نشرت جريدة الصباح بتاريخ 19/10/2015 عرضاً بعنوان “الاصلاح الضريبي يوفر مليارات الدولارات سنويا” بقلم شكران الفتلاوي. أنتهز هذه الفرصة لإلقاء بعض الأضواء، بشكل سريع، على بعض ما ورد فيه في التعقيب الاتي.
ارى ان اغلب المقترحات المطروحة للخروج من الازمة، وخاصة من مسؤولين كبار (بيدهم مصير اقتصاد وشعب)، لا تنمُّ عن فهم واضح لطبيعة وخصوصية الاقتصاد العراقي.
إن مزاد العملة اداة مهمة لإدارة سياسة التعويم النظيف، وتحقيق الاستقرار النقدي والسعري، وإن الغائه خطأ كارثي يقود الى آثار اقتصادية واجتماعية لا يحمد عقباها. أقول هذا بالرغم من الاستغلال السيء لمزاد العملة من قبل بعض المصارف الخاصة وشركات التحويل المالي من خلال إعادة تدوير العملة بسعرها السوقي.
كما أن تخفيض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار (رفع سعر الصرف الأجنبي) هو تصرفٌ ساذج في ظل واقع الاقتصاد العراقي الريعي، إذ أن اكثر من 90% من صادراتنا تتمثل بالبترول وأن اكثر من 80% من متطلبات السوق العراقي تستورد من الخارج. لذلك، فنحن نخسر في كلا جانبي الميزان التجاري، فضلاً عن أن هذا الإجراء له انعكاسات سعرية خطيرة.
اما الاصلاح الضريبي الذي اشار له محافظ البنك المركزي فهو تهربٌ من قبله ودفع الاذى على وزارة المالية. إن نسبة الايرادات الضريبة الى الناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 3% ونعرف ان الضريبة إما أن تكون مباشرة على الدخل الشخصي أو دخل الشركات وغيرها كضريبة التركات ..الخ. أو غير مباشرة، كضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات ومنها ايضاً الضرائب الكمركية.
ونعلم ان أثر الضريبة يكون مباشراً على الافراد. لذلك فإن الضريبة لا تفرض إلا بقانون ومن قبل مجلس النواب. ورفع مستوى العبء الضريبي يرهق من كاهل المُكلَّف العراقي، سواء مباشرة على دخله الشخصي او بصورة غير مباشرة، لأنه يتم نقل عبئها عن طريق تضمينها في سعر السلعة او الخدمة. ويجب أن لا يسمح بخصومات من وعاء الضريبة إلا لأسباب تتعلق اما بتشجيع المدخرات والاستثمارات باعتبار أن الغرض الرئيسي للنظام الضريبي في الدول النامية ومنها العراق هو تعبئة الموارد القومية من اجل تحقيق معدلات مرتفعة من التراكم الرأسمالي. اما في مجال الضرائب غير المباشرة فإن الدول النامية تعتمد بصفة اساسية عليها، وخاصة الضرائب الكمركية. ومن الملاحظ انه مع استمرار عملية التنمية الاقتصادية تتجه حصيلة هذه الضرائب الى التناقص مما يسبب جمود النظام الضريبي. فمن المعروف أن مجهودات التنمية الاقتصادية تعيد تشكيل هيكل الواردات والصادرات. فمن ناحية التحصيلات الكمركية، التي اشار لها السيد العلاق، من ناحية الصادرات، وكما ذكرنا فإن صادراتنا غير النفطية لا تتجاوز 7%. اما من ناحية الواردات، فإن فرض ضرائب كمركية على سلع الانتاج الوسيط والسلع الاستثمارية ليس من صالح الدول النامية ومنها العراق، لأن ذلك من شأنه أن يعيق عملية التكوين الرأسمالي وعدم تشغيل الطاقة الانتاجية المعطلة بالكامل، مع العلم ان النسبة الاكبر من الاستيرادات استهلاكية وهذه في حالة رفعها (أعني رفع نسبة الضريبة عليها) لها اثار سعرية مهمة على الاقتصاد المحلي، وهو الأمر الذي يجب أن يراعيه النظام الضريبي ويعمل على تحقيقه باعتبار أن المشكلة الرئيسية التي تواجه الدول النامية هي تشجيع كلٍ من الادخار والاستثمار اللازم لبناء الجهاز الانتاجي.
اما اقتراح محافظ البنك المركزي اصدار سندات دين محلية فهو يعكس فشل دولي للبنك المركزي العراقي في اصدار سندات دين دولية، بعد ان صنفت مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية السندات العراقية، في حالة اصدارها، بانها سندات خردة لا قيمة لها. ثم كيف يفكر البنك المركزي في اصدار سندات دين محلية والاقتصاد العراقي يعيش حالة من الركود التضخمي. فعلى الرغم من الكتلة النقدية الهائلة داخل الاقتصاد إلا ان الجزء الاكبر منها خارج التداول بسبب شيوع ظاهرة الاكتناز. والذي يعيش الواقع الحالي يجد ركوداً اقتصادياً مصحوباً بشحة العملة في التداول وارتفاع محسوس في فقرات مهمة في مؤشر اسعار المستهلك. ومع طاقة انتاجية معطلة وارتفاع نسب البطالة ونسب السكان تحت خط الفقر، التي يشير تقرير حديث انها تجاوزت 20% من حجم سكان العراق، من يشتري هذه السندات، فضلاً عن ان اقليم كردستان خارج سيطرة البنك المركزي و 30% من ارضنا تحت سيطرة داعش. فهل يقصد محافظ البنك المركزي ان محافظات الوسط والجنوب هي من تقوم بتمويل عجز الموازنة وهي محافظات اغلبها متهالكة وتصنف ثلاث محافظات منها بالأكثر فقراً وتعاني من معدلات بطالة عالية. ثم هل أن الوضع الاقتصادي والسياسي والعسكري يدعم اصدار مثل هكذا سندات، والثقة بالحكومة يعد عاملاً مهماً في نجاح هذا الإجراء وهذا مفقود للأسباب المذكورة في اعلاه. فضلا عن أن هناك دعوات لإنشاء اقليم البصرة، واقليم الجنوب، واقليم الفرات الاوسط، مما يعكس فشل الحكومة في كسب ود وثقة الافراد بأدائها.
اما فيما يتعلق بإجراء مسح شامل للأراضي والمباني المؤجرة والشاغرة وأقيامها وايراداتها، واتخاذ الاجراءات المناسبة بشأن ايجارها او بيعها او استثمارها لتعظيم الايرادات المالية من خلال استغلالها بشكل اقتصادي كفوء، فاعتقد بأنه كلام لذر الغبار في العيون، لان السيد العلاق على يقين كامل ان الدومين ( املاك الدولة ) مستباحة ومصادرة: بعضها بوضع اليد والاخر بقيمة رمزية للأحزاب الحاكمة والتي لم ولن تتنازل عنها ولا تلتزم بأي قانون او إجراء وهذا معروف للكل.
اما الحلول للخروج من الازمة فستكون موضوعاً لمقال اخر.
(*) استاذ النظرية الاقتصادية، جامعة القادسية
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس وبأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 25 تشرين الاول/اوكتوبر 2015
الآراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن رأي كاتبها فقط وهو الذي يتحمل المسؤولية القانونية والعلمية
الف تحية لكم الاستاذ العزيز الدكتور نبيل الجنابي المحترم
اتمنى ان التقيكم في القريب العاجل
مع فائق الود والتقدير
مظهر محمد صالح
اسف للخبير والمفكر الأول في العراق دكتورنا العزيز مظهر محمد صالح ، لاني أرى هناك خير في الأفق مادامت السلطة الحاكمة تستعين بخبراتك العلمية ، لم اقرا تعليقكم وانا لي الشرف الرفيع ان التقي بكم مرة ثانية بعد اكثر من ست سنوات من لقائي الأخير معكم في ندوة الازمة العالمية لعام 2008 وانعكاساتها على العراق والبلدان العربية التي نظمت في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة القادسية والتي احتفت الجامعة بقدومكم والقاء محاضرة قيمة كان لها صدى واسع كما عهدناك … صاحب علم وفكر متقدم على الاخرين … تحياتي القلبية مع فائق الاحترام والتقدير ….