عنوان الكتاب: الاقتصاد السردي: كيف تنتشر القصص وتُحرك الأحداث الاقتصادية الكبرى
المؤلف: روبرت جي. شيلر*
المراجع: أندرو جليل، قسم الاقتصاد، كلية أوكسيدنتال، لوس أنجلوس، كاليفورنيا**
الترجمة: مصباح كمال***
Robert J. Shiller, Narrative Economics: How Stories Go Viral and Drive Major Economic Events. Princeton: Princeton University Press, 2019. xix + 377 pp. $28 (hardcover). ISBN: 978-0-691-18229-2.
Reviewed for EH.Net by Andrew Jalil, Department of Economics, Occidental College.
Published by EH.Net (April 2020)
http://eh.net/?s=uneven+centuries
|
لقد صار علم الاقتصاد مجالًا قائمًا على البيانات بشكل متزايد، مع تركيزه على التقنيات الإحصائية الذكية لشرح وتحديد الروابط السببية. ومع ذلك، يُذكّرنا كتاب روبرت شيلر الاقتصاد السردي أن السرديات، أي الحكايات التي تقدم شرحًا أو تبريرًا، تلعب دورًا قويًا في تشكيل الأحداث الاقتصادية.[1] ويجادل شيلر بأنه يجب على الاقتصاديين دمج السرد في نماذجهم ونظرياتهم للسلوك البشري، عارضاً القضية، من خلال الأمثلة التاريخية والأبحاث من مجالات أخرى، وهي أن أدمغتنا مكيفة للاستجابة للحكايات. وهو يقدم لهذا الغرض قائمة واسعة من الروايات الشعبية التي أثَّرت على المواقف والسلوكيات والنتائج الاقتصادية عبر التاريخ. ويوضح أن الروايات تميل إلى التكرار، وإن كان ذلك التكرار يرتبط بتحولات تناسب كل حقبة تاريخية. إن هذا الكتاب يجب أن يقرأ من قبل الاقتصاديين، وخاصة علماء التاريخ الاقتصادي.
يصف شيلر “اقتصاديات السرد” على أنها دراسة كيفية تأثير الروايات التي ينقلها الناس بعضهم للبعض على سلوك الإنسان بطرق غيَّرت مسار الأحداث الاقتصادية. إن شيلر لا يقدم روايات جديدة، لكنه يركّز بدلاً من ذلك على كيفية انتشار السرد الشفاهي المُعدي لرواية شعبية وتأثيرها على التطورات الاقتصادية. ومن وجهة نظر شيلر، فإن التاريخ هو “سلسلة من الأحداث الكبيرة النادرة التي تنتشر فيها حكاية ما بشكل واسع.” (ص 11).
يطّور شيلر أولاً مسألة أن المرويات لها أهميتها من خلال تقديم بحوث من مجالات أخرى. على سبيل المثل، وجد علماء الأعصاب أن القصص التي تنطوي على تحولات درامية تؤدي إلى مستويات مرتفعة من إفراز الهرمونات، مثل الأوكسيتوسين والكورتيزول oxytocin and cortisol oxytocin and cortisol، والتي تؤثر على السلوك. ويحلل الانتشار المُعدي للروايات باستخدام استنتاجات من علم الأوبئة حول انتشار الأوبئة. ويسلّط الضوء على بحوث في مجالات أخرى تستخدم تجارب المراقبة controlled experiments controlled experiments لإظهار مدى تأثير السرد على السلوك: فعندما تتلقى مجموعة تخضع للعلاج و/أو شخص مناصر لموقف معين معلومات بشكل سرد مع تفاصيل حية، بالمقارنة مع مجموعة المراقبة control group التي تتلقى المعلومات بصيغة عادية غير جذابة، فإن مجموعة المشاركين في الدراسة يحتفظون على نحوٍ أقوى بالمعلومات المتضمنة في التقارير الإخبارية (في مجال الصحافة)، تحسن عادات الأكل من خلال زيادة استهلاك الفواكه والخضروات (الصحة)، ارتفاع معدلات التبرع بأعضاء الجسم (العمل الخيري)، تحسن نتائج تعلم الطلاب (التعليم)، وتغيير قرارات هيئة المحلفين (القانون). في كل حالة من هذه الحالات، تختلف النتيجة – وهي متغير اقتصادي – بشكل كبير بناءً على بنية السرد.
ثم يقدّم شيلر تفاصيل تاريخية حية عن كيفية تأثير الروايات الاقتصادية على مسار التاريخ. ويوضح كيف أدت الروايات إلى فقاعات المضاربة المرتبطة باثنين من حالات الانكماش الكبير في القرن الماضي: الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين والركود الكبير في 2007-2009. فالحكايات المُعدية حول مخططات الثراء السريع غذَّت المضاربة في كلتا الحالتين. كما أن الروايات التي ربطت بين ملكية المنازل والحلم الأمريكي أدت إلى تغذية فقاعة الإسكان في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويلاحظ شيلر أن هذه الحكايات ليست جديدة؛ فالروايات حول العقارات، على سبيل المثل، غذَّت طفرة المضاربة ودورات الانهيار عبر التاريخ.
يركز شيلر على مجموعة من الروايات الدائمة – الروايات التي تميل إلى التكرار، مع اختلافات تناسب اللحظة التاريخية. فهو يصف كيف أن الروايات المخيفة حول التقنيات الجديدة، التي تؤدي إلى بطالة أعلى بشكل دائم، شائعة عبر التاريخ، على الرغم من كونها خاطئة باستمرار. (يشير شيلر حتى إلى المخاوف بشأن تقنيات التوفير في العمالة في إلياذة هوميروس في القرن الثامن قبل الميلاد وأرسطو في 350 قبل الميلاد). يقارن شيلر الجدل حول نظام المعدنين bimetallism في أواخر القرن التاسع عشر بالمناقشات حول العملات المشفرة cryptocurrencies، مثل بتكُوُين Bitcoin، اليوم، مع ملاحظة جوهرية التشابه في هذه الجدالات. ومن الروايات الدائمة الأخرى التي يناقشها شيلر بعمق هي الحكايات التي تشوه (بشكل غير عادل) [سمعة] الشركات ونقابات العمال المنظمة.
يوضح كتاب شيلر بشكل مقنع أن السرد يلعب دورًا قويًا في تشكيل السلوك البشري، وفي القيام بذلك، يقود السرد العديد من الأحداث الاقتصادية الرئيسية في التاريخ. إن هذا الكتاب سيترك لدى القراء القناعة بأن الروايات تؤثر على جوانب عديدة من السلوك البشري، بطرق بدأ العلماء في فهمها. ويقتفي شيلر أثر الروايات في العديد من التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة. إن الكتاب مصدر ممتاز للاقتصاديين الأكاديميين الذين يسعون لفهم العالم من خلال منظورات مختلفة.
ترتبط حجة شيلر حول أهمية السرد أيضًا بمنهج البحث السردي لمؤرخي الاقتصاد الكلي – وهو منهج في البحث يستخدم الأدلة السردية، أي الأدلة غير الإحصائية بشكل نوعي qualitative form أكبر، لمعالجة قضايا السببية واكتشاف أدلة تاريخية جديدة. يستشهد شيلر بعمل ميلتون فريدمان وآنا شوارتز، وهما من رواد هذا النهج. إن التحقق من السببية أمر صعب في جميع مجالات الاقتصاد، ربما بشكل خاص في الاقتصاد الكلي – ومع ذلك، فقد حقق فريدمان وشوارتز تقدمًا كبيرًا في هذا المجال. لقد درسا الروايات، مثل تلك المتضمنة في مذكرات مسؤولي البنك الاحتياطي الفيدرالي والوثائق الحكومية الأخرى، لعزل صدمات السياسة النقدية الخارجية exogenous monetary policy shocks نسبيًا. وقد استخدم العديد من العلماء منذ ذلك الحين نهج السرد التاريخي لدراسة آثار سياسات الاقتصاد الكلي وأسباب الركود والكساد والانتعاش. إن دراسة الحكايات، من خلال نهج البحث السردي التاريخي، أدت إلى زيادة الحدود المعرفية للاقتصاد بطريقة تعزز الرسالة المركزية لكتاب شيلر حول أهمية السرد.
في كتابه الحالي، يوجه شيلر دعوة للاقتصاديين لدمج دور عدوى السرد في النظرية الاقتصادية واستعارة نتائج فروع المعرفة الأخرى، مثل الأنثروبولوجيا والصحافة وعلم النفس وعلم الاجتماع، التي تدمج بشكل منهجي دراسة السرد في طرق البحث الخاصة بها.
يجادل شيلر في أن التقييمات الدقيقة لما يعتقده المعاصرون (مثل رجال الأعمال وكتّاب الصحف) لما كانوا يفكرون به في أزمانهم قد تساعد الاقتصاديين على فهم الماضي بشكل أفضل وتحسين توقعاتهم من خلال دمج نوع مختلف من الأدلة غير موجود في السلسلة الزمنية الإحصائية statistical time series. باختصار، يجادل شيلر بأن الاقتصاديين يجب أن يتبنوا بقوة دراسة السرد. على الرغم من أنه لا يعترف بهذه الاعتماد على السرد في كتابه، فإن شيلر كان واحدًا من الاقتصاديين القلائل الذين توقعوا بدقة الآثار الكارثية لانهيار فقاعة الإسكان في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
إن إحساسه الشديد بالتاريخ الاقتصادي والدور الذي تلعبه القصص في تحريك فترات الازدهار والانهيار جعلته مؤهلاً بشكل خاص لتشخيص أزمة الإسكان والأزمة المالية الوشيكة في الوقت الحقيقي in real time. يوضح كتاب شيلر بشكل مقنع أن الأفكار النابعة من اقتصاديات السرد لديها القدرة على تحسين وضع السياسات والتنبؤ والانضباط الاقتصادي نفسه. وكما يجادل شيلر، “يمكن للاقتصاديين أن يطوروا علمهم بشكل أفضل … من خلال الجمع بين العلم والفن معًا لتشكيل علم اقتصاد أكثر قوة.” (ص. 15). لقد حقق روبرت شيلر إنجازاً رائعًا في هذا العمل البديع. إنه كتاب جاذب للقراءة من الجمهور العام وقراءته من قبل الاقتصاديين الأكاديميين لازمة.
Copyright (c) 2020 by EH.Net. All rights reserved. This work may be copied for non-profit educational uses if proper credit is given to the author and the list. For other permission, please contact the EH.Net Administrator (administrator@eh.net). Published by EH.Net (April 2020). All EH.Net reviews are archived at http://www.eh.net/BookReview.
(*) روبرت جيمس شيلر، أستاذ الاقتصاد، جامعة ييل. حائز على جائزة نوبل (2013).
(**) أندرو جليل، أستاذ مشارك، قسم الاقتصاد، كلية أوكسيدنتال، لوس أنجلوس، كاليفورنيا. استخدم منهج البحث السردي لدراسة حالات الذعر المصرفي الأمريكي التاريخية، والسياسة النقدية في الكساد العظيم، توقعات التضخم في الانتعاش من الكساد، والفقاعات التاريخية في أسعار الأصول الأمريكية.
(***) مصباح كمال، كاتب في قضايا التأمين.
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.
[1] لقراءة تقييم نقدي آخر للكتاب، راجع مجلة صندوق النقد الدولي التمويل والتنمية، مارس 2020.
https://www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/fandd/2020/03/pdf/book3.pdf
لتحميل ملف بي دي أف انقر على الرابط التالي
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية