يأتي إعادة احياء اتفاق منظمة شنغهاي للتعاون SCO (الذي وقع أصلاً في ١٥ حزيران من العام ٢٠٠١ بين الصين وروسيا وبلدان آسيوية أخرى يبلغ عددها اليوم ثمانية بلدان، بتفعيل اتفاق التعاون على وفق التطورات الاقتصادية الدولية ومستجداتها لما بعد وباء كورونا Post Coronavirus ٢٠٢٠ والتي تسعى إلى ولادة نظام تبادل تجاري واستثماري شبه مغلق لمنطقة اقتصادية كبيرة تشكل حوالي ٥٠٪ من سكان الارض، تسعى لتشييد انظمة مدفوعات بديلة لتمويل التجارة البينية والفرص الاستثمارية الأوروآسيوية، تعتمد وللمرة الأولى استخدام وسائل دفع تقوم على الدور الذي ستؤديه العملات المحلية داخل هذه المجموعة (الجيواقتصادية أوروآسيوية واسعة). اذ ستتخذ هذه المرة عملاتها المحلية كبديل لدور العملات الدولية القائدة القائمةُ والمكونة للنظام النقدي الدولي الراهن لأداء دورها في تمويل التجارة والاستثمار وبناء انظمة مدفوعات اخرى مستقلة.
وبالرغم من ذلك، فإن هذا الاتجاه في تمويل التجارة والاستثمار وتسوية المدفوعات البينية لابد من ان يؤدي إلى اجراء تحول أو تبدل اساسي في النظام النقدي والمالي الدولي الراهن شريطة توافر عوامل اساسية مهمة: أولهما، الاعتماد على ما ستحصده هذه المجموعة من البلدان من حصة أو وزن في النمو السنوي في الاقتصادي العالمي وأهمية وزن تلك الحصة ومدى تأثيرها في انقلاب معادلة الاقتصاد الدولي. وثانيهما، كم هي قيمة التبادلات التجارية والاستثمارية البينية داخل هذه الكتلة ونسبتها من اجمالي قيمة التجارة والاستثمار العالميين وعلى وفق حسابات الجذب الاقتصادي gravities فيما بينها مقارنة بفرص الربح والخسارة في تجارتها الدولية؟ وثالثهما، هو مدى احتياج هذه المجموعة أو الكتلة الاقتصادية إلى معادل عام مستقر للقيم مستقبلا يسمى في الاحوال كافة numeraire ويعني اختيار سلعة لتعادل قيمة السلع والخدمات المنتجة محلياً والمتبادلة بين دول مجموعة شنغهاي (أي الوسيلة النقدية الموحدة القيمة لتقييم وأداء التجارة البينية والاستثمار داخل دول المجموعة نفسها).
في ضوء ما تقدم، نرى ان هذه المجوعة ربما ستلجأ في نهاية المطاف إلى خيارين حياديين يجنبهما مشكلات التضخم وارتفاع الاسعار واختلاف الميزة النسبية في تحديد قيمة السلع والخدمات المنتجة في كل بلد فضلاً عن مشكلات الاغراق والهيمنة التجارية وتدفق حركة راس المال والاستثمار المباشر وغير المباشر في الاسواق المالية داخل بلدان المجموعة. اذ يقوم هذان الخياران على بديلين هما:
الأول، ويتمثل باللجوء في هذه المرحلة المبكرة (التي ستعتمد العملات المحلية في تسوية المبادلات التجارية البينية والاستثمار) إلى اعتماد نظام خاص للتسويات والمبادلات ما بين بلدان المجموعة نفسها وبآليات تسمى: الصفقة المتكافئة equivalent transaction. اذ يتولى البنك المركزي في الغالب في كل دولة داخل مجموعة شنغهاي نفسها بالاحتفاظ برصيد نقدي من عملات البلد الاخر يكافئ التجارة البينية والاستثمار السنوي المتوقع ازاء البلد الاخر أو البلدان الاخرى لتجري المطابقة والتسوية في نهاية السنة المالية، ذلك إلى حين اعتماد معادل عام للقيم موحد وبلوغ مرحلة الوحدة النقدية وبزوغ عملة جديدة للتكتل (الأوراسي) الجديد.
أما البديل الثاني، ويأتي متزامنا مع فكرة اصدار سندات موحدة يتم ابتياعها داخل دول المجموعة للنهوض بالاستثمار المشترك، فربما سيدفع إلى اعتماد نظام الذهب النقدي كمعادل عام للقيم numeraire ليمثل في الوقت نفسه وحدة حساب أساسية ويؤدي وظيفة مخزن القيمة والتبادل التجاري الأمثل وتسوية المدفوعات بشكل أكفأ داخل المجموعة الاقتصادية في المرحلة المقبلة. ويأتي ذلك أيضا لإطلاق اشارة في الاستقلالية المالية والابتعاد التدريجي عن النظام النقدي الدولي الحالي أو اي عملة دولية قائمة من عملات سلة وحدة حقوق السحب الخاصة SDR وإلى حين استقرار السياسات الداخلية المالية والنقدية لدول المجموعة وبناء الاسيجة الكمركية المتجانسة وعلى وفق معايير استقرار قد تقترب من معايير ( ماسترخت ) الموقعة في العام ١٩٩٢ عند قيام الاتحاد الأوروبي وتأسيس وتأسيس النظام النقدي الأوروبي (اي من حيث نسبة عجز الموازنات العامة والدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي ومقدار العجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات إلى الناتج المذكور) والالتزام بأنظمة كمركية موحدة وصولا إلى الاتحاد الكمركي اليوروآسيوي Eurasian Custom Union كشرط ضرورة necessary condition لقيام السوق الاقتصادي المتجانس الاداء واعتماد الوحدة النقدية.
فإذا كان دولار الولايات المتحدة الامريكية يشكل اليوم حوالي ٨٣٪ من عملة التسويات في التجارة والمدفوعات والاستثمار في العالم، فإن هذا النظام اليوروآسيوي من التبادل البيني وبمعادل عام آخر للقيم numeraire سيكون على حساب تبدل مكونات النظام الاحتياطي النقدي العالمي القائم ودوره في تسوية التجارة والمدفوعات الدولية الذي يأخذ فيه الدولار الامريكي والعملة الأوروبية/اليورو موقع الصدارة في هذا النظام. كما ستشكل التجارة البينية داخل هذه المجموعة الاقتصادية الكبيرة – المتسعة السكان عدديا والمتسعة جغرافياً والتي تحتل أكثر من ثلث أوروآسيا والقوية اقتصاديا – افقاً تحويلياً جديداً من آفاق التجارة والتمويل والاستثمار الدولي والمدخل المهم في انخفاض الطلب على العملات القائمة في التجارة الدولية بالنسبة والتناسب وبنحو قد نقدره (وبتحفظ) بما لا يقل عن ٨-١٠٪ في وقت اعتماده. كذلك، سيتلازم إحلال العملة الافروآسيوية درجة محسوسة في تبدل مكونات الاحتياطيات الاجنبية الرسمية لبلدان العالم ولمصلحة العملة الدولية الجديدة اضافة إلى ارتفاع دورها في نشاطات الائتمان العالمي الذي يشغل الدولار فيها اليوم أكثر من ٦٠٪ من اجمالي الائتمان المصرفي في العالم. فضلاً عن الدولرة العالية لأسواق راس المال الرئيسة. ولابد من التنويه عن احتمال ظهور سوق رمزية بديلة للأوراق المالية Eurasians token market مقومة بالعملة اليوروآسيوية الجديدة في عالم شديد التغير.
ختاماً، سيتلازم نجاح مجموعة شنغهاي للتعاون بصفاتها النقدية (خارج نطاق موضوع الأمن والسياسة الدولية) قيام انظمة مدفوعات بالعملة اليوروآسيوية المشار اليها آنفاً، لتكون ضمن سلة العملات الدولية القائمة وعدّها مقدمة للقطبية الثنائية في الاقتصاد السياسي للأمم ومقدمة حساسة لانقسام العولمة الاقتصادية وتحولها نحو ظهور مجال حيوي اقتصادي آخر مؤثر في عالم شديد الثنائية.
(*) باحث وكاتب اقتصادي ومستشار مالي للحكومة العراقية
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر. 9 نيسان 2020
لتحميل ملف بي دي أف انقر على ارابط التالي
مظهر محمد صالح-منظمة شنغهاي للتعاون-محررة
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية