بقلم ديميتريس فاسفاليس Dimitris Fasfalis
نشر بتاريخ 17 نيسان/أبريل 2020 في موقع MR Online
https://mronline.org/2020/04/17/marx-in-the-era-of-pandemic-capitalism/
نقلاً عن https://socialistproject.ca/2020/04/marx-in-the-era-of-pandemic-capitalism/
ترجمة مصباح كمال
تقديم للترجمة
إن مقترب تحليل الوباء في هذا المقال بات مألوفاً في الكتابات الماركسية وغير الماركسية. لنقرأ، عل سبيل المثل، ما ينشر في بعض الصحف العربية. في ربطه بين الوباء والتغيير المناخي يكتب د. حسن أبو طالب أن “هذا الخيط الرفيع من التأثير المتبادل بين انتشار فيروس «كورونا المستجد» وبين التغير المناخي، يثبت الفرضية العامة بأن التغيرات المناخية ذات صلة مباشرة بانتشار الأوبئة، سواء من حيث تهيئة البيئة لعودة ظهور أوبئة تمت السيطرة عليها من قبل، كالكوليرا والملاريا والإيبولا، وإن كان ذلك في مناطق محددة تتسم بالفقر وضعف الإمكانيات بوجه عام، كما هو الحال في بعض بلدان أفريقيا، جنوب وشرق القارة، أو ظهور فيروسات وأوبئة جديدة، إما من خلال تحورات جينية لفيروسات كانت ضعيفة من قبل لتصبح أكثر شراسة، وإما من خلال تشابك العلاقات بين الإنسان وبين الحيوانات البرية التي يتم تغيير بيئتها الطبيعية قسراً، ما يجعلها فاقدة لتوازنها الطبيعي، وتصبح بمثابة ناقل فيروسات للإنسان لم يعرفها من قبل، أو بيئة لتخليق فيروس يصيب الإنسان في مقتل.” د. حسن أبو طالب، “الخيط الرفيع بين “كوفيد 19″ والتغيير المناخي،” جريدة الشرق الأوسط، الثلاثاء، 21 نيسان/أبريل 2020:
ونقرأ في بيان وقعه 170 أكاديميًا هولنديًا يدعو لمجتمعات مستدامة ومتنوعة قائمة على المساواة والتضامن الدولي
Dutch manifesto: Five proposals for a better world after the pandemic
بأن “هناك ضعف آخر في النظام الحالي، والذي لم يبرز بعد في مناقشات الوباء، وهو الصلة بين التنمية الاقتصادية، وفقدان التنوع البيولوجي ووظائف النظام البيئي المهمة، وفرصة انتشار الأمراض مثل Covid-19 بين البشر. هذه روابط قاتلة ويمكن أن تصبح أكثر من ذلك بكثير. وقد قدرت منظمة الصحة العالمية بالفعل أنه على مستوى العالم، يموت 4.2 مليون شخص كل عام بسبب تلوث الهواء، ومن المتوقع أن تتسبب آثار تغير المناخ في حدوث 250,000 حالة وفاة إضافية سنويًا بين عامي 2030 و 2050. ويحذر الخبراء من أنه مع مزيد من التدهور الشديد للنظم البيئية – سيناريو متوقع في ظل النموذج الاقتصادي الحالي – فإن فرص تفشي الفيروس بشكل أكبر وأقوى على رأس هذه الكوارث التي تتكشف تتزايد واقعية.”
لقراءة نص هذا البيان راجع: Climate & Capitalism
قبل عقدين صدر مؤلف مهم لدراسة العلاقة بين ماركس والإيكولوجيا يمكن للقارئ المهتم الرجوع إليه، من تأليف جون بيلامي فوستر، أستاذ علم الاجتماع في دامعة أوريغون، الولايات المتحدة:
John Bellamy Foster, Marx’s Ecology: Materialism and Nature (New York: Monthly Review Press, 2000).
ترجمة النص
كيف يمكن أن يساعدنا كارل ماركس (1818-1883) في تفسير الأزمة الحالية؟ تقدم نظرية ماركس للتاريخ موارد مهمة لتفسير الأزمة غير المسبوقة التي تهز العالم اليوم، بينما تشير في الوقت نفسه إلى أن “العالم ما بعد” الأزمة، الذي يكثر ذكره، لا يمكن إلا أن يكون معاديًا للرأسمالية.
قبل معالجة مشكلة الروابط والوساطة المتعددة بين النظام العالمي الرأسمالي ووباء كوفيد-19، لنعُد أولاً إلى ماركس والإطار النظري الذي اقترحه لفهم الأزمات التاريخية الكبرى. في 1845-1846، كتب ماركس، المنفى السياسي في بروكسل، في الإيديولوجيا الألمانية هذه الكلمات التي سيتم تناولها لاحقًا وستشكل ملخصًا لما سيطلق عليه فريدريك إنجلز بعد وفاة ماركس “المادية التاريخية”:
في مرحلة معينة من تطور قوى الإنتاج، نرى ظهور قوى إنتاجية ووسائل للتجارة التي لا تُسبّبُ إلا الكوارث في ظل الظروف القائمة. إنها لم تعُد قوى إنتاجية، بل قوى تدمير (آلات وأموال).
في عام 1859، تناول ماركس هذه الفكرة حرفياً تقريبًا في “المقدمة” الشهيرة لكتابه نقد الاقتصاد السياسي. وفيها نقرأ:
في مرحلة معينة من تطورها، تصطدم القوى الإنتاجية المادية للمجتمع بعلاقات الإنتاج القائمة، أو بعلاقات الملكية التي تطورت من خلالها [هذه العلاقات] حتى الآن، والتي هي مجرد تعبير قانوني عنها. إن هذه العلاقات تتحول من أشكال تعمل على تطور القوى الإنتاجية إلى قيود عليها. عندئذ يبدأ عصرٌ من الثورة الاجتماعية.
إن المقتطف من الإيديولوجيا الألمانية أكثر عمومية في النطاق، في حين أن مقتطف “المقدمة” لعام 1859 أكثر توجهاً نحو الاقتصاد. بادئ ذي بدء، من المهم التأكيد على أن ماركس حاول تفسير “الكوارث” منذ منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر. اعتماداً على دراساته التاريخية والاقتصادية التي قام بها في السنوات 1840-1844، حدد فواصل breaks في الرؤية الطويلة للتاريخ التي يحدث فيها تغيير جذري في النظام العالمي. إنه تغيير جدلي يحول القوى المنتجة (التكنولوجيا، وسائل الاتصال، رأس المال، العمال، أماكن العمل، العلوم، إلخ) من قوى للتنمية أو التقدم إلى “قوى للتدمير”: إنها “تسبب الكوارث فقط”.
كوفيد-19 والرأسمالية الحديثة
تضم جائحة كوفيد-19 عدة جوانب لا يمكن فصلها عن الرأسمالية، بدءًا من سياسات الدولة في مواجهة الوباء التي تهدف إلى الحفاظ على النشاط والتجارة، مروراً بعدم وجود خطة وقائية، وعدم المساواة في الصحة الإقليمية، وانتهاءً بالعواقب التي لا يمكن التنبؤ بها لكساد عالمي كبير. كل هذا يمكن أن يكون بالفعل موضوعاً للتحليل لإظهار الروابط مع الرأسمالية.
ومع ذلك، فإن الاهتمام بالمقاطع المذكورة أعلاه يأتي لتقديم نسق للفهم، بطريقة علائقية أو هيكلية، للأسباب العميقة أو للجذور، التي يمكن للمرء أن يسميها تاريخية، للأزمة الحالية. إن هذه الأزمة لا علاقة لها بحادث عرضي على الرغم من العوامل العشوائية المتعددة التي قد تكون ساهمت في إحداثه وتضخيمه. وللاقتناع [بصحة هذا الموقف]، فإن المقالة الممتازة التي كتبهاJade Lindgaard وAmélie Poinssot بعنوان “الفيروس التاجي، يرتد إلينا مرة أخرى ويصفعنا في وجهنا (Mediapart، 22 آذار) يسمح لنا برسم الأساسيات للاستذكار، حيث يجري وصف العديد من العمليات المتجذرة في النظام systemic processes فيما يتعلق بالعواقب التي جعلت الوباء الحالي ممكنًا.
يمكننا تلخيص هذه الأساسيات بطريقة مكثفة للغاية بالقول إن إزالة الغابات والانخفاض الكبير في التنوع البيولوجي الذي تسببه المحاصيل الصناعية في المزارع (المطاط أو نخيل الزيوت أو القهوة أو الكاكاو) تُعرّض النظم البيئية للخطر وتكون في صالح انتشار الفيروس إلى المجتمعات البشرية. مثلما يسهم البحث عن الأراضي الزراعية في إزالة الغابات، فإن التحضر والامتداد الحضري المتواصل يشاركان أيضًا في نفس عملية إزالة الغابات، مما يعطل البيئات المعيشية للعديد من أنواع الحيوانات. وأخيرًا، فإن عولمة التبادلات، التي تتكون من تدفقات وحركات ضخمة، والتي توجهها الشبكات العابرة للحدود الوطنية والمستقطبة من قبل المتروبولات العالمية، تُحوّل بسرعة أي وباء إقليمي إلى جائحة عالمية، كما نرى اليوم في الوقت الحقيقي على الخريطة التي طورها الباحثون في جامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة.
خريطة الحالات المؤكدة لكوفيد-19 طورها باحثون من جامعة جونز هوبكنز (التقطت بتاريخ 13 نيسان 2020).
تُظهر الخريطة بوضوح أن جائحة كوفيد-19 تتركز في أقطاب العالم الثلاثة التي تهيمن على النظام العالمي الرأسمالي: شرق آسيا وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وبشكل أكثر تحديدًا، يبدو أن هناك علاقة بين الوباء وكثافة التدفقات والحراك في المدن الكبرى في العالم.
وقد بيَّن العالم الجغرافي والمؤرخ الأمريكي مايك ديفيس في السابق الروابط النظامية بين الرأسمالية المعولمة وأنفلونزا الخنازير. واليوم، من الواضح أن جائحة كوفيد-19 تُوضّح أن القوى المنتجة المتراكمة على نطاق عالمي أصبحت قوى دمار تدفعنا إلى بربرية ما بعد الحداثة. وللخروج منها، يجب علينا إعادة الاتصال، كما تفعل العديد من الحركات الاجتماعية، مع المسعى الراديكالي لمسارات أخرى غير تلك التي تتبعها الدولة ورأس المال، لاختراع [البديل] المجهول، خارج رأسمالية الكوارث.
المقتطفات المقتبسة مأخوذة من ماركس، Philosophie، طبعة أنشأهاMaximilien Rubel ، باريس، غاليمار، 1965 و1982، ص 390، 488-489.
كتبت هذه المقالة باللغة الفرنسية ونشرت عبر الإنترنت على مدونة Mediapart يوم 25 آذار. يمكن الاطلاع على النسخة الأصلية هنا: blogs.mediapart.fr
ديميتريس فاسفاليس Dimitris Fasfalis مدرس تاريخ. يعيش حاليًا في باريس وقد كتب لعدد من المطبوعات اليسارية، بما في ذلك Socialist Voice, Links, Presse-toi à gauche, Z Mag and Europe solidaire sans frontières
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية