التخطيط للتنمية

د. إبراهيم الحيدري: مجلس الاعمار ودوره الريادي في عملية التنمية في العراق

لم يشهد العراق خلال المرحلة الاولى من تأسيس الدولة العراقية الحديثة بعد عام 1921 أي تقدم ونجاح في مجال البناء والاعمار وذلك بسبب اعتماد العراق على البرامج الحكومية في اتباع سياسة اقتصادية وصناعية وعمرانية وذلك نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية الغير مستقرة التي كان يعيشها العراق وكذلك قلة الموارد الاقتصادية التي كانت تحصل عليها خزينة الدولة العراقية من واردات النفط، باعتباره المصدر الرئيسي لها، واحتكار الشركات الاجنبية للنفط وعدم توفر موارد مالية اخرى لها. وإذا أحصينا النفقات الاجمالية المصروفة في مجال البناء والاعمار منذ عام 1932، وهو تاريخ استقلال العراق وانضمامه الى عصبة الأمم، وحتى عام 1950 نجدها لا تتجاوز ستة وثلاثين مليون دينار عراقي. وهو مبلغ يعكس ضعف عملية التنمية الاقتصادية في العراق خلال عقدي الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، ولكن تأسيس مجلس الاعمار في عام 1950 غيّر مسار هذه العملية، كما ساوضح لاحقاً.

وكانت الدولة العراقية الوليدة قد دعمت فئات الطبقة الوسطى لأنها السند الحقيقي لها ولأن الدولة ذاتها هي جزء من مكون الطبقة الوسطى وحامي مصالحها، وهذا بدوره ساعد على نمو طبقات اجتماعية اخرى تتناسب مع نموها من جهة، ومع طبيعة المجتمع العراقي المتعدد الإثنيات والقبائل والديانات من جهة اخرى كالطبقة الحاكمة وطبقتي الفلاحين والعمال.

ومن الطبيعي ان تنمو داخل فئات الطبقة الوسطى الناشئة بدايات قوى التحديث والتقدم الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني كالأحزاب الوطنية والمنظمات المهنية والجمعيات الأدبية والفنية وتوسع المدارس الحديثة وانتشار الصحف والمجلات، اضافة الى قيام المجلس النيابي واجازة الاحزاب الوطنية التي استوعب فئات وشرائح متعددة ومتنوعة من التجار والصناعيين وشيوخ العشائر ووجهاء المدن والموظفين والمثقفين وبعض شرائح الطبقة العاملة. وفي مقدمة الاحزاب الوطنية التي مثلت الطبقة الوسطى في العراق هو الحزب الوطني الديمقراطي الذي قام على مفهوم “الشعبية” واستقطب شرائح واسعة من الموظفين والتجار والصناعيين والمثقفين وبعض شرائح الطبقة العاملة وابناء شيوخ العشائر الذين انظموا الى هذا الحزب الذي هدف الى محاربة الاستعمار والفساد وتحديث البلاد وتقدمه واحترام الدستور ومؤسسات الدولة والحفاظ على الثروة الوطنية وروح المواطنة.

وكان الحزب الوطني الديمقراطي من احزاب المعارضة التي وقفت ضد فساد الدولة، أي انها كانت معارضة ضمن الدولة وليس خارجها وهدفها اصلاح مؤسسات الدولة وتطويرها، وهو موقف يختلف جوهريا عن موقف الاحزاب الثورية، كالحزب الشيوعي، الذي كانت له جماهيرية واسعة ووجه معارضته لتغيير السلطة عن طريق الثورة وليس تغيير بنية الدولة وشكلها. وبالرغم من الاختلاف الجوهري في تطلعاتهما، فانهما تعاونا في مجالات عديدة وخاصة في الحياة الاجتماعية والثقافية. (1)

ومثلما دعمت الدولة الطبقة الوسطى في العراق، ادرك ممثليها بان تطور الطبقة الوسطى ونموها مرهون بقيام دولة حديثة تضع نصب أعينها رفع مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأفرادها الذين يقومون بدورهم ببناء البلد وتنميته وتقدمه على اساس الانتماء الى الدولة والوطن والولاء لهما، والذي يرتبط باستقرار الدولة وازدهارها بعيدا عن الانتماءات الإثتية والعشائرية والدينية التي من الممكن توحيدها جميعا تحت راية وطنية واحدة، انطلاقا من ان الطبقة الوسطى التي تحمل على اكتافها التقدم والتحديث، تشكل في نفس الوقت العامود الفقري للمجتمع والدولة معا، لما لها من دور كبير في تشكيل القاعدة الاجتماعية العريضة وقيادة الحركات الاجتماعية والفكرية والسياسية.

ومع الدور الكبير لكثير من الاحزاب السياسية الذي لعبته في نمو الحركة الوطنية، إلا انه لابد لنا من القول، بأنها لم تستطع ترسيخ  تقاليد عمل سياسية  تؤمن بالحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتؤسس للتعددية  السياسية، حيث بقيت تجاربها محدودة وقاصرة حتى عن ملامسة مبادئ الديمقراطية في حدودها الدنيا والبسيطة، التي نحسب برأينا المتواضع ، انها كانت من ابرز اسباب عرقلة تطور هذه الاحزاب نحو الديمقراطية، وذلك لاعتمادها في سياساتها وقراراتها على نخب من الزعامات الفردية والبيروقراطية وفقدانها لبرنامج عمل واضح وصريح يعمق الاتجاه نحو تطبيق الديمقراطية، وعلى اقل تقدير بين اعضائها داخل المؤسسة الحزبية نفسها وبقيت متمسكة بمبدأ ما يسمى ” بالديمقراطية المركزية” و”الظروف الطارئة”. وبذلك تغلبت اهدافها السياسية على اهدافها الوطنية. (2)

ويعود الضعف في نسيج الطبقة الوسطى في العراق او فئات منها الى “ازدواجية شخصية الفرد العراقي” وتزعزع وضعها النفسي والأخلاقي وخاصة النخب السياسية منها. كما ان الطبقة الوسطى المتعلمة بصورة عامة، التي كانت صغيرة وضيقة لم تع وتستوعب التغيير الحاصل في تكون الدولة الجديدة ولم يكن لها دور فعال وجذري في تغيير ثقافة الطبقة الوسطى، لكونها خارج السلطة مما عرقل تطورها. (3)

لقد كانت فترة الخمسينات من القرن الماضي فترة حاسمة في تطور الطبقة الوسطى في العراق، حيث جرت محاولات جادة وحثيثة لرسم سياسة اقتصادية جديدة لتنمية عمرانية وصناعية سريعة تعتمد على المركزية في التخطيط والتنفيذ، خاصة مع ازدياد واردات النفط العراقية المصدر الى الخارج منذ عام 1952، حيث ارتفعت واردات النفط من ثلاثة ملايين دينار عام 1949 الى خمسين مليون دينار عام1953 وذلك بعد اتفاقية مناصفة الارباح مع الشركات الاجنبية العاملة في العراق عام 1952. ومنذ ذلك التاريخ أصبح بالإمكان البدء بالقيام بمشاريع بناء واعمار وتفعيل عمل مجلس الاعمار الذي تأسس عام 1950وكان برآسة رئيس الوزراء وعضوية وزيري الاعمار والمالية وستة اعضاء اخرين يشكلون سكرتارية المجلس، اضافة الى لجان فنية مختصة ترتبط بوزير الاعمار. وكان مجلس الاعمار مستقلا عن الوزارات، بالرغم من انه كان يأخذ منها توصيات التصميم والتنفيذ وهو الذي يشرف على ادائها. وقد صدر قانون تأسيس مجلس الاعمار من قبل المجلس النيابي في 25 ابريل 1950 وبمقترح من وزير المالية آنذاك عبد الكريم الازري الذي قدم لائحة المشروع. (4)

لقد ساعدت الطفرة النفطية منذ عام 1952 والقرار الحصيف للحكومة العراقية بتخصيص 70% من عائدات النفط لمجلس الاعمار، على وضع خطة اقتصادية عامة عام 1950 لإعمار العراق وتحديثه ووضع حد للارتجالية وعدم الاستقرار في سياسة وخطط التنمية في العراق. (5)

كما ركزت الدولة معظم استثماراتها لإنشاء البنى التحتية اذ وضعت برنامجا طموحا نسبيا لبناء بنية تحتية لتنمية اقتصادية شاملة وتطوير موارد البلاد ورفع مستوى المعيشة عن طريق قيام المجلس بمسح عام وشامل لموارد البلاد وتكليف الوزارات المختصة بإدارة المشارع وصيانتها والقيام ببناء مؤسسات صناعية وانشائية وشبكة من المؤسسات الانتاجية وتطوير التجارة وتنظيم الاستيراد وشق الطرق وتعبيدها وتشييد الجسور وبناء المراكز السياحية والخدمية والترفيهية وكذلك بناء جمعيات تعاونية لبناء المساكن وانفتاح المصرف العقاري عليها. وقد أنشأ مجلس الاعمار لذلك خمسة دوائر فنية وكانت له ميزانية منفصلة تكونت من عائدات النفط العراقية. (6)

وقد بلغت حصة مجلس الاعمار من ايرادات النفط عام  1952 مايربو على 23  مليون دينارا عراقيا وارتفعت عام 1954 الى حوالي 39 مليونا ثم وصلت في عام 1955 الى اكثر من 42 مليون دينار (كان سعر الدينار العراقي يعادل آنذاك أكثر من ثلاثة دولارات امريكية). (7)

وقد تركزت اهداف مجلس الاعمار بالدرجة الاولى على تحديد الاموال التي تصرف للتنمية وكذلك تحديد سياسة الدولة المالية والاقتصادية للنهوض بالواقع العمراني والاقتصادي والصناعي في العراق من اجل رفع مستوى المعيشة من خلال توفير فرص عمل جديدة التي توفرها المشاريع الجديدة وكذلك وضع منهاج لتنفيذ هذه المشاريع المتعددة ومقترحات لمشاريع جديدة.

وكان أمام مجلس الاعمار هدفان رئيسيان هما:

أولا-النهوض بالواقع العمراني وتنمية الاقتصاد والصناعة في العراق بهدف رفع مستوى المعيشة من خلال إيجاد فرص عمل ووظائف جديدة توفرها المشاريع الجديدة.

وثانيا-العمل الجاد لوضع منهج عمل للتخطيط واجراء المسوحات الشاملة للموارد المستغلة وغير المستغلة والبدء بتنفيذ المشاريع حسب أهميتها كالسيطرة على الفيضان وتحسين شبكات الري والبزل وتطوير الصناعات الاستخراجية والتحويلية وانشاء شبكات نقل ومواصلات حديثة، مع متابعة ما تم إنجازه. (8)

وقد تمكن مجلس الاعمار من انجاز مشاريع تنموية وخدمية كبيرة لا يزال العراق يحتفظ بقسم كبير منها. وفي مقدمة المشاريع الكبرى التي خصص لها جزء كبيرا من ميزانيته والتي اولاها اهتماما كبيرا هي مشاريع الري لتلافي خطر الفيضانات وانقاذ مدينة بغداد من الغرق والدمار وما يلحق ذلك من خسائر مادية ومعنوية، في مقدمتها غرق جانب الرصافة الذي يحوي أهم مؤسسات الدولة وغرق اراضي زراعية واسعة وتدمير المحصولات والمباني والممتلكات. ويذكرنا تاريخ الفيضانات في بغداد الذي كان اخرها غرق بغداد عام 1954 بصورة مروعة وما تركه من كوارث ومآسي. وقد افرد مجلس الاعمار حصة كبيرة من ميزانيته لإنجاز مشاريع كبيرة في مقدمتها مشروع الثرثار وبحيرة الحبانية عام 1956 ومشروع سد دوكان عام 1959 وكذلك مشروع سد وخزان دربندخان الذي تم انجازه عام 1961. وبذلك تخلصت بغداد من خطر الفيضانات الذي كان يهددها كل عام، اضافة الى مشاريع عمرانية وسكنية وصناعية واقامة الجسور ونصب محطات لتوليد الطاقة الكهربائية وانشاء سكك الحديد ومصانع النسيج والسمنت والسكر والنفط ومزارع نموذجية ومبازل وغيرها. وقد توزعت تلك المشاريع على جميع محافظات العراق. (9)

وفي منتصف الخمسينات كلفت الحكومة العراقية مؤسسة دوكسياكس الاميركية اعداد مخطط عصري وجديد لمدينة بغداد يحتوي على مشروع سكني للبناء والاعمار والتطوير وتدريب المهندسين، كان من بينها مشروع جامعة بغداد وبناء دار الاوبرا، الذين لم ينجزا. وقامت المؤسسة بوضع مخطط لتطويق مدينة بغداد بوحدات سكنية جاهزة، متعامدة ومنفصلة، تمتد على ضفتي نهر دجلة وتتألف من اربعين قطاعا وتبلغ مساحتها حوالي كيلومترين مربعين، تفصلها عن بعضها طرق مرور عريضة. وقد قسمت هذه المناطق بدورها الى وحدات “بلدية” بمراكز صغيرة وأحياء سكنية تابعة لها، ووضعت تحت منظومة من الطرق المقفلة. ويتألف كل مركز بلدي من سوق ومسجد ومرافق عامة. ( 10 )

وعند قيام ثورة 14 تموز عام 1958 كان هناك عدة مشاريع قيد الانشاء مثل مدينة الطب وبناية البرلمان ومستشفى الكرخ ومستشفى الكاظمية وبناية جامعة بغداد في الجادرية تم تنفيذها، إضافة الى عدة مشاريع أخرى خطط لتنفيذها ولكنها توقفت بعد الثورة مثل دار الاوبرا ومطار بغداد الجديد وفندق هلتون وملعب رياضي كبير وغيرها، مع مشاريع عدة أخرى توزعت على محافظات العراق الأخرى. كل ذلك يعكس بوضوح الدور الريادي لما قام به مجلس الاعمار في رسم وتنفيذ سياسات اقتصادية وصناعية وعمرانية رشيدة كانت تهيأ لدخول العراق عصر الحداثة والتقدم الاجتماعي.

المراجع:

1-رفعت الجادرجي، مذكرات الجادرجي وتاريخ الحزب الوطني الديمقراطي، كولون 2002، ص19

2-ياسين النصير، مكونات الطبقة الوسطى في العراق، الحوار المتمدن، 20.4.2005

3-رفعت الجادرجي، مذكرات، نفس المصدر. ص24

4-عبد الكريم الازري، تاريخ في ذكريات، (عن رشيد الخيون، العراق: تذكروا مجلس الاعمار الملكي، جريدة الاتحاد الاماراتية،14 مايو 2012

5-فاضل عباس مهدي، القطاع الصناعي العراقي-الواقع واخطار التخصص، جريدة الحياة، في 29 اكتوبر 2010

6-محمد علي زيني، الاقتصاد العراقي، لندن 2003، ص 67-70

7-عبد الكريم الازري، نفس المصدر السابق

8-صالح مصطفى نصر الله، العمل على أحياء مجلس الاعمار، جريدة العالم، بغداد 15.5.2015

9-احمد عبد السلام حطاب، متى تأسس مجلس الإعمار وما هي مشاريعه في العراق اليوم ، ملحق جريدة المدى بتاريخ : الأحد 17-04-2011

10-ميشيل بروفوست، تخطيط المدن والصراع على العالم الثالث، مجلة فكر وفن، العدد 87، معهد غوته، كولون 2007، ص 21-22

(*) أستاذ جامعي سابق، باحث وكاتب في علم الاجتماع

حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الإقتصاديين العراقيين 6 حزيران 2015

http://iraqieconomists.net/ar

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. عمر عبد الكريم الجميلي
    عمر عبد الكريم الجميلي:

    الحديث عن تجربة مجلس الاعمار هو حديث طويل ولكن في ظل الظروف الموضوعية القائمة وقتئذا فان التجربة تعتبر خطوة كبيرة الى الامام واستخدام مسؤول للموارد النفطية قائم على التركيز على البنية الأساسية الداعمة للزراعة باعتبار ان العراق لة ميزة نسبية فبي الإنتاج الزراعي بالإضافة الى معالجة ملوحة التربة والتي بدات تؤثر على الانتاجية. والاهم هو توفير الري للمزيد من الأراضي على امل توزيعها الى الفلاحين ( الذين لايمتلكون ارض) والذي سيودي بدورة الى تحسين الوضع الاقتصادي للفلاح العراقي سواء بتملك الارض او بشكل غير مباشراللفلاح الذي يعمل تحت امرة الشيخ عبر تحسين ظروف العمل في ظل الحاجة الى المزيد من القوة العامل بفعل توسع الزراعة.
    من جانب ثان لكل منا الحق في انتقاد التجربة ولكن يجب ان لاننسى بانها تجربة بكر وكانت تفتقر الى تراكم سابق للتجربة والكوادر العراقية القادرة على إدارة التنميةز ولكننا للأسف لم نستطع في المراحل الاحقة ان ناتي باحسن منها وقد قام اغلب المخططون في وقت لاحق الى مجرد نقل الخطط المعدة من المجلس الى حيز التنفيذ واضافة مجموعة من المشاريع الصناعية بغض النظر عن توفر فرص نجاحها ام لا والامر من كل هذا وذاك اننا التزمنا أسلوب التجربة والخطا لتضيع الكثير من موارد النفط.

  2. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    فى كتابه ( التجربة الاقتصادية فى العراق الحديث 1951- 2006) قام الدكتور صبرى زاير السعدى باجراء تقييم لبرامج مجلس ووزارة الاعمار ( الصفحات 126-138) الناشر – المدى
    اقتبس منه مايلى :
    1- ليس من الغريب ان نجد برنامج الاعمار الاول الذى اعده مجلس الاعمار فى عام 1950 محدودا بقائمة تشمل مجموعة من مشاريع البنية الاساسية المتفرقة فمثل هذا المتهج التخطيطى الجزئى او ما يسمى بمنهج قائمة المشاريع المنفردة كان محتما فالاقتصاد العراقى فى تلك الفترة كان بحاجة شديدة لمشاريع البنية الاساسية المادية والاجتماعية بينما كانت اليات السوق وموْسساتها غير مكتملة الشروط لتوزيع الموارد المادية والبشرية بكفاءة
    كان برنامج الاعمار الاول غير متكامل وفيه الكثير من النواقص ولكن ما هو جدير بالانتباه ان ذلك الاطار المحدد لبرنامج الاعمار ظل مستمرا طيلة فترة مجلس الاعمار اى خلال الفترة 1951- 1959—- يبدو ان السبب فى تلك الحالة كان يعود وبشكل رئيسى الى السياسة المحافظة لمجلس ووزارة الاعمار والحكومة انذاك حيث كانت الحكومة غير راغبة او ربما غير واعية فى اجراء تغيرات عميقة فى الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة وخاصة فى القطاع الزراعى اى ان اتباع المنهج الانمائى الحكومى المحدود لم يكن سببه الرئيسى النقص فى الموارد المالية او عدم توفر الخبرات التخطيطية الوطنية بقدر ما كان مرتبطا بطبيعة الادارة السياسية المحافظة للتنمية
    2- استثمارات القطاع الخاص استثنيت تماما من اطار هذه البرامج —- فان مجلس ووزارة الاعمار لم يكن لهما فى الواقع سياسة فعالة لتوجيه او تشجيع القطاع الخاص فى ضوء مبادىْ اقتصاد السوق على الرغم من ان النظام الاقتصادى للدولة انذاك كان يعتمد نظام الاقتصاد الحر وحماية الملكية الخاصة فلم نجد فى وئائق برامج الاعمار ما يشير الى السياسات والاجراءات المناسبة لتشجيع القطاع الخاص وتحديد واضح لفرص الاستثمار المتاحة له ( كما جاءت الصناعة فى اسفل سلم الاولويات فى قائمة مشاريع البرامج الاربعة)
    3- من السمات الرئيسية التى اتسمت بها برامج الاعمار غياب المعايير الاقتصادية الواضحة والموحدة لاتخاذ القرارات الاستثمارية العامة على مستوى القطاع او المشروع الواحد فالتشخيص العام لهذه المساْلة اظهر ان برامج الاعمار والدراسات الاقتصادية التى اعدت لمجلس ووزارة الاعمار قد خلت من وجود مثل هذه المعايير لكى يتم بموجبها اتخاذ القرارات الاستثمارية الحكومية على المستوى الاقتصادى الوطنى او على مستوى القطاع او حتى على مستوى المشروع الواحد فبستثناء التاكيد العام على اهمية التنمية الزراعية ومشاريع البنية الاساسية وضرورتها فى هذا القطاع الحيوى وبعض الاقتراحات الخاصة بالتنمية والمشاريع الصناعية فان مجلس ووزارة الاعمار لم يكونا يملكان معايير موْسسية موثقة ومستقرة للكفاءة الاقتصادية عند توزيع الموارد المالية العامة بين المشاريع الانمائية العامة وينعكس هذا النقص واضحا فى ضعف التناسب بين مشاريع البنية الاساسية الزراعية الكبرى كالسدود ومشاريع الرى وبين مشاريع الانتاج الزراعى وفى المفاضلة بين تكاليف التوسع فى استصلاح الاراضى وهى السياسة التى اخذت بها تلك المشاريع وبين التكاليف المنخفضة نسبيا للمشاريع الهادفة الى زيادة انتاجية الارض الزراعية
    4- يبدو ان طريقة اعداد المشاريع بالاعتماد على الشركات الاستثمارية لم تكن تسمح بتاسيس مثل هذه المعاير بطريقة ذات قيمة عملية وفعالة لربط المشاريع الحكومية بالسياسات الاقتصادية العامة
    5- – ان المبادرة فى اقتراح المشروعات الانمائية كانت تتم من قبل الشركات الاستثمارية الاجنبية التى غالبا ما تكون هى الشركات لمقاولة لتنفيذ تلك المشروعات
    6- ان نظرة سريعة على نمط التخصيصات الاستثمارية القطاعية والانفاق الفعلى والمتوقع وكذلك الايرادات الفعلية والمتوقعة تعطى فكرة اولية عن طبيعة السياسة الاستثمارية غير المنسقة وغير المتوازنة لبرامج الاعمار وتكشف عن بعض اسباب تعثرها —
    وفى الواقع لم تكن برامج الاعمار موفقة منذ البذاية فى تحديد الاهداف الاقتصادية والاجتماعية العامة بوضوح كاف
    ان الانجاز الهام الذى تحقق فى فترة الاعمار كان فى اقامة عدد من مشاريع البنية الاساسية فى القطاع الزراعى وبناء السدود لاغراض الرى ومكافحة الفيضانات وتشييد عدد من الطرق والجسور والمبانى الحكومية والمدارس والمستشفيات
    —– ان المتتبع لتطور العراق الاقتصادى فى الماضى والحاضر يدرك الاهمية الكبيرة لتلك الانجازات
    ( للمزيد يرجى الرجوع الى المصدر فى اعلاه)
    مع التقدير

  3. Avatar
    محمد سعيد العضب:

    خاطره رائعة ارجعتنا وكاالمعتاد الي تحميل السلطة فقط كافه اخفاقات التأخر والماسي التي يعيشها العراق ماضيا وحاضرا , اتمني ان يرجع الجميع الي فحص و تدقيق بحياديه تامه وصدق علمي صارم في تحليل حقيقه صعبه تتمحور في الدور “المخرب “الذي مارسته لما يطلق عليها الطبقة الوسطي من احزاب مرتجلة رغم تضحيات بعضها بجموع جماهيرها وشخصيات الانا المميزة في تاريخ العراق الحديث والبعيد,, وتحديدا اصحاب الياقات البيضاء الذين ضاعوا بين طموحات ذاتيه وامنيات بناء قصور فارهه وتحويلات ماليه ضخمه والاستحواذ بحق او بدونه علي اموال البلد وخيراته من ناحيه ( الاردن ولندن شاهد لمثل هذا ) . وبين وادعات بناء مجتمع عراقي يسوده العدل من ناحيه اخري ومع ذلك ظلت تلوك و تسويق شعارات واهيه في البناء والتقدم . من هنا علي الطبقة التي اطلقت علي نفسها االرائدة ان تحاول اعاده محاكمه ذاتها اولا خصوصا , وانه معظم فصائلها خدمت الاحزاب السياسية في العراق من يمين او يسار وأحزاب دينيه المسلك شيعي او سني , لذا تقع المسؤولية التاريخية علي هذه الشريحة بالدرجة الاولي .من غيره نظل نحوم في ضياع مفرط وكما حاصل اليوم بعد التغيير وادعاات تحويل البلد الي واحه امن وسلام ورفاهيه حيث جميعها اصبحت من مستحيلات

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: