مرة جديدة تقف السياسة النقدية على شفا حفرة، فبعد أنْ كان اتجاهها انكماشياً بهدف معالجة التضخم، والذي نجحت في تخفيضه من 53% في العام 2006، الى ما يقارب الـ 3% في العام 2009، تحولت لتساير هدف النمو الاقتصادي ومعالجة البطالة، من خلال استخدام أدواتها المباشرة وغير المباشرة، محررةً بشكل أكبر أسعار الفائدة، وموسعةً نطاق السيولة المصرفية، ليبقى استقرار الأسعار في كل تلك المراحل هدفا أساسياً، وذلك من خلال مزاد العملة، الذي إستطاعت به تحقيق معادلة صعبة تمثلت بتوفير استقرار الأسعار وتوفير دينار عراقي للحكومة، ودولار للقطاع الخاص لغرض تلبية استيراداته.
السؤال الآن: هل حان الوقت لنشهد تحولاً آخر في السياسة النقدية، وتغيير مسارات مزاد العملة خصوصاً، وذلك بتحديد كميات البيع مثلاً، أو تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، أو تسليم هذا الملف الى جهة أخرى؟ وذلك إنطلاقاً من افتراض أساسي يقول: إنَّ البنك المركزي لا يجب أنْ يتحمل مسؤولية السياسة التجارية وإستيرادات القطاع الخاص لوحده، والرجوع الى الدور التقليدي الذي يؤديه وهو المحافظة على استقرار الأسعار المحلية وبضمنها سعر الصرف.
حالياً، يبدو أن الكل يتجنب إتخاذ مثل هذه الخطوة، أو أنَّ لا أحد يريد أنْ يخطو خطوات جريئة. وأكثر القرارات التي يمكن أنْ تذهب اليها الآراء هي الحلول الوسطية، وذلك في ظل ظروف من عدم التأكد التي نعيشها هذه الايام، والتخوف من التورط في قرارات يمكن أنْ تكون عواقبها وخيمة. وهذا هو الحال في العادة عندما تتجه الأوضاع الاقتصادية الى الإفلاس مثلاً.
الاجابة تتطلب الإنطلاق من سؤال آخر: هل أنَّ الأمر مرهون بانخفاض أسعار النفط، أم أنَّ هذا القرار لا بد أنْ يتخذ حتى لو تحسنت أسعاره، وعادت الايرادات الى التزايد؟ وهذا فرض قد يبدو مريحاً، لو تحقق في شطره الثاني، أو حتى لو أنَّ أحداً أخبرنا بيقين، أنَّ النفط سيكون عصياً على الارتفاع!
بكل الاحوال، نرى أنَّ المناقشة يمكن أنْ تنطلق من أنَّ أسعار منخفضة يمكن أنْ تقود الى التفكير جدياً في إعادة النظر في مزاد العملة، والدخول في مرحلة جديدة، حتى لو ارتفعت أسعار النفط مجدداً، والوصول الى قناعة هامة تنطلق من أنَّ ايرادات النفط يمكن أن تكون دالة غير مرتبطة بالضرورة بمتطلبات الانفاق العام، والاحتفاظ بدلاً عن ذلك بسلة احتياطيات تمثل صندوق إستقرار، والتصرف بها؛ من ثم، خارج دائرة الانفاق الحكومي ومتطلباته، والتي تكون دوالها سياسية وأمنية واجتماعية أكثر منها اقتصادية كفوءة. وكل ذلك ينطلق من القول ان الصدمة النفطية الحالية لا ينبغي أن تمر من دون الاستفادة من درسها.
بالتأكيد فاننا لن نناقش الايجابيات التي حققها المزاد طوال السنوات الماضية وهي كثيرة بلا أدنى شك، لكن السؤال المفتاحي هو: ما عيوب مزاد العملة في الأساس، وما العيوب التي بدأت تكرست بعد إنخفاض أسعار النفط خصوصاً؟
1- مع دخولنا موازنة 2015، وانخفاض أسعار النفط، بات مزاد العملة يشكل عبءً كبيراً على البنك المركزي ذاته، خاصة مع دخولنا من جديد موجة الدولار العزيز، والبدء بمرحلة الافتراق بين سعر صرفه المحدد بموجب المزاد وسعر صرفه الموازي في السوق، وصولاً الى أسعار صرف متعددة لاحقاً.
2- بروز شبهات الفساد بين الحين والاخر، والحيطة الشديدة من قبل مدراء وموظفي البنك المركزي من التورط مرة أخرى في مشكلات من النوع التي تورط فيها د.سنان الشبيبي ود.مظهر محمد صالح وفريق كبير لم تحسم قضايا بعضهم القضائية حتى اللحظة، ما يسبب حاليا حالة تردد من قبل الموظفين في إتخاذ أي خطوات ميسرة لعمل المزاد.
3- الشكوك التي تحوم حول الجهات المشترية للدولار والتي تدخل في مزاد العملة، وإستبدالها لأكثر من مرة، وعدم الوثوق بجهات مصرفية وصيرفية يمكن الركون لها لتوزيع الدولارات لتلبية متطلبات الاستيرادات الحقيقية، وعدم تجاوزها الى غايات أخرى.
4- الشك في مقدرة الحكومة على تلبية توفير الدولار بنفس الكميات السابقة، مما قيد الاستقلالية التي كان البنك المركزي يتمتع بها نسبيا. خاصة المادة 50 من قانون الموازنة 2015، التي حددت مبلغ مبيعات المزاد الى 75 مليون دولار يوميا.
5- لم يستطع المزاد إيجاد آلية واضحة للفصل بين الاحتياجات الحقيقية للسوق، وما تتطلبه من دولارات، وبين ما يذهب من هذه الدولارات الى خارج العراق، من دون مقابل من السلع المستورة، ما يندرج تحت تسميات مختلفة (التهريب أو الهروب أو غسيل الاموال). كما لم تجبنا الجهات الرقابية والاحصائية عن أسئلة كثيرة، مثل: هل هناك فعلاً فجوة بين المبيعات من الدولارت وما قابلها من مستوردات، وما مقادر هذه الفجوة، وما حجوم عمليات غسيل الاموال ان حدثت. وذلك مع الاخذ بعين الاعتبار ان البنك المركزي يعمل وفق قانونه الذي أتاح توفير الدولار وحرية التحويل والتجارة.
6- لم يناقش مزاد العملة، بشكل جدي ومعمق، إمكانيات تغيير سعر صرف الدينار مقابل الدولار، من خلال مزاد العملة، والاحتمالات المترتبة على حالات رفع قيمة الدينار أو تخفيضه.
أظنُ أنَّ الوقت قد حان لفتح حوارات معمقة حول إعادة النظر بمزاد العملة، وهي حوارات تفتح آفاق أوسع، بخصوص رؤى الدولة حول كيفية ادارة الاقتصاد وتوزيع الثروة، والتخفيف من حدة الاعتماد على الريع ودولاراته، وبمجمل سياساتها التجارية والمالية والنقدية، وبما يؤدي التساؤل حول جدوى الاستمرار بتحقيق هدف العدالة الاجتماعية، دون الالتفات الى دفع مقتضيات الكفاءة الى الامام، او ايجاد توازن بينهما في اقل تقدير، خصوصاً ان المرحلة الماضية وما شهدته من وفرة مالية، قد عمقت سوء توزيع الثروات وأضاعت إعتبارات الكفاءة في ذات الوقت.
اظن ان الفكرة التي علينا مناقشتها، يمكن ان تنطلق من افتراض اساسي يقول: ان سعر صرف الدينار العراقي، المدعوم بمزاد العملة، هو سعر مغالى به حاليا، رغم انه سعر لبى احتياجات المرحلة السابقة بشكل كفوء، لكن وبسبب الظروف الحالية المتمثلة بانخفاض اسعار النفط وتزايد عجز الموازنة الى مستويات خطيرة، يمكن البدء بتخفيض هذا السعر بشكل تدريجي، وهو أمر يمكن ان يحقق اكثر من ميزة:
1- سيقود الى تخفيض عجز الموازنة العامة بشكل تدريجي، ويغطي حالة انخفاض السيولة الخطرة التي تعانيها.
2- يمكن ان يخفف من حجم الاستيرادات، خاصة ان السوق العراقي مستورد صافي من مختلف السلع، ومن أسوء المناشئ.
3- سعر صرف منخفض للدينار، من المرجح أن يساهم في زيادة بعض من الانتاج المحلي، ومن ثم ينشط القطاع الخاص، ويساهم في زيادة التوظف، خاصة اذا رافق ذلك سياسة مالية منسجمة وتصب في ذات الهدف.
4- يمكن أنْ تمثل سياسة تخفيض سعر صرف الدينار، وما تقود اليه من إرتفاعات في أسعار السلع المختلفة، بديلاً عن الضرائب، التي يصعب الحديث عنها وتطبيقها حالياً، في حين أنَّ ارتفاع أسعار السلع سيمثل بديلاً عن الضرائب غير المباشرة، وكلاهما يمكن ان يعطي نفس الاثر على تخفيض الدخول، ما يقود الى تخفيض الطلب والاستهلاك.
(*) أستاذ علم الإقتصاد في جامعة المستتصرية، بغداد
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس وأعادة النشر بشرط ذكر المصدر
دكتور ميثم عزيزي ( الهكم سعر الصرف) منذ ٢٠٠٣
عزيزي تاريخنا والى يومنا هذا العراق( بلد زراعي) من الدرجة الأولى
هل في توصيات صندوق النقد الدولي و البك الدولي والورقة البيضاء اي اشارة الى ضرورة تدخل الدولة لاعادة الحياة الى المشاريع الصناعية في القطاعات الثلاثة ( العام والخاص والمختلط)
استاذي العزيز دكتور ميثم
هل يوجد ذكر لسعر الصرف في التطور الاقتصادي في بريطانيا وفرنسا وامريكا الشمالية؟ ايام زمان؟5
من قال بان ( اقتصاد السوق ) يعني عدم تدخل الدولة في بناء البنية التحتية ؟
لماذا ذهب المستثمرون في القطاع الخاصبعد ٢٠٠٣ الى تجارة الاستيراد ولم يوظفوا أموالهم في المشاريع الصناعية والزراعية؟
السبب ( سياسة الاغراق) ؟
على الاقتصادين وانت ( احدهم ) ان تدعو الى بناء اقتصاد (زراعي -صناعي) متطور
مع خالص التقدير والاحترام
اعتقد دكتور ،،،،ان خيار تخفيض سعر العملة بالمزاد العلني خيارا موفقا للاسباب التي ذكرتها،،،لكني اخشى من التداعيات اللاحقة ان لم يرتبط هذا الإجراء بحزمة من الأدوات المالية والاقتصادية والسياسية لامتصاص جزء مهم من الأزمة ومعاودة بث النشاط الاقتصادي والانتاجية من جديد على أسس اقتصادية منهجية
شكرا يادكتور
لكن لدي سؤال ان صندوق النقد الدولي وباعتبار العراق عضوا فيه نص في احد قوانينه ان لا يتجاوز الفرق بين سعر الصرف الرسمي والسعر الموازي 2% هل تعتقد ان البنك سيلجاء لتغير سعر صرف الدينار مقابل الدولار .
تخفيض قيمة الدينار سينعكس على المواطن والموظف حيث ستنخفض مدخولاتهم .
اليوم سعر الدولار 127000 ذهبت انا وصديق لي الى سوق الجملة في البصرة حيث لديه اسواق واراد التبضع حيث تفاجاء بان التجار بدوا يرفعون الاسعار بحجة الدولار
مثلا باكيت النستلة الباونتي كان يباع 10500 دينار اليوم سعره 13000 دينار وهذا الارتفاع حصل خلال اسبوع فقط ، الا عتقد بانه على الدولة ان تتدخل في توفير السيولة من الدولار والا فان الامور المعاشية ستتعقد وسيصاحبها فلاتن في مختلف قطاعات الحياة في العراق .