سوق العمل وسياسات التشغيل

علي المعموري: المحاماة في العراق … طاقات مهدورة في سوق شحيح

يظهر دليل الطالب للقبول المركزي في الجامعات العراقية 2015-2016، أن هناك (19) كلية قانون حكومية، بينما في دليل شروط وتعليمات التقديم إلى الجامعات والكليات الأهلية لذات العام (29) كلية قانون أهلية معترف بها، وهي كليات ذات شروط بسيطة جدا للانتماء لها من ناحية مجموع الدرجات في السادس الاعدادي كما يظهر من الدليل ذاته. نتيجة لذلك كله، فقد تزايد عدد المنظمين إلى مهنة المحاماة في العراق بشكل كبير جدا وصل حد التخمة، بما أضر حتى بالأجور التي يتقاضاها المحامي في ظل التنافس الشديد بين الاعداد الكبيرة.
أخذت مهنة المحاماة في تاريخ العراق الحديث مكانا مهما، سواء بما لعبه المحامون من أدوار سياسية، كأول النخب التي تصدرت الوظائف الحكومية والحراك السياسي في العهد الملكي، أو عبر نقابة المحامين ذاتها، وقد شكل المحامون لوقت طويل في العراق نخبة مجتمعية حظيت بالاحترام، خصوصا لقلة عدد المحامين قبل العام (2003) كنتيجة لعدد كليات القانون المحدود في العراق.
ولكن بعد العام (2003) والتوسع الكبير في استحداث الجامعات الحكومية والأهلية في العراق، فإن عدد كليات القانون قد زاد بشكل ملحوظ جدا، رافق ذلك تراجع سوق العمل العراقي، وتزايد اعتماد العراق على النفط، وما يلازم الاقتصاد الريعي عادة من تحول الدولة إلى رب العمل الاكبر، مما قلص فرص العمل أمام خريجي الكليات المختلفة، وحفّز الطلاب في المراحل الإعدادية المنتهية إلى البحث عن كليات تتيح لهم عملا في حال فشلوا في الحصول على وظيفة حكومية.
ساعد على ذلك أن قانون المحاماة العراقي النافذ سهّل شروط الانتساب لنقابة المحامين أمام العراقيين، فعدا الشروط المتعلقة بحسن سيرة وسلوك طالب الانتساب إلى النقابة، فإنه لم يشترط سوى شهادة في القانون من كلية معترف بها أمام الحكومة العراقية.
من بغداد تحدث للمونتيتور المحامي السابق إياد الجمعة (35 سنة) ونقل عن عضو هيئة الانتداب في غرفة ذات السلاسل في محكمة العطيفية مثلا ــ وهي إحدى المحاكم التابعة لمجلس لرئاسة محكمة استئناف بغداد/الكرخ الاتحادية ــ بأن الغرفة كانت تسجل خلال الأشهر الماضية ما لا يقل عن (40) محاميا جديدا أسبوعيا، ويستطرد الجمعة قائلا: إن هذا قاد لأن يتفق بعض المحامين على أتعاب عقد بمبلغ تافه لا يتجاوز (25) ألف دينار عراقي، ناهيك عن مشاكل أخرى تتعلق بالسمسرة، في ظل عدم توفر حماية كافية للمحامي، ومخاطر العمل في المحاماة تطرق لها أيضا نقيب المحامين العراقيين السابق ضياء السعدي في نقده لمسودة قانون المحاماة العراقي الجديدة.
بينما ذكر ماجد نجم عبد الله من إدارية غرفة نقابة المحامين في النجف أن عدد المحامين في الغرفة قد بلغ حوالي (4000) آلاف محامي، وهو رقم ضخم جدا في محافظة عدد سكانها لا يتجاوز المليون ونصف تقريباً مما جعل غرفتها من أكبر غرف المحامين في العراق.
ورغم أن نقابة المحامين قد أصدرت أمراً إدارياً بالعدد (101/م، بتاريخ 9/5/2016) شددت فيه من ضوابط القبول، واشترطت ملئ استمارة من عدة صفحات كان من بين شروطها الحصول على تزكية من خمسة محامين في غرفة النقابة التي تقع في محافظة طالب الانتساب، لكن ذلك لم يغير كثيرا من واقع الحال.
ومن النجف يذكر المحامي محمد آل مظلوم (28 سنة) بأنه يعمل في المحاماة منذ 6 سنوات، ويشكو في ذات الوقت من شحة سوق العمل، في ظل وجود آلاف من الشباب المحامين ينافسهم المحامون الكبار، ذوي التاريخ القديم والمعارف الكثيرون في المحاكم، حتى لم يتركوا سوى عدد قليل من الدعاوى ليتولاها الشباب، بل يذكر أن هناك من موظفي الدولة ممن تمت إحالتهم إلى التقاعد، قد حصلوا على شهادة في القانون من جامعات أهلية غير منضبطة وانضموا إلى مهنة المحاماة رغم سنهم الكبير محدثين ضغطاً إضافيا على سوق العمل.
وأكّد آل مظلوم ذات المشكلة التي ذكرها زميله في بغداد أياد الجمعة، وهي اضطرار المحامين إلى القبول بأجور متدنية جداً مقابل جهودهم الكبيرة في ظل الترهل التشريعي العراقي والاجراءات القانونية والإدارية العراقية المعقدة، فضلا عن الفساد الإداري الذي يعرقل سير الإجراءات القانونية.
ورغم أن مسودة قانون المحاماة المعروضة على مجلس النواب العراقي قد تضمنت إنشاء معهد للمحاماة، ومنع المتقاعدين من الوظائف الحكومية من الانتماء للنقابة، إلا أن مسودة القانون لا تزال محل جدل في مجلس النواب العراقي ولم تصدر حتى هذه اللحظة، بل انها غير منشورة على موقع المجلس، وهو ما يشكل استمرارا للوضع الحالي الذي لا يلتفت للتوسع الكبير في عدد المحامين في العراق، ويمكن أيضا هنا الرجوع إلى ما كتبه نقيب المحامين السابق ضياء السعدي في مقال آخر تناول مشروع القانون أوضح فيه الدور المهم الذي يقع على عاتق النقابة أن تؤديه بهذا الشأن.
إن هذه المشكلة لها أبعاد تنموية سيئة جداً، فبقدر ما تركز تقارير التنمية المستدامة على ضرورة تمكين الشباب وتوفير فرص العمل. فإن مشكلة الاقتصاد الريعي العراقي التي انعكست على سوق العمل وربطت العجلة الاقتصادية بالنفط، قاد إلى ترهل جهاز الدولة الإداري وربط القدرة على التوظيف الحكومي بالعلاقات الحزبية. وذلك حسب ما فصله د. سليم الوردي في كتابه “الاستبداد النفطي في العراق المعاصر” الصادر عام 2013.
والحال أن المشكلة الاقتصادية تنعكس على المهن التي لا تتطلب دعما سياسيا للانتماء لها مثل مهنة المحاماة، التي يمكن القول أن الكثيرين من المنتمين لها لم يكونوا راغبين فعلا بذلك لولا الحاجة إلى العمل.
(*)علي عبد الهادي المعموري باحث عراقي متخصص بعلم السياسة يركز على الاجتماع السياسي والسياسات العامة بوجه خاص صدر له كتاب “سياسة الأمن الوطني في العراق”. له مساهمات بحثية عديدة فيما يخص الأمن الوطني العراقي والاجتماع السياسي.
Ali Al-Mamouri image
المصدر: نبض العراق- 8 ايلول / سبتمبر 2016
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2016/09/lawyers-iraq-economy-university.html
 
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: