(1)
كتبنا قبل أيام مقالاً حول غياب التأمين في مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية، واليوم نكتب عن غياب مماثل للتأمين في مشروع قانون صندوق الإعمار والتنمية العراقي. يبدو أننا نعاني من حالة إهمال مؤسسي متوطن للتأمين فخلال فترة قصيرة نطلع على مشروعي قانون، يبدو أنهما صدرا في وقت متقارب، سيؤثران في تقرير مصائر الاقتصاد العراقي، إن تم تشريعهما، دون أي اعتبار لدور التأمين كأداة حماية من الأضرار والخسائر العرضية، وربما بالتالي إغفال أو تجاوز شركات التأمين العراقية. يعني هذا، باختصار، أن تكامل قطاعات الاقتصاد العراقي ليس وارداً في تفكير أصحاب القرار.
لن نتناول في هذه الورقة تقييم هذا المشروع القانونين، ونترك ذلك لأصحاب الاختصاص، إذ أن موضوعنا هو التأمين لكننا نكتفي بملاحظة واحدة وهي أن كلا المشروعين لا يعيران تجارب الماضي أي انتباه في “الأسباب الموجبة” لهما فلا نجد في هذه الأسباب إشارة إلى مجلس الإعمار أو إلى شركة النفط الوطنية. هذه القطيعة التاريخية مع الماضي تعكس ذهنية اقتصاد السوق واللبرالية الجديدة للواقفين وراء هذين المشروعين لأن الماضي يُذكّر بنموذج اقتصادي آخر، رغم ما كان يعتوره من نقص أو إشكاليات. المهم أن يتماشى الجديد المقترح، مستفيداً إلى حدٍ ما من تجربة التنمية في كوريا الجنوبية، مع وصفات الحلف الثلاثي غير المقدس: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
(2)
تُفصّل المادة (37) من مشروع القانون الأقسام التي ترتبط بمجلس الإدارة وهي خمسة عشر قسماً تبدأ من قسم التخطيط وتنتهي بقسم العلاقات العامة وبينهما يرد قسم العقود والقسم القانوني. ولا يرد ذكرٌ لإدارة الخطر أو التأمين أو كليهما معاً. لماذا هذا الغياب في الهيكل التنظيمي لهذا الصندوق العملاق؟ ليس لدينا جواب على هذا السؤال وما علينا إلا إثارة المزيد من الأسئلة مثلما فعلنا في مقالتنا حول مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية. ونسأل:
- هل أن غياب مثل هذا القسم (قسم إدارة الخطر والتأمين) جاء سهواً من قبل واضعي مشروع القانون، وربما سيلتفتون إليه عند مناقشة ومراجعة مشروع القانون؟
- هل أن النية متجهة إلى تحويل مسؤولية شراء التأمين على المشاريع المختلفة للصندوق أثناء الإنشاء والتشغيل إلى المقاول الرئيسي والمقاولين الثانويين؟
- هل أن الوظيفة التأمينية لدى الصندوق ستنحصر بتدقيق وثائق التأمين التي قد يقدمها، أو لا يقدمها، المقاولون؟
- هل أن الوظيفة التأمينية ستكون من مهام أحد أقسام الصندوق كقسم العقود أو القسم القانوني؟
أسئلة كهذه وغيرها تنتظر الإجابة والتوضيحات من واضعي مشروع القانون. نأمل أن يعمل المهتمون بالأمر، وخاصة جمعية التأمين العراقية، الحصول عليها للفائدة العامة والتوصل إلى وضع الأحكام المناسبة بعد مناقشتها.
(3)
وعلى أي حال، نرى أن يهتم مديرو الصندوق بجملة من القضايا ذات العلاقة بتأمين المشاريع سنشير بعجالة إلى بعضها. وقبل ذلك من المفيد الإشارة إلى بعض وثائق التأمين المطلوبة ومنها على سبيل المثال: وثيقة التأمين البحري-بضائع (لتغطية المواد والمكائن وغيرها الداخلة في المشروع ابتداءً من مصادرها في الخارج لحين إنزالها في موقع المشروع)، وثيقة جميع أخطار المقاولين/وثيقة جميع أخطار النصب أو ما يقترب منها (لتغطية الأضرار المادية في موقع المشروع أساساً أثناء فترة الإنشاء وفي أثناء فترة الصيانة أو ما يعرف بفترة اكتشاف العيوب في التصميم والمصنعية والمواد)، وثيقة تأمين المسؤولية المهنية (وخاصة في عقود التصميم والإنشاء)، المسؤولية المدنية (من الأضرار البدنية بما فيها الوفاة وأضرار الممتلكات التي تلحق بالأطراف الثالثة والناشئة من أعمال المشروع)، تأمين إصابات العمال أو ما يعادلها، المسؤولية العشرية (وهي مسؤولية قانونية ينص عليها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل، المادة 870 )، التأخير في تشغيل المشروع (خسارة الإيرادات المتوقعة).
(4)
أما بعض القضايا التأمينية الأساسية التي نرى أن تستأثر بعناية الصندوق فهي، على سبيل المثال:
- اشتراط التأمين على المشاريع، في جميع مراحلها، لدى شركات تأمين عراقية مسجلة في العراق ومرخصة من قبل ديوان التأمين. بفضل حجم المشاريع ستضطر شركة التأمين العراقية، التي يرسو عليها تأمين المشروع، إلى ترتيب حماية إعادة التأمين الاختياري للمشروع في أسواق التأمين العالمية. ولذلك يتعين على الصندوق تدقيق المتانة المالية والقدرة على تسديد التعويضات لدى معيدي التأمين. وهو ما يمكن النص عليه في عقد الإنشاء من خلال تحديد تصنيف معيد التأمين من قبل الشركات المختصة للتصنيف الائتماني في هذا المجال مثل ستاندرد أند بورز.
- ربط صرف مستحقات المقاول مع إبراز شهادة أو وثيقة تأمين أصولية صادرة من شركة تأمين عراقية (وليس الاكتفاء بوصل قبض لقاء قسط تأمين غير فني بديلاً عن وثيقة التأمين). وهذا مطلب مهم للتعرف على مدى مطابقة الغطاء التأميني مع شروط عقد الإنشاء وعلى وجه الخصوص شروط التأمين والتعويض.
- أثناء صياغة عقد الإنشاء يجب أن يقرر الصندوق إن كان سيتولى مسؤولية شراء التأمين على المشروع principal-controlled أو يُحوّل هذه المسؤولية على المقاول contractor-controlled.
- ضمان أن تكون صياغة وثائق التأمين للمشاريع من نمط الوثائق المتعارف عليها في صناعة الإنشاء، وذات صياغة موسعة. وكذلك ضمان حقوق الصندوق عندما يكون شراء وثائق التأمين من مسؤولية المقاول.
(5)
قلت بأن مشروع هذا القانون، سوية مع مشروع قانون شركة النفط الوطنية العراقية، سيؤثر على مصائر الاقتصاد العراقي ويأتي ذلك من كون صندوق الإعمار والتنمية العراقي المقترح بمثابة المستثمر الرديف الأكبر لشركة النفط الوطنية العراقية. إهمال الصندوق للتأمين، وخاصة إذا ترجم ذلك نفسه بإهمال قطاع التأمين العراقي، فإننا بذلك سنكون قد فقدنا أي أثر إيجابي على نمو وتطوير صناعة التأمين العراقي (في تقديم المنتجات التأمينية الحديثة والمعقدة والتعاطي معها وكذلك الخدمات المرتبطة بها) من خلال الارتباطات الخلفية backward linkages. مثلما سنكون قد فوتنا على أنفسنا فرصة الاستفادة من الموارد المحلية (العمالة والبنوك والتأمين والشركات الخدمية وغيرها من شركات القطاع الخاص) وتحقيق تكامل بين قطاعات الاقتصاد الوطني.
لتنزيل نص قانون صندوق الاعمار والتنمية انقر على الرابط التالي
Iraqi Law on Construction and Development Fund
* كاتب في قضايا التأمين
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 21 آذار 2016
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
فرصة لتعزيز مكانة قطاع التأمين العراقي
بمناسبة انعقاد مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق،
12-14 شباط/فبراير 2018
(1)
نُشر الكثير من التعليقات والمقابلات في وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية عن مؤتمر الكويت، لكن أياً منها، وحسب اطلاعي المحدود، لم يُشر إلى التأمين من قريب أو بعيد (سأكون شاكراً لمن يدلّني على مصدر ورد فيه ذكر للتأمين). كان آخر ما قرأته خبرٌ منشور في جريدة طريق الشعب (12 شباط 2018، ص2، http://tareeqashaab.com/images/TariqPDF/2018/2/12.pdf) أقتطف منه الآتي كخلفية لتعليقي:
“وأفاد المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، مظهر محمد صالح، بأن مؤتمر المانحين في الكويت سيغطي كل المحافظات العراقية المتضررة بشكل مباشر وغير مباشر من داعش، مبينا الحاجة لنحو 100 مليار دولار لإعادة الاعمار وتعويض الاهالي.
وقال صالح لموقع “شفق نيوز”، ان “المحافظات المتضررة من الارهاب بشكل مباشر بحاجة الى نحو 47 مليار دولار لإعادة البنية التحتية من جسور ومصانع وجامعات ومراكز وطرق وسدود، وكذلك ستحتاج الى قرابة 43 مليار اخرى لتعويض ممتلكات المواطنين”.
(2)
يُفترض أن اللجنة العليا للاستثمار والإعمار بإشراف ورئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي، أو اللجان أو المستشارين المساهمين في الإعداد للمؤتمر، قد أخذت بنظر الاعتبار موضوع تأمين “إعادة البنية التحتية من جسور ومصانع وجامعات ومراكز وطرق وسدود” بكلفة تقديرية بمقدار 47 مليار دولار. هذه البنية التحتية تحتاج إلى برنامج تأميني تضم مجموعة من وثائق التأمين ومنها على سبيل المثال:
“وثيقة التأمين البحري-بضائع (لتغطية المواد والمكائن وغيرها الداخلة في المشروع ابتداءً من مصادرها في الخارج لحين إنزالها في موقع المشروع)، وثيقة جميع أخطار المقاولين/وثيقة جميع أخطار النصب أو ما يقترب منها (لتغطية الأضرار المادية في موقع المشروع أساساً أثناء فترة الإنشاء وفي أثناء فترة الصيانة أو ما يعرف بفترة اكتشاف العيوب في التصميم والمصنعية والمواد)، وثيقة تأمين المسؤولية المهنية (وخاصة في عقود التصميم والإنشاء)، المسؤولية المدنية (من الأضرار البدنية بما فيها الوفاة وأضرار الممتلكات التي تلحق بالأطراف الثالثة والناشئة من أعمال المشروع)، تأمين إصابات العمال أو ما يعادلها، المسؤولية العشرية (وهي مسؤولية قانونية ينص عليها القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل، المادة 870)، التأخير في تشغيل المشروع (خسارة الإيرادات المتوقعة).”
(3)
المسألة المهمة، فيما يخص تأمين المشاريع الاستثمارية، هو ضمان إشراك شركات التأمين العراقية، المرخصة من قبل ديوان التأمين، بالاكتتاب بهذه الوثائق وغيرها. ربَّ قائل يقول بأن حجم الاستثمارات المتوقعة عالية ولذلك فهي خارج القدرات الاكتتابية لهذه الشركات. يراد من هذا القول استبعاد شركات التأمين العراقية، وإبقاء الباب مفتوحاً أمام المستثمرين للتأمين خارج العراق (وهناك حالات لعقود الدولة لم يجر التأمين عليها داخل العراق بشكل أو آخر).
لنتذكر أن شركات التأمين العراقية لا تعمل في فراغ وفي عزلة من أسواق التأمين الدولية. فمعظم هذه الشركات تتعامل مع وسطاء عالميين محترفين لإعادة التأمين وكذلك شركات إعادة تأمين عالمية مرموقة. وهؤلاء هم في وضع يستطيعون معه التعاون مع شركات التأمين العراقية للاكتتاب بتأمين مشاريع إعادة إنشاء البنية التحتية من جسور ومصانع وجامعات ومراكز وطرق وسدود وغيرها.
(4)
ومن المناسب هنا أن نستحضر ونستلهم أيضاً، مع أخذ الفوارق بنظر الاعتبار، تجربة سوق التأمين العراقي خلال سبعينيات القرن الماضي عندما كانت العشرات من المشاريع الهندسية الكبيرة تنفذ في أنحاء مختلفة من العراق، وكانت شركة التأمين الوطنية (وقتها كانت شركة التأمين الوحيدة المرخصة بمزاولة التأمينات العامة، تأسست سنة 1950) تتولى، وبحرفية عالية، التأمين على هذه المشاريع بالتعاون مع وسطاء عالميين لإعادة التأمين وشركات عريقة لإعادة التأمين. وكان لشركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960) دورها في الاحتفاظ بنسب جيدة من أخطار التأمين على هذه المشاريع.
(5)
نأمل أن تتكشف تفاصيل التأمين على المشاريع الاستثمارية كي تستطيع شركات التأمين العراقية أو جمعية التأمين العراقية تحديد موقفها وتستعد لمقابلة طلبات المستثمرين للحماية التأمينية، مثلما يستطيع ديوان التأمين إصدار تعليمات مناسبة لضمان حصر التأمين المباشر مع شركات التأمين المرخصة من قبله. وقد أكون مفرطاً في التفاؤل أن أكرر الدعوة لإعادة النظر ببعض أحكام قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 لضمان مساهمة قطاع التأمين في توفير الحماية التأمين لهذه المشاريع.
مصباح كمال
12 شباط 2018