لم يجد اُستاذ الاقتصاد آرثر لافر يوم كلفه الرئيس رونالد ريغن في العام 1981 للعمل ضمن الفريق الاقتصادي الاستشاري للبيت الابيض متسعاً كافياً من الوقت للبحث عن قطعة من الورق تعينه على رسم ذلك المنحنى الشهير الذي سمي فيما بعد بمنحنى لافر! فكان منديله الابيض هو الورقة الوحيدة التي بدأ فيها مرتسمه الفكري وهو يبحث في العلاقة بين اثر تصاعد معدلات الضريبة على هبوط مستويات العائد من الضريبة نفسها عند مرور المنحنى وعبوره نقطة الامثلية ! سألته زوجته في تلك اللحظه :ماذا تفعل ايها الرجل في منديلك الابيض؟اجابها بتلقائية عالية:كنت افكر ما كان يعمله اولئك الرجال في غابة شروود من مقاطعة توتنغهام الانكليزية في القرون الوسطى،عندما كان( روبن هود )وعصابته من قطاع الطرق يسلبون الاغنياء ويطعمون الفقراء! وهي الرواية التي تعلمتها في سنوات تعلمي للادب الانكليزي …وقد تخيلت ماذا لو سرق روبن هود القوافل المارة في غابة شروود كلها دون ان ييقى او يذر منها وهو يمارس دور السلطة! فأن القوافل ستمتنع عن المرور في تلك الغابة؟هنا توقف آرثرلافر عن الكلام بعد ان خطط اُسس نظريته التي جسدتها مدرسة سُميت فيما بعد بمدرسة اقتصاديات العرض…مجيباً زوجته بالقول: انا افكر ياعزيزتي لبلادي..ولا اريدك بعد اليوم ان تساْلينى متى تشاجر آدم مع حواء حال هبوطهما من الجنة! وهكذا اقام آرثر لافر اسس مدرسته التي تبناها الرئيس ريغن نفسه وسميت (ريغونامكس) والتي جسدها ذلك المنحى الشهير(منحنى لافر)الذي وضح لنا ان بلوغ معدل الضريبة نقطة الامثلية في تعظيم التحصيل الضريبي ، ستؤدي بعدها لامحالة الى تناقص عوائد الضريبة نفسها.ويرى لافر ان المبالغة في فرض الضرائب ولاسيما على النشاط الانتاجي بعيداً عن نقطة الامثلية ،لايؤدى سوى الى تراجع الانتاج وتدهور الادخار بسبب تباطوء الدخل والانغماس في التهرب الضريبي! وهنا يجيب لافر زوجته قائلاً: ياحبيبتي سينتهى روبن هود مفلساً في غابة شروود لتحصيله عوائد ضعيفة من القوافل القليلة المغفلة العابرة لغابته!! هنا تبسمت زوجة آرثر لافر وهي تنظر الى منديل زوجها الابيض الذي تشابكت المنحنيات فيه وتخللته نقاط التقاطع بين معدل الضريبة وعوائدها ونقطة الامثلية الضرييية، قائلةً:هكذا عرفت لماذا انفصل القمر عن الارض جاذبا وراءه الجبال…وهنا عرفت ان اي نجم في مركزه لابد ان يكون له شأن!
(*) المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء ونائب محافظ البنك المركزي السابق
عزيزي د. بارق
تحية طيبة
أشكرك على التنبيه. إن نص وصية علي بن طالب للاشتر النخعي ورد في تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 (النسخة العربية) الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (الفصل السابع: الحكم والتنمية الإنسانية، ضمن إطار في ص 103). والنص مقتبس من كتاب طويل لعلي بن طالب للأشتر النخعي لمّا ولاّه على مصر. والنص هو الآتي:
“وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنَّ ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً.” (نهج البلاغة، تحقيق وشرح محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت: دار الجيل، 2 ج، 1988، ص 241): وترجمته:
“Your concern with developing the land should be greater than your concern for collecting taxes, for the latter can only be obtained by developing; whereas he who seeks revenue without development destroys the country and the people.”
ربما أخذ ابن خلدون فكرة عدم المبالغة في فرض الضرائب من علي بن طالب، وقام بتطويره، وهكذا تتراكم المعرفة البشرية فالأفكار لا تولد من فراغ. والمهم في مقولة علي، وهي بمثابة توجيه سياسي للوالي، هو التأكيد على الإنتاج المادي وتنميته (العمران) فبدونه تخرب البلاد. والخراج الذي يتحدث عنه الإمام علي هو ضريبة على الأرض الزراعية. وبالنسبة لأبن خلدون فإنه يذكر في الفصل الثاني والأربعون
“في أن نقص العطاء من السلطان نقص في الجبابة والسبب في ذلك أن الدولة والسلطان هي السوق الأعظم للعالم ومنه مادة العمران فإذا احتجن السلطان الأموال أو الجبايات أو فُقدت فلم يصرفها في مصارفها قل حينئذ ما بأيدي الحاشية والحامية وانقطع أيضا ما كان يصل منهم لحاشيتهم وذويهم وقلت نفقاتهم جملة وهم معظم السواد ونفقاتهم أكثر مادة للأسواق من سواهم فيقع الكساد حينئذ في الأسواق وتضعف الأرباح في المتاجر فيقل الخراج لذلك لأن الخراج والجباية إنا تكون من الاعتمار و المعاملات و نفاق الأسواق وطلب الناس للفوائد والأرباح ووبالُ ذلك عائد على الدولة بالنقص لقلة أموال السلطان حينئذ بقلة الخراج فإن الدولة كما قلناه هي السوق الأعظم أمُّ الأسواق كلها وأصلها ومادتها في الدخل والخرج فإن كسدت وقلت مصارفها فاجدر بما بعدها من الأسواق أن يلحقها مثل ذلك وأشد منه وأيضا فالمال إنما هو متردد بين الرعية والسلطان منهم إليه ومنه إليهم فإذا حبسه السلطان عنده فقدته الرعية سنة الله في عباده.” (عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، المقدمة، بيروت: دار العلم للجميع، د.ت.، ص 286).
والنص المقتبس يحمل أفكاراً عديدة تستحق تحليلاً مستقلاً له من قبل المتخصصين، ففيه ذكر لدول الدولة، والعجز في إيراداتها، ومسألة الحوافز، وغيرها. ويمكن متابعة الموضوع في الفصل الثامن و الثلاثون: في الجباية و سبب قلتها وكثرتها في المقدمة. وكذلك، في كتاب الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية (بيروت: دار الكتب العلمية، 1982) ففي ص 143 يؤكد الماوردي أن “الخراج أقله وأكثره مقدر بالاجتهاد.” وهذا يذكرنا بفكرة مستوى الضريبة الأمثل، ويقربنا من العدالة النسبية التي تتطلب مراعاة القدرة على الدفع، كما جاء في تعليق الأستاذ فاروق يونس، ولهذا بعد طبقي وأخلاقي يتعلق بتحمل عبء الضريبة.
لنتذكر أن الإيرادات لم تقتصر على الخراج بل شملت الجزية، وهي ضريبة لقاء احتفاظ الفرد بمعتقده الديني. هذه الإشارات لا يراد منه إحياء ما مضى لأنه لا يتساوق مع عصرنا، لكنها مقيدة في البحث عن تطور الأفكار خاصة وأن الكتب الغربية حول تاريخ الفكر الاقتصادي تتمحور على الغرب، ولا يرد فيها اسم العرب أو الإسلام وكأن الأفكار تنشأ فجأة من عدم. على سبيل المثل، فإن كتاباً يكرس فصلاً لبدايات الفكر الاقتصادي يذكر فيه مؤلفه العهد القديم، أفلاطون وأرسطو، الإمبراطورية الرومانية والمسيحية، والعصور الوسطى والقانون الكنسي. وهكذا تهمل البدايات في وادي الرافدين، الذي استقي الكثير منه في اليونان القديمة. (الكتاب المعني هو: Eric Roll, A History of Economic Thought, London: Faber and Faber, 1938, 1989 reprint)
آمل أن استطيع التعليق على موضوع علاقة الضريبة بشراء التأمين وخاصة التأمين على الحياة في وقت لاحق.
مع التقدير.
السلام عليكم
شكرأ دكتور على هذة الخاطرة الجميلة جدأ ومقالاتك الرائعة في توسيع المعلومات لدى الكثير من طلبة الدراسات العليا والباحثين . لكن لي ملاحظة هل منحنى لافر يوضح فقط بلوغ معدل الضريبة نقطة الامثلية في تعظيم التحصيل الضريبي؟
نعم استاذى العزيز دكتور مظهر محمد صالح يمثل مفهوم العدالة الضريبية احد اكبر مناطق الجدل فى الفكر الضريبى
العدالة نسبية وليست مطلقة روبن هود وعصابته من قطاع الطرق كانوا يفهمون اثر تصاعد معدلات الضريبة على هبوط مستويات العائد الضريبى طالما كان بامكان القوافل الامتناع عن المرور من تلك الغابة وفى ايامنا هذه هناك اساليب كثيرة للتهرب الضريبى اذن من شروط العدالة :
عمومية الضريبة اى ان يخضع الاشخاص كافة لها دونما تميز الا فى حدود ضيقة والعدالة النسبية تتطلب مراعاة القدرة على الدفع وان لا توْدى الى ازعاج او تذمر المكلفين المهم هومدى تحقق العدالة حيث لا يمكن ان تكون الضريبة عادلة بشكل كامل
مع التقدير
شكراً جزيلاً للاستاذين الكريمين الدكتور مصباح كمال والدكتور بارق شبر على تعليقاتهما الحوارية الدقيقة، الرائعة والنافعة في توسيع دائرة المعرفة
دمتما لي
مع فائق التقدبر
مظهر محمد صالح
يتحفنا د. مظهر محمد صالح بين الحين والآخر بحكايات وطُرف نستمتع بقراءتها وقد نستفيد من العظة التي تنطوي عليها، كما في حكايته عن ماسح الأحذية. وهذه المرة نقل لنا طرفة عن الاقتصادي الأمريكي أرثر لافر (Arthur Laffer)، نُشر أيضاً في جريدة الصباح بتاريخ 17 شباط 2015 (http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=87017).
لي ملاحظة. لماذا اختار هذه الطرفة في هذا الوقت الذي يشهد انخفاضاً في موارد الدولة (الريع النفطي)، ودعوات من اقتصاديين وسياسيين داخل وخارج الحكومة للتقشف ولتعظيم الاستفادة من الموارد غير النفطية (الضرائب المباشرة وغير المباشرة). هل كان الاختيار مصادفة أم أن د. مظهر يريد أن يُخبرنا شيئاً عن السياسة المالية في هذا الظرف، خاصة وأن أطروحة لافر، رغم شعبيتها، هي محط نقد من قبل أقرانه من الاقتصاديين؟ ولا أدري لِمَ لمْ يذكر لنا أن الأطروحة ليست جديدة حتى أن البعض يرجعها إلى ابن خلدون.
لعل د. مظهر وزملائه من الاقتصاديين يتوسعون في تنويرنا.
مع التقدير.
الاخ الكريم مصباح كمال مع التحية والتقدير
الاطروحة أقدم من ابن خلدون وتعود بحسب علمي الى الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام وكرم الله وجهه)، عندما اوصى مالك الاشقر بعدم المبالغة في فرض الضرائب على الرعية في مصر. والمقولة مذكورة في احد تقارير الامم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي. فهي ليست ببدعة نيوليبرالية امريكية ريغانية الهوى وانما كلام منطقي ينبطبق على مجالات اقتصادية اخرى وعلى سبيل المثال تسعير السلع الاحتكارية
مع التقدير
بارق شبر