يُعدُّ الربا في الإسلام من المحرّمات ومن “كبائر الذنوب” إلا أن تاجراً مسلماً يلتزم بالصلاة قال إن “نقص السيولة المادية تدفع أغلب الملتزمين بالشرع إلى الربا”.
من أجل توسيع عمله في مجال بيع الأحذية الرجّالية، استدان محمّد الجيزاني مضطرّاً من أحد المرابين 100 ألف دولار. وكما في كلّ قصص الربا، وهو مصطلح يعني في الإسلام تحديد الفائدة مقدماً، سيكون عليه أن يدفع 4 آلاف دولار شهريّاً كفوائد للمرابي، وستستمرّ هذه الحال حتّى يستطيع إعادة المبلغ كاملاً مع فوائده. وكان محمّد الجيزاني قد حاول الحصول على قرض من المصارف المحليّة، إلاّ أنّه اصطدم بالإجراءات الروتينيّة مثل الضمانات أو الكفالات وتوفير، ولم تسعفه دراسة الجدوى، التي تبيّن كم الأرباح التي سيحصل عليها مقابل توسيع عمله والّتي أعدّها لهم بالحصول على قرض.
الجيزاني، الّذي يستورد غالبيّة بضائعه من تركيا، ويمتلك 4 محلاّت في عدد من مناطق العاصمة بغداد قال ساخراً “إنّ التّعامل مع المرابي سهل. أمّا المصارف فلا يبدو أنّها تعمل من أجل توسّع الأعمال الصغيرة”.
وقد تسنّى لـ”المونيتور” معرفة أنّ المرابي العراقيّ، الّذي تعاون معه الجيزاني يمتلك محلّ صيرفة عملات في منطقة جميلة – شرق العاصمة بغداد، وهو يكاثر أمواله من خلال إقراض التجّار الّذين يشبهون الجيزاني. ولهذا الغرض، طوّر شبكة علاقات مع أصحاب معامل صغيرة لصناعة المواد الغذائية وشركات ومحال بيع الموادّ الغذائيّة بالجملة.
وفي الظروف العراقيّة، تركن المبادئ على الرفّ، والمحرّم باسم الدين تبيحه المعاملات التجاريّة والمسائل الاضطراريّة. ففي أسواق بيع المواّد بالجملة في العراق يمكن أن يدلّ التجّار على عدد من المرابين يعملون بحريّة.
للمرابين تبريراتهم، فالمرابي الّذي رفض الإشارة إلى اسمه، أشار لـ”المونيتور” إلى أنّ عمله ييسّر أمور التجّار بفوائد قليلة، وهو لا يعتقد أنّ أمواله تدخل في باب الربا أساساً، وقال: “أنا أشغّل هذه الأموال في التجارة… أنا أعرف إلى أين ستذهب، وفي أيّ مجال ستنفَق”. أضاف: “كلّ ما في الأمر، أنّني أحدّد أرباحي مسبقاً”. وتابع: “أنا آخذ 400 دولار شهريّاً أرباح عن كلّ 10 آلاف دولار أمنحها للتجّار، وهذه صفقة عادلة للجميع”.
ويعدّ الربا في الإسلام وكتابه القرآن من المحرّمات ومن “كبائر الذنوب”، إلاّ أنّ الجيزاني، وهو مسلم يلتزم بالصلاة، برّر تعامله مع مرابي قائلاً: “إنّ نقص السيولة الماديّة تدفع أغلب الملتزمين بالشرع إلى الربا”.
وعلى العكس من الجيزاني، هناك تجّار أباحوا لأنفسهم التّعامل مع المرابين بواسطة فتاوى دينيّة لا يعرف على وجه التّحديد أصحابها، وهي تُبيح الربا بشكل أو بآخر عن طريق أخذ أموال من المُرابي بعملة أجنبية وإعادتها بعملة عراقية أو بالعكس، وبهذه “الحيلة” السيكولوجيّة يجري جعل أموال الربا حلالاً.
وبهذه الطريقة، اضطّرت البطالة الطويلة أحمد جبّار، وهو شاب من بغداد في أواسط الثلاثينيات، أن يشتري سيّارة تاكسي بأموال الربا، إلاّ أنّه يعتقد أنّ الأموال الّتي أخذها بفائدة محدّدة وثابتة ليست رباً أبداً، وقال لـ”المونيتور”: “أخذت من أحد المشغّلين للمال، (وهذا اسم المرابين في العراق)، 10 آلاف دولار، وسأسدّدها بالعملة العراقيّة، وأضيف عليها فائدة بنحو 3 آلاف دولار”.
وعلّقت عضو اللّجنة الماليّة في البرلمان العراقيّ ماجدة التّميمي على هذا النّوع من التّحايل بالقول: “أخذ المال بعملة وتسديدها بعملة أخرى يعدّ التفافاً على الشرع بكلّ تأكيد”، والشريعة الاسلامية تحرم تحديد الفائدة على الأموال مقدماً.
وتنحدر ماجدة التّميمي من أحد أكثر الأحزاب الراديكاليّة الشيعيّة في البرلمان، وهو التيّار الصدريّ، وهي من الشخصيّات الّتي برزت أخيراً بكشفملفّات فساد داخل الحكومة العراقيّة.
ونفت التّميمي في حديث إلى “المونيتور”: “أن يكون لها علم بانتشار ظاهرة الربا بشكل كبير في المجتمع العراقيّ أو ناقشتها اللّجنة الماليّة في البرلمان”، لكنّها سلّمت بأنّ “ضعف السيولة الماديّة قد يدفع الكثيرين إلى هذا الأمر”.
وفي ردّها على سؤال إذا ما كانت ظاهرة الربا تؤثّر على الإقتصاد الوطنيّ، قالت: “إنّها حالة بين أفراد في المجتمع، وليس لها أيّ تأثير على الإقتصاد الوطنيّ… إلاّ أنّه يجب الانتباه إليها”.
وفي المقابل، رأى الخبير الإقتصاديّ ميثم لعيبي، وهو أستاذ علم الاقتصاد في جامعة المستنصرية في بغداد، أنّ “ظاهرة الإقراض (الربويّ) ليست جديدة على المجتمع والإقتصاد العراقيّين”، وقال لـ”المونيتور”: “إنّ الحكومات العراقيّة لن تستطيع الحدّ من هذه الظاهرة من خلال فرض إجراءات قسريّة بمنعها ومعاقبة المتعاملين بها”.
أضاف: “إنّ تقليل هذه الظاهرة يأتي من خلال تنشيط النّظام المصرفيّ ومنح قروض ميسّرة وتدعيم النّظام المصرفيّ بأنظمة الدفع الإلكترونيّة المتعدّدة وتسهيل الإجراءات للمتعاملين، خاصّة في ما يتعلّق بالقروض القصيرة الأجل والموجّهة للمشاريع الصغيرة والمتوسّطة”.
وفي السّياق نفسه، لا يرى عضو مجلس إدارة البنك المركزيّ ماجد الصوري أنّ “هناك مشكلة في إقراض التجّار”، لافتاً إلى وجود “الشركة العراقيّة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسّطة الّتي يبلغ رأسمالها نحو 14 مليار دولار”، إلاّ أنّه ذهب أبعد في تشخيص خلل بالإقتصاد العراقيّ ككلّ، وهو أنّ “الإقتصاد العام لا يسمح بتوفير الأموال لتنمية المشاريع الصغيرة بسبب اعتماده على الاستثمار”، حسب قوله.
وقال أيضاً: “إنّ حزمة الإصلاحات الجديدة الّتي أقرّتها حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي تعمل على تعديل هذا الخلل من خلال دعم الاستثمار والمشاريع المحليّة”.
وإزاء ذلك، اتّصل مراسل “المونيتور” بأربعة مصارف أهلية خاصّة من أجل التّعليق على الروتين الموجود في التّعامل مع التجّار، إلاّ أنّها رفضت كلّها التحدّث عن هذا الشأن. ووحده مدير مصرف خاصّ، رفض الإشارة إلى اسمه، قال لـ”المونيتور”: “إنّ المشكلة هي عدم وجود آليّات تضمن إعادة الأموال الّتي تمنح كقروض للتجّار في حال أخلّ المقترضون ببنود العقود الموقّعة معهم”. أضاف: “إنّ السلطة العراقية ضعيفة، وليست قادرة على ضمان حقوق المصارف”.
وفي واقع الحال، لا يبدو أنّ هناك خطّطاً واضحة لتسيير الإقتصاد العراقيّ. فضلاً عن ذلك، فإنّ الفوضى الأمنيّة والسياسيّة الّتي يعيشها العراق منذ أكثر من عقد، تجعل الصعوبات كبيرة أمام نشوء حركة مصرفيّة تساعد في دعم الإقتصاد المحليّ، وخصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسّطة.
المصدر: نبض العراق ، 29 سبتمبر 2015
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2015/09/iraq-banking-loans-riba-usurers-smes-interest-shariah-fatwa.html
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية