خواطر إقتصاديةمظهر محمد صالح

د.مظهر محمد صالح: مفارقة ليونتيف..!

تفاجأ العالم من حالة الولايات المتحدة الامريكية الغنية بكثافة معداتها الراسمالية ( كأحد عوامل الانتاج) يوم اظهرت النتائج التحليلية التي قدمها العالم ليونتيف الى الجمعية الفلسفية الامريكية في العام 1953 تحت عنوان: الانتاج المحلي والتجارة الخارجية-)دراسة( في اعادة فحص راس المال الامريكي. إذ اتضح من خلالها  ان الولايات المتحدة وعلى الرغم من انها غنية في راس المال و تمتلك كثافة عالية من المعدات الراسمالية مقارنة بعنصرالعمل الا انها تُصدر سلعاً ذات  كثافة عمل عالية نسبياً في انتاجها مقارنة بكثافة راس المال فيها. وعلى العكس وجد انها تستورد  سلعاً من الخارج يتسم انتاجها بكثافة عالية نسبياً في راس المال مقارنة بالعمل المبذول فيها. وبهذا وسمت هذه الظاهرة المتناقضة في وصف العلاقات التجارية للولايات المتحدة مع بلدان العالم (بمفارقة ليونتيف) نسبة الى عالم الاقتصاد الروسي الاميركي الجنسية( ويسلي ليونتيف 1909-1999 ).فقد غيرت النتائج التي جاء بها ليونتيف في مفارقته  الكثيرمن المفاهيم السائدة في نظرية التجارة الدولية ،ولاسيما النظرية الجوهرية للتوازن العام في التجارة الدولية المسماة بأنموذج هكشر-اوهلن (ذلك نسبة الى  العالمين الاقتصاديين اللذين وضعا نظريتهما ) والقائلة: تصدر البلدان سلعها المختلفة إستنادا الى غزارة  او وفرة واحدة من عناصر الانتاج فيها سواء اكان ذلك العنصر الانتاجي المتوافر هو العمل ام راس المال !. وبغض النظر عن هذا وذاك،فقد قام ليونتيف بحساب متطلبات العمل وراس المال بغية انتاج ما يعادل (1)مليون دولار من السلع التي تصدرها اميركا وكذلك من السلع المنافسة التي تستوردها ،حيث أظهرت نتائج الاحتساب ان السلع التي تصدرها اميركا تستخدم حوالي 14الف دولارمن راس المال مقابل عامل واحد يتم استخدامه لسنة كاملة ،في حين انها تستورد سلع تتطلب إستخدام اكثر من 18 الف دولار من رأس المال  لقاء استخدام عامل واحد لمدة سنة واحدة ايضاً.الا ان الحراك العلمي والتحليلي لم ينتهىِ،فالفوارق التكنولوجية امست هي الحدود المحددة للمزايا النسبية في التجارة.وبناء على ذلك اخذت مفارقة ليونتيف في التلاشي طالما بدأ يُنظر الى السلع الامريكية المنتجة بانها مازالت كثيفة راس المال من خلال عد العمل الماهر كراس مال (بشري) بنفسه.وبهذا غدى راس المال اوسع نظرةً في احتساب العمل كراس مال مما رفع الكثافة الراسمالية في المنتجات الامريكية.ختاماَ ثمة تساؤل :هل ان العراق يحتل اليوم مربعاً مهماً في مفارقة ليونتيف ؟يلحظ ان نسبة 98بالمئة من صادرات العراق هي من النفط الخام الذي يقوم انتاجه على استعمال معدات راسمالية شديدة التعقيد وان استخدامها لقوة العمل لايتعدى2 بالمئة من اجمالي قوة العمل العراقية وهي في الوقت نفسه اعمال شديدة المهارة،مما يعني ان العراق كبلد نامٍ تقوم صادراته السلعية  جلها على مساهمة كثيفة لراس المال في انتاج تلك السلعة المصدرة في حين تتمتع استيراداته بسلع يشارك العمل في انتاجها بنسب عالية جداً!. انها مفارقة ليونتيف التي تزدهر اليوم في العراق ولكن بشكل منقلب بعد اختفائها من المعادلة الاقتصادية الامريكية!!

(*) المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء العراقي

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (5)

  1. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    اعزئى
    جاء فى Oxford Dictionary of Economics
    ما يلى :
    Two possible explanations for the paradox are : first that the simple Heckscer- Ohlin model ignored the role of natural resources in affecting trade and second that because of its large investments in human capital which gave it a highly skilled labour force the effective US labour supply was much larger than the mere numbers of workers would suggest
    بمعنى ان من المحتمل ان هناك نفسيران لهذه المفارقة الاول ان نموذج هكشر – اوهلن قد تجاهل دور الموارد الطبيعية وتاثيرها على التجارة والسبب الثانى يتمثل فى ضخامة الاستثمارات فى راس المال البشرى الامر الذى جعل راس المال البشرى قوة عاملة عالية المهارة
    ان عرض العمل الامريكى الفعال هو اكبر من مجرد عدد من العاملين كما قد يتوقع
    شكرا

  2. Avatar
    كامل العضاض:

    ليست هناك مفارقة في الواقع الإقتصادي الرأسمالي!
    مع فائق تقديري لمداخلة أخينا الفاضل الدكتور مظهر، حول ما سماه بمفارقة فيسلي ليونتيف، أود التعليق بالقول بأنه ليست هناك، في الواقع النظري والتطبيقي الإقتصادي، أية مفارقة حقيقية، وذلك لإن هناك عاملان موضوعيان لتحديد أسلوب أو تقنية الإنتاج التي تحدد اسعار البضائع والخدمات التي تنتجها المنشآت الإنتاجية، على وفق النظام الرأسمالي، الأول، هو إستدناء كلف الإنتاج للوحدة الواحدة المنتجة؛ فحينما يكون عنصر العمل المحدد للكلفة أدنى من حيث الكلفة من كلفة مساهمة عنصر رأس المال، عندها سيميل صاحب الإنتاج، عندئذ، الى زيادة عنصر العمل والى تقليل مساهمة عنصر رأس المال، طالما هو يحصل على منتج بنفس النوعية وبكلفة أقل، وهذا ماشهده تأريخ تطور الصناعات النسيجية في يوركشر في بريطانية، حيث لم يتخل أصحاب الصناعات النسجية عن إستخدام تقنية العمل المكثف إلا بعد إرتفاع تكاليفه لإنتاج الوحدة الواحدة، بالمقارنة الى إسلوب الإنتاج بتقنية كثافة عنصر رأس المال في العملية الإنتاجية.. أما العامل الثاني، فهو مقدار هامش الربح، فطالما أن الخلطة التي تزيد فيها مساهمة عنصر العمل، ستزيد أرباحه، وتلبي نوعية وحجم الطلب على السلعة التي ينتجها على وفق هذه التقنية الإنتاجية، فهو سيقلل قدر الإمكان من زيادة عنصر رأس المال. فالرأسمالي يهتم بتعظيم إنتاجه وأرباحه وإستدناء تكاليفه. ولكن، حين ترتفع كلفة مساهمة العمل، أو تستغرق وقتا أكثر، فهو سيجري إستبدال عنصر العمل بعنصر رأس المال. وهذا هو منهج المنتج الرأسمالي، فليست هناك أية مفارقة من المنظور الإنتاجي الرأسمالي والمسألة لاتنحصر بالإنتاج من أجل التصدير، فحتى الإنتاج المحلي يخضع لها، ولكن أيضا على وفق مبدأ تعظيم الأرباح للمنتج الرأسمالي. فما رأيكم؟ مع الإعتزاز.
    كامل العضاض

  3. Avatar
    رعد تويج:

    تحياتي إلى أستاذي الدكتور مظهر محمد صالح المحترم الدموع تختلف فهنالك الدموع التي تصاحبها العاطفة وهنالك الدموع التي تكون تحت تأثير الإفرازات المتحسسة لبعض النباتات وهنالك الدموع التي تكون مصطنعة , وبالتالي فإن الأمثال تضرب ولا تقاس فلا يمكن الحكم إجمالاً فقد لا تعطي المؤشرات الدقيقة ولا تعكس الواقع الحقيقي وبالتالي لازال الإقتصلد العراقي يخضع لقسمة العمل الدولي وفي هذا المجال نرى إن بعض الشركات الدولية لا تلتزم بتشغيل 75% من اليد العاملة في العراق , إن الأمر الحاسم في إدخال التكنولوجيا وتوطينها في العراق لغرض الموازنة بين كثافة رأس المالوالعمالة إذا ما إستثنينا القطاع النفطي كون طبيعة الإنتاج في العراق يميل إلى كثاقى العمل من حيث الإعتماد على الورش الحرفية والعمل العائلي فإنني أعتقد لازال معامل العمالة يمثل 90% من توليفة دالة الإنتاج في العراق تحياتي

  4. Avatar
    د . عبد علي عوض:

    العزيز دكتور مظهر
    حول ما ذكره /فاسيلي ليونتيف/ كنتُ ألاحظه عندما كنّا نقوم بزيارات ميدانية لبعض المصانع السوفيتية (لاعداد البحوث الفصلية حول مراحل الانتاج وإنتاجية العمل)، فقد كانت نسبة الضياع في الانتاج تصل أحياناً إلى 30% من مجمل الوحدات المنتَجة، وهذه النسبة تعكس أنّ المال المنفَق لغرض أن يكون الانتاج بنسبة 100% تكون نتيجته 70%، وهنا نلاحظ إرتفاع تكلفة الوحدة المنتجة بسبب إنخفاض معدل الانتاجية أو ما يُطلق عليها بـ (شـدة العمل)، بالرغم من وجود الحوافز المادية للقوة العاملة، لكن في ذات الوقت غياب الرقابة على وتيرة العمل وجودة المنتوج يمثل أحد الأسباب الرئيسية في التكلفة العالية للمنتوج وقلة كميته.
    مع الود والاعتزاز
    عبد علي عوض

    • dr.schuber
      dr.schuber:

      الاخ الفاضل د. عبد علي عوض
      اعجبت بتعليقك واطمع في المزيد من التفاصيل حول تنظيم الانتاج في مصانع الاتحاد السوفيتي السابق. عسى ولعل ان تكتب لنا بحث فصير عن هذا الموضوع المهم
      مع التقدير
      بارق شبر

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: