قطاع التأمين الوطني والاجنبي

فاروق يونس: حوار افتراضي بين تاجر جملة ومدير في شركة تامين

التاجر: استاذ انا تاجر جملة مستورد ومتخصص باستيراد الاجهزة الدقيقة والورق والقرطاسية أفكر في التأمين ضد الحريق وضد السرقة لدى شركتكم.
 
مدير التأمين: اهلا وسهلا تفضل بالجلوس.
 
التاجر: كما تعلم حصلت لدينا في سوق الجملة خلال السنوات الاخيرة الكثير من حوادث الحريق والسرقات وبدأ ينتابني شعور بالخطر على المواد الكثيرة والمتعددة الاصناف والقابلة للاشتعال السريع او التعرض للسرقة في مخازني.
 
مدير التأمين: صحيح شعورك بالخطر دليل على الوعي.  نعم الخطر هو العنصر الذي تدور حوله صناعة التأمين – الخطر هو الشك في وقوع الخسارة.
 
التاجر: انا اتوقع وقوع شيء يشبه الخطر ومحتمل الوقوع في المستقبل وهذا ما يدفعني لحماية نفسي واموالي من هذا الخطر المحتمل.
 
مدير التأمين: نحن العاملون في صناعة التأمين نتحسس دائما من امكانية وقوع نتائج سلبية من اي حدث.  نحن دائما في حالة من الشك والريبة واحتمال عدم امكانية التكهن وما إذا كانت خسارة ستحدث وتكون موضوعاً للمطالبة بالتعويض في اي عقد من عقود التأمين.
 
التاجر: عفوا ما معنى التأمين ولو باختصار، رجاء؟
 
مدير التأمين: هو حماية من اي خطر غير مؤكد مقابل التزام مالي، اي قسط التأمين.  نحن في شركات التأمين نقوم بالتأمين على عدد كبير من الأخطار (مصانع، محلات تجارية، دور سكنية، بضائع منقولة براً وبحراً، حوادث شخصية، مسؤوليات قانونية … الخ) ونجمع أقساط التأمين التي نستوفيها في صندوق ونستخدم هذا الصندوق كمصدر للتعويض عن الخسارة التي تلحق بعض المؤمن لهم.  وعندما يكون موضوع التأمين كبيراً نقوم (بتفتيته) الى اخطار صغيرة يمكن تحملها، نحتفظ بجزء منها لحسابنا ونقوم بإعادة تأمين الأجزاء الأخرى لدى شركات أخرى تعرف باسم شركات إعادة التأمين.  فعلى سبيل المثل، حصول حريق في مصنع للورق خطر كبير لكن الاقساط التأمينية المدفوعة عنه لا يمثل إلا نسبة صغيرة من مبالغ تأمين المصنع ولكننا نستطيع تحمُّل كلفة تعويض الحريق بفضل أقساط التأمين المتجمعة في الصندوق وبالاعتماد على إعادة التأمين.
 
التاجر: هل تقصد استاذ ان التأمين وسيلة لدفع الاضرار ودرء المخاطر المتوقعة.
 
مدير التأمين: كلامك صحيح إلى حدٍ ما لكن التأمين ليس وسيلة لدرء الأخطار المتوقعة بل توفير وعاء مالي للتعويض عن الأضرار والخسائر الناتجة عن المخاطر غير المتوقعة، وذلك لأن كل ما هو متوقع يصبح موضوعاً للمعالجة خارج التأمين، كاتخاذ الاحتياطيات المناسبة للحيلولة دون تعرض محل التأمين للضرر.  وللعلم نحن في شركات التأمين لا نكتنز الاموال بل نوظفها ونستثمرها في صور متعددة (أسهم وسندات وعقارات)، وهكذا يساهم التأمين في تمويل المشاريع الاقتصادية والاقبال على اقامة مشاريع جديدة وما يترتب على ذلك من رفع مستوى معيشة الافراد.
 
التاجر: بدأت أفكر في التأمين على حياتي ما رأيكم؟
 
مدير التأمين: التأمين استثمار، وهو بديل عن الادخار.  الانسان العاقل وجد ان الادخار الفردي غير كاف فاهتدى الى فكرة جديدة تقوم على اساس تضامن الجماعة وهدفها الاساسي التعاون على تغطية الضرر الذي قد يصيب أحد افراد الجماعة فضمن له الامن والامان ومن هنا اشتقت كلمة التأمين.  وازيدك علماً، إذا طلب رجل اعمال قرض من مصرف في بلد متقدم يقوم المصرف بعمل وثيقة تأمين للحياة مؤقتة محددة بمدة القرض فاذا توفي المقترض تقوم شركة التأمين بدفع المبلغ المتبقي من القرض للمصرف والباقي لورثته الشرعيين.
 
التاجر: هل تخضع جميع انواع المخاطر للتغطية التأمينية؟
 
مدير التأمين: هذا سؤال مهم – لا تخضع جميع انواع المخاطر للتغطية التأمينية بل لابد من توافر مجموعة من الشروط في المخاطر لكي يمكن اخضاعها للتغطية التأمينية ومنها ان تكون الخسائر عرضية وغير مقصودة او متعمدة.  وبالنسبة للمخاطر الكارثية مثل اخطار السيول او غيرها من الكوارث واسعة النطاق فإن شركات التأمين تستطيع تغطيتها إما لوحدها أو بالاشتراك فيما بينها من خلال ما يعرف بمجمعات التأمين.  وحتى بعض أخطار الحروب يمكن تغطيتها ضمن ترتيبات وشروط معينة وخاصة في أسواق التأمين المتقدمة.  وللعلم فإن وثيقة التأمين البحري على البضائع يمكن توسيعها لتغطي حالات الحرب ضمن شروط معينة.  كما يجب تحديد نطاق التأمين بمعنى ان يتم تحديد فترة التأمين الزمنية والنطاق المكاني للوحدة المؤمن عليها.  وطبعا لا يمكن التأمين على اشياء بسيطة الثمن او يمكن تحمل كلفة خسارتها والا يصبح التأمين بغير معنى وانما يتم التأمين على كل ما تؤدي خسارته لضرر اقتصادي كبير للمؤمن له ولا يستطيع هو نفسه تحملها.
 
التاجر: ما هي مصادر الخطورة التي تواجه شركات التأمين؟
 
مدير التأمين: مصادر الخطورة في حياة الانسان كثيرة.  ما يهمنا هناك نوعين من المسببات: اولهما، المسببات الطبيعية التي تنتج بسبب حوادث طبيعية لا دخل للإنسان فيها.  اما النوع الثاني من مسببات الخطورة فهي مسببات الخطورة البشرية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتصرفات الانسان ومن ابسطها الاهمال وخيانة الامانة واشعال الحرائق او تعمد احداث الخسائر وليس لدينا مقياس محدد للمخاطر وانما يتم قياسها بناء على الظروف والمعلومات المتاحة.  طبعا هناك ادارة للمخاطر تعمل وتحاول تجنب الخسائر بتوقعها ومواجهتها حال حدوثها وتقليل اثارها الى أدنى حد ممكن في حدود الامكانيات المتاحة لشركة التأمين ومؤسساتها او من يديرون الخطر.
 
إن التأمين جزء من ادارة المخاطر وهو نظام يهدف لحماية الافراد والمؤسسات من الخسائر المادية التي يمكن ان تحدث بسبب اخطار خارج نطاق ارادتهم.  شركات التأمين تقوم، مثلاً، بتأمين الأموال (الممتلكات العينية) من خطر الحريق أو السرقة حيث ان مثل هذه الأخطار يمكن قياسها ماليا، اما الاخطار المالية الصرفة، كالمضاربة في سوق الأسهم والسندات، فهي من الاخطار التي لا تقبل شركات التأمين تأمينها، وذلك لأن المضاربة يمكن أن تؤدي إلى خسارة أو ربح في حين أن التأمين معنيٌّ فقط بالتعويض عن الخسارة.  وأضيف إلى ذلك أن شركة التأمين تغطي خسارة الأرباح الناتجة عن توقف الإنتاج بسبب حادث حريق أو انفجار وغيرها من الحوادث العرضية.
 
التاجر: شكرا استاذ على هذه المعلومات المفيدة لكن سؤالي انا هو أنني اريد التأمين ضد الحريق وضد السرقة كما بينت لكم سابقا.  ما هو المطلوب مني في شروط عقد التأمين؟
 
مدير التأمين: هناك مبادئ عامة للتأمين سأقوم باطلاعك عليها بالتفصيل.  طبعا انت يهمك التعويض وهو أحد المبادئ المهمة الى جانب المصلحة التأمينية وغيرها من المبادئ ولكن المهم ان تعرف مبدأ حسن النية بمعنى ان تدلي الى الشركة بجميع الحقائق او الامور الجوهرية المتعلقة بالخطر الذي تريد التأمين عليه، ونحن من جانبنا كشركة تأمين سنقوم باطلاعك على جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بشروط عقد التأمين سواء بالنسبة للحريق او السرقة.
 
التاجر: شكرا جزيلا.
 
* خبير اقتصادي
 
أشكر الزميل مصباح كمال على مراجعته لهذا الحوار.
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر
20 حزيران 2017

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    عزيزي الأستاذ فاروق
    أشكرك على تقديم هذه المعلومة. لم يسبق لي إن اطلعت على مثل هذه الدراسة، وسأكون ممتناً لك لو هديتني إلى كيفية الحصول على نسخة من دراسة دائرة البحوث في مجلس النواب.
    ذكرتَ بأن الدراسة لم تُشر إلى دور شركات التأمين في تغطية الخسائر الناشئة عن حالات الحريق. تُرى هل هناك أية إشارة للكلفة الاقتصادية لهذه الحرائق. عادة ما يجري في دراسة الخسائر، المترتبة على حوادث الحريق أو الانفجار أو الكوارث الطبيعية وغيرها، التمييز بين الخسائر التأمينية (الخاضعة للتعويض بموجب وثائق التأمين) والخسائر الاقتصادية (غير الخاضعة للتعويض من وثائق التأمين، وربما تخضع لأشكال من التعويض من قبل المؤسسات الحكومية). تقدير هذه الخسائر ليس سهلاً لكن بالإمكان الوصول إلى أرقام تقديرية. فبحسب دراسة رصينة صادرة من (الشركة السويسرية لإعادة التأمين) للكوارث الطبيعية والبشرية “كان هناك 327 حوادث كارثية في عام 2016، 191 منها كانت كوارث طبيعية و 136 منها من صنع الإنسان. وعلى الصعيد العالمي، هلك تقريباً 11,000 شخص أو فقدوا في الكوارث. وبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية للعام 2016 بسبب الكوارث 175 مليار دولار وهي الأعلى منذ عام 2012، وتمثل زيادة كبيرة لخسائر عام 2015 التي بلغت 94 مليار دولار في عام 2015.”
    Swiss Re Institute, sigma, No. 2/2017, Natural catastrophes and man-made disasters in 2016: a year of widespread damages, p 2.
    http://media.swissre.com/documents/sigma2_2017_en.pdf
    بالنسبة لتأمين خسارة الأرباح في العراق فإنك تؤكد على عدم وجوده في العراق، وهو ما أشرت له في تعليقي، ربما لتقاعس شركات التأمين في ترويج مثل هذه الحماية التأمينية، أو لأن أصحاب المصانع، في القطاعين العام والخاص، لا يكترثون بالتأمين لأسباب تستحق الدراسة. وعلى أي حال، فإن التأمين، في الوقت الحاضر، لا يشكل جزءاً مهماً في البنيان الاقتصادي العراقي إذ أن مساهمته في الدخل القومي صغير جداً.
    مع أطيب تمنياتي بحلول عيد الفطر.
    مصباح كمال
    26 حزيران 2017

  2. Avatar
    farouk younis:

    عزيزى مصباح
    عيدكم مبارك
    فى دراسة لمجلس النواب العراقى – دائرة البحوث ان عدد حالات الحريق فى عموم العراق خلال 2005-20113 بلغت (113580) حالة حريق وهو عدد كبير ولم اجد فى الدراسة ما يشير الى دور شركات التامين طبعا لا يوجد فى العراق تامين عن توقف الاعمال او تامين خسارة الارباح وهذا يعنى ان قطاع التامين فى العراق متخلف عن الركب العالمى او العربيى
    مع التقرير

  3. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    التأمين على الأصول المادية وغير المادية
    سررت بقراءة هذا الحوار الافتراضي بين تاجر ومدير تأمين، قدَّم الأستاذ فاروق يونس من خلاله بعض المفاهيم الأساسية التي تنتظم آلية التأمين. وهو بذلك قد أسدى خدمة أولية لكلّ من لا يعرف ما يكفي عن هذه الآلية، مثلما قدَّم منهجاً مُبسطاً في التعريف ببعض مفاهيم التأمين يمكن لشركات التأمين الاستفادة منه في حملاتها الترويجية. أتمنى على الأستاذ فاروق يونس كتابة المزيد من هذه الحوارات الشيّقة.
    آمل أن يشهد سوق التأمين العراقي اهتماماً أوسع يجمع بين التأمين على الأصول المادية tangible assets، وهي القيمة الأساسية التي تمتلكها الشركات على أنواعها المختلفة، والأخطار غير المادية intangible risks المتمثلة، على سبيل المثل، بالإيرادات المستقبلية للشركات وهي التي لا تقلُّ شأناً عن الأصول المادية في تقرير قيمة الشركات والأخطار التي تجابهها. وما يدور في البال هنا، أساساً، هو توقف الشركة عن الإنتاج business interruption بسبب حادث حريق مثلاً وما يترتب على ذلك من خسارة في الإيرادات أو ما يُعرف اصطلاحاً لدى ممارسي التأمين بخسارة الأرباح loss of profit. هناك مخاطر أخرى ذات طبيعة غير مادية مرتبطة بمثل هذه الخسارة: توقف الشركة عن توفير منتجاتها للزبائن وعدم قدرتها على استقبال المواد الداخلة في الإنتاج من المجهزين بسبب توقف العمل؛ امتداد سلسلة التجهيز بفعل كارثة طبيعة بحيث أن أطرافاً عديدة، تشترك في سلسلة الإنتاج، تصبح غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها في التجهيز؛ الآثار السلبية للمخاطر السِبرانية التي تؤثر على سير الإنتاج.
    ومن المؤسف أن التأمين على خسارة الأرباح مفقود في العراق. كتب الزميل منعم الخفاجي “ان تأمين خسارة الأرباح لم يأخذ مداه في التسويق كما ينبغي، ومرد ذلك يرجع إلى ان عمليتي الاكتتاب وتسوية التعويضات لا تستندان إلى عناصر مادية ملموسة كما هو الحال في التأمين على الخسائر المادية للأموال العينية، بل ان احتساب مبلغي التأمين والتعويض في تأمين خسارة الأرباح يستندان إلى الأرقام الإنتاجية التي حققها المشروع قبل وبعد الحادث، وتؤثر بهما عناصر أخرى. والسبب الرئيسي في شحة تسويق هذا التأمين هو غياب أو فقر المعلومات اللازمة لدى العديد من ممارسي التأمين في العراق والبلاد العربية، إضافة إلى استهانة العديد من أصحاب المصانع والمنشآت التجارية والخدمية بأهمية توفير مصدر للتعويض عن خسارة الأرباح.” (منعم الخفاجي، تأمين خسارة الأرباح: عرض موجز، مكتبة التأمين العراقي، 2014، ص 6). (يمكنني تزويد القارئ المهتم بنسخة من الكتاب بصيغة بي دي إف).
    ربما تسنح الفرصة مستقبلاً لكتابة المزيد حول التطورات التي نتمناها أن تتحقق في قطاع التأمين العراقي.
    مصباح كمال
    24 حزيران 2017

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: