكامل والتنيسق بين المبادئ العامة الثلاثة الآنفة الذكر يمثل العنصر الأساس لإنجاح خطط النهضة والتنمية للعراق. ولضمان النجاح المرجو نقترح أن تتكون هيئة وطنية ترتبط بمجلس الوزراء (هيئة نهضة وتطوير العراق) تكون مهمتها ما يلي:
اولا: إعداد استراتيجيه وطنية للبيئة المستدامة في العراق تأخذ بنظر الإعتبار المحافظة على البيئة والمصادر الأولية وترشيد استهلاك الطاقة والمياه وحماية المحميات والأنهار والمسطحات المائية في العراق وحماية الأراضي الزراعية من الزحف السكاني وإزالة كافة أنواع التلوث ومسبباته، كما وتحدد المبادئ العامة للتخطيط الحضري والريفي وتشجع العمران والبناء الصديق للبيئة.
ثانيا: إعداد استراتيجيه وطنية لتطوير القطاع الزراعي باعتماد التكنولوجيا المتطورة وتشمل وضع خطط تطوير مشاريع البنية التحتية المكملة لتطوير الزراعة والتصنيع الزراعي والصناعات الغذائية وكذلك تهدف ضمن أولوياتها الى تشجيع الهجرة المعاكسة من المدن الى الأرياف وبذا يكون العراق سبّاقا على مستوى العالم في هذا المجال المهم والذي يخدم أهدافاً متعددة فيها خيرٌ للوطن.
ثالثا: إعداد الأطر العامة لإعادة إعمار العراق وتنميته وفق برامج التخطيط العمراني والاقتصادي لكل محافظة بما يخدم تنويع الإقتصاد وتشجيع القطاع الخاص للريادة في تطوير الإقتصاد الوطني وتوزيعه في كافة أنحاء الوطن وبما يتلائم مع المصادر الطبيعية و الإمكانيات المتنوعة والمتوفرة في المحافظات.
رابعا: إعداد خطط متكاملة لتنمية المجتمع العراقي ووضع الدراسات والبحوث اللازمة لذلك وتركيز الاهتمام بالتوعية الإنسانية للفرد والمجتمع ككل، ووضع خطط بأولويات محددة بما في ذلك إعداد استراتيجيات لتحديث مبادئ التربية والتعليم بكافة مراحله الدراسية والعلمية والأدبية والفنية والمهنية والتطبيقية.
خامسا: أعداد وثيقة وطنية توضح ملامح السلوك الاجتماعي للأفراد والمؤسسات وتحدد المبادئ الأساسية لتصرفات المسؤولين أثناء أدائهم لأعمالهم الرسمية والأخلاق المهنية المطلوبة من المختصين والفنيين والمهنيين وأصحاب الأعمال.
سادسا: وضع خطط لتشجيع الجامعات والمعاهد ومكاتب الدراسات القيام بإعداد بحوث ودراسات تهدف الى رفع المستوى العلمي والتكنولوجي وتشجيع الاختراعات والابتكارات بما يخدم الإقتصاد الوطني والعالمي.
سابعا: إعداد الأسس لخطط عمل لتشجيع النشاطات الفكرية والأدبية والإبداعية لدى الفرد العراقي ووضع برامج تحفيزية بالاستفادة من المؤسسات الفكرية ومؤسسات المجتمع المدني.
ثامنا: وضع استراتيجيه لتوفير وتنويع المصادر والوسائل المتطورة لزيادة المعرفة والمعلومات لدى أفراد المجتمع مع الاهتمام بتنوير الأطفال وتشجيعهم على كسب المعرفة بأساليب حديثة.
تاسعا: إعداد خطة عمل ووضع برنامج عمل لحملات توعية للجماهير تغطي مساحات متنوعة من الاهتمامات والاختصاصات وهادفة لكافة الأعمار، تعتمد على ترسيخ المبادئ والقيم الإنسانية لدى الفرد العراقي.
عاشرا: القيام بدراسات ميدانية وبالتعاون مع الجامعات والجمعيات الخيرية والمؤسسات غير الحكومية وذات النفع العام ووضع الأسس العملية لحل المشاكل الإنسانية لليتامى والأرامل والمعاقين وذوي الحاجات الخاصة وتأهيلهم كي يشاركوا بفعالية ضمن برامج هادفة تزيل عنهم المعاناة وتجعل منهم مساهمين بايجابية في بناء المجتمع الجديد للعراق.
وفقنا الله لخدمة العراق وشعبه الكريم.
(*) مهندس استشاري للتطوير العمراني المستدام
الاراء الواردة في هذا المقال وفي جميع المواد المنشورة على موقع الشبكة لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن رأي كاتبها وهو الذي يتحمل المسؤولية القانونية والعلمية
مستشار اقتصادي دولي ، مؤسس شبكة الاقتصاديين العراقيين والمنسق العام منذ 2009
Good work Dr. Sadek
The right vision and study for the renaissance of the Iraqi reconstruction.
I sincerely hope that your points to be taken seriously in the programs for the evolution and revival of Iraqs’s future developments..
احسنتم دكتور صادق في تصويب الاهداف التي تمس مستقبل البلاد الاقتصادي
مع فائق التقدير
مظهر محمد صالح