خلال الاسابيع الستة الماضية نشرت وسائل الاعلام الكثير من المقابلات والتصريحات التي تتعلق بالمشهد النفطي العراقي، خاصة ما يتعلق بعقود النفط الحالية وضرورة تعديلها، والديون المستحقة للشركات وكيفية توفيرها، واستكمال المفاوضات النفطية مع الاقليم رغم صعوبتها، وغيرها من المواضيع. ولاهمية العقود النفطية فان التركيز ينصب عليها. ففي 23 شباط نقلت نشرة MEES (المسح الاقتصادي للشرق الاوسط) عن السيد عادل عبد المهدي، وزير النفط، قوله ان العراق يحتاج لزيادة السعة الانتاجية للنفط وهو يقترح عقود المشاركة في الانتاج، غير ان ذلك يحتاج الى موافقة البرلمان وكذلك تثقيف الناس بفوائد هذه العقود. لكن وزارة النفط نفت ذلك، في بيان لها صدر بتاريخ 2 آذار 2015، قالت فيه انها تنفي التفاوض لتحويل عقود التراخيص الى عقود المشاركة، غير انها فتحت باب التفاوض مع الشركات بأتجاه اعادة حصة الحكومة الى 20% -25% ومناقشة أمد العقود وتقليل العبء المالي. وهناك مقترحات لربط ربحية الشركات بأسعار النفط.
وبتاريخ 25 آذار 2015، نقلت وكالة (اين) عن السيد هوشيار زيباري، وزير المالية، قوله بأن الحكومة العراقية تعتزم تدبير اموال طارئة من خلال مبيعات من الاحتياطي النفطي بنظام الدفع مقدما، وستبدأ اصلاحات اقتصادية بتعديل عقودها النفطية مع الشركات الغربية الكبرى. واضاف ان بغداد تعتزم تغيير العقود وسوف ينتقل العراق لأعتماد عقود تقاسم الانتاج التي ستعرف بعقود تقاسم العوائد.
وفي مقابلة مع نشرة التقرير النفطي العراقي (Iraq Oil Report-IOR) بتاريخ 30 آذار 2015 ، قال السيد عادل عبد المهدي، وزير النفط ، أنه يناقش مع الشركات العقود الحالية التي تسمح باسترجاع مستحقاتها بسرعة بعد الانتاج. وقال .. “حسب رأينا يجب ان تكون هناك حوافز، اذا ابقينا عقود الخدمة الحالية، بحيث تحصل الشركات على مشجعات تسمح بأن ترتفع ربحيتها اذا ارتفعت الاسعار ويتحملون وزرها معنا اذا انخفضت. كذلك نحتاج الى ربط بين الكلفة والربح بحيث يكون عند الشركات رقابة داخلية لتقليل الكلفة. ونستطيع ان نصف ذلك بانه “شراكة عوائد“.
وتبريرا لهذا التوجه كشف السيد وزيرالنفط (وكالة اين في 30 آذار 2015) عن خسارة (14.45) مليار دولار دفعها العراق للشركات، نتيجة (تعطيلات) انتاجية خلال الفترة من 2011 الى 2014، استحقت الشركات تعويضا عنها، بموجب المادة (12.5) من عقود الخدمة المبرمة معها. وعزا الوزير هذة الخسارة لسوء التخطيط او تطبيق قيود وتعليمات بالية تضر اكثر مما تنفع.
ومن المهم ان نشير ايضا الى ما قاله السيد هوشيار زيباري ونقلته شبكة (اين) في 25 آذار 2015، من ان الحكومة العراقية تعتزم تدبير مبيعات من الاحتياطي النفطي بنظام الدفع مقدما، وستبدأ اصلاحات اقتصادية بتعديل عقودها النفطية مع الشركات الغربية الكبرى. واضاف ان بغداد تعتزم تغييرالعقود وسوف ينتقل العراق لاعتماد عقود تقاسم االانتاج، وانها ستعرف بعقود تقاسم العائدات. وفي مقابلته مع نشرة IOR بتاريخ 2 نيسان 2015 اكد السيد زيباري اقواله هذه واضاف اليها ..ان الترتيبات السابقة لا تعمل واعتقد ان الكل ومنهم مستشارونا الاقتصاديون والماليون توصلوا لهذا الاستنتاج ومن الافضل ان نذهب الى عقود مشاركة الانتاج كي تتحمل معنا الشركات عبء هبوط الاسعار. كان الناس ينتقدون اتفاقيات الاقليم، وهم الان اقتنعوا بأنهم كانواعلى خطأ والاقليم على صواب .
نكتفي بهذه المقدمة التي تبين خلفية االموضوع، وننتقل لمناقشة اهم ما جاء بها حسب العناوين التالية :
1 – تحويل عقود الخدمة الى عقود مشاركة الانتاج.
من اقوال السيدين وزيرالنفط ووزيرالمالية نستنتج الآتي:
(1-1) ان عقود الخدمة الفنية الحالية لابد وان تكون قد نوقشت على اعلى المستويات، وهناك توجه للذهاب باتجاه عقود مشاركة الانتاج تدريجيا، كما هو واضح من الكلام المباشروالصريح للسيد زيباري، وزيرالمالية.
(1-2) مع ان السيد وزير النفط نفى ما جاء في نشرة MEES من انه يفضّل عقود مشاركة الانتاج، الا ان كلامه غير المباشر يؤشر الى انه مع هذا التوجه. وما يؤكد ذلك انه لم يرّد على اقوال السيد وزيرالمالية، الذي يدعو بصراحة، للتحول الى عقود مشاركة الانتاج.
(1-3) لآ توجد تبريرات حقيقية للتحوّل الى عقود مشاركة الانتاج، وتم الاكتفاء بعموميات غير كافية لاقناع الغير. ومن يدعو الى الذهاب صوب المشاركة في الانتاج، وهو توجه جذري، عليه ان يبرهن بلغة الارقام ، كيف ان عقود الاقليم (مشاركة في الانتاج) هي افضل من عقود وزارة النفط ( عقود الخدمة الفنية).
فمن تحليل عناصر الكلفة الرئيسة يتضح ان المردود المالي النهائي، بدلالة صافي القيمة الحالية (NPV) ونسبة العائد الداخلي (IRR) هو في صالح عقود الخدمة لوزارة النفط. وبتفصيل اكثر نلاحظ ان تعويض الشركات (Remuneration) عن اتعابها، حسب عقود الاقليم، يبلغ (18%- 20%) من الانتاج الاجمالي، بغض النظر عن سعر النفط. اما التعويض حسب عقود وزارة النفط فهو بحدود 2$ للبرميل الواحد بغض النظر عن سعر النفط، وهذا يعادل 2% من الانتاج عندما يكون سعر النفط 100$ للبرميل، ويكون التعويض 4% من الانتاج عندما يهبط سعر النفط الى 50$ دولار للبرميل. وبذا يبقى التعويض عن اتعاب الشركات العاملة في الاقليم (4-5 ) مرات اعلى من ذلك فى جنوب العراق، حتى عندما يهبط سعر النفط الى النصف. وفيما يخص استرجاع الشركات لاستثماراتها الرأسمالية والتشغيلية، فأنها تتم بنسبة (36%-40%)، حسب عقود الاقليم، وبنسبة 50% حسب عقود الوزارة. واذا جمعنا الكلفتين فأن الاقليم يدفع ما مجموعه 54%- 60% من انتاجه للشركات, كتعويض لاتعابها واسترجاع استثماراتها، مقابل رقم مقارب قدره (54%) تدفعه الوزارة لشركاتها لنفس الغرض. وبما ان استرداد الكلف الاسثمارية لن يستغرق اكثر من بضعة سنوات (اعتمادا على معدل الانتاج وسعرالنفط) وعلى افتراض ان تكون الكلفة التشغيلية متقاربة في حقول الاقليم والجنوب، فأن الكلفة المتبقية الاهم هي كلفة تعويض الشركات عن اتعابها، وهي في عقود الاقليم اعلى بكثير، منها في عقود الوزارة.
من هذه الارقام يبدو واضحا ان عقود الاقليم ليست افضل من عقود الوزارة، كما يقول السيد وزير المالية، بل العكس هو الصحيح. وسوف نكون شاكرين للسيد الوزير، أو من يؤيده الرأي، ان يثبت خطأ هذا الاستنتاج، ويشرح لنا ايضا كيف يمكن تثقيف الناس بجدوى التغيير باتجاه عقود المشاركة في الانتاج من دون دراسات وافية تبين مزاياها وجدواها الاقتصادية.
2 – مفاوضات تعديل عقود الخدمة.
يبدو ان العراق قد اختار ان يدخل في مفاوضات، هي في غاية الاهمية، وهو في اضعف حالاته، بسبب هبوط اسعار النفط والحرب على الارهاب. وهذا توقيت سيّئ ليس في صالح المفاوض العراقي. اذ ان من يختار التفاوض وهو في اضعف حالاته، يضطر الى تقديم تنازلات ضخمة مقابل ما يحصل عليه.
وفي مثل هكذا ظروف تفاوضية صعبة، ينبغي على المفاوض العراقي ان يكون مستعدا لها تماما، بان يملك اهدافا واضحة، وستراتيجية تتضمن بعض الثوابت التي لا ينبغي تجاوزها. ومن اهم هذه الثوابت، ان يبق صاف القيمة الحالية (NPV) ومعدل الربح الداخلي (IRR) ثابتين على وجه التقريب.
وعليه فان مقترحات السيد وزيرالنفط بتعديل عقود الخدمة الحالية باتجاه مساهمة الشركات في وزر هبوط الاسعار، والربط بين الكلفة والربح، وتقليص مدة العقود او ارجاع حصة الحكومة الى ما كانت عليه قبل التعديلات الاخيرة، تكون مقترحات جديرة بالاهتمام، شريطة الالتزام بالثوابت اعلاه، وان لا تكون هذه المقترحات مدخلا لتعظيم المردود المالي النهائي للشركات.
وعند التفاوض بشأن مساهمة الشركات فى وزر هبوط الاسعار، قد يكون من المفيد ان نتذكر بان حالة الاستقرار في اسعار النفط هي الحالة السائدة، وان ترّدي الاسعار بين فترة واخرى يمثل حالة مؤقتة نسبيا. وعليه فان شركات النفط العاملة في اقليم كردستان منذ عام 2006/ 2007 جنت ارباحا من زيادة اسعار النفط تفوق بكثير ما خسرته عند هبوطها، لكون عقودها من نوع المشاركة في الأنتاج التي تسمح بذلك (windfall (. واذا أراد المفاوض العراقي ان يمنح الشركات شيئا من هذه الميزة ، واعتقد انه احد اهداف التفاوض، فعليه ان يضع غطاء لذلك في الاقل، كأن يكون ( 100$ / برميل)، تأخذ الشركات نسبة قليلة من فرق زيادة الاسعار، عندما يكون السعر اقل من ذلك الغطاء، ولا تاخذ شيئا عندما يكون السعر فوقه. ويكون مفيدا لو اغتنمت وزارة النفط هذه الفرصة التفاوضية للدفع باتجاه اكمال تنفيذ المشاريع التطويرية في مواعيدها التعاقدية التي جاءت مددها حوالي ضعف ما ينبغي (7 سنوات)، مقارنة بالمعدل العالمي اللازم لتنفيذ مشاريع تطويرالحقول، والبالغ (3-4) سنوات.
ومن اهم المشاريع التي ينبغي تنفيذها بسرعة هو مشروع حقن الماء. فبدونه، لا يمكن تعظيم الانتاج ولا الاستمرار في الانتاج الحالي لمكامن المشرف، والمكامن المشابهة لها، التي تنتج بدفع التمدد للسوائل المكمنية. وحسب علمنا ان الضغط المكمني ( طاقة دفع النفط الى الاعلى) لبعض هذه المكامن قد اقترب من ضغط الاشباع وهذا ما ينبغي تجنبه، حفاظا لطاقة الدفع المكمنية، وتجنبا للأساءة الى معامل الاستخلا ص النهائي.
3 – المادة 12.5 وتعويض الشركات.
كما جاء ذكره اعلاه، ان العراق دفع للشركات تعويضات بلغت 14.45 مليار دولار، استحقت عليه بمجب المادة 12.5 حسب العقود الموقعة معها. وعزا السيد وزير النفط هذه الخسارة الى سوء التخطيط اوتطبيق قيود وتعليمات بالية.
ان ترجمتنا لهذه المادة من الانكليزية هي ( يحق لشركة نفط الجنوب ان تراجع مقترح او هدف الانتاج الوارد في البرنامج السنوي المقترح او المصادق عليه. ويمكنها بتبريرات معقولة ومكتوبة، ان تطلب من المقاول او المشغل ان يقوم بزيادة او خفض الانتاج من منطقة التعاقد، لأي من الاسباب التالية: أ – لتجنب الاضرار االمادية للمكامن. ب – لتقليل تبذيرالغاز المصاحب، شريطة ان تحاول شركة نفط الجنوب بجدية، ان تستلم كل الغاز المصاحب. ج – لاعتبارات تتعلق بالسلامة. ج – لاعتبارات عملياتية. ت – لتحديدات (تقليصات) تفرضها الحكومة. ث – لتقليصات بسبب فشل الناقل ان يستلم صافي الانتاج في نقطة التحويل، لا يكون المقاول اوالمشغّل مسؤولا عنها). اضافة لذلك، تتضمن هذه المادة استثناء” مفاده ان الفقرات (ب، ت، ث) اعلاه، لا تنطبق عليها المادة (19.5e )، المتعلقة بفترة انتاج الذروة (plateau).
وبما ان انتاج الذروة لم يتحقق في اي من حقولنا ( عدا حقل الاحدب في الكوت الذي يبلغ سقف انتاجه حوالي 120 ألف ب ي)، وان المادة 12.5 غطت كل الاحتمالات التي تسمح بتقيل معدلات الانتاج، وما تبقى منها قد تغطيه مادة الظروف القاهرة، فليس من الواضح كيف استحقت الشركات كل هذه التعويضات. ولضخامتها، ينبغي ان تقوم وزارة النفط بشرح الموضوع ونشر تفصيلاته الحسابية، دعما للشفافية وخدمة للصالح العام.
4 – المادة 19.6 وتعويضات خدمة الشركات.
تتم تعويضات الخدمة بكل أنواعها، وفقا للمادة (c 19.6 ( من العقود المبرمة مع الشركات العاملة في العراق. وبموجبها يتعين على الحكومة دفع مستحقات الشركات الى مدى 50% من الواردات (to the extent of 50% of revenues). وهذه الصياغة ربما تحتاج الى استشارة لغوية لمعرفة ما اذا كانت تعطي بعض المرونة لأن يكون التعويض اقل من 50%. اذ لو اريد الالتزام بتعويض ثابت قدره 50% من الواردات، لكانت الصياغة اوضح. كأن تضاف صفة (full) قبل كلمة extent))، او ان تكون الجملة مباشرة مثل ان يكون (دفع التعويضات بنسبة 50% من الواردات) (shall be paid at 50% of revenues (Fees .
وعلى اي حال، اذا كان هدف المفاوضات الحالية هو لتحميل الشركات بعض وزر انخفاض الاسعار، كما يقول السيد وزيرالنفط، فأن اعادة النظر بهذه المادة، مقابل فائدة محسوبة، يكفي لتحقيق هذا الهدف.
(*) خبير نفطي عراقي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 9 نيسان 2015
http://iraqieconomists.net/ar/
السلام عليكم
شيء بديهي عقود الخدمة افضل من عقود المشاركة لكن هناك بعض الفقرات تحتاج تعديل في عقود الخدمة التي ابرمتها الوزارة هي مسألة التعويضات للشركات عند تحديد الإنتاج ، إعادة النظر برسم الربحية وجعله يتناسب مع أسعار النفط بالإضافة الى عوامل أخرى المفروض معتمدة أصلا (فترة العقد ، مقدار الاحتياطي ، الطرف الذي يتحمل المخاطر ال اخر ه ) تحديد سقف لكلفة انتاج البرميل حسب بيولوجية الحقول والشركات التي لاتنصاع لهذه التعديلات يمكن النظر بانهاء عقوده .
لا اعتقد بان العقود الحالية سواء تلك التي تعاقدت عليها الحكومة الاتحادية او حكومة اقليم كردستان او اي تعديلات عليها ستكون مثمرة وتصب في صالح الشعب العراقي ما لم تكن هنالك ادارة رصينة للقطاع النفطي بشكل عام و قبل ذلك وجود توافق سياسي بعيد عن المحاصصة و الطائفية و المصالح الضيقة مع شكري و تحياتي