إن الدول الرأسمالية الحديثة هي نتيجةُ تاريخٍ من العبودية وإبادة الشعوب والعنف والاستغلال، لا يقلّ الرعبُ فيه عن الصين أيام ماو تسي تونغ أو الاتحاد السوفييتي أيام ستالين. لقد وُلد النظام الرأسمالي هو الآخر ممزوجاً بالدم والدموع، ولكنه، بخلاف الستالينية والماوية، عاش مدة أطول وكافية لينسى جزءاً كبيراً من تلك الأهوال.
ترّي إيغلتون، لماذا كان ماركس مُحِقّاً، (2011)، الفصل الثاني، ص 12-13 في الأصل الإنكليزي للكتاب.
ترجمه عن الألمانية: إرينا داوود، ماجد داوود، طرطوس – الرمال الذهبية، 2013-2014، سورية
واحدة من الأهوال والمجازر المرتبطة بها التي لم يذكرها تيري إيغلتون بالنص هو تجارة العبيد (الهولوكوست الأفريقي) عبر الأطلسي بين الدول الأوروبية الكولونيالية (بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، البرتغال وغيرها) وجزر الهند الغربية والبرازيل وأمريكا الشمالية. المثل الأشهر في هذا الهولوكوست هو رمي العبيد في البحر من على ظهر السفينة زونغ عام 1781، وهو ما سنحاول أن نعرضه في هذه الورقة من منظور التأمين، مع التأكيد على أننا لا ندعي بأن هذه الورقة ترقى إلى بحث تاريخي في المصادر.
لمواصلة القراءة يرجى تحميل ملف بي دي أف سهل الطباعة. انقر على الرابط التالي
Misbah Kamal-Sordid Chapter in the History of Capitalist Insurance
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
عزيزي د. صباح
لطالما كنتَ سبّاقاً في التعليق على ما أنشر في موقع الشبكة، وأنا أشكرك على ذلك فهو يعني الكثير لي: أن أقرأَ تعليقاً لاقتصادي له اهتمام بالتأمين وما يتعلق به.
لقد أثرتَ موضوع التراكم الرأسمالي، الذي ارتبط بالنسبة لنشوء الرأسمالية في الغرب، بما يُعرّفه المؤرخون التقليديون بالاستكشافات العظيمة (كرستوفر كولمبس وفاسكو دي غاما، على سبيل المثل) في القرن الخامس عشر والسادس عشر، وهي الاستكشافات التي ارتبطت ليس بمجرد البحث عن الثروات والتجارة خارج أوروبا بل بالنهب المنظم لثروات الغير. ومن يقرأ البحوث التاريخية النقدية يكتشف سيرة هذا النهب. يرد في كتاب Michel Beaud, A History of Capitalism, 1500-1980 (New York: Monthly Review, 1983) حقائق مذهلة: تحويل 18,000 طن من الفضة، 200 طن من الذهب من أمريكا الجنوبية إلى إسبانيا خلال الفترة 1521-1660 (ص 19). ويرد في نفس الصفحة أن عدد السكان الهنود في المكسيك قد انخفض بنسبة 90% (هبط من 25 مليون نسمة إلى 1,5 مليون)، واختفت بضعة ملايين من السكان في جزر القارة قتلاً أو بالعمل حتى الموت في مناجم الذهب والفضة. وينقل الكاتب عن كولمبس “إن من يملك الذهب يستطيع أن يفعل في العالم كما يشاء، إن الذهب يرسل الأرواح إلى السماء.” ويُفصّل كتاب آخر حقائق أخرى عن هذا النهب: Eduardo Galeano, Open Veins of Latin America: Five Centuries of the Pillage of a Continent (New York: Monthly Review Press, 1973, 1997)
لقد كانت تجارة العبيد تشكل مع هذه الاستكشافات أحد روافع التراكم الأولي لرأس المال، ولم تكن مؤسسة التأمين وقتذاك سوى آلية لاستمرار ديمومة هذه التجارة مثلما ستكون بعد ذلك آلية للحفاظ على الإنتاج الرأسمالي منذ انبثاق الثورة الصناعية في أواسط القرن الثامن عشر.
مع خالص التقدير.
مصباح كمال
19 آب 2018
الزميل العزيز مصباح كمال المحترم
أطلعت على الورقة البحثية، وأثمن عالياً جهودكم الكبيرة في غزارة إنتاج المقالات والأبحاث في حقل التامين. لقد قرأت الورقة باشتياق واهتمام وذلك لخصوصية الموضوع وعلاقته بمسائل تاريخية وسياسية من وجهة نظر التأمين في مرحلة تاريخية معينة، التي روجت فيها تجارة العبيد، وعلى أثرها كإحدى العوامل المهمة التي ساهمت في تكوين التراكم الرأسمالي، وخاصة في إنجلترا الصناعية، وذلك على حساب ابادة الشعوب والاستغلال ونهب الثروات، كما أشرتم اليها في متن الورقة البحثية. هذا بالإضافة الى ان نشر الموضوع بهذه الطريقة المعرفية والمهنية هو الأول من نوعه في ادبيات التأمين في البلاد العربية وإضافة جديدة لمكتباتها وإصداراتها، التي هي لا تزال فقيرة في هذا المجال.
من الجانب الاقتصادي، فإن موضوع التراكم الرأسمالي منذ بداية ظهوره ولحد الان، هي إحدى الإشكاليات المهمة والأساسية في اختلال التطور والتبادل اللامتكافئ وقانون القيمة والاستقطاب الطبقي والثروة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، والذي أسماها المفكر الاقتصادي الراحل عنا قبل ايام قليلة سمير أمين، بدول الشمال ودول الجنوب، وما نتج عن ذلك من معارك فكرية وسياسية لمناهضة مرحلة العولمة الرأسمالية الشرسة، وطرح البديل عنها بالعولمة الاجتماعية والاستقلال الاقتصادي، تحقق فيها الديمقراطية الحقيقية والحرية والعدالة والمساواة والكرامة الانسانية والحفاظ على البيئة.
مع المودة والتقدير