منذ منتصف القرن الماضي حصل خلاف حاد بين مدرستي كامبردج في الاقتصاد واقصد هنا بين مدرستي كامبردج البريطانية و مدرسة كامبردج الامريكية في الاقتصاد والمنظوية تحت لواء معهد ماساسوتش للتكنولوجيا، وان جوهر الخلاف بين ضفتي الاطلسي امسى يدور حول كيفية قياس رأس المال كمُدخل في دالة الانتاج.وفي خضم تلك الجدليات أظهر عالم الاقتصاد الامريكي روبرت صولو ،الحائز على جائزة نوبل في العام 1987 ،حقيقة علمية مفادها ان جانباً مهماً من النمو الاقتصادي في دخل البلاد لايمكن تفسيره بزيادة العمل او راس المال في دالة الانتاج الكلية فحسب،بل ان ثمة فضلة او متبقي من الناتج الوطني لابد من احتسابه بعد دفع عوائد مساهمة عوامل الانتاج كافة(العمل ورأس المال) اطلق عليه اصطلاحاً بالعامل التكنولوجي اوما يسمى اليوم ب(متبقي صولو).اي كأنما يجري مكافأة الانتاجية الحدية لعوامل الانتاج كافة(العمل وراس المال) بمبلغ مكافيء لهم.
وعلى الرغم مما تقدم،فقد اظهر الاختلاف بين مدرستي كامبردج مفارقة في حساب الانتاجية اطلق عليها بمفارقة صولوSolow Paradox والتي تعني مايآتي:
في عصر المعلوماتية الراهن او مايسمى بعصر الكومبيوتر، وجد ان ثمة تناقض بين قياس الاستثمارات المبذولة في تكنولوجيا المعلومات وقياس الناتج على المستوى الكلي او الوطني. فعلى الرغم من طغيان إستخدام تكنولوجيا المعلومات بمستوى لم يسبق له مثيل ،فأن فكرة صولو آنفاً لم تتأكد طوال المدة بين العام 1970والعام 1990 وفي سنوات لاحقة اُخرى، حيث اخذ الهبوط في النمو الاقتصادي مدايات اوسع. فقبل الدخول في تكنولوجيا المعلومات بهذا الشكل الواسع، كان العائد على الاستثمار في الولايات المتحدة معبراً عنه بالانتاجية بنحو 3% الى4% وهو عصر الاتمتة وكذلك اتساع الوسائل الميكانيكية في القطاعات الزراعية والصناعية. ولكن في عصر العلوماتية انخفض العائد على الاستثمار(معبراً عنه بالانتاجية) الى 1% خلال المدة 1970-1990 .وحتى في العام 2014 وجد انه على الرغم من زيادة الانتاجية السنوية للعمل بمعدل 2%، الا ان ساعات العمل زادت بمقدار 2,3%.وبالمقارنة مع الثورة الصناعية السابقة والتجديدات التكنولوجية التي لازمتها(اي الطاقة الكهربائية والسيارات والبث اللاسلكي) فأن عصر الانترنيت هو ليس بالشيء المؤثر على حد قولهم!
.فالتقدم التكنولوجي في القرن العشرين كانت له نتائج انتقالية مهمة مقارنة بالعصر الصناعي الفكتوري السابق له .فتجميع الثلج من مزارع الثلج كما يسمى قد استبدل بالثلاجات واستبدلت العربات التي تسحبها الخيول بالسيارات وحل الكهرباء الموَلد مركزياً في توفير التدفئة والاضاءة محل الزيت وفحم المواقد. فمثل تلك الحالات المتقدمة هي ليست انجازات بذاتها فحسب بل أثَرت في المجتمع نفسه.وبهذا فان الوعود القائلة بأن الانترنيت سيجعل من حصول كل فرد على فرصة عمل ايسر، فضلاً عن رفع مستوى التقدم الاقتصادي أمر لم يتحقق لغاية اليوم!.
الا ان مدرسة كامبردج البريطانية قد توصلت من خلال الاقتصادي البريطاني نيكولاس كرافت الى حقيقة مخالفة في احتساب انتاجية عوامل الانتاج في عصر المعلوماتية .حيث وجد كرافت ان حصة الفرد ازاء مساهمة تكنولوجيا المعلومات في الدخل الوطني الامريكي خلال المدة 1996-2000 جاءت مرتفعة بواقع 56% في حين لم ترتفع تلك النسبة خلال الاعوام 1919-1929الى اكثر من 47% وهي اعوام الثورة الصناعية الثانية والى 23% خلال الاعوام 1839-1860 يوم تعاظمت الثورة الصناعية الاولى. وهكذا محت مدرسة كامبردج الانكليزية مايسمى بمفارقة صولو من قاموس الاقتصاد ،الا ان جدل كامبردج سيظل مستمراً في خلافه الى أجل غير مسمى!!
(*) المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء
حول ما يطلق عليه الثورة المعلوماتية
اشار السيد يسين فى مقاله القصير تحت عنوان ( اوراق ثقافية ) – النتائج الاجتماعية والتنظيمية للثورة المعلوماتية
اقتطف منه ما يلى :
– ركز فوكوياما على الحقيقة التى موْداها ان ما يطلق عليه الثورة المعلومتية هى ظاهرة بداْت فى المجتمعات الصناعية منذ ثلاثة عقودعلى الاقل وذكر انه لوحظ هبوط معدلات السكان المشتغلين بالصناعة فى نفس الوقت الذى ارتفع فيه المكون المعلوماتى فى الناتج الاقتصادى الاجمالى
– وكنتيجة لارتفاع معدلات هذا المكون المعلوماتى فان عوائد التعليم تزايدت خالقة بذلك فجوات فى الدخل والمكانة الاجتماعية بين العمال المتعلمين وغيرهم من غير المتعلمين
– وفى ضوء بروز فوائد التعليم فان المستوى العام للتعليم فى اغلب البلاد الصناعية ارتفع الى مستويات غير مسبوقة
– هذا الارتفاع فى مستوى التعليم قد يخلق بحد ذاته تفاعلات اجتماعية وسياسية
-وفى نفس الوقت ما دام العمل اصبح ذهنيا اكثر منه يدويا فان فرص جديدة ستنشاْ امام النساء
اسئلة حول ما ورد فى المقال :
هل صحيح(ان عصر الانترنيت ليس بالشىْ الموْثر على حد قولهم ) وهل صحيح ( ان الوعود القائلة بان الانترنيت سيجعل من حصول الفردعلى فلرصة عمل ايسر فضلا عن رفع مستوى التقدم الاقتصادى امر لم يتحقق لغاية اليوم ! )
مع خالص الشكر والتقدير للاستاذ الدكتور مظهر محمد صالح لتفضله بالكتابة حول جوانب من الفكر الاقتصادى والاجتماعى المعاصر